تويتر

السبت، 30 يوليو 2011

ايران وأزمة الهوية الوطنية

شؤون إيرانية:

تعرضت الهوية الفارسية الإيرانية لهزات كثيرة وكبيرة عبر العصور إلا أن ما حدث في العصر الحديث يعد استثناءاً على الأقل خلال فترة ما بعد سقوط الدولة الأموية في منتصف القرن الثامن الميلادي. فقد تعرضت إيران خلال القرن التاسع عشر الميلادي لهزيمتين كبيرتين على يد القوات الروسية وذلك بين عامي 1804 و 1828م. هاتان الهزيمتان جعلت ايران تفكر و بشكل جدي في تسليح قواتها وتطويرها على الأسلوب الأوروبي والروسي فابتعثت  طلابها للدراسة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفي الوقت ذاته استقدمت عدد كبير من المدربين الخبراء الغربيين ليقوموا على تدريب الجيش ورفع قدراته. ما يهمنا هنا هو الجانب المدني  الثقافي وليس العسكري. فقد خاض الطلاب الايرانيون في الغرب تجارب جديدة لم يعهدوها في بلدهم فوجدوا التقدم الحضاري وسيادة القانون والحريات الفردية... الخ ، ثم شرعوا بمقارنة ذلك بما يدور في ايران من ديكتاتورية ملكية وتقييد للحريات ورجعية على كافة الأصعدة. تسببت نتائج هذه المقارانات صدمة في تكوينهم الداخلي وأخذوا يطرحون الأسئلة حول سبب التخلف الذي تعيشه بلادهم مقارنة بالدول الغربية إلا أنهم لم يقدموا أجوبة واضحة ولم يقترحوا حلولا سوى استقدام الحضارة الغربية وتوطينها في بلادهم "
Westernization" لكي يلحقوا بركب التقدم والرقي الغربي. إلا أن الجيل الذي أتى بعد ذلك قد توصل، على حد زعمه، إلى تشخيص  الخلل وأسبابه وكذلك تقديم بعض المقترحات لعلاج المشاكل التي تعاني منها ايران حينها. لم يحدث ذلك بكل تأكيد بين يوم وليلة بل انكب بعض القوميين والعلمانيين الإيرانيين على قراءة كتب المفكرين والتنويريين الغربيين منذ الثورة الفرنسية ثم ما تلاها من اكتشافات لغوية وعرقية،-- لغوية من حيث تقسيم لغات العالم الى عدة عائلات (أسر)  language families  ومن بين تلك التقسيمات اللغات السامية واللغات الهندو أوروبية ، وتم تصنيف اللغة الفارسية ضمن القسم الأخير بينما العربية من الأسرة السامية، أما من الناحية العنصرية وهي المرحلة التي تلت التقسيم اللغوي فقد توصل بعض علماء ما عرف باسم عصر الرومانسية  Romanticism  إلى نتيجة مفصلية وهامة فيما يتعلق بعلاقات الشعوب ببعضها البعض، مفادها أنه بما أن لغات العالم تم تقسيمها بهذه الصورة وبناء على التشابه بينها فعليه فأن المتحدثين بتلك اللغات لابد و أن يكونوا من عرق واحد (بالمناسبة، هذه النظرية قد انهارت مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلا أنها لازالت منتشرة بين الكتاب الإيرانيين حتى يومنا هذا). إذن وبناءاً على هذا التقسيم الجديد للعالم اصبح الايرانيون يشتركون مع  الأوروبيين والهنود في السلالة الآرية التي روج لها بأنها تتميز برفعة النسب من بين كافة الأراق Master race ، وبالتالي مختلفون تماما عن العرق العربي السامي الذي أثر على ثقافتهم وحضارتهم بعد الفتح الإسلامي. ومن هنا  المنطلق ظهرت النتائج التي توصل إليها الايرانيون بعد أن أخذوا تلك النظريات الغربية على أنها حقائق لا تقبل النقاش على الاطلاق. لذا، كان أهم ما توصلوا إليه، وبأختصار شديد، فكرة تقوم على ارجاع التخلف الذي تعيشه ايران الى الثقافة العربية السامية التي لا تتطابق وطبيعة العرق الآري وبالتالي فإن الحل يكمن في التخلص من هذه الثقافة التي أُلبست الإيرانيين وهي غريبة عنهم وعن خصالهم وطبيعتهم الآرية المتمدنة.
أوجد هذا النقاش الجدي شرخ كبير في الهوية الإيرانية فاصبح النزاع على أشده بين الهوية الدينية الإسلامية "العربية"، والهوية الفارسية المتأصلة في أعماق التاريخ البشري والمتناغمة مع الحضارة الأوروبية الجديدة – على حسب ما يعتقدون. بدا هؤلاء القوميون بالكتابة وبشكل مكثف عن تاريخ ايران القديم وعادوا إلى كتب قد أهملت لقرون طويلة، كذلك

 أعتمدوا بشكل كبير على ما يكتب في العالم الغربي  ومدارس الإستشراق عن تاريخ فارس في عصر ما قبل الإسلام ورمي التهم على الدين الإسلامي والحضارة العربية وأتهامها بأنها سبب رئيسي لتراجع ايران عن أخواتها في دول أوروبا. فتلقف الإيرانيون المتعطشون مثل هذه الأعمال وأخذوا يمزجونها بما ذكر في شاهنامة الفردوسي (ملحمة شعرية تتكون من أكثر من 60 الف بيتاً من الشعر وتتحدث عن تاريخ ايران منذ الأزل وحتى الفتح الأسلامي، غالب ماذكر فيها خرافة محضة ) من أساطير وروايات لا تمت للواقع بصلة ودونت كدلائل على قوة ايران في تلك العصور وعلى كافة الأصعدة، ثم أخذوا يقارنون وبشكل انتقائي وغير علمي بين العصر القديم والعصر الأسلامي سواء كان في الجانب الثقافي والأقتصادي أو السلوكي والعقدي. بل أن فترة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد شهدت ترويجاً للديانة الزرادشتية (دين ايران خلال فترة ما قبل الأسلام) وتم ترجمة كتابها الديني إلى الفارسية الحديثة وبدأت مراسلات كثيرة جدا بين هولاء المثقفين وأتباع الطائفة الزرادشتية في الهند في محاولة منهم لإعادتهم إلى موطنهم الأصلي بعد أن هاجروا إلى الهند. بل أن أحد كبار الطائفة في الهند قد سافر إلى ايران والتقى الملك القاجاري حينها ناصر الدين شاه لحثه على تحسين أوضاع الأقلية في ايران و رفع الجزية عنهم وقد نجح في ذلك.
هذه الازدواجية في الهوية الايرانية جعلت الكثير من كتاب ايران ومثقفيه يترنحون بين هاتين الهويتين ولا يكادوا يستقروا على خيار واحد ليتعبروه الخيار الصحيح والمقنع لهم كأفراد على أقل تقدير. فتجد البعض تختطفه تلك الموجات القومية والتي تعزف على وتر الماضي المفقود فيساهم في نشر وترسيخ هذه الفكرة من خلال كتبه ومؤلفاته ، إلا أن الكثير منهم يستيقظ من تلك السكرة الرومانسية المثالية ويعود ليصحح، وربما يتبرأ من أفكاره السابقه. هذا لا يعني أن جميع أفراد هذا الصنف من المثقفين قد اعترفوا وتراجعوا عن كتاباتهم وأفكارهم السابقة، بل على العكس، فقد ظل جزء منهم متمسك بل ويقاتل باستماته عن أفكاره ومعتقداته.
ولعل ما زاد الطين بله – كما يقال- هو النظام البهلوي (1925-1979) الذي أذكى هذه النظرة وعمل على ترسيخها في المناهج الدراسية بعد أن كانت تدور في حلقات بعيدة عن أي تبني لها من قبل النظام القاجاري. حيث قام القائد العسكري رضا خان الذي نصب نفسه ملكاً لإيران واتخذ  لنفسه لقب "بهلوي"  في إشارة إلى أصول فارسية خالصة تعود إلى عصر ما قبل الإسلام، بالتركيز على بناء جسر يربط الماضي الساساني بالحاضر فأهتم بصبغ البلاد بصبغة ذلك العصر . فبدأ بتاجه الملكي الذي صمم على شكل يحاكي التاج الساساني ثم انتقل الأمر إلى اللغة فأمر بتأسيس مجمع للغة الفارسية وظيفته الأساسية تنقيتها من الكلمات والمصطلحات الأجنبية عامة والعربية على وجه الخصوص إلى درجة أن البعض من مستشاريه أقترح اخراج كافة الكلمات العربية واستبدالها بكلمات جديدة تكون فارسية الأصل أو من اللغات الأوروبية كالفرنسية والانجليزية. ولم يتوقف الأمر ههنا بل تم  تغيير اسماء بعض المدن الايرانية  والتقويم المستخدم ليكون هجري شمسيا إلى جانب التقويم الشاهشاهي الذي أورخ لبدايته ليكون قبل أكثر من 2500 عاماً.
ولا ننسى، بكل تأكيد، التعاون الكبير الذي حصل بين المانيا النازية بقيادة هيتلر وايران الفارسية تحت حكم رضا شاه ، ولعل البعض يستغرب أو يتسائل عن سبب هذا التعاون، وماهية العلاقة بين هاتين الدولتين. يعلم الجميع أن المانيا النازية كانت تركز على القضية العرقية وأن العرق الآري هو أنجب الأعراق وأنقاها وبالتالي فالرابط بين هاتين الدولتين هو رابط العرق، إلا أن ما جعل ايران مميزة - في نظر الألمان- عن كافة المنتمين إلى هذا العرق هو أنهم كانوا ينظرون إلي ايران على أنها الموطن الأصلي للعرق الآري وبالتالي فهي الأم والمنبع الرئيسي لهذه الشجرة الطيبة والطاهرة المتميزة على بقية العالم.  (للمزيد حول هذا الموضوع ارجوا مراجعة كا كتبته سابقا في هذه المدونة تحت عنوان " إيران بين العرق الفارسي والمذهب الشيعي ".
ومن هنا يتضح جلياً كيف تكونت الهوية الفارسية  الجديدة وكيف بدأ وتبلور المفهوم الجديد لهذه الهوية والصراع مع الهوية الاسلامية حتى في ظل النظام الحالي في ايران. فعلى الرغم من أن الاطار العام لهوية الجمهورية الايرانية يبدو اسلاميا، شيعياً، إلا أن الهوية الأخرى حاضرة وبقوة ليس بين كتاب ومثقفي الجيل الجديد، بل أن بعض مسئولي الدولة وعلى رأسهم اسفنديار مشايي، مدير مكتب رئيس الجمهورية الحالي محمود أحمدي نجاد قد سبق وأن اظهر نزعة عرقية مبنية على الأفكار التي ذكرت اعلاه  وقد أيده نجاد في ذلك عندما قالا أن الإنتماء في هذا البلد يجب أن يكون للايرانية  Iranianness أولا ومن ثم للأسلام . أضف إلى ذلك عامة الشباب الغاضب من النظام الحالي الذين جددوا كثيراً من تراث الحقبة البهلوية ومن ذلك تأسيس موقع على الانترنت يمجد النازية وقائدها هيتلر وقد جلب هذا الموقع الكثير من هذه الشريحة  الثائرة.

محمد

ليست هناك تعليقات: