تويتر

الخميس، 27 فبراير 2014

إيران واستغلال الورقة الفلسطينية



شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي
المصدر: الشرق الأوسط

تاريخ إيران مع فلسطين والقضية الفلسطينية قديم بقدم القضية ذاتها. في عصر الدولة البهلوية، والشاه محمد رضا بهلوي تحديدا، كان موقف إيران مخالفا لما نراه، في الظاهر، بعد ثورة عام 1979. كانت إيران «الشاهنشاهية» في مقدمة الدول التي اعترفت بإسرائيل وقد شجعت الصحف الإيرانية يهود إيران على الهجرة لإسرائيل. في منتصف عام 1953 نشرت صحيفة «البلاد» السعودية قائمة تضم 77 شركة إيرانية، مملوكة لتجار يهود إيرانيين أو يهود مقيمين في إيران، لها تعاملات مباشرة مع إسرائيل، وحذرت السعودية آنذاك شركات الداخل من التعامل معها. فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، كان موقف إيران البهلوية في بداية المطاف محايدا إلى حد كبير وحاولت تجنب أن تكون طرفا في ذلك. هذا الموقف تغير نسبيا خلال فترة الحروب التي خاضها العرب ضد إسرائيل واتخذت جانبا مناصرا - إلى حد كبير - للجانب الإسرائيلي، مما أدى إلى توتر في العلاقات العربية الإيرانية، خصوصا العلاقة بين الرياض وطهران. فعندما أعلن الملك فيصل بن عبد العزيز وقف تصدير النفط إلى الغرب بسبب القضية الفلسطينية، رفض شاه إيران الانضمام إلى السعودية في هذا الصدد، مؤكدا أن بلاده لن تستخدم سلاح الطاقة كردة فعل لمواقف سياسية بحتة.

بعد انتصار الثورة الإيرانية والإطاحة بالسلالة البهلوية، سارع النظام الجديد في طهران إلى رفع شعار القضية الفلسطينية، وسلم مفاتيح السفارة الإسرائيلية في طهران إلى الراحل ياسر عرفات، لتصبح سفارة دولة فلسطين. أدرك نظام الملالي أن بوابة القضية الفلسطينية ستؤمن ممرا آمنا إلى الداخل العربي، واستخدمت «التقية السياسية» في سبيل إنجاح هذه الخدعة، التي انطلت على الشعوب العربية المتعطشة لانتصارات حتى وإن كانت مجرد شعارات. قد يقول البعض: لماذا هذا التشكيك في نيات إيران؟ نقول إن الحقائق والشواهد المتاحة تثبت ذلك، وتقود كل من يسعى إلى فهم دوافع إيران لرفع الورقة الفلسطينية في جميع المناسبات، وكذلك في خلافاتها مع الغرب إلى هذه الحقيقة المرة، ولكن طهران لا ترغب مطلقا في حل هذه القضية، حتى لا تخسر هذه الأداة التي تؤهلها بقوة للتدخل في الشأن العربي.  لنعد إلى بداية الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، عندما تقدم الملك فهد بن عبد العزيز في عام 1982 بمبادرة سعودية لحل القضية الفلسطينية.تحدثت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية عن أن الجامعة العربية سوف تتبنى هذه المبادرة خلال اجتماعها المزمع عقده في مدينة فاس المغربية في شهر سبتمبر (أيلول) 1982. حينئذ أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران حملة إعلامية تستهدف إجهاض هذه المبادرة. ما يهمنا هنا هو موقف إيران الرافض لتلك المبادرة ووصفها بأنها مشروع غربي - إسرائيلي لتمييع القضية الفلسطينية أو نسفها، فكيف تكون كذلك وقد رفضها الغرب وإسرائيل معا؟! هذا النموذج الرافض لحل القضية الفلسطينية تكرر مع كل مبادرة عربية تهدف إلى وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف. الجانب الآخر في سعي إيران لإبقاء القضية الفلسطينية من دون حل يكمن في محاولة استمرار الشرخ بين الفلسطينيين أنفسهم، من خلال دعمها لحركة حماس لعدة عقود والحيلولة دون توصل الفريقين الفلسطينيين إلى توافق وطني يوحد كلمتهم في مواجهة المحتل. يملك النظام الإيراني ورقتين رئيستين يستخدمهما للتدخل في الشأن العربي؛ إحداهما مزاعم الدفاع عن الأقليات الشيعية في العالم العربي، بينما يضطهد السنّة في الداخل لأسباب عرقية، والأخرى ورقة القضية الفلسطينية التي يفضل عرقلة حلها لضمان استمرار تدخله في الشأن العربي. لماذا لم تبادر بتقديم مقترحات لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني؟ أليست طهران هي من ترفع في كل مناسبة راية الوحدة الإسلامية وحل القضية الفلسطينية؟ لماذا، إذن، تكتفي بهذه الشعارات من دون تحويلها إلى فعل ملموس حتى يثبت للشارع العربي والإسلامي صدق نياتها، ولماذا، إن كانت عاجزة عن تقديم حلول أو مقترحات، لا تبارك المبادرات العربية أو تقترح تعديلا عليها إذا كان حل هذه القضية أولى اهتماماتها كما تزعم؟! الواقع يقول كما أن إسرائيل تسعى إلى استمرار الخلافات بين العرب وإيران لإشغال الطرفين بعضهما ببعض، وبالتالي يخبو التركيز على القضية الأهم، وأعني هنا القضية الفلسطينية، فإن إيران، بدورها، تفضل عدم حل هذه القضية لضمان استمرار إحدى قنواتها الرئيسة للتدخل في شؤون العرب والعمل على شق الصف العربي، كما تفعل من خلال تحريكها بعض المنتسبين للأقليات الشيعية في الدول العربية لإثارة الفتن وزعزعة الأمن في تلك الدول. إن العلاقات بين إيران وإسرائيل لم تنقطع تماما بعد ثورة 1979، وصفقات الأسلحة خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية خير شاهد على ذلك، ولعل آخر ذلك التعاون ما كشفت عنه صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية مؤخرا من محاولة بعض تجار الأسلحة الإسرائيليين بيع قطع غيار طائرات مقاتلة لإيران. إذن، فالفرق بين الدولة البهلوية والدولة الحالية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يكمن في تغير الأدوات والأساليب مع بقاء الأهداف والتوجهات، كما أن العلاقة تحولت من العلانية إلى الخفاء لا أكثر، وكما بدأت إيران الحالية تتخلى عن شعار «الشيطان الأميركي» وأعادت علاقتها - تدريجيا - معه، فإنها لن تتردد في فعل الأمر ذاته مع إسرائيل متى ما كان ذلك يخدم مصالحها وأهدافها السياسية.

الجمعة، 14 فبراير 2014

هل ننتظر «حزب الله» اليمني؟



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
المصدر: الشرق الأوسط

كان يطلق عليه «اليمن السعيد»، ونسبت الحكمة إلى أرضه، فيقال «الحكمة يمانية»، ولكن الواقع يقول إن اليمن، سياسيا وأمنيا، يفتقد وبشدة في هذه الأيام، هاتين الصفتين الحميدتين، كيف لا واليمن يشهد حربا طاحنة تتزعمها الجماعات الحوثية في شمال البلاد، ولا يختلف اثنان على أن هناك تدخلا خارجيا يقف خلف ذلك ويحاول سكب مزيد من الزيت على النار؟!

علينا أن نتذكر أن اليمن ركز خلال الفترة السابقة على مؤتمر الحوار بين القوى والأحزاب السياسية، وهو أمر استغلته الجماعات الحوثية بفرض سياسة الأمر الواقع كطرف قوي في الساحة في مرحلة ما بعد الحوار، وتسعى إلى التمدد على الأرض، وهذا يبدو تناقضا صريحا بين الأقوال والأفعال. يسعى الحوثيون إلى بسط نفوذهم على مناطق شمال غربي اليمن ليصبحوا القوة المسيطرة على تلك المنطقة، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار صيغة الأقاليم الستة المطروحة للدولة الاتحادية القادمة في اليمن، وفقا لنتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي ترعاه الحكومة اليمنية الحالية. العجيب بعد هذا كله أن بعض الشخصيات المحسوبة على جماعة «أنصار الله» الحوثية تزعم أنها تدافع عن وحدة اليمن مقابل الجماعات التي تتبع للسعودية وأميركا، وفي الوقت ذاته تجد أن هذه الجماعات الحوثية تهاجم المدن والمحافظات في شمال اليمن. إن القضية أعمق من ذلك بكثير، وهناك طرف ثالث في القضية، وإن من يحركها يهدف إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وما نشاهده لا يعدو سوى قمة «جبل الجليد». إيران لا ترغب في استقرار اليمن كما هي سياستها في عدة نقاط في العالم العربي مثل العراق والبحرين ولبنان وفلسطين.. بمعنى أن أي توافق وطني في هذه الدول يخرج إيران من الحسابات السياسية، ويضعف توغلها هناك، لذا فهي تسعى دائما إلى إفساد أي اتفاق بين القوى السياسية في اليمن، ولعل ما حدث في البحرين خير دليل على ذلك، فبينما نجحت الحكومة البحرينية في إقناع المعارضة الشيعية بالجلوس للحوار برعاية ولي عهد البحرين وبدأت الاجتماعات فعليا، شهدت شوارع المنامة وغيرها مسيرات، فمن أوعز لتلك المسيرات بالخروج والاجتماع لا يزال قائما ولم تعرف نتائجه بعد؟! هذا الأمر تكرر في اليمن أيضا، فالجميع يعلم أن جماعة «أنصار الله» الحوثية وقعت على وثيقة مؤتمر الوحدة الوطني، فكيف تتجه إلى حمل السلاح والتمدد في الشمال اليمني إن كان القرار بيدها فعلا؟

الواقع يقول إن أغلب أفراد الجماعات الحوثية يعتنقون المذهب الشيعي الزيدي، ولكن القيادات قد تدربت في إيران والعراق وتشربت الفكر الآيديولوجي الاثنى عشري. فلقد قام التيار الصدري بتدريب الحوثيين لعدة سنوات، وكذلك خلق حلقة وصل بين الحوثيين وإيران مرورا بالعراق. إضافة إلى ذلك، يرى كثيرون أن بعض القيادات الحوثية قد تحول فعلا إلى المذهب الإمامي الذي يتبناه النظام الإيراني مذهبا رسميا في البلاد. لذا فإننا نجد تشابها كبيرا في الشعارات المرفوعة من قبل هذه الجماعات تذكرنا بالمظاهرات والمسيرات التي تنظمها طهران في عدة مناسبات مثل «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل»، وغيرها، بينما هي في واقع الأمر لا تقاتل أيا من هذين الطرفين، بل تفجر المساجد وتقتل أبناء جلدتها من النساء والأطفال والشيوخ من أبناء اليمن.

ولنعد إلى الوراء قليلا لمعرفة حقيقة التوغل الإيراني في الجمهورية اليمنية. إيران استغلت فترة ثورة الشعب اليمني على النظام السابق بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، خير استغلال، من خلال استثمار حالة الانفلات التي شهدها اليمن خلال تلك الفترة والقيام بتهريب حمولات كبيرة من الأسلحة الصينية والإيرانية إلى الداخل اليمني، وتقديمها إلى الجماعات الحوثية في محافظة صعدة وغيرها.. فالسلطات اليمنية كشفت غير مرة عن إحباطها تهريب كميات كبيرة من الأسلحة، تم نقلها إلى داخل البلاد بواسطة سفن إيرانية. من جانب آخر، كان النشاط الاستخباراتي الإيراني حاضرا وبقوة على الأراضي اليمنية.. ففي عام 2012 كشف اليمن عن ست خلايا تجسس إيرانية في العاصمة صنعاء، وعدن، ومدن يمنية أخرى، تضم عناصر إيرانية وسورية ويمنية وجميعها مرتبطة بمركز قيادة ويشرف عليها ضابط في الحرس الثوري، وبعض هذه الخلايا التجسسية تعمل باليمن منذ سبع سنوات، كما أفادت وزارة الدفاع اليمنية، ويفيد الخبر بأن أعضاء هذه الشبكة كانوا قدموا إلى اليمن، باعتبارهم مستثمرين إيرانيين ولتدشين مصانع في اليمن. علاوة على ذلك، فقد كشف مصدر أمني رفيع المستوى في اليمن عن أن التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن مع عناصر خلية التجسس الإيرانية أثبتت تورط موظفي سفارة عربية في صنعاء.

هذه الحقائق الدامغة، تقودنا إلى نتيجة مفادها أن النظام السياسي في طهران لا يريد الاستقرار في دول الجوار العربي، كما أنه يسعى إلى إفشال أي توافق عربي - عربي مهما كان طبيعته. يحاول الإعلام الإيراني وصف ما يجري على الساحة اليمنية بأنه حرب بين الحوثيين و«الجماعات التكفيرية»، في رسالة موجهة للداخل الإيراني في المقام الأول، ومحاولة ممارسة تغييب الواقع وتصوير كل ما يحدث في الدول العربية، خاصة تلك التي لإيران وجود بها، بأنه صراع طائفي يستهدف الشيعة، وبالتالي يعزف على وتر المظلومية القديمة المتجددة. هذه الأسطوانة الإيرانية المشروخة لا تغير من حقيقة الأوضاع على الأرض، فإيران في واقع الأمر تسعى إلى استنساخ الحالة اللبنانية في اليمن، وبعبارة أخرى، تأسيس دولة حوثية داخل الدولة اليمنية، وبالتالي تشكيل «حزب الله اليمني»، خاصة أن حليفها السوري قد يسقط بين الفينة والأخرى، وقد ينعكس ذلك على مدى استمرار حزب الله اللبناني، وبالتالي فهي تبحث عن البديل المناسب في المنطقة العربية.

ختاما، نقول إن الحقيقة المرة التي لا يعيها المخدوعون بإيران ومن ينفذ مشاريعها في المنطقة العربية، هي أن طهران لا تخسر شيئا في هذه المعارك العربية - العربية سوى الجانب المادي فقط، بينما المكاسب كبيرة في جميع الأحوال.. ففي حال انتصرت الجماعات الحوثية في اليمن، على سبيل المثال لا الحصر، وحققت تقدما على الأرض، فسيشكل ذلك مزيدا من التوغل الإيراني في العالم العربي، وتمددا لأذرعها العسكرية والسياسية. وعلى الجانب الآخر، فإن منيت هذه الجماعات بهزيمة كبيرة، وتراجعت إلى مراكزها السابقة، فلن تخسر فيها طهران جنديا إيرانيا واحدا، وستبدأ المحاولة مجددا كما هو الواقع في لبنان وفلسطين والبحرين وغيرها.
 
 

هيكلة السياسة الإيرانية ترسم مسالك القرارات



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
المصدر: صحيفة مكة


يحاول هذا التقرير اطلاع القارئ الكريم على التركيبة السياسية في إيران وبالتالي تساعد على فهم التوجهات السياسية هناك وأحيانا تناقضات التصريحات التي تصدر من عدد من المسئولين في طهران. يحاول التقرير أيضا شرح مفهوم "الإصلاح" والتوجهات الإصلاحية عند الحديث عن الحالة الإيرانية.

 عند الحديث عن مراكز القوى السياسية والدينية في إيران فعلينا بداية أن نتطرق لقوى الشخصية الأولى في البلاد والسلطة التي يتحكم بها بشكل مباشر وغير مباشر. لا اتحدث عن رئيس الجمهورية ولكن عن القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، ولي الفقيه، والمرشد (رهبر) آية الله سيد علي خامنئي. يعتبر ولي الفقيه القوة المتحكمة في كافة مؤسسات الدولة في الجمهورية الإسلامية في إيران وهو صانع القرار الأول في البلاد، وقد أسس هذا النظام وكما يعلم الجميع على يد آية الله روح الله الخميني بُعيد انتصار ثورة 1979 مباشرة . من صلاحيات الولي الفقيه، اعلان الحرب ضد أو السلم مع الدول، تحريك الجيوش وعزل عدد من المسئولين مثل رئيس المحاكم، المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون، قائد الحرس الثوري والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الامن والاستخبارات وغير ذلك.
 
بداية دعونا نلقي نظرة على قائمة أهم المؤسسات التي يمسك بزمامها المرشد الأعلى بصورة مباشرة:

 1-      السلطة القضائية

2-      مجلس الخبراء

3-      مجلس صيانة الدستور

4-      مجلس تشخيص مصلحة النظام

5-      خطباء الجمعة

6-      ممثلو المرشد في جميع المؤسسات الحكومية

7-      ممثلو المرشد في الأقاليم

8-      الإذاعة والتلفزيون

9-      لجنة الأمن القومي

10-  الحرس الثوري

11-  الجيش النظامي

12-  قوات الأمن

13-  رئيس المحكمة الخاصة لرجال الدين

14-  رئيس مؤسسة الشهداء

15-  رئيس مؤسسة الإمام الرضا

16-  رئيس مؤسسة المستضعفين

جميع قيادات ورؤساء ومدراء هذه المؤسسات  الحكومية وغير الحكومية يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى في إيران. إضافة إلى ذلك، فالمرشد الأعلى يمكنه اصدار أوامره لرئيس الجمهورية أو ينقض أي قرار لا يتوافق مع توجهه.

ماذا عن المجالس الأهم في إيران وما هو مدى ارتباط أعضاءها بالمرشد الأعلى وهل الأعضاء يتم تعيينهم أو منتخبون؟
الرئيس يتم انتخابه من الشعب ولكن قبل ذلك هناك جهة وهي مجلس صيانة الدستور، تشرف على اسماء المترشحين للانتخابات الرئاسية وتستبعد من تشاء وتبقي على الأسماء التي لا تمانع من دخولها المعترك الانتخابي. بعبارة أخرى، لا يدخل الانتخابات إلا من يتم تأييده من قبل هذا المجلس الذي يتم تعيين رئيسه ونصف أعضاءه من المرشد الأعلى كما سيتم توضيح ذلك بالتفصيل لاحقاً.
 
يتكون تشكيل النظام السياسي الايراني من مؤسسات مرتبطة ببعضها البعض ولكنها في تنافسية في الوقت ذاته، بعض القوى السياسية رسمية و الأخرى ليس لها أي صبغة رسمية من الناحية التنظيمية. تتكون القوى الرسمية  من مؤسسات الدولة والمراكز الموازية وهي  التكوينات الدينية الرقابية، المؤسسات الجمهورية و المراكز الدينية. بعبارة أخرى، هناك ثلاث نخب تشكل النظام الإيراني وتعرف اقربها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله سيد علي خامنئي بـ "الهيئات الإشرافية الدينية"(الآخران هما المؤسسات الدينية و الجمهورية أو التنفيذية). تلعب هذه الهيئات الدور الأبرز في صنع القرار في الجهورية الإسلامية في إيران. تنقسم هذه النخب إلى مجموعتين رئيسيتين،  إحداهما رسمية والأخرى غير رسمية. تتكون المجموعة الأولى من ثلاثة دوائر استشارية ولكن ليست على مستوى واحد بل أن بعضها تمارس صلاحيات على الأخرى:
 
أولاً:
مجلس الخبراء ومن واجباته اختيار المرشد الأعلى في حالة وفاة الحالي، كما يستطيع من الناحية النظرية عزل المرشد إذا كان لا يقوم بمهامه على الوجه المطلوب إلا أن تطبيق هذا على أرض الواقع من المستبعد تقريباً. عدد أعضاءه 86 عضوا يتم انتخابهم من قبل الشعب ويجتمعون مرة واحدة كل عام.

ثانياً: مجلس صيانة الدستور ، ومن مهامه الإشراف على القرارات التي يقرها البرلمان ومدى توافقها مع الشريعة الإسلامية. يشرف المجلس ايضا على الانتخابات البرلمانية، كما يشرف على مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية ومن يتم ترشيحه للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. يتكون هذا المجلس من اثنا عشر عضوا، يقوم المرشد الأعلى بتعيين ستة أعضاء منهم من رجال الدين ويرشح رئيس البرلمان الإيراني (معين من قبل المرشد) الستة الآخرين وغالبا من المتخصصين في القانون. يحق للأعضاء الستة الذين يقوم المرشد بتعيينهم بالتدخل في القرارات ذات الصبغة القانونية ويجب أن يحصل أي رأي قانوني على نسبة 75% (من الجانبين الديني والقانوني) ليتم الأخذ به، بينما لا يحق للقانونيين التدخل في التوصيات ذات الصبغة الدينية التي تختص بالأعضاء المعينين.



ثالثاً:
مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن وظائفه التنسيق بين البرلمان ومجلس الخبراء، كما يعمل كجهة استشارية للمرشد الأعلى. من مسئوليات المجلس ايضا اتخاذ القرار في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد. يتكون المجلس من 31 عضوا يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية. ويعين المرشد الأعلى للثورة أعضاء المجمع الدائمين والمتغيرين ما عدا رؤساء السلطات الثلاث فإنهم ينضمون إلى المجلس بشكل تلقائي.
 
الهيئات غير الرسمية
:


إضافة إلى هذه المؤسسات الثلاث، هناك مؤسسات مهمة أخرى ولكنها غير رسمية و تلعب دوراً بارزاً في صنع القرار وبعضها مرتبط بالمرشد الأعلى بشكل مباشر وتمثل توجهاته السياسية خاصة الخارجية منها. من بين هذه المؤسسات مكتب ممثلي المرشد الأعلى وهم منتشرون في كافة المؤسسات الحكومية و الأكاديمية، مؤسسة خطباء الجمعة وكذلك المحكمة الخاصة لرجال الدين. جميع أعضاء هذه المؤسسات يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى، كما أنه يعد المرجع الأول والمباشر لخطباء الجمعة وغالباً ما يعكس الخطباء وجهات نظره الشخصية فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية للبلاد دون الحاجة للرجوع إلى وزارة الخارجية أو رئيس الجمهورية. بشكل عام، تعتبر هذه المؤسسات أسلحة في يد المرشد الأعلى ولكن ليس لها وضع قانوني ومن مهامها صياغة أفكار المرشد وتوجهاته وأيضا التعبير عن وجهات نظره فيما يتعلق ببعض المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، داخلياً وخارجياً

يسيطر
المرشد الأعلى وممثليه المحليين على المؤسسات الدينية  وتسيطر هذه المؤسسات على أجزاء كبيرة من الاقتصاد ومكلفة بحماية الصبغة الإسلامية والمبادئ الثورية للجمهورية الإسلامية في إيران. في الوقت نفسه، هناك الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدات مالية لذوي الدخل المنخفض وأسر الشهداء والسجناء السابقين من حرب، وسكان الريف، والمعوقين، وتعمل أحيانا بالتوازي مع مؤسسات حكومية رسمية. جميع هذه المؤسسات والهيئات تصبح جهات فاعلة ومحورية في الصراع على السلطة بين مختلف فصائل السياسية الايرانية التي لا تخرج بطبيعة الحال عن أسس ومبادئ الثورة والدائرة الصغيرة للنظام السياسي هناك كما سنوضح لاحقا. هذه الجهات تصبح فاعلة ليس فقط من حيث التعبئة الجماهيرية، التلقين الأيديولوجي، والقمع، ولكن تؤمن أيضا الموارد المالية للتيارات المحافظة. وهذا يجعلها لها ثقلا كبيرا ليس من الناحية الاقتصادية فقط ولكن أيضا في تشكيل الجهات الفاعلة في تشكيل السياسات المحلية في البلاد، وهذا يعني أن المؤسسة الدينية تملك سلطة قانونية مباشرة، أو غير مباشرة، تؤثر على عمل الحكومة، وتنفيذ توجهات سياسية معينة.

 
مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان):

 مؤسسات الجمهورية وهي السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، و السلطة التشريعية. ينتخب الشعب الإيراني أعضاء البرلمان كل أربع سنوات. منذ وفاة الخميني، فقد تزايدت الأهمية السياسية للبرلمان بشكل كبير. يعمل البرلمان على صياغة مسودات التشريعات، ويبرم المعاهدات، يوافق على حالات الطوارئ، ويوافق على القروض والميزانية السنوية، ويمكنه عزل الرئيس و الوزراء من مناصبهم. رسميا، فإن الرئيس، نظرياً، هو ثاني أقوى عضو من النخبة السياسية الايرانية، بعد المرشد الأعلى وهو مسؤول عن السياسة الداخلية ولكن ليس السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي كما أن الرئيس لا يسيطر على القوات المسلحة. عملياً، يأتي الحرس الثوري في مركز أعلى وأقرب إلى المرشد الأعلى من رئيس الجمهورية وتسيطر هذه المؤسسة العسكرية على جزء كبير من مفاصل الاقتصاد الإيراني ويمتلك استثمارات كبيرة داخل إيران وخارجها.
 
ولأنه لا يوجد أحزاب سياسية معترف بها في ايران، فإن التشكيلات السياسية هي من تطرح الأفكار المختلفة حول السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسة الخارجية أيضا. في هذا الصدد هناك قوى غير رسمية تعمل إلى جانب هذه المؤسسات والمراكز الحكومية، وتتكون من ثلاثة مستويات رئيسية:

المستوى الأول:

هي نخبة الدائرة الداخلية وتتألف من أعلى رجال الدين و تهيمن هذه الدائرة الداخلية على مؤسسات الدولة التي لم يتم انتخاب أعضاءها من قبل الشعب ويتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى  ولا يخضعون لسلطة الحكومة. أهم المؤسسات التي تهيمن عليها الدائرة الداخلية، نخبة هي المرشد الأعلى، ومجلس الخبراء؛ مجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ورؤساء تلك المؤسسات التي يشرف عليها المرشد الأعلى بشكل مباشر مثل رئيس السلطة القضائية، قائد الجيش النظامي، ورئيس الحرس الثوري الإيراني، ومجلس ممثلي المرشد الاعلى في كل مؤسسات الدولة الهامة وفي المحافظات، ورؤساء مختلف المؤسسات الدينية، والذي يتم أيضا تعيينهم من قبل المرشد الاعلى. وبالتالي فإن الدائرة الداخلية، هي دائرة نخبة النخبة إن صح التعبير.
 
المستوى الثاني:

 نخبة السلطة الإدارية ، وتتألف من الإيرانيين الذين يشاركون في عملية صنع القرار السياسي، وتقديم النصيحة للقيادة أو تنفيذ القرارات السياسية.  النخبة الإدارية تشكل تنوعا أكبر من الدائرة الداخلية من حيث التوجهات والأفكار السياسية والأيديولوجية ومعظم أعضاءها من موظفي الدولة المدنيين، وهو ما يمثل السلطة التنفيذية، والقضائية، والتشريعية.
 
المستوى الثالث:

يضم المستوى الثالث من هيكل السلطة غير الرسمية نخبة المفكرين، وهم أعضاء النخبة السياسية الذين يشاركون
في الحديث عن قضايا السياسة الداخلية والخارجية. تنتمي إلى هذه النخبة بعض أعضاء دائرة النخبة الداخلية، وأعضاء النخبة الإدارية ورجال الدين الذين هم خارج دائرة النخبة الداخلية، فضلا عن الأكاديميين والكتاب والصحافيين، وعددا من قادة المنظمات غير الحكومية.

 نستطيع أن نلحص هذه المستويات الثلاثة بالقول أن  القوى السياسية غير الرسمية لا تتكون فقط من تلك الشخصيات التي لها تأثير سياسي بسبب موقعها ومراكزها في المؤسسات الحكومية، ولكن من أولئك الأفراد الذين يؤثرون أو يحاولوا التأثير على النقاش والجدال السياسي في ايران. هنا يمكننا الإشارة إلى ثلاث قوى ذات صلة ببعضها البعض: نخبة الدائرة الداخلية، الإداريون، والنخبة المثقفة. هنا يمكن القول أن التنافس بين الفصائل السياسية المختلفة في ايران يؤثر بشكل مباشر على رسم التوجهات السياسية كما أنها تشكل في الوقت ذاته عقبة أمام رسم سياسة متناسقة ومترابطة على المستويين الداخلي والخارجي. بينما تعد معظم مؤسسات الدولة في ايران ضعيفة جدا بسبب قواعد وأسس ولاية الفقيه المسيطرة على كل شيء، نجد أن العلاقات الشخصية قوية ومتمكنة. لذا فإن النظام الرسمي لرسم السياسة غالبا ما يتم تجاهله أو الالتفاف عليه لصالح القوى الغير رسمية وبناء على الشبكات الشخصية وعلاقات القوة
 
النخبة السياسية ذات الصلة:

 
 
لا توجد أحزاب سياسية  رسمية في إيران كما ذكرنا آنفاً، إلا أن هناك الفصائل السياسية التي تمثل مختلف السياسات والتوجهات الداخلية والخارجية. هذه المقاربات المختلفة لديها أيديولوجية وعنصر مادي. أولا، هناك وجهات نظر مختلفة بين الفصائل وفي داخلها حول ما إذا كان الفقه الإسلامي يجب أن يكون النظام القانوني الوحيد وهناك الفصيل المحافظ الذي لا يقبل سوى الفقه الإسلامي - مع تفسيرات متباينة  المكون الرئيسي للنظام القضائي في إيران. الفصيل الاصلاحي فصيل يعتبر الفقه الإسلامي غير كاف لمعالجة جميع القضايا الاجتماعية في إيران.

 
من الناحية الاقتصادية، نجد أن الفصائل الراديكالية تتمتع بدخل مالي كبير  من مصادر دينية خارج البلاد وداخلها ولا تعتمد بشكل كبير على المصادر المالية الرسمية، على عكس الفصائل الاخرى التي تعتمد فقط على المصادر المالية الرسمية وأجزاء من الطبقة الوسطى، وشرائح من السكان مع ميول ليبرالية وعلمانية.
 
 
الاصلاحيون
:

 
يطلق مصطلح "الثاني من خرداد" الذي يشير إلى ائتلاف ثمانية عشر مجموعة سياسية في إيران على الجبهة الإصلاحية هناك، ليس ذلك فحسب بل يطلق على شخصية كان من المؤيدين للبرنامج الإصلاحي الذي بدأه الرئيس الإيراني الأسبق سيد محمد خاتمي عند انتخابه في عام 1997م، ومن هنا جاء المصطلح وهو تاريخ فوز خاتمي في الانتخابات الرئاسية ويصادف ذلك 23 من مايو  1997م. لهذا البرنامج الإصلاحي توجهات تتمحور حول الفكر الحداثي والتسامح والمحاسبة والاستفادة من القوانين الوضعية إلى جانب الشريعة الإسلامية (وفقا للمنهج الشيعي الاثناء عشري)، ما عدا ذلك فهي لا تختلف كثيرا عن التيار المحافظ كما سنوضح أدناه. يدعم هذا التوجه عددا من أصحاب الفكر ورجال الدين وأساتذة الجامعات والطلاب ومجموعة صغيرة جدا داخل البرلمان الإيراني.   


تعتبر الحركة الإصلاحية في إيران حركة مرتبطة بنظام ولي الفقيه وهي خارجة من رحم هذا النظام والخلافات بين الجانب الإصلاحي والراديكالي تتمحور حول نقاط ليست محورية في توجهات الجمهورية الإسلامية ولا تتناقض، في الغالب، مع الأسس التي بناء عليها الخميني إيران ما بعد الثورة. فعند النظر إلى قيادات الحركة الإصلاحية أو الحركة الخضراء، نجد أن جميع هذه القيادات سبق وتولت مناصب عليا في النظام الحاكم. فعلى سبيل المثال، نجد أن مير حسين موسوي، الزعيم الإصلاحي الذي خسر انتخابات 2009م أمام محمود أحمدي نجاد، سبق وتولى منصب رئيس الوزراء في إيران خلال الفترة بين 1981-1989. إضافة إلى موسوي، هناك أيضا مهدي كروبي الزعيم الاصلاحي الذي يقبع حاليا (كما هو الحال بالنسبة لموسوي) تحت الإقامة الحبرية وسبق وتقلد مناصب في الدولة من أهمها رئاسة البرلمان الإيراني مرتين خلال الفترة من 1989م إلى 1992م ثم من 2000م إلى 2004م. وكان أيضا ممثل آية الله الخميني في مواسم الحج مع بداية الثورة وكان يشرف بشكل مباشر على المظاهرات التي كان يقوم بها الحجاج الإيرانيون في موسم الحج. الأمر ذاته ينطبق على سيد محمد خاتمي الذي ترأس إيران لفترتين رئاسيتين خلال الأعوام بين 1997-2005م، وكذلك الرئيس الحالي الدكتور حسن روحاني وإن كان هناك من يعتبره محسوباً على الفصيل المعتدل وليس الإصلاحي، والفرق، في واقع الأمر، ضئيل جدا بين هذين الفصيلين السياسيين.

بعبارة أخرى، إن من يطلق عليهم الحركة الإصلاحية في إيران ليست سوى حلقة داخل دائرة ولي الفقيه الضيقة جدا. ويرى كثيرون أنها لا تعدو سوى محاولة من النظام لمخادعة الشارع الإيراني بتصنيفات كثيرة جدا لتوجه واحد.
كل من في هذه الدائرة الصغيرة يحسب على المحافظين في إيران، ولكن يمكن تقسيم من هم داخل هذه الدائرة إلى ثلاثة أصناف رئيسية: اليمين المتطرف أو يمين اليمن،  البراغماتيون أو المعتدلون و يسار اليمين وهم من يطلق عليهم في إيران التيار الإصلاحي. هذا يعني أن جميع الأطياف الأخرى واليساريون بكافة انتماءاتهم اللبرالية والعلمانية مستبعدة تماما من التركيبة السياسية والتنافس السياسي في البلاد.