شؤون إيرانية
بقلم: د. محمد السلمي
المصدر: خاص بالمدونة
خلال الأيام القليلة الماضية، كانت الأنظار تتجه إلى العاصمة
النمساوية فيينا حيث الاجتماعات المكثفة لإيران ومجموعة 5+1 بشأن مستقبل المفاوضات
حول برنامج إيران النووي وقد غلبت توقعات التوصل إلى اتفاق بحلول 24 نوفمبر 2014
على المشهد الإعلامي العربي والدولي خاصة بعد توافد وزراء خارجية الدول المشاركة
في المفاوضات إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون إلى فيينا واستمرار المفاوضات لساعات طويلة تخللها
اجتماعات ثنائية تحدث لأول مرة (في العلن) بين وزيري الخارجية الأمريكي والإيراني
دون مشاركة أي طرف ثالث.
ولقياس النتائج التي توصل إليها المؤتمرون في فيينا، علينا أن
نسترجع سويا مطالب الطرفين الإيراني والغربي بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حول
الملف النووي الإيراني. كانت مجموعة 5+1 تطالب إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي
بشكل كبير وكذلك إيقاف العمل في محطة "آراك" للمياه الثقيلة والإبقاء
على مستوى تخصيب منخفض لليورانيوم وتقليص كميات اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.
كذلك، لا يزال هناك بعض الأسئلة الجوهرية التي لم تقدم بشأنها طهران إجابات شفافة
ومنطقية للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
على الجانب الآخر، كانت المطالب الرئيسية لإيران تتمثل في رفع
العقوبات المفروضة على البلاد دفعة واحدة أو تقديم آلية واضحة وملزمة لرفعها بشكل
تدريجي. فإيران تعارض تعليق العقوبات خاصة المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي
أولا، والولايات المتحدة الأمريكية ثانيا. لماذا تصر إيران على هذا الطلب؟ إصرار
إيران على رفع العقوبات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن سوف يؤدي إلى رفع، ربما
تلقائي، الشرعية عن العقوبات الأخرى الصادرة من بعض الدول خاصة الاتحاد الأوروبي
وكذلك تركيا والصين والهند وغيرها، وبرفع العقوبات، وليس تعليقها، سيكون موقف
إيران أكثر قوة في وجه العقوبات الصادرة من واشنطن تحديدا.
نعود الآن إلى نتائج اجتماع فيينا الذي توصل إلى قرار يقضي بتمديد
المفاوضات لمدة سبعة أشهر قادمة. خلال هذه الفترة سوف تحصل طهران على 700 مليون
دولار شهريا (قرابة 4.2 مليار دولار في المجموع) من أموالها المجمدة في الغرب. فهل
هذا المبلغ يعد نجاحا لإيران؟ قد يراه البعض كذلك خاصة وأن إيران تمر بصعوبات
اقتصادية كبيرة وعجز معلن في ميزانية العام الحالي في ظل التراجع في أسعار النفط
منذ يونيو الماضي. لكن لا اعتقد أن إيران تنظر إلى ذلك بصفته إنجازا بل أن الإعلام
الإيراني لم يعر ذلك أي اهتمام يذكر لأن التوقعات بل والآمال كانت أكبر من ذلك
بكثير، وكان الشارع الإيراني يستعد للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق نهائي على غرار
احتفالات شهر نوفمبر الماضي عندما تم التوصل إلى اتفاق مبدئي. فيما يتعلق بالجانب
المالي تحديدا، علينا إدراك أن طهران كانت تتلقى دفعات مالية مشابهة (500 مليون
دولار في كل دفعة) من أموالها المجمدة خلال فترة الاتفاق المبدئي، وبالتالي فقد
كسبت إيران 200 مليون إضافي فقط في كل دفعة مقارنة مع الدفعات السابقة. ومن هنا
يمكننا قياس مدى نجاح إيران من عدمه في هذا الصدد!
على الجانب الإيراني، وعلى النمط "الأوبامي" مع بعض
الفوارق البسيطة، سعت حكومة حسن روحاني إلى إثبات فاعلية سياستها الخارجية
"المنفتحة" ومحاولتها تفادي أخطاء حكومة أحمدي نجاد وسياستها الهجومية.
صحيح أن ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والخطوط العريضة للمفاوضات النووية
يرسمها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ويتحكم في خيوطها بشكل شبه كامل، إلا أن
هناك مساحة يستطيع رئيس الجمهورية، أي كانت ميوله الحزبية، التحرك فيها بمرونة
معقولة، وبالتالي يأتي اختيار روحاني مسار رسم وجه "مختلف" لإيران بعد
انتخابه في هذا الإطار. عدم وصول فريق التفاوض الإيراني إلى اتفاق نهائي يفتح
الشهية للتيار الأصولي في إيران لمهاجمة سياسة الحكومة الحالية التي كسرت وبشكل
متكرر الصورة "الذهنية" للجمهورية الإسلامية التي ترفع شعار العداء
"للشيطان الأكبر" الأمريكي طيلة أكثر من ثلاثة عقود وعليه أصبح هذا
الشعار الذي كان يوما أحد مرتكزات النظام الإيراني وثوابته مهزوزا إن لم ينهار
تماما.
ختاما، بالعودة إلى نتائج المفاوضات يمكننا القول إن شعار
روحاني طيلة فترة المفاوضات والمتمثل في معادلة "فوز-فوز" لم يتحقق، كما
لم يكن هناك طرفا قد حقق مكاسب على حساب الطرف الآخر، ولعل السبب في ذلك كله يعود
إلى حقيقة أن مجموعة 5+1 لا تتبنى بشكل كامل وتوافقي السياسية الأمريكية فيما
يتعلق بالملف النووي الإيراني فهناك وجهات نظر فرنسية وروسية وصينية تختلف، بشكل
أو بآخر، وبمستويات متباينة، مع السياسة الأمريكية في هذا الصدد وعليه يمكننا
اعتبار هذه الجولة من المفاوضات بمثابة "خسارة-خسارة" لروحاني وأوباما
على حد سواء.
هناك تعليق واحد:
الله ياخد ايران ونستريح من مشاكلهم
Http://www.atlas-damam.com
إرسال تعليق