شؤون إيرانية:
بقلم محمد السلمي- مجلة المجلة
تشهد منطقة الشرق الأوسط صيفا سياسيا ساخنا هذه الأيام، زاد من التهابه الأزمة السورية التي مازالت تزداد تعقيدا يوما تلو الآخر. لو تحدثنا عن العلاقات السعودية – الإيرانية تحديدا فإن ملفات الخلاف بين البلدين اصبحت كثيرة، والعلاقة تتجه الى مزيد من التعقيد بسبب الموقف السياسي المتباين في وجهات النظر بين الرياض وطهران تجاه المستجدات في المنطقة. فالسعودية تتهم ايران – وبشكل غير مباشر- بالوقوف خلف أعمال الشغب التي تشهدها المنطقة الشرقية من المملكة، كما ينطبق ذلك على أعمال مشابهة تشهدها الساحة البحرينية أيضا.
من جانب آخر، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرا عن رفض السعودية استقبال وفد ايراني يتكون من حقوقيين وقناصلة للاطلاع على ملف المواطنين الإيرانيين الذين تم اعدامهم مؤخرا في شرق السعودية بتهمة تهريب المخدرات. إضافة إلى ذلك، نجد أن إيران اطلقت تصريحات عديدة ومتباينة حول دعوة العاهل السعودي لحضور قمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها طهران آواخر الشهر الجاري. فبعد الإعلان عن اعدام المواطنين الإيرانيين في السعودية، تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإيرانية مفادها أن طهران لن تقوم بدعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحضور القمة، تعبيرا منها عن استيائها من القرار السعودي هذا.
بعد ذلك تراجعت إيران عن الفكرة، ولكنها لم تقم بإرسال مبعوث خاص على مستوى الوزراء أو نوابهم، كما فعلت مع بقية القادة المدعوين للقمة، بل اكتفت بإرسال دعوة إلى العاهلين السعودي والبحريني عبر الوسائل الدبلوماسية.
هذه الحسابات السياسية الإيرانية انقلبت رأسا على عقب، بعد دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لقمة إسلامية طارئة تحتضنها مكة المكرمة خلال يومي الـ26 و27 من شهر رمضان الجاري، كما تسلم للرئيس الإيراني دعوة رسمية لحضور هذه القمة.
قبل أن يعلن مكتب الرئاسة الإيرانية عن مشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في القمة الإسلامية الطارئة، انقسمت آراء المحللين السياسيين في إيران حول جدوى تلبية أحمدي نجاد لدعوة خادم الحرمين الشريفين، إلى قسمين: فريق رأى أنه من الأفضل أن يشارك نجاد في قمة مكة، ويطرح الرؤية الإيرانية حول قضايا العالم الإسلامي ومستجدات الساحة السورية على وجه الخصوص، وأنه لا ينبغي لسياسة إيران الخارجية التفريط في مثل هذه الفرصة مطلقا. من جانب آخر، يضع الفريق المقابل، مشاركته في هذه القمة في إطار العلاقات السعودية ـ الإيرانية بوصف المملكة البلد المضيف وقد يؤثر ذلك، من وجهة نظرهم، على توصيات القمة، وبالتالي يرون أن هذه الزيارة، وفي ظل الظروف الراهنة، لا تصب في مصلحة ايران، ولن تقدم الكثير للدبلوماسية الخارجية لإيران. من أهم مبررات هذا الفريق أيضا نظرهم إلى القمة واستضافة قيادات العالم الإسلامي في مكة، على أنها خطوة استباقية من الجانب السعودي لإفشال أو استبعاد ملف الأزمة السورية من جدول أعمال قمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها طهران أواخر الشهر الجاري، والتي لا تفصلها عن قمة مكة سوى أيام قليلة. كما يزعم هؤلاء المحللون الإيرانيون أن السعودية ستشجع زعماء العالم الإسلامي، على مقاطعة قمة طهران، أو المشاركة فيها بمستوى تمثيل متواضع على أقل تقدير.
إضافة إلى ذلك، يرى هذا الفريق أنه من المؤكد أن السعودية سوف تستثمر نجاحها في اقناع مجلس الأمن بإقرار المشروع العربي حول الأزمة السورية، والذي يدين قصف المدن السورية ويدعو لانتقال سياسي للسلطة في سوريا، وبالتالي ستتحول قمة مكة إلى تكتل اسلامي مؤيد للرؤية السعودية حول الأزمة السورية، وقد يصدر في نهاية أعمال القمة بيان ختامي شديد اللهجة يدين النظام السوري. عليه فحضور أحمدي نجاد لهذه القمة، وتقديم وجهة النظر الإيرانية، لن يكونا مؤثرين نهائيا، ومن الأفضل عدم سفر نجاد إلى السعودية، والاكتفاء بإرسال وزير الخارجية علي أكبر صالحي فقط، أوعدم المشاركة فيها مبدئيا، على حد زعم هذا الفريق من المحللين الإيرانيين.
الآن وقد أعلنت طهران رسميا عن تلبية الرئيس الإيراني للدعوة السعودية، وبالتالي المشاركة في القمة الإسلامية الطارئة، فإن الإعلام الإيراني خلال الأيام القليلة القادمة، سيقدم انطباعا مبدئياً عما سيطرحه أحمدي نجاد في هذه القمة، كما أن ذلك مرهون أيضا بتطورات الأحداث على الساحة السورية. نجاد قد يروج لقمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها بلاده، كما أنه من المتوقع أن يكرر وجهة النظر الإيرانية حول الأزمة السورية، من خلال اعتبارها مؤامرة صهيو ـ اميركية وتواطؤا عربيا ضد ما تطلق عليه إيران “جبهة الممانعة” في وجه المطامع الغربية والاسرائيلية في العالمين العربي والإسلامي.
كما أن نجاد قد يؤجل اطلاق تصريحاته النارية ضد الدول العربية والإسلامية، التي تتبنى وجهة النظر السعودية من الأزمة السورية إلى قمة طهران، ومن المتوقع أن يشن هجوما لاذعا ضد الحكومة السعودية، مما يزيد من توتر العلاقات الثنائية بين البلدين.
الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن كل التساؤلات، حول ردة فعل سياسة إيران الخارجية لكل هذه الأحداث، وإن غدا لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق