تويتر

الاثنين، 2 مارس 2015

تساؤلات تكشف وهم الدعم الإيراني لليمن



شؤون إيرانية

بقلم: د. محمد السلمي
المصدر: صحيفة مكة



بدأ المشهد السياسي في الجارة الشقيقة اليمن يتخذ مساراً مختلفاً عمّا شهدناه خلال الستة أشهر الماضية، التي اتسمت بضغط الحركة الحوثية بقوة البندقية على الحكومة في صنعاء أدى في نهاية المطاف إلى انقلاب عسكري كامل الأركان على الشرعية والدستورية في البلاد، منفذة بذلك رغبة قوى إقليمية للمزيد من الفوضى في الداخل العربي بهدف تحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية في المنطقة وفي مفاوضاتها مع القوى العظمى في العالم.

تساؤلات تكشف وهم الدعم الإيراني لليمن:

بداية دعونا نطرح عدة تساؤلات على كل جهة أو حزب يمني تورط في محاولة إنجاح المخطط الإيراني في اليمن وما يمكن أن تقدمه طهران لليمن واليمنيين. هل ستقدم مشاريع تنموية. هل ستحل البطالة والفقر الذي يعاني منه الشعب اليمني؟ هل ستعوض العجز الهائل في ميزانية الدولة إذا ما قررت دول الخليج إيقاف معوناتها الاقتصادية والمالية وسحبت استثماراتها في اليمن؟ هل ستستوعب إيران العمالة اليمنية إذا ما قررت دول الخليج يوماً إبعاد كافة اليمنيين عن أراضيها كما حدث خلال الاجتياح العراقي للكويت؟ الأهم، على الشارع اليمني أن ينظر إلى الدول العربية التي توغلت إيران في شؤونها الداخلية ويتمعن في الحال الذي وصلت إليه تلك الدول. في الوقت الراهن هناك ثلاث دول رئيسة، فلدينا النموذج اللبناني، والسوري والعراقي. هل حققت إيران أي انجاز ثقافي أو تنموي أو سياسي في أي من هذه الدول الثلاث يحفز الشارع اليمني نحو الطموح بتحققه على الساحة اليمنية؟ بل هل شهدت هذه الدول أي حالة من الاستقرار السياسي أو الأمني أو مستوى معيشي يستحق الإشادة والشعور بالغبطة؟

الإجابة على جميع الأسئلة السابقة ستكون بالنفي دون أي تردد أو تفكير عميق. على العكس من ذلك تماماً، فإيران تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة قبل انخفاض أسعار النفط وتضاعفت بعد ذلك وها هي تقاتل من أجل انقاذ البلاد من الانهيار اقتصادياً. لا يمكن أن تقدم إيران معونات مالية لليمن كما أنها لن تقوم بمشاريع تنموية أو اقتصادية تعود بالنفع على المواطن اليمني. ولن تحل البطالة والفقر في المجتمع اليمني لأنها لم تنجح في معالجة ذلك محلياً، فالشباب الإيراني يعاني من البطالة وأصبح يبحث عن أي فرصة للهجرة إلى الشرق أو الغرب، ومن بقي في الداخل اتجه كثيرون منهم إلى المخدرات للهروب من الواقع المؤلم والاحصائيات الصادرة من الداخل الإيراني تؤكد على ذلك صراحة. إيران قد تجعل من اليمن رئة اقتصادية، حتى وإن كانت صغيرة جداً، تصدر إليها منتجاتها ذات الجودة الرديئة جداً كما فعلت مع العراق وسوريا واسألوا العراقيين عن ذلك فلديهم الخبر اليقين. تلك النماذج الثلاثة تعاني الأمرّين من امتداد اليد الإيرانية إليها، وعملت طهران على ابعادها عن عمقها العربي دون أي بدائل مشجعة وفي ذلك عبرة ودرس لأهلنا في اليمن.

الدعم الخليجي لليمن

في المقابل، اقتصادياً، علاوة على الودائع الخليجية للحفاظ على استقرار العملة والصرف، نجد أن دول الخليج العربي هي الداعم الأكبر لليمن. فقرابة 70% من المعونات الخارجية لليمن قادمة من دول الخليج بشكل عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، كما أن هذه الدول تؤمن قرابة 60% من الميزانية العامة للحكومة اليمنية في جانبها التشغيلي فقط. علاوة على ذلك، هناك معونات خليجية رأسمالية كبيرة تدعم المشاريع التنموية في البلاد إضافة استثمارات خليجية ضخمة في اليمن، تؤمن فرص عمل جيدة للشباب اليمني، وكما يقال "رأس المال جبان" فمن المتوقع أن يقوم هؤلاء المستثمرين بإيقاف جميع هذه الاستثمارات إذا ما انزلقت البلاد نحو ما يعرف بـ"الدولة الفاشلة" أو سيطر الحوثي على كافة مفاصل البلاد، وقد بدأ بعض هؤلاء المستثمرين بالفعل بسحب استثماراتهم من هناك.

كذلك هناك أكثر من ثلاثة ملايين من الأشقاء اليمنيين يعملون في دول الخليج علاوة على أولئك الذين يدخلون إلى هذه الدول بصورة غير نظامية، وتخيلوا حجم ما يقوم بضخه هؤلاء في الاقتصاد اليمني وحجم العائلات اليمنية التي تعيش على حوالات تلك العمالة في هذه الدول. الأهم من ذلك، كثير من الأخوة الأشقاء اليمنيين الذين يعيشون في دول الخليج يمارسون التجارة ولديهم نشاطات تجارية خاصة بهم فتخيلوا معي حجم الضرر الذي سيلحق بهم إن حدث أي مستجدات تستوجب-لا قدر الله-ترحيلهم من هذه الدول على العلم أنه من غير الحصافة في الرأي معاقبة هذه الشريحة من الشعب اليمني على شيء ليس لهم دوراً فيه.

على الجانب الاجتماعي والسياسي، الوشائج بين أبناء الجزيرة العربية أكبر من أن نستعرضها هنا، خاصة بين اليمنيين والمناطق الحدودية في جنوب المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. اليمن تشكل ثقل بشري وسياسي لدول شبه الجزيرة العربية، ومصير شعوب هذه الدول واحد في نهاية المطاف، والترابط الثقافي والاجتماعي والديني بين شعوب هذه الدول يجعلها تنبذ أي تدخل خارجي يحاول الإيقاع بين هذه الدول أو الانفراد بدولة عن بقية المنظومة خدمة لمشاريع سياسية وتوسعية في المنطقة في المقام الأول.

 

من هنا، على الشعب اليمني أن يقول كلمته وينتصر لعروبته ويحقق الحكمة اليمانية على أرض الواقع ويرفع شعار رفض الانقلاب الحوثي الموجه من قبل طهران ويقود اليمن نحو نفق مظلم لا أحد يعلم متى وكيف ستخرج منه وما هو الثمن الذي ستقدمه ويقدمه الشعب اليمني الشقيق في مقابل ذلك. لا يجب أن يتوهم زعماء الحركة الحوثية أنهم قادرون على الانفراد بالسلطة في اليمن والتاريخ يؤكد أن مكوناً واحداً لم يستطع يوماً حكم اليمن بمفرده، بل أن الحل الأمثل والأقرب للعقل والمنطق هو حكومة شراكة وطنية تمثل كافة أطياف المجتمع اليمني ومكوناته بما في ذلك الحوثيين. ولا شك أن المجتمع الحوثي مكون مهم من مكونات المجتمع اليمني وله حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة ولكن أن يحاول فرض سياسة الأمر الواقع بقوة البندقية فهذا لا يتوافق مطلقا مع طبيعة المجتمع اليمني وتاريخه وعلى الحركة الحوثية أن تخرج من العباءة الخارجية وتنظر إلى الواقع من منظور أكثر واقعية بعيداً عن الطموحات غير المنطقية التي لن تتحقق يوماً من الأيام.

الخلاصة

عموماً، تمكُّن الرئيس عبد ربه منصور هادي من الانتقال من صنعاء إلى عدن وإعلانه سحب الاستقالة واعتبار جميع القرارات والخطوات التي اتخذت بعد 21 سبتمبر 2014م، لاغية، والتحرك الخليجي والدولي الأخير الداعم للرئيس هادي وقرار نقل البعثات الدبلوماسية الخليجية إلى عدن بشكل مؤقت يقود إلى أن الحركة الحوثية أصبحت الآن في موقف محرج ليس أمام العالم الذي قال موقفه بوضوح من التحرك الانقلابي للحوثيين، بل أمام بعض القبائل والأحزاب السياسية التي انخدعت بالحوثيين ولعل ما طرح في بداية هذا المقال موجهة بالدرجة الأولى إلى تلك الفئة تحديداً. من الأهمية بمكان أن تدرك تلك الفئة من الشعب اليمني أن بلادهم قائمة اقتصادياً على المعونات الدولية وأن المانحين لن يقدموا تلك الأموال للحركة الحوثية كما أن إيران وغيرها ممن يدفع بالحوثيين واليمن نحو الهاوية لا يملكون القدرة المالية على التكفل بتعويض تلك المعونات لسنوات طويلة. في نهاية المطاف سيكون الشعب اليمني هو الضحية الوحيدة للمغامرات السياسية غير المحسوبة، فهل سيدرك ذلك قبل فوات الأوان؟!