تويتر

الاثنين، 13 أبريل 2015

نقاط الاختلاف بين الروايتين الأمريكية والإيرانية حول الاتفاق النووي





جمع وتحرير: مدونة شؤون إيرانية


نظرا لكثرة الجدل  على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي  حول الاتفاق النووي حول الملف النووي الإيراني والتضارب في التصريحات الإيرانية والأمريكية وكذلك الاختلاف بين النسختين التي نشرتهما  طهران وواشنطن فيما يعرف بـ Fact Sheet نستعرض أدناه أهم نقاط الاختلاف بين النسختين الروايتين الأمريكية والإيرانية:




1) مدة تطبيق الاتفاق:

النص الفارسي: وفقا للحل الذي تم التوصل اليه فستكون الفترة الزمنية لبرنامج العمل المشترك الشامل بشأن برنامج التخصيب الإيراني 10 أعوام.
النص الإنجليزي: وفقا للحل الذي تم التوصل اليه فسيكون الجدول الزمني لبرنامج العمل المشترك الشامل حول برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني من 10 إلى 15 عام وفي بعض الأجزاء ستمتد من 20 إلى 25 عام.

 

2) تخصيب اليورانيوم:

النص الفارسي: ستواصل أكثر من 5000 جهاز طرد مركزي عملها في انتاج المواد المخصبه بمعدل 3.67%.
 النص الإنجليزي: سيبقى 6000 جهاز طرد مركزي من أصل 19000 جهاز مركزي على ان يكون 5000 منها في نطنز وألا يكون التخصيب في أي مكان أخر غير نطنز.

  

3) مخزون اليورانيوم المخصب:

النص الفارسي: لم يشر إلى ذلك

 النص الإنجليزي: تخفض ايران مخزون اليورانيوم المخصب إلى 3.5 من 5%  (300كليوجرام) إلى حد يجعلها لا تستطيع صناعة قنبلة نووية حيث أنها تعمل الأن بـ 8 طن، أو تقوم بنقله إلى خارج الدولة.

 
4) منشأة فوردو النووية:

النص الفارسي: سيتم تخصيص نصف منشأة فوردو بالتعاون مع بعض دول 5+1للقيام بأبحاث نووية متقدمة وإنتاج نظائر مستقرة لها علاقة في مجالات الصناعة والزراعة والطب.

 النص الإنجليزي: لن يتم إبقاء أي مواد نووية لها علاقة بالانشطار النووي في منشأة فوردو.

 

5) مفاعل اراك للمياه الثقيلة:

النص الفارسي: سوف يتم زيادة اداء مفاعل اراك بشكل ملحوظ عند إعادة تصميمه ضمن إطار تخفيض معدل إنتاج البلاتينيوم. سيتم اكمال إعادة تصميم مفاعل اراك في إطار زمني محدد وفي قالب مشروع دولي مشترك تحت إشراف إيران حيث تبدأ بعدها مباشرة في عملية بناءه وفي مدة زمنية. سيكون انتاج وقود مفاعل اراك ومنح شهادة دولية لوقود المفاعل من ضمن عناصر هذا التعاون الدولي. من جانب آخر، سيواصل مصنع إنتاج الماء الثقیل عمله كالسابق

النص الإنجليزي: ستساعد إحدى الفرق الدولية إيران في إعادة تصميم مفاعل اراك بشكل يجعله لا ينتج أسلحة نووية.

 

6) البروتوكول الإضافي

النص الفارسي: ستقوم إيران بصورة طوعية بتنفيذ البروتوكول الإضافي بشكل مؤقتة بناء على الثقة والشفافية التي تنتهجها واستمراراَ لهذه العملية ستتم المصادقة على هذا البروتوكول وفق جدول زمني في إطار صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).

النص الإنجليزي: حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جميع المنشأت النووية الإيرانية وسوف توقع إيران على البروتوكول الإضافي مما سيمكن الوكالة في الوصول الى أي منشاة إيرانية تشبه بها باستخدام تقنيات متطورة للإشراف على الانشطة النووية.

 

7) رفع العقوبات:

النص الفارسي: بعد تنفيذ برنامج العمل المشترك الشامل، سیتم إلغاء جميع قرارات مجلس الأمن كما ستلغي على الفور جمیع العقوبات الاقتصادية والمالیة الأوروبية متعددة الأطراف والأميركية احادیة الجانب ومن ضمنها العقوبات المالیة والمصرفیة والتأمينية والاستثماریة وجميع الخدمات المتعلقة بها في مختلف المجالات مثل النفط والغاز والبتروكیمیاویات وصناعة السيارات. سیتم رفع جمیع العقوبات المفروضة فوراً على الأشخاص الحقيقيين والاعتباریین والمنظمات والمؤسسات الحكومیة والخاصة الخاضعة للعقوبات المتعلقة بالقضیة النوویة الإيرانية مثل البنك المركزي وسائر المؤسسات المالیة والمصرفية، الملاحة البحرية والطیران الایرانی والملاحة البحریة  المرتبطة بالنفط. كما تعهدت دول 5+1 بمنع إصدار أي عقوبات جديدة فيما يتعلق بالملف النووي.

 النص الإنجليزي: إذا  طبقت إيران التعهدات فسوف تتخلص من العقوبات بموافقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتكون إيران قد حافظت على خطواتها الرئيسية المتعلقة بالبرنامج النووي ومن ثم سترفع أوروبا وأمريكا العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي، لكن إذا لم تستطع إيران أن توفي بالتزاماتها في أي وقت فسوف يتم إعادة فرض العقوبات عليها مرة أخرى. سوف تترك السلطة الأمريكية جزءا رئيسا من العقوبات خلال فترة الاتفاق كما سيتم رفع جميع القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن المتزامنة مع القيام بالإجراءات الإيرانية في دائرة القلق الرئيسية (استبعاد الخيار العسكري، التخصيب، مفاعل اراك وفوردو، والشفافية). سوف تبقى العقوبات الأمريكية الخاصة بانتهاك حقوق الإنسان والإرهاب والصواريخ البالستية الإيرانية.

 يجب ملاحظة أن اكثر من 90% من العقوبات الأمريكية المفروضة على ايران ليست فقط خاصة بالملف النووي إنما فرضت اغلبها بحجه "دعم الإرهاب، الصواريخ البالستيه" وفي النهاية سوف تستمر.

 

8) التعاون الدولي:

النص الفارسي: ستتوفر إمكانية التعاون الدولي النووي وتطويرها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من ضمنها مجموعة "5+1" في مجال بناء المحطات النووية ومفاعلات الأبحاث والانصهار النووي والنظائر المستقرة والأمان النووي والطب والزراعة النووية. وفقاً لبرنامج العمل المشترك الشامل ستتوفر لإيران إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية والمجالات التجارية والمالية والمعرفة التقنية ومجال الطاقة.
النص الإنجليزي: لم يشر  إلى ذلك

 

 

الاثنين، 2 مارس 2015

تساؤلات تكشف وهم الدعم الإيراني لليمن



شؤون إيرانية

بقلم: د. محمد السلمي
المصدر: صحيفة مكة



بدأ المشهد السياسي في الجارة الشقيقة اليمن يتخذ مساراً مختلفاً عمّا شهدناه خلال الستة أشهر الماضية، التي اتسمت بضغط الحركة الحوثية بقوة البندقية على الحكومة في صنعاء أدى في نهاية المطاف إلى انقلاب عسكري كامل الأركان على الشرعية والدستورية في البلاد، منفذة بذلك رغبة قوى إقليمية للمزيد من الفوضى في الداخل العربي بهدف تحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية في المنطقة وفي مفاوضاتها مع القوى العظمى في العالم.

تساؤلات تكشف وهم الدعم الإيراني لليمن:

بداية دعونا نطرح عدة تساؤلات على كل جهة أو حزب يمني تورط في محاولة إنجاح المخطط الإيراني في اليمن وما يمكن أن تقدمه طهران لليمن واليمنيين. هل ستقدم مشاريع تنموية. هل ستحل البطالة والفقر الذي يعاني منه الشعب اليمني؟ هل ستعوض العجز الهائل في ميزانية الدولة إذا ما قررت دول الخليج إيقاف معوناتها الاقتصادية والمالية وسحبت استثماراتها في اليمن؟ هل ستستوعب إيران العمالة اليمنية إذا ما قررت دول الخليج يوماً إبعاد كافة اليمنيين عن أراضيها كما حدث خلال الاجتياح العراقي للكويت؟ الأهم، على الشارع اليمني أن ينظر إلى الدول العربية التي توغلت إيران في شؤونها الداخلية ويتمعن في الحال الذي وصلت إليه تلك الدول. في الوقت الراهن هناك ثلاث دول رئيسة، فلدينا النموذج اللبناني، والسوري والعراقي. هل حققت إيران أي انجاز ثقافي أو تنموي أو سياسي في أي من هذه الدول الثلاث يحفز الشارع اليمني نحو الطموح بتحققه على الساحة اليمنية؟ بل هل شهدت هذه الدول أي حالة من الاستقرار السياسي أو الأمني أو مستوى معيشي يستحق الإشادة والشعور بالغبطة؟

الإجابة على جميع الأسئلة السابقة ستكون بالنفي دون أي تردد أو تفكير عميق. على العكس من ذلك تماماً، فإيران تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة قبل انخفاض أسعار النفط وتضاعفت بعد ذلك وها هي تقاتل من أجل انقاذ البلاد من الانهيار اقتصادياً. لا يمكن أن تقدم إيران معونات مالية لليمن كما أنها لن تقوم بمشاريع تنموية أو اقتصادية تعود بالنفع على المواطن اليمني. ولن تحل البطالة والفقر في المجتمع اليمني لأنها لم تنجح في معالجة ذلك محلياً، فالشباب الإيراني يعاني من البطالة وأصبح يبحث عن أي فرصة للهجرة إلى الشرق أو الغرب، ومن بقي في الداخل اتجه كثيرون منهم إلى المخدرات للهروب من الواقع المؤلم والاحصائيات الصادرة من الداخل الإيراني تؤكد على ذلك صراحة. إيران قد تجعل من اليمن رئة اقتصادية، حتى وإن كانت صغيرة جداً، تصدر إليها منتجاتها ذات الجودة الرديئة جداً كما فعلت مع العراق وسوريا واسألوا العراقيين عن ذلك فلديهم الخبر اليقين. تلك النماذج الثلاثة تعاني الأمرّين من امتداد اليد الإيرانية إليها، وعملت طهران على ابعادها عن عمقها العربي دون أي بدائل مشجعة وفي ذلك عبرة ودرس لأهلنا في اليمن.

الدعم الخليجي لليمن

في المقابل، اقتصادياً، علاوة على الودائع الخليجية للحفاظ على استقرار العملة والصرف، نجد أن دول الخليج العربي هي الداعم الأكبر لليمن. فقرابة 70% من المعونات الخارجية لليمن قادمة من دول الخليج بشكل عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، كما أن هذه الدول تؤمن قرابة 60% من الميزانية العامة للحكومة اليمنية في جانبها التشغيلي فقط. علاوة على ذلك، هناك معونات خليجية رأسمالية كبيرة تدعم المشاريع التنموية في البلاد إضافة استثمارات خليجية ضخمة في اليمن، تؤمن فرص عمل جيدة للشباب اليمني، وكما يقال "رأس المال جبان" فمن المتوقع أن يقوم هؤلاء المستثمرين بإيقاف جميع هذه الاستثمارات إذا ما انزلقت البلاد نحو ما يعرف بـ"الدولة الفاشلة" أو سيطر الحوثي على كافة مفاصل البلاد، وقد بدأ بعض هؤلاء المستثمرين بالفعل بسحب استثماراتهم من هناك.

كذلك هناك أكثر من ثلاثة ملايين من الأشقاء اليمنيين يعملون في دول الخليج علاوة على أولئك الذين يدخلون إلى هذه الدول بصورة غير نظامية، وتخيلوا حجم ما يقوم بضخه هؤلاء في الاقتصاد اليمني وحجم العائلات اليمنية التي تعيش على حوالات تلك العمالة في هذه الدول. الأهم من ذلك، كثير من الأخوة الأشقاء اليمنيين الذين يعيشون في دول الخليج يمارسون التجارة ولديهم نشاطات تجارية خاصة بهم فتخيلوا معي حجم الضرر الذي سيلحق بهم إن حدث أي مستجدات تستوجب-لا قدر الله-ترحيلهم من هذه الدول على العلم أنه من غير الحصافة في الرأي معاقبة هذه الشريحة من الشعب اليمني على شيء ليس لهم دوراً فيه.

على الجانب الاجتماعي والسياسي، الوشائج بين أبناء الجزيرة العربية أكبر من أن نستعرضها هنا، خاصة بين اليمنيين والمناطق الحدودية في جنوب المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. اليمن تشكل ثقل بشري وسياسي لدول شبه الجزيرة العربية، ومصير شعوب هذه الدول واحد في نهاية المطاف، والترابط الثقافي والاجتماعي والديني بين شعوب هذه الدول يجعلها تنبذ أي تدخل خارجي يحاول الإيقاع بين هذه الدول أو الانفراد بدولة عن بقية المنظومة خدمة لمشاريع سياسية وتوسعية في المنطقة في المقام الأول.

 

من هنا، على الشعب اليمني أن يقول كلمته وينتصر لعروبته ويحقق الحكمة اليمانية على أرض الواقع ويرفع شعار رفض الانقلاب الحوثي الموجه من قبل طهران ويقود اليمن نحو نفق مظلم لا أحد يعلم متى وكيف ستخرج منه وما هو الثمن الذي ستقدمه ويقدمه الشعب اليمني الشقيق في مقابل ذلك. لا يجب أن يتوهم زعماء الحركة الحوثية أنهم قادرون على الانفراد بالسلطة في اليمن والتاريخ يؤكد أن مكوناً واحداً لم يستطع يوماً حكم اليمن بمفرده، بل أن الحل الأمثل والأقرب للعقل والمنطق هو حكومة شراكة وطنية تمثل كافة أطياف المجتمع اليمني ومكوناته بما في ذلك الحوثيين. ولا شك أن المجتمع الحوثي مكون مهم من مكونات المجتمع اليمني وله حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة ولكن أن يحاول فرض سياسة الأمر الواقع بقوة البندقية فهذا لا يتوافق مطلقا مع طبيعة المجتمع اليمني وتاريخه وعلى الحركة الحوثية أن تخرج من العباءة الخارجية وتنظر إلى الواقع من منظور أكثر واقعية بعيداً عن الطموحات غير المنطقية التي لن تتحقق يوماً من الأيام.

الخلاصة

عموماً، تمكُّن الرئيس عبد ربه منصور هادي من الانتقال من صنعاء إلى عدن وإعلانه سحب الاستقالة واعتبار جميع القرارات والخطوات التي اتخذت بعد 21 سبتمبر 2014م، لاغية، والتحرك الخليجي والدولي الأخير الداعم للرئيس هادي وقرار نقل البعثات الدبلوماسية الخليجية إلى عدن بشكل مؤقت يقود إلى أن الحركة الحوثية أصبحت الآن في موقف محرج ليس أمام العالم الذي قال موقفه بوضوح من التحرك الانقلابي للحوثيين، بل أمام بعض القبائل والأحزاب السياسية التي انخدعت بالحوثيين ولعل ما طرح في بداية هذا المقال موجهة بالدرجة الأولى إلى تلك الفئة تحديداً. من الأهمية بمكان أن تدرك تلك الفئة من الشعب اليمني أن بلادهم قائمة اقتصادياً على المعونات الدولية وأن المانحين لن يقدموا تلك الأموال للحركة الحوثية كما أن إيران وغيرها ممن يدفع بالحوثيين واليمن نحو الهاوية لا يملكون القدرة المالية على التكفل بتعويض تلك المعونات لسنوات طويلة. في نهاية المطاف سيكون الشعب اليمني هو الضحية الوحيدة للمغامرات السياسية غير المحسوبة، فهل سيدرك ذلك قبل فوات الأوان؟!

 

الأربعاء، 18 فبراير 2015

الأقليات العرقية في إيران بين التهميش والتلوث البيئي



بلوشستان
 
شؤون إيرانية

د. محمد بن صقر السلمي 
@iranianaffairs
المصدر: صحيفة مكة
تعتبر تركيبة المجتمع الإيراني تركيبة موزاييكية تتكون من أقليات عرقية، ودينية ومذهبية متنوعة، ويلعب الجانب العرقي دوراً كبيراً ليس في سياسة إيران الداخلية وهيكلة النظام وعلاقة الحكومة المركزية في طهران بالأقليات العرقية في البلاد بغض النظر، في الغالب، عن انتماءاتها المذهبية والدينية، إلا أن الأمر يزداد سوءاً عندما تختلف بعض مكونات المجتمع الإيراني عرقياً ومذهبياً عن الصبغة المعروفة للنظام الإيراني بعد ثورة 1979م.

البلوش

في ظل غياب شبه كامل لكافة الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بحقوق الإنسان حول العالم وتدافع المضطهدين لأسباب دينية أو عرقية ونحو ذلك، تمارس السلطات الإيرانية أقسى أنواع التهميش تجاه الأقليات العرقية في البلاد واضطهادها بأشكال مختلفة ومتنوعة. ففي الشرق والجنوب الشرقي يعاني أهالي محافظة سيستان وبلوشستان من تهميش كبير في الجانب المعيشي والتنموي والتعليمي والانخراط في مؤسسات الدولة خاصة في المناصب المرموقة في الإقليم ناهيك عن الوظائف في الوزارات الكبرى. كما أن حصة المحافظة من الميزانية العامة للدولة تعد الأقل من بين جميع المحافظات الإيرانية على الرغم من أن المحافظة تعد ثالث أكبر محافظة في البلاد. قاد هذا الأمر السكان إلى التعبير عن امتعاضهم تجاه هذا التهميش وقادهم إلى تنظيم العديد من المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية مما أدى إلى مواجهات ومصادمات مع الأجهزة الأمنية الأمر الذي نجم عنه اعتقال وإعدام العشرات.

معاناة عرب إيران

أما فيما يتعلق بالأقلية العربية في محافظة عربستان (خوزستان حالياً) في الجنوب والجنوب الغربي لإيران وعاصمتها حالياً الأحواز فالأمر أكثر سوءاً من غيره. هذه المحافظة تعد أكثر المحافظات الإيرانية ثراءً في الجغرافيا الإيرانية حيث حقول النفط والغاز التي تمد إيران بقرابة 85% من ميزانية الدولة. تعد الغالبية العظمى من الأقلية العربية في إيران من أتباع المذهب الشيعي الاثناء عشري، إلا أن ذلك لم يشفع لهم عند النظام الإيراني. تعاني مناطق المحافظة من تجاهل كامل للبنية التحتية والخدمية ويعاني شباب المحافظة من البطالة وانتشار المخدرات بينهم جراء هذا التهميش. إلى جانب ذلك، يعترض أهالي المحافظة على قيام السلطات بتغيير ممنهج للتركيبة الديموغرافية للمحافظة من خلال اعتماد سياسة التهجير للأهالي مقابل توطين عائلات تم نقلهم من محافظات وسط إيران من العرق الفارسي في الغالب.

التلوث البيئي
 

تعاني المحافظة من تلوث بيئي كبير جعلها تحتل المركز الأول عالمياً من حيث التلوث البيئي مما أدى إلى معاناة الأهالي خاصة الأطفال والشيوخ من أمراض مزمنة. وهناك أسباب طبيعية لهذا التلوث البيئي إلا أن السبب الأكبر يعود إلى التصرفات الخاطئة للحكومة الإيرانية. فلقد عمدت السلطات إلى نقل مياه نهر كارون الشهير إلى محافظات وسط إيران وتجفيف بعض المناطق الغنية بالمياه وتحويل بعض المناطق الزراعية إلى مصانع مما أثر بشكل مباشر على بيئة المحافظة فأصبحت تعاني من تلوث بيئي كبير وتصحر ملفت للأنظار. ويأتي هذا التلوث بسبب المشاريع غير المدروسة التي أقامتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة ومنها مصانع الصلب والحديد وكذلك مصانع البتروكيمياويات ومشاريع قصب السكر التي أقيمت في السنوات الماضية على ضفتي نهر كارون وقد اكتملت حلقة التلوث هذه بعد قيام الحكومة الإيرانية بإنشاء المزيد من السدود على الأنهار المنحدرة من سفوح جبال زاجروس نحو المحافظة

الموت البطيء للأحوازيين

وخلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت حالة التلوث بشكل غير مسبوق، ونشر الناشطون المحتجون الأحوازيون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي صورا مأساوية عن الأجواء في الأحواز تشير بوضوح إلى حدوث مشكلة بيئية كبيرة هناك، وقد رفع الأحوازيون شعارات من بينها "لقد ماتت المحافظة، ونحن خلقنا من التراب وسوف نعود إليها"، "ستبقى هذه الأرض على رؤوسنا ما حيينا"، واسفاه على من مات بسبب التلوث"، كلنا ما نطلبه من هذه الدنيا هو أن نتنفس هواء نقياً"، وكذلك "الهواء النقي حق مشروع لنا" وغيرها من الشعارات التي تعبر عن الامتعاض والغضب. وأدى التلوث البيئي إلى اغلاق المدارس وبعض الإدارات الحكومية في عدد من مدن المحافظة.

إلى ذلك، أعلنت المنظمة العالمية لبحوث السرطان (IARC) مؤخراً بأن تلوث الهواء العامل الأساسي وراء انتشار ظاهرة السرطان، وأن مدينة الأحواز هي الأكثر تلوثا في العالم. وهناك علاقة مباشرة بين تلوث الهواء وأنواع الأمراض ومن بينها السرطان.  في هذا الصدد، كان الرئيس الأسبق لمستشفى الشفاء المتخصص بمعالجة الأمراض السرطانية قد حذر من التزايد الواضح لأعداد المراجعين الجدد لمرضى السرطان في الأحواز وقال: الأرقام تؤكد ارتفاع عدد المرجعين الذين يشكون من مرض السرطان وقد ارتفعت بما يقارب 500 % مؤكداً بأن ارتفاع نسبة معدلات الإصابة بمرض السرطان في الأحواز تعود بشكل رئيسي إلى تلوث العناصر الرئيسية للبيئة مثل الهواء والماء والغذاء، محذرا من وقوع تسونامي سرطان في السنوات القادمة.

عموماً، هذا التهميش والمعاملة غير المنصفة لشريحة كبيرة تشكل قرابة 50% من المجتمع الإيراني، من بينهم البلوش والأحوازيون، قد ينعكس بشكل كبير ومباشر على الاستقرار السياسي في البلاد خاصة إذا ما استمر النظام في تجاهل هذه المطالب المعيشية والتنموية الرئيسة. فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً، صنفت إحدى المؤسسات البحثية الغربية حالة الخطر السياسي Political Risk  في إيران بـ "المرتفعة High)  بينما جاء الخطر الأمني Security Risk  بالمستوى "المتوسط Middle" خاصة في بعض المحافظات التي تقطنها الأقليات العرقية، ولعل ذلك مؤشر كبير على مدى امتعاض تلك الأقليات إلى جانب شرائح أخرى من المجتمع الإيراني بشكل عام.

 
 


 

الأربعاء، 21 يناير 2015

الدرس السعودي في إساءات إيران الإعلامية للمملكة





 

 
 
 
شؤون إيرانية:
بقلم: د. محمد بن صقر السلمي
المصدر: صحيفة مكة
 
ضربت الصحافة الإيرانية خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة محمومة من التعرض لدول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص إلى درجة غير مسبوقة خلال العقد الأخير على أقل تقدير. كمتابع يومي للإعلام الإيراني والتصريحات الصادرة من مسئوليّ النظام الإيراني على كافة المستويات ابتداءً من ولي الفقيه والدوائر المقربة منه ومروراً بالقادة العسكريين من الحرس الثوري والجيش الإيراني وانتهاءً بالحكومة الإيرانية، أجد أن الصوت الإيراني بدأ يرفع من وتيرة العداء تجاه منطقة الجوار العربي وقد وصل الأمر إلى التهديد الصريح أيضاً.

 
في السابق، اعتاد المتابع للشأن الإيراني على تصريحات إيرانية مستفزة صادرة في الغالب من التيار "الأصولي" وقيادات الحرس الثوري وقوات البسيج (التعبئة)، أما الأمر فقد تغير في المرحلة الأخيرة حيث بدأت هذه التصريحات تصدر أولاً من مساعد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ثم بدأت الوتيرة تعلو شيئاً فشيئاً فانتقلت إلى وزير الخارجية وإن كان بشكل غير مباشر قبل أن تصل إلى المرشد الأعلى علي خامنئي الذي بدوره منح الرئيس الإيراني حسن روحاني الضوء الأخضر لمهاجمة السعودية، وكان ذلك خلال خطاب ألقاه خلال زيارته لمدينة "بوشهر" وتناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية.  

يظهر هذا التناقض جلياً في خطاب روحاني (نذكر بأنه ركز في حملته الانتخابية على ضرورة تحسين العلاقات مع السعودية) الذي يهدد ويتوعد الدول التي تقف، بزعمه، خلف هبوط أسعار النفط ويذكر السعودية والكويت على وجه التحديد، ثم يعود ليقول إن هاتين الدولتين سوف تتضررا من هذا التراجع في أسعار النفط أكثر من إيران. وهنا يقفز السؤال: إذا كان الأمر كذلك فعلاً فكيف تتهمهما بالتآمر على إيران خاصة أنهما ستتضرران أكثر من غيرهما، وهل يريد فخامته إقناع الإيرانيين والخليجيين بل والعالم بأنه أعلم بمصالح الآخرين أكثر من أنفسهم؟!

 إن تحليل هذه التصريحات المسيئة للمملكة العربية السعودية وقيادتها ممثلة في خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وألبسه ثوب الصحة والعافية يقود إلى نتيجة واحدة تتمثل في أن النظام الإيراني يواجه صعوبات حقيقية قد وصلت إلى العظم جعلتها تتألم كثيراً خلال هذه الفترة، ولكنها بدلاً من الاعتراف بذلك والعمل على حلها، سلكت أسهل الطرق من خلال تصدير مشاكلها إلى الخارج. في إطار العرف الدبلوماسي والسياسي والأخلاقي، فإن مثل هذه التصريحات لا ترقى مطلقاً إلى أن تصدر من مسئولين صغار في دولة تحترم اسمها وسمعتها وصورتها في الخارج ناهيك عن أن تصدر ممن يتربع على رأس الهرم والرجل الثاني في البلاد معاً. وعندما، على سبيل المثال، تكتب صحيفة إيرانية رسمية ومرتبطة بإدارة تشرف عليها وزارة الداخلية الإيرانية عن ضرورة التدخل في الشأن الداخلي السعودي وإثارته دون أن يصدر بحقها أي عقوبة أو تنبيه من الحكومة الإيرانية فهذا يعني تواطؤ النظام وقبوله بذلك وربما تكون تصريحات المسئولين الإيرانيين هي من قادت، بشكل أو بآخر، تلك الصحف على كل ذلك التطاول المقزز. وقد قالها صراحة، إبراهيم آقامحمدي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بأن وزارة الإرشاد التي أحالت صحيفة إلى المحاكمة لإساءاتها المتكررة لدول الجوار، قد ارتكبت خطأ فادحاً بفعلتها هذه، زاعماً بأن السعودية تتآمر مع من وصفهم بالأعداء (أمريكا) ضد إيران، وفق ما نشرته وكالة أنباء فارس شبه الرسمية.

 تتحدث إيران دائماً عن حضارة تمتد إلى 2500 سنة وتقدم نفسها بالقوة العظمى والوحيدة في المنطقة وأنها حامية أمن الخليج العربي والمُلهِمة في الحنكة السياسية والدبلوماسية ثم نرى أن زعماءها وقادتها ينحدرون إلى هذا المستوى أو يسمحون بذلك في وسائلهم الإعلامية التي بعضها تمتلكها مؤسسات حكومية وأمنية معلنة. من يعيش على ذكرى الماضي يبقى حبيس تلك الحقبة وتسيطر عليه مما قد يقوده إلى ارتكاب بعض الأخطاء الفادحة. إن هذا الاسفاف الإعلامي يؤثر على تاريخ هذه الدولة الجارة ويسيء إلى مكانتها إقليمياً ودولياً كما أن ذلك يكشف أمام شعبه في المقام الأول، ناهيك عن المتابعين من الخارج، يكشف مدى هشاشة هذا النظام والصعوبات التي يواجهها. وبالفعل فقد بدأت بعض الشخصيات المنصفة والمتزنة في الداخل الإيراني تتعجب من هذا الانحدار الرهيب الذي تشهده إيران خلال هذه الفترة ولكنها لا تستطيع، في غالب الأحيان، الإفصاح بمعظم انتقاداتها للنظام خشية البطش والقمع، وبالتالي تكتفي بالانتقاد على استحياء أو بصورة غير مباشرة أو حادة والتساؤل هل نرضى أن تكال مثل هذه الشتائم لإيران أو رموزها الوطنية.

 الدوافع والأسباب للتهجم على المملكة:

تعد المسألة واضحة جداً ولا اعتقد أنها تخفى على ذكاء الشارع الإيراني وفطنته. لقد قدم الرئيس روحاني وعوداً كثيرة للشعب الإيراني خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه ولكن غالبية هذه الوعود لم تتحقق بل واتجهت الأمور في المسار المعاكس. لقد وعد بحل مشكلة البطالة ولم ينجح ووعد بضبط الأسعار وكبح جماح التضخم الاقتصادي فارتفع سعر رغيف الخبز الذي يعد غذاء الأسر الإيرانية الأول بنسبة 30%، وراهن على رفع العقوبات الخراجية ولم ينجح حتى اللحظة كما وعد بتحسين العلاقة مع دول الجوار فزاد الأمر سوءاً.  ليس ذلك، كله أو بعضه، بسبب تدخلات خارجية أو ظروف طارئة بل لأنه استمر في تكرار الأخطاء ذاتها التي وقع فيها سلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد. لقد نأت دول الخليج العربي بنفسها عن معاملة إيران بالمثل وهي ليست عاجزة عن ذلك مطلقاً ولكنها تتخذ من سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين مبدئاً رئيسياً في سياساتها. 

الحلول:

بداية، يحتاج الإعلام الإيراني أو من يوجهه ضد دول الجوار إدراك أن التعامل مع الخلافات السياسية من خلال الهجوم الإعلامي الذي يتجاوز حدود اللباقة وآداب المهنة يدل على ضعف الحجة والموقف من خلال انتهاج مسلك تهييج الشارع ضد ذلك الخصم والمنافس الإقليمي.  من هذا المنطلق، ولحل المشاكل الحقيقية التي تواجهها طهران بعيداً عن لوم الآخرين، تحتاج طهران إلى إعادة استراتيجياتها الإقليمية التي لم تجلب لها حتى اللحظة إلا مزيداً من النظرة السلبية في محيطها الإقليمي، ولعل آخر الدراسات في هذا الصدد ما نشر مؤخراً حول نظرة العراقيين تجاه إيران، حيث تظهر الدراسة أن وجهات النظر السلبية تجاه إيران قد كانت في عام 2008م 22% فقط، وارتفعت إلى 24% في عام 2010م، وتواصل الارتفاع إلى 29% في عام 2013م، وبلغت مؤخراً في أكتوبر الماضي 2014م 41%. بعبارة أخرى، كلما زاد تدخل إيران في الشأن العراقي الداخلي كلما زادت النظرة السلبية تجاه طهران.
  

لذا، ولتصحح صورتها في المنطقة وتتغلب على المشاكل التي تعصف بها داخلياً وخارجياً، تحتاج إيران للقيام بعدة خطوات جادة يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1)

التوقف عن العزف على فزاعة العدو المتربص لإرهاب الشارع الإيراني والضرب بعصا الخطر الخارجي لعدم تحقيق المطالب الشعبية المتراكمة

2)
بدلاً من تبديد أموال الشعب الإيراني على المليشيات المسلحة في المنطقة، بداية من لبنان ومرورا بالعراق وسوريا والبحرين وانتهاء باليمن، على النظام الإيراني تحويل هذه الأموال إلى الداخل وانتشال الشعب من الفقر المقذع الذي يعيش فيه وحل مشاكل البطالة وإدمان المخدرات التي تعصف بالمجتمع الإيراني الصديق وقادت إلى تدهور أوضاعه منذ ثورة 1979م. ولقد عبر الشارع الإيراني عن امتعاضه من هذا التوجه الحكومي عدة مرات ويتذكر الجميع شعار الشباب الإيراني "لا غزة ولا لبنان،،، روحي فداء إيران". لكن النظام الحاكم لايزال يتجاهل ذلك ويبحث عن مبررات خارجية واهية.

3)
الاقتناع بأن السعي لإنتاج السلاح النووي وبالتالي محاولة تهديد دول المنطقة بذلك لن يُخرج إيران من مشاكلها الداخلية ولن يُحسّن المستوى المعيشي للشعب الإيراني أو كما يقول الإيرانيون (لن نتناول النووي على المائدة) ولعل حالة كوريا الشمالية خير شاهد على ذلك.

4)
الاعتراف للشعب الإيراني بالأخطاء السابقة سيكون أول الخطوات نحو التصحيح والخروج من المأزق إلا أن ذلك قد يصطدم بطبيعة الشخصية الحاكمة في إيران التي تميل كثيرا إلى المكابرة في غالب الأحيان وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه الشاه قبل أن يسقطه الإيرانيون في عام 1979م.

 ختاماً نذكر الجميع بأن السعودية ووسائلها الإعلامية قد نأت بنفسها عن معاملة إيران بالأسلوب ذاته، ليس لأنها عاجزة عن ذلك، بل لأنها لا تراه من بين الخيارات اللائقة باسمها وسمعتها كما أن السعودية ليست في حرب مع إيران حتى وإن أرادت طهران إقناع شعبها بذلك للخروج من الصعوبات التي تواجهها. إن عدم انسياق السعودية خلف هذه الحملة الإعلامية الشعواء يعد في حد ذاته درساً كبيراً لوسائل الإعلام الإيرانية التي ركبت موجة الإساءة للمملكة وكررت أسطوانات مشروخة حول هذا الوطن وقيادته وشعبه.

 

 

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

نتائج المفاوضات النووية ومعادلة "خسارة-خسارة"




شؤون إيرانية
بقلم: د. محمد السلمي

المصدر: خاص بالمدونة



خلال الأيام القليلة الماضية، كانت الأنظار تتجه إلى العاصمة النمساوية فيينا حيث الاجتماعات المكثفة لإيران ومجموعة 5+1 بشأن مستقبل المفاوضات حول برنامج إيران النووي وقد غلبت توقعات التوصل إلى اتفاق بحلول 24 نوفمبر 2014 على المشهد الإعلامي العربي والدولي خاصة بعد توافد وزراء خارجية الدول المشاركة في المفاوضات إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون إلى فيينا  واستمرار المفاوضات لساعات طويلة تخللها اجتماعات ثنائية تحدث لأول مرة (في العلن) بين وزيري الخارجية الأمريكي والإيراني دون مشاركة أي طرف ثالث.

ولقياس النتائج التي توصل إليها المؤتمرون في فيينا، علينا أن نسترجع سويا مطالب الطرفين الإيراني والغربي بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي الإيراني. كانت مجموعة 5+1 تطالب إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي بشكل كبير وكذلك إيقاف العمل في محطة "آراك" للمياه الثقيلة والإبقاء على مستوى تخصيب منخفض لليورانيوم وتقليص كميات اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. كذلك، لا يزال هناك بعض الأسئلة الجوهرية التي لم تقدم بشأنها طهران إجابات شفافة ومنطقية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

على الجانب الآخر، كانت المطالب الرئيسية لإيران تتمثل في رفع العقوبات المفروضة على البلاد دفعة واحدة أو تقديم آلية واضحة وملزمة لرفعها بشكل تدريجي. فإيران تعارض تعليق العقوبات خاصة المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي أولا، والولايات المتحدة الأمريكية ثانيا. لماذا تصر إيران على هذا الطلب؟ إصرار إيران على رفع العقوبات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن سوف يؤدي إلى رفع، ربما تلقائي، الشرعية عن العقوبات الأخرى الصادرة من بعض الدول خاصة الاتحاد الأوروبي وكذلك تركيا والصين والهند وغيرها، وبرفع العقوبات، وليس تعليقها، سيكون موقف إيران أكثر قوة في وجه العقوبات الصادرة من واشنطن تحديدا.

نعود الآن إلى نتائج اجتماع فيينا الذي توصل إلى قرار يقضي بتمديد المفاوضات لمدة سبعة أشهر قادمة. خلال هذه الفترة سوف تحصل طهران على 700 مليون دولار شهريا (قرابة 4.2 مليار دولار في المجموع) من أموالها المجمدة في الغرب. فهل هذا المبلغ يعد نجاحا لإيران؟ قد يراه البعض كذلك خاصة وأن إيران تمر بصعوبات اقتصادية كبيرة وعجز معلن في ميزانية العام الحالي في ظل التراجع في أسعار النفط منذ يونيو الماضي. لكن لا اعتقد أن إيران تنظر إلى ذلك بصفته إنجازا بل أن الإعلام الإيراني لم يعر ذلك أي اهتمام يذكر لأن التوقعات بل والآمال كانت أكبر من ذلك بكثير، وكان الشارع الإيراني يستعد للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق نهائي على غرار احتفالات شهر نوفمبر الماضي عندما تم التوصل إلى اتفاق مبدئي. فيما يتعلق بالجانب المالي تحديدا، علينا إدراك أن طهران كانت تتلقى دفعات مالية مشابهة (500 مليون دولار في كل دفعة) من أموالها المجمدة خلال فترة الاتفاق المبدئي، وبالتالي فقد كسبت إيران 200 مليون إضافي فقط في كل دفعة مقارنة مع الدفعات السابقة. ومن هنا يمكننا قياس مدى نجاح إيران من عدمه في هذا الصدد!

 يمكننا الآن طرح السؤال المتوقع وهو كيف نقرأ هذا الاتفاق على تمديد المفاوضات؟ لا شك أن الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته كانا يسعيان إلى الوصول إلى "انتصار" واتفاق نهائي بهدف اثبات مدى فاعلية سياسة حكومة أوباما في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط عموما والملف الإيراني على وجه الخصوص. كان أوباما –ولايزال-يراهن على المسار الدبلوماسي في حل الملفات العالقة مع إيران وأراد أن يقنع الرأي العام الأمريكي والجمهوريين، على حد سواء، بفشل السياسة السابقة تجاه هذه القضايا. علاوة على ذلك، أدى الفوز الأخير للجمهوريين بالأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى مضاعفة الضغوط على أوباما وبالتالي راهن على الوصول بالملف الإيراني إلى بر الأمان في أقرب فرصة ممكنة، وبعبارة أخرى، كان أوباما يقاتل من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي مع طهران لإعادة التوازن لحكومته التي تواجه الكثير من الانتقادات بشأن سياستها في الحرب على داعش وتعاملها مع الملف السوري واليمني إلى جانب الملف النووي الإيراني، ولعل تقدم وزير الدفاع الأمريكي باستقالته مؤخرا خير شاهد على ذلك، وهو بالمناسبة الوزير الرابع  للدفاع الذي يستقيل من حكومة أوباما خلال الست سنوات من رئاسته.

على الجانب الإيراني، وعلى النمط "الأوبامي" مع بعض الفوارق البسيطة، سعت حكومة حسن روحاني إلى إثبات فاعلية سياستها الخارجية "المنفتحة" ومحاولتها تفادي أخطاء حكومة أحمدي نجاد وسياستها الهجومية. صحيح أن ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والخطوط العريضة للمفاوضات النووية يرسمها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ويتحكم في خيوطها بشكل شبه كامل، إلا أن هناك مساحة يستطيع رئيس الجمهورية، أي كانت ميوله الحزبية، التحرك فيها بمرونة معقولة، وبالتالي يأتي اختيار روحاني مسار رسم وجه "مختلف" لإيران بعد انتخابه في هذا الإطار. عدم وصول فريق التفاوض الإيراني إلى اتفاق نهائي يفتح الشهية للتيار الأصولي في إيران لمهاجمة سياسة الحكومة الحالية التي كسرت وبشكل متكرر الصورة "الذهنية" للجمهورية الإسلامية التي ترفع شعار العداء "للشيطان الأكبر" الأمريكي طيلة أكثر من ثلاثة عقود وعليه أصبح هذا الشعار الذي كان يوما أحد مرتكزات النظام الإيراني وثوابته مهزوزا إن لم ينهار تماما.

ختاما، بالعودة إلى نتائج المفاوضات يمكننا القول إن شعار روحاني طيلة فترة المفاوضات والمتمثل في معادلة "فوز-فوز" لم يتحقق، كما لم يكن هناك طرفا قد حقق مكاسب على حساب الطرف الآخر، ولعل السبب في ذلك كله يعود إلى حقيقة أن مجموعة 5+1 لا تتبنى بشكل كامل وتوافقي السياسية الأمريكية فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني فهناك وجهات نظر فرنسية وروسية وصينية تختلف، بشكل أو بآخر، وبمستويات متباينة، مع السياسة الأمريكية في هذا الصدد وعليه يمكننا اعتبار هذه الجولة من المفاوضات بمثابة "خسارة-خسارة" لروحاني وأوباما على حد سواء.