تويتر

الأحد، 2 ديسمبر 2012

مركب الشيطان بين بريدة وطهران


عدد من الإيرانيين والبريطانيين يستعرضون دراجاتهم الهوائية

شؤون إيرانية:

محمد السلمي

من المعلوم أن الإنسان عدو ما يجهل وبالتالي يسعى جاهداً إلى محاربته أو اعتباره ناذر شؤم على نفسه ومجتمعه. أمثلة كثيرة جداً تلك التي تم مواجهاتها في المجتمعات الشرقية والغربية بالرفض. فعلى سبيل المثال نجد في الغرب من أنتقد المخترع الشهير إديسون عندما كشف عن اختراعه للمصباح الكهربائي وفي الشرق هناك المذياع والتلفاز ومدارس الفتيات ونحو ذلك. في هذا السياق استقبلت  الدراجات الهوائية بنظرة يمكن وصفها بالعدوانية، على رغم أنها لا تخلو من الطرافة، في مدينتين ربما يقال عنها متناقضين في كل شيء، مدينة تواجد بها قوى استعمارية (على الاقل استعمار اقتصادي وسياسي ) مثل العاصمة الإيرانية طهران حيث الروس والبريطانيين، مقابل مدينة صغيرة في قلب نجد وأعني هنا مدينة بريدة بالقصيم ، وسط المملكة العربية السعودية

رخصة قيادة لدراجة هوائية صادرة من الشرطة الايرانية
كان "مركب الشيطان" هو الاسم الذي أطلقه الإيرانيون على الدراجات الهوائية عندما شاهدوها لأول مرة في طهران في عصر الحكومة القاجارية (١٧٨٥- ١٩٢٥م ) كما أن من يمتطي الدراجات لم يسلم من إطلاق المسميات عليه، فقد لاحظ الطهرانيون شابين وسيمين يرتديان بنطالين قصيرين (شورت)  يمتطيان هذين المركبين فكان اسم "أطفال الشيطان" من نصيبهما. وجود هذه "الكائنات العجيبة" في المدينة أثارت فضول مختلف طبقات المجتمع الإيراني في طهران واحتشدوا في الأماكن التي تشهد تردد مركب الشيطان هذا. سرد الكاتب الإيراني الشهير الدكتور عباس ميلاني  في كتابه  "أبو الهول الفارسي" كيف استقبل الإيرانيون الدراجات الهوائية عندما شاهدوها لأول مرة في عاصمة طهران في عام 1919م.  يقول المؤلف، اجتمعت حشود كبيرة من أطفال وشيوخ ونساء ورجال من أهالي العاصمة لمشاهدة دراجتين هوائيتين كان يستقلهما شابان بريطانيان. كان المنظر مفزعا ومخيفا للجميع. اعتقد الكثيرون أن نهاية العالم قد اقتربت وأن الإمام الغائب (المهدي المنتظر) قد شارف على الظهور

لاحقا تمكن بعض المواطنين الإيرانيين من أهالي شمال طهران تحديدا من اقتناء دراجات هوائية ثم أصبح الأمر أكثر قبولا فتم فتح بعض المتاجر التي تقوم ببيع، تأجير وإصلاح الدراجات، خاصة في شارع منوتشهري وشارع علاء الدولة في قلب العاصمة طهران. عندما ازداد عدد الدراجات في المدينة اضطرت ما يعرف حينها باسم "تشكيلات نظميه" أو ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم بـ "إدارة الشرطة" إلى وضع قوانين ضمت عشرين مادة جميعها تهدف الى تنظيم تحرك الدراجات وقيود على مستخدميها من بينها منع استخدامها من قبل من لم يتجاوز عمره سن الثالثة عشر، أما من تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والثامنة عشر فيجب أن يتقيدوا بكافة القوانين الخاصة بذلك ومن بين ذلك شرط الحصول على رخصة قيادة. كما يمنع  على أي شخص استخدام الدراجة الهوائية والتجول في المدينة دون أن يحضر بداية إلى الشرطة ويجتاز الاختبارات الضرورية ومن ثم يحصل على رخصة القيادة،  كما يمنع منعا باتا إجراء أي نوع من السباقات في الشوارع والميادين العامة. إضافة إلى ذلك فإنه يمنع الإرداف (أن يركب شخص خلف سائق الدراجة ) أو استخدامها لنقل الأطفال

رخصة قيادة  سيكل صادرة عن هيئة الامر بالمعروف ببريدة

ماذا عن ظهور الدراجات الهوائية في المملكة العربية السعودية؟ الحقيقة أنني لم اتمكن من الوصول إلى معلومة توثق بشكل دقيق تاريخ دخولها إلى الأسواق المحلية لأول مرة . ولكن هناك قصة نقلهتا قبل فترة صحيفة الرياض السعودية تحدثت عن أول سعودي حصل على رخصة لقيادة الدراجة  الهوائية أو ما يطلق عليه محليا اسم "السيكل"، في مدينة بريدة وسط السعودية. من المتوقع أن يكون ظهورها في مدينة صغيرة مثل بريدة ليس الأول من نوعه في المملكة فمن الطبيعي أن تكون قد ظهرت قبل ذلك في المدن الكبيرة مثل العاصمة الرياض أو مدن شرق المملكة حيث تواجد عدد من الرعايا الغربيين الذين كانوا يعملون في شركات التنقيب عن النفط ونحو ذلك.

وللعودة إلى القصة التي نشرتها الصحيفة فإن أحد سكان مدينة بريدة حصل على رخصة لقيادة دراجته الهوائية في عام ١٣٧٩ هـ (عام ١٩٥٩م). الرخصة صدرت من قبل الشرطة الدينية أو ما يعرف في السعودية بهيئة الأمر بالمعروف وفقا لشروط من أهمها إحضار شهود وكاتب عدل وكذلك عمدة الحي وكبير القبيلة أيضاً. الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تم وضع بعض الشروط القاسية على صاحب السيكل فتم تحديد الأماكن والأوقات التي يمكنه قيادتها فيها والطرق التي يجب أن يسلكها. وجاء في الوثيقة أنه لا يسمح لصاحب السيكل هذا باستخدامها ليلا ولا يردف عليه، ولا يؤجره، ولا يدخل  وسط الأسواق وكل هذه الشروط والقوانين تتشابه كثيرا مع تلك التي وضعت لمواجهة الحالة ذاتها في إيران. من جانب آخر نجد أن هناك شروط خاصة في حالة بريدة ولا نجدها في قوانين شرطة طهران. من بين هذه الشروط إلزام صاحب السيكل بعدم حمل الطيبات مثل الخبز والحنطة والشعير.
أحد أهالي بريدة يمتطي دراجته الهوائية


 وإذا كان الإيرانيون قد أطلقوا على وسيلة النقل هذه "مركب الشيطان" ومن يمتطيها "ابن الشيطان" فمن جانبهم أطلق أهل بريدة عليها اسم "حمار إبليس" وعلى من يستخدمها لقب "الداشر" (الصعلوك) الذي يتعوذ منه الرجال ويستترن عنه وعن دابته النساء وصاحبها شخص منبوذ لا يخالطه إلا "دشير القوم" الذين يشربون التتن (الدخان) كما أطلق عليهم محلياً "شرابة التتن ركابة السياكل مطردة الدجاج" وفقا لما ذكرته صحيفة الرياض.





لا شك أن هذا التشابه الكبير بين طهران وبريدة تجاه دخول الدراجات الهوائية لأول مرة لا يخرج عن أنه مجرد تفاعل طبيعي وردة فعل تلقائية تجاه كل ماهو جديد بعيدا عن أي أيديولوجيات عرفت بها هذه المنطقة أو تلك أو تفسير فلسفي أو اتهام بالرجعية والتخلف ونحو ذلك ، إنها باختصار شديد انعكاس للخوف من الجديد بعيدا عن التفكير في مدى إمكانية الاستفادة من الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات لهذا المنتج أو ذاك.. 


السبت، 1 ديسمبر 2012

العلاقات التركية – الإيرانية.. اختلاف في وجهات النظر!


شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي

تمر العلاقات الإيرانية التركية هذه الأيام بموجة من التوتر وتبادل الاتهامات بين الجانبين. فبعد انتهاء حرب الثمانية أيام بين إسرائيل وحماس قام رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بزيارة مكوكية بدأت بسوريا فلبنان- أو لنقل لحزب الله تحديدا -وانتهاءً بالجمهورية التركية.
وسائل الاعلام الايرانية قالت إن علي لاريجاني حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مما سماه التعامل الخاطئ من قبل السلطات التركية تجاه الأزمة السورية ودعم أنقرة للمعارضة السورية مؤكدا على أن ايران تستطيع مساعدة تركيا على الخروج من هذا المأزق وستتعاون معها في ايجاد حل للأزمة السورية. إضافة إلى ذلك فقد عبر لاريجاني عن إدانة وامتعاض طهران لقرار السلطات التركية نشر درع من صواريخ الناتو (من نوع باتريوت) على الحدود السورية التركية باعتباره – أي القرار- خطوة استفزازية من جانب أنقرة ليس للنظام السوري فحسب بل سيكون له عواقب وخيمة ستؤدي الى تفاقم المشاكل فى المنطقة برمتها. الجدير بالذكر أن الحكومة التركية بررت خطوة طلب المساعدة من عناصر الدفاع الجوي لحلف الناتو بهدف مواجهة التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي بسبب الأوضاع الحالية في سوريا. 

الرد التركي على انتقادات لاريجاني هذه لم يتأخر كثيراً فقد صرح وزير الداخلية التركي ادريس نعيم شاهين أن السلطات الإيرانية تدعم حزب العمال الكردستاني المسلح والذي تصنفه أنقرة ودول اخرى عدة ضمن المجموعات الإرهابية.
و نقلت صحيفة “حريت” التركية عن الوزير أن تركيا على اطلاع كامل بدعم ايران لهذا الحزب “الإرهابي” وأن الجانب الإيراني يقوم بنقل المصابين من أفراد الحزب إلى الداخل الإيراني ويقدم لهم الخدمات الطبية والعلاجية.
إيران ترى أن تصريحات وزير الداخلية التركي لا أساس لها من الصحة ولم يتم تقديم أي أدلة على هذه المزاعم ولا تتعدى كونها محاولة من الجانب التركي لتلفيق التهم بسبب موقف طهران من الأزمة السورية. من جانب آخر حاول بعض المسؤولين الإيرانيين التأكيد على أن رئيس البرلمان الإيراني لم يحمل أي رسائل معينة من قبل القيادة الإيرانية إلى الأطراف التي شملتها زيارة رئيس البرلمان.
فقد صرح نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني منصور حقيقت بور لوكالة فارس للأنباء: “جرت العادة انه عندما يقوم مسؤول إيراني بزيارة إلى دولة أجنبية فإنه يلتقي بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي ليتم الحديث عن أهداف تلك الزيارة ونحو ذلك إلا أن لاريجاني لم يلتق بخامنئي قبيل مغادرته إيران وبالتالي لم يحمل أي رسالة من القيادة الإيرانية”. 

يعلم الجيمع أن التصريحات الاستفزازية لبعض المسؤولين الإيرانيين يتم عادة إما نفيها أو تقديم بعض التوضيحات (في الغالب مناقضة تمام لما يفهم من التصريح الرئيس) من قبل مسؤولين آخرين وهذا جانب مهم بلا شك في فهم السياسة الإيرانية. عليه يمكن القول إن حقيقت بور أراد تمرير رسالة فحواها أن تحذيرات لاريجاني للجانب التركي حول تعامل أنقرة مع الأزمة السورية وكذلك موقفه من الدرع الصاروخي لا يمثل القيادة الإيرانية بشكل مباشر بخاصة بعد تصريحات وزير الداخلية التركي الأخيرة والاتهامات المباشرة للجانب الإيراني بالتدخل في الشأن الداخلي التركي من خلال دعم المجموعات الكردية المسلحة.

الأهم من هذا كله، هو أن القلق الإيراني ليس من بطاريات الدرع الصاروخي التي تم نشرها على الحدود السورية التركية فحسب بل أن لدى طهران مخاوف من تطورات أخرى ترى أن فيها تهديداً مباشراً لها.
هذا الخطر يكمن في الاتفاق الذي جرى أخيراً بين الجيشين الأميركي والتركي على إجراء مناورات للقوات الخاصة من الجانبين على الأراضي التركية ويخول هذا الاتفاق الدولة المشاركة في مثل هذه التدريبات أن ترسل كل ما تحتاجه من تجهيزات عسكرية وأسلحة بأنواعها كافة وكذلك حضور بعض المسؤولين المدنيين أيضاً.
مثل هذا الاتفاق يقلق طهران كثيراً، حيث أنه يعني مزيدا من الحشود الأميركية والغربية في المناطق المتاخمة لها ولكن طهران لا تريد ربما اظهار هذا التخوف جلياً وبالتالي تضعه في إطار موقفها من الأزمة السورية. 

بقي أن نأخذ في الحسبان أن العلاقات الإيرانية التركية اتسمت بالتأرجح بين التوتر والتطبيع منذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، وهناك بؤر خلاف عديدة بين البلدين وإن حاولتا (طهران وأنقرة) ردمها ومعالجتها ولكنها سرعان ما تظهر إلى السطح عند أدنى توتر أو تعارض في التوجهات السياسية للبلدين بخاصة عندما نتحدث عن القضية الكردية والصراعات السياسية والطائفية في العراق وتحسن علاقات تركيا مع أكراد العراق وأخيراً الأزمة السورية، إلا أن كل هذه الخلافات لم وربما لن تؤثر بشكل كبير على الجانبين الاقتصادي والأمني بين البلدين كما أنها لن تؤدي في نهاية المطاف إلى قطيعة بين الدولتين الجارتين أو نشوب مواجهات عسكرية مهما كان حجهما.. الأمر لا يتجاوز كونه اختلافا في وجهات النظر بسبب الدور الذي يسعى كل جانب إلى لعبه في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتلاشى كل ذلك سريعا ما لم يتم إذكاؤه من قبل أطراف أخرى أو في حال تهور غير محسوب العواقب من قبل أحد الطرفين.

المصدر: مجلة المجلة

الاثنين، 12 نوفمبر 2012

ايران... التحالف مع الشيطان الأكبر




شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي



أطلق محمد جواد لاريجاني تصريحات حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بقوله “إذا كانت مصلحة النظام تتطلب ذلك، فسوف نتفاوض مع الولايات المتحدة، حتى ولو كان ذلك في قعر جهنم”. تصريحات لاريجاني هذه ليست للاستهلاك الإعلامي أو ردا ارتجاليا على سؤال صحافي خرجت الإجابة عنه بصورة غير مقصودة. أبدا فمن يفهم شخصية محمد جواد لاريجاني، يدرك أن كل كلمة لا تخرج إلا وهو يعني ما يقول حرفيا. وللتذكير، فمحمد جواد لاريجاني صاحب النظرية الإيرانية الشهيرة “أم القرى الإيرانية” التي تسعى إلى استبدال قبلة المسلمين لتصبح طهران عاصمة العالم الإسلامي. النظرية معروفة جداً ونشرها لاريجاني في كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية”، وهو مترجم إلى اللغة العربية ولا تحتاج الكثير من التفاصيل، وهناك بحوث عدة وملخص لكتاب لاريجاني الذي فصل فيه نظريته هذه.
 

يعد محمد جواد لاريجاني، الشقيق الأكبر لرئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، وكذلك شقيق رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني (آملي)، أحد أهم الخبراء الإيرانيين في مجال الفيزياء وخريج جامعة أميركية ويجيد الانجليزية بطلاقة، وقد تولى عدة مناصب مرموقة في الجمهورية الإسلامية. كان لاريجاني ولايزال معجبا بالمجتمع الأميركي والأهم من ذلك، يعتبر من أكثر الإيرانيين المطالبين بعودة العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية، مما سبب له مشاكل عدة مع القادة الإيرانيين، من بينها عزله من منصب مساعد وزير الخارجية، وقد ترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في عام 2005، ولكن لم يجد الدعم الكافي للفوز في الانتخابات بسبب وجهات نظره حول العلاقة مع الولايات المتحدة وتوجهاته اللبرالية، وبالتالي صدور مثل هذه المطالبات التي تتعارض في الظاهر مع توجهات القيادة يضع إيران في حرج أمام المعجبين بعداوتها للغرب واميركا تحديدا. يعمل لاريجاني حاليا مستشارا لدى السلطة القضائية لمسائل حقوق الانسان، وهو منصب يمكن وصفه بالشرفي، لضعف الدور الذي يقوم به على الساحة السياسية في إيران.

إيران تسعى إلى أن تستعيد بعضا من الماضي المفقود -كما ترى هي على أقل تقدير- من خلال محاولات يمكن وصف بعضها بـ “الانتحارية”، بهدف أن تصبح القطب الأوحد في المنطقة الذي يدور حول محور كافة الدول العربية والإسلامية. ونظرية أم القرى إحدى أهم النظريات التي تم طرحها لاريجاني لتشكيل السياسة الخارجية الإيرانية، وهي تتفق تماما مع توجهات سياسة النظام الحالي، من خلال مشروع تصدير الثورة إلى دول المنطقة. من جانب آخر، تظهر نظرية أهم القرى عدم اعتراف إيران بكافة الدول العربية والإسلامية، وهدفها الأبرز بسط النفوذ السياسي والفكري عليها باسم وحدة العالم الإسلامي، تحت راية إيرانية تخضع لمنهج وتوجهات ولاية الفقيه، إذ أن إيران ترى في نفسها دار الإسلام الحقيقي، وانتصارها أو هزيمتها ينعكسان بشكل مباشر على الإسلام، وبالتالي إذا تعرضت كرامة أم القرى (إيران) للخطر، فكل شيء في العالم الإسلامي فداء لها. 

وعودة إلى تصريحات محمد جواد لاريجاني الأخيرة، حول استعداد إيران للتفاوض والتباحث مع الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك في قعر جهنم، فإن من يدرس هذه التصريحات بدقة، يدرك بأن ليس هناك أي مبالغة اطلاقا، فمصالح إيران العليا تجعلها تتفاوض وتتعاون مع أي جانب من دون قيود، ولعل صفقة الأسلحة الإيرانية مع اسرائيل، إبان الحرب العراقية الإيرانية، والتي ذكر تفاصيلها آية الله منتظري في مذكراته، خير دليل على ذلك.

لا شك أن إيران قد تتخلى عن مطالب وأهداف، ترى أنها استراتيجية بالنسبة لها، ولكن ذلك لن يكون مجاناً، فهي قد تتخلى عن مشروعها النووي، مقابل التزامات أوروبية أميركية، قد تكون في غالبها على حساب الدول العربية والخليجية تحديداً.
عليه، فإن لاريجاني يسعى إلى تفعيل نظريته الشهيرة، وفقاً للمعطيات السياسية الراهنة، وقد يتحقق ذلك متى ما عقدت إيران والغرب صفقة ترضي الطرفين. 


لذا، فقبل أن تتحالف إيران مع الغرب، وتعقد الصفقات في قعر جهنم أو خارجه، فعلى دول الخليج العربي بشكل خاص، والدول العربية عموما، توسيع علاقاتها مع دول الشرق وأميركا اللاتينية، وبناء تحالفات جديدة ليست لاستبدال الحلفاء الحاليين، ولكن لخلق نوع من التوازن وعدم وضع البيض في سلة واحدة على أقل تقدير، لكي لا نقول يوما ما “أكلنا يوم أكل الثور الأبيض” أو “خسرنا يوم تحالفت أم القرى الإيرانية مع الشيطان الأكبر”.

المصدر: مجلة المجلة

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

جامعات إيرانية في الخليج!


شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي


قبل بضعة أيام نشر موقع إيراني شهير خبرا مفاده أن حسن قشقاوي، مساعد وزيرالخارجية الإيراني للشؤون القنصلية قام بتفقد الجامعات الإيرانية بمدينة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة وقد شكر قشقاوي المسؤولين في هذه الجامعات على نشاطهم في المجالين العلمي والثقافي وطالبهم بالمزيد، كما التقى قشاوي ببعض طلاب هذه الجامعات. قشقاوي كان في زيارة للامارات للمشاركة في الاجتماع السابع للجنة القنصلية المشتركة بين ايران والامارات.

وجود جامعات إيرانية في الامارات معلومة جديدة لم أسمع أو اقرأ عنها من قبل. نقلت الخبر كما هو على صفحتي في “تويتر” و ذيلته بسؤال عن عدد الجامعات الإيرانية في دولة الامارات، لعلي أجد الإجابة عند أحد الأصدقاء. كان التفاعل مع الخبر مثيراً جداً، فهناك من شكك في دقة المعلومة وآخرون قاموا بنفي الخبر جملة وتفصيلا وصنف ثالث طالب بمزيد من التفاصيل والأدلة، بينما تقبل البعض المعلومة وأعاد تدوير التغريدة دون تعليق.الأهم في ذلك كله أنني لم أتلق أي رد من الأصدقاء يؤكد صحة الخبر اطلاقا.

 لم أشك مطلقا في دقة المعلومة ولكن فضولي قادني إلى البحث في المواقع العربية بداية فلم أجد ضالتي ثم انتقلت إلى البحث باللغة الفارسية وهنا كانت المفاجأة. بعد قليل من البحث وجدت أن عدد الجامعات الإيرانية في دبي قد بلغ حتى عام 2007 أربع جامعات وكلية وجميعها في قرية المعرفة في دبي (Dubai Knowledge Village). وبشكل أكثر تفصيلاً، اتضح أن الجامعات الإيرانية في دبي هي عبارة عن فروع لجامعات في مدن إيرانية بعضها حكومية وأخرى أهلية. الجامعات الإيرانية في دبي هي: الجامعة الإسلامية الحرة، وهي أول جامعة إيرانية في دبي وتم افتتاحها في عام 2004، وهناك جامعة شيراز، وجامعة شهيد بهشتي وجامعة پيام نور وأخيرا كلية علوم الحديث. يدرّس في هذه الجامعات تخصصات عدة من بينها القانون والمحاسبة والرياضيات والحاسب الآلي وإدارة الأعمال بالإضافة إلى التخصصات الدينية والعلوم الشرعية، وتستخدم اللغات العربية والفارسية والانجليزية في كثير من هذه التخصصات وتمنح هذه الجامعات مختلف الدرجات العلمية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه).
وفي شهر يوليو الماضي، ووفقا لما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، اعترفت وزارة التعليم في دولة الامارات بإثني عشر تخصصا تدرسها الجامعة الحرة في مراحل تعليمية مختلفة. والحقيقة ليس لدي معلومة دقيقة حول مدى اعتراف وزارة التعليم الإماراتية بالجامعات الإيرانية الأخرى من عدمه.

لاحقا أردت أن أتعمق قليلا في البحث فأردت أن أرى ما إذا كانت هذه الجامعات الإيرانية محصورة في الامارات فقط أو أن هناك فروعا لجامعات أخرى في دول الجوار. اتضح أن هناك فروعا لجامعات إيرانية في اكثر من عشر دول عربية واسلامية وأجنبية، فبالإضافة إلى الامارات، هناك جامعة واحدة في سوريا وهي فرع لجامعة تربيت مدرس واطلق عليها اسم جامعة الفارابي، و حالياً هناك طلبان من جامعتي امير كبير و جامعة شيراز الحكوميتين لفتح فروع لهما في سوريا أيضاً، أما في ما يتعلق بالجامعات الإيرانية في لبنان فهناك فرع للجامعة الإسلامية الحرة وقريبا سيتم افتتاح فرع لجامعة طهران، ونجد فرعا لجامعة پيام وآخر لجامعة الفردوسي في افغانستان، بالإضافة إلى فروع لعدة جامعات في دول مثل باكستان، جزر القمر، تنزانيا، فنزويلا، طاجكستان وزنجبار، بعضها فتحت أبوابها للطلاب وأخرى قيد الافتتاح.

لماذا افتتحت إيران هذه الجامعات في الخارج؟

وفقا لتصريح لوزير التعليم العالي الإيراني حول الموضوع، فإن طهران ترى أن افتتاح مثل هذه الجامعات يعود بالنفع عليها من جانبين أثنين، أحدهما، تنمية الاعتماد على النفس بين الأساتذة الجامعيين في إيران وبالتالي الاحتكاك بالبيئة التعليمية الأجنبية والغربية على وجه الخصوص. ثانيا، يرى الوزير أن هذه الفروع هي بمثابة فرصة عظيمة لتعريف العالم بقدرات إيران العلمية والفنية والبحثية كما أن ذلك ينعكس إيجابا على رفع مراكز الجامعات الإيرانية في الترتيب العالمي ويساهم في الوقت ذاته في تسريع عجلة النمو والتقدم في البلاد.
أضف إلى ذلك، أن تواجد جامعات إيران في الخارج، والحديث لا يزال للمسؤول الإيراني، تقدم انطباعا ومثالا حيا للنموذج الإسلامي والثقافي للبلاد وهي بمثابة سفير حضاري وثقافي لإيران المسالمة و المهتمة بالعلم والمعرفة مما يؤثر بشكل إيجابي على صورة إيران السياسية والعلمية في الخارج، على حد قول الوزير.
شخصياً، لا أعترض مطلقا على افتتاح مثل هذه الجامعات خاصة إذا كان الهدف منها اكاديمي بحت ويخدم الجانب الإيراني والبلد المضيف على حد سواء، كما أنني لن أناقش موضوع نشاطات هذه الجامعات بعيدا عن المجال الأكاديمي الصرف.
لكن الأهم من وجهة نظري الشخصية هو هل تقبل إيران أن تقوم إحدى دول الخليج العربي بافتتاح فرع لها في طهران أو في إحدى المدن الإيرانية الأخرى بخاصة تلك التي يشكل فيها العرب الأغلبية السكانية؟ وإن كانت الإجابة بنعم، رغم أنني أشك في ذلك كثيرا، فهل ستتخذ جامعاتنا الخليجية مثل هذه الخطوة في القريب العاجل؟.. شخصياً، أتمنى ذلك.


المصدر: مجلة المجلة

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

إيران وسبل الخروج من عنق الزجاجة



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي


من الصعوبة بمكان التنبؤ بمستقبل النظام السياسي في إيران في ظل تطورات المنطقة وأزمة برنامجها النووي من جانب، والمشاكل الداخلية من جانب آخر. المسألة تحتاج إلى حل جذري وسريع ولكن كيف يكون ذلك؟ وما هو التيار الذي يستطيع إتمام هذه المهمة على الوجه الأكمل؟يرى الكثيرون أن ذلك قد يتحقق على يد الرئيس الذي سيخلف أحمدي نجاد صيف العام القادم. نستطيع القول إنه من المستبعد أن تتغلب إيران على تلك المشاكل المتراكمة على يد مرشح محسوب على التيار المقرب من احمدي نجاد وينطبق ذلك أيضا على التيار المحافظ المتشدد المقرب من المرشد الأعلى آية الله سيد علي خامنئي.

هل سيكون المرشح الإصلاحي القادم هو الشخصية التي تحقق ذلك؟ يجب التأكيد على أنها قد تكون مغامرة كبيرة لخامنئي ولكنها في الوقت ذاته الخيار الأنسب الذي يجعله يؤجل المواجهة مع بعض التيارات السياسية في البلاد حتى يقوم بتنفيذ مقترحه القائم على إلغاء منصب رئيس الجمهورية واستبداله بمنصب رئيس للوزراء يتم اختياره من قبل البرلمان الإيراني على أرض الواقع.
وعليه فإنه قد يرى أن الاحتواء في مثل هذه الظروف هي الخيار الأمثل خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الخيارات تتقلص أمامه. أضف إلى ذلك أن خيار مرشح إصلاحي “موثوق” سيُخرج النظام الإيراني من مأزقين كبيرين أحدهما داخلي يتمثل في أنصار الموجة الخضراء والتذمر الشعبي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المستوى المعيشي المتدني أساسا، والآخر على المستوى الخارجي تسبب في عزلة سياسية واقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.


من أهم المؤشرات التي تجعل هذا الخيار – وأقصد هنا المرشح الأصلاحي – أكثر احتمالا هو عودة آية الله هاشمي رفسنجاني إلى الساحة السياسية مجددا بعد غياب طويل.يعتبر رفسنجاني من أعمدة النظام الحالي وهو من جاء بخامنئي إلى الواجهة وترشيحه لمنصب الولي الفقيه بعد رحيل آية الله روح الله الخميني في عام 1989. وعلى الرغم من أن رفسنجاني قد فقد الكثير من قوته وأصبح ينظر إليه كتركة ثقيلة للنظام فقدت بريقها في السنوات القليلة الماضية إلا أن تمسكه بمنصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام يجعل عودته إلى صراعات التيارات السياسية في إيران ممكنه في أي وقت وربما يرى أن الوقت قد حان فعلا لذلك. رفسنجاني أعاد نجله مهدي وابنته فائزة من المملكة المتحدة إلى إيران لمواجهة القضاء وتهم تتعلق بـ «الدعاية والعمل ضد النظام» وهما الآن يقبعان في سجن “اوين” بالعاصمة طهران. السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا قام رفسنجاني بذلك؟

يعتقد الكثيرون أن الهدف من وراء ذلك هو “تنقية” ملفه (إن صح التعبير) أمام الشعب واغلاق كافة الملفات التي قد تؤثر على سمعته السياسية كخطوة ضرورية للمرحلة القادمة وخاصة الانتخابات الرئاسية حيث من المتوقع أن يدعم مرشحا مقربا من التيار الإصلاحي وقد يكون تم ترتيب كل شيء مسبقا وما عودة أبنائه إلا جزء من الصفقة مع رأس الهرم، خامنئي.
في الواقع أن هذه المهمة مكررة نوعا ما حيث أخذ رفسنجاني على عاتقه في التسعينيات مهمة مشابهة تتمثل في الخطوة الأولى لإصلاح العلاقة بين إيران ودول المجتمع الدولي بشكل عام بعد توترها بعد الثورة في عام 1979 وكذلك تحسين العلاقة مع دول الخليج العربي بعد توترها بسبب الحرب العراقية الإيرانية وفكرة تصدير الثورة إلى دول الجوار.
ثم جاء محمد خاتمي ليلعب الدور الأبرز في تحسين العلاقات وتنميتها خلال فترتي رئاسته للجمهورية وقد شاهدنا نمو العلاقات وانفتاحا تجاريا وثقافيا كبيرين على دول المنطقة.


هناك خيار آخر يجعل خروج إيران من الأزمة الحالية ممكناً وهو خيار مطروح لا يمكن تجاهله ويصب في نهاية المطاف في المصلحة الكبرى لخامنئي وهو ضمان استمرار النظام الحالي، كما أن هذا الخيار قد يمكن اعتباره مقدمة وتمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستكون نقطة الحسم بكل تأكيد.  يتمثل هذا الخيار في تكرار ما حدث في عام 1981 عندما صادق آية الله الخميني على قرار البرلمان بعزل أبي الحسن بني صدر من منصبه كرئيس للجمهورية بحجة “عدم الكفاءة السياسية”. وبشكل أكثر وضوحاً، فقد يقوم خامنئي بالتضحية بأحمدي نجاد من خلال تصويت البرلمان الإيراني على عدم أهليته لإدارة شؤون البلاد اقتصاديا على اقل تقدير وربما سياسيا وبالتالي تنحيته عن المنصب قبل إكمال فترته الرئاسية التي شارفت على الانتهاء، وبعبارة أخرى سيكون أحمدي نجاد كبش الفداء الذي يلقى على عاتقه اللوم في كل ما حدث طيلة السنوات السبع الماضية.
فعلى المستوى المحلي، يرى التياران الإصلاحي والمحافظ في إيران أن نجاد وحكومته يتحملان ما تتجاوز نسبته الـ70 في المائة من المشاكل التي تواجهها البلاد، فخلال فترة رئاسته عانى – ولايزال يعاني – الاقتصاد الإيراني من صعوبات كبيرة لم تتعرض إيران لمثلها خلال الحرب العراقية الإيرانية. كما شهدت هذه الفترة أكبر فضيحة اختلاس في تاريخ إيران الحديث على الرغم من مزاعم نجاد المتكررة بأن حكومته أكثر الحكومات التي مرت على تاريخ إيران نزاهة. أضف إلى ذلك التضخم الهائل في الأسعار وارتفاع نسبة البطالة وغيرها الكثير. الأهم من ذلك الاصطدام المتكرر مع ركائز النظام وعلى رأسهم المرشد الأعلى ذاته ولعل موضوع استقالة رئيس الاستخبارات الإيرانية التي قبلها نجاد وتم رفضها من قبل خامنئي والمحاولات المتكررة في إعادة هيكلة النخبة السياسية والإطاحة بعدة وزراء وتغيير جزء من التشكيل الإداري من دمج لبعض الوزارات ونحوه خير مثال على ذلك.

من جانبه، قد يقدم نجاد على الاستقالة إن شعر بأن خامنئي يرى أن دوره قد انتهى وقد لوح نجاد الأسبوع المنصرم إلى ذلك فعلا خلال مؤتمر صحفي بقوله “إذا كان تواجدي صعب بالنسبة للبعض فالأمر لا يتعدى كتابة سطر واحد ومع السلامة”.
في الحالتين هذه النقاط قد تجعل رحيل أحمدي نجاد قبل نهاية فترته الرئاسية أمرا غير مستبعد اطلاقاً.


تبقى الأيام وربما الأشهر القليلة القادمة مصيرية في ما يتعلق بتغلب إيران وخامنئي تحديدا على مشاكل الداخل والخارج والخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر والاهم ضمان الحفاظ على نظام ولي الفقيه مهما كان الثمن خاصة والمرحلة تشهد موجة من التقلبات السياسية التي لن تكون طهران بمنأى عنها وإن لم يتدارك خامنئي الأمر فإن رياح التغيير أو ما يسمى بالربيع العربي قد يتجه شرقاً ويقتلع النظام الحاكم في إيران من جذوره الأمر الذي لا يتمنى ساسة إيران التفكير فيه ناهيك عن تحققه على أرض الواقع.

المصدر: مجلة المجلة

الخميس، 27 سبتمبر 2012

تريتا بارسي وتهمة “العمالة المزدوجة”؟




شؤون إيرانية:
تريتا بارسي باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية، ويقيم في الولايات المتحدة وهو رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي (NIAC) كما أنه مؤلف الكتاب الشهير “التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأميركية Treacherous Alliance: The Secret Dealings Of Israel, Iran And The U.S وله كتاب آخر صدر مؤخرا بعنوان “لفة واحدة من النرد Single Role of the Dice” بالإضافة إلى العديد من المقالات والمقابلات التلفزيونية، وقد نجح في التقرب من صانعي القرار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية وسيطر على بعض وسائل الإعلام الأميركية الناطقة بالفارسية مثل إذاعة “صوت اميركا” وقام بتسريح معظم العاملين فيها وعين طاقما جديدا تحت اشرافه والمنظمة التي يترأسها.
كما يعتبر بارسي الشخصية الأكثر صراحة في واشنطن، التي تدعو للمشاركة والركون إلى التفاهم مع النظام الاسلامي في طهران، كما يدعو صانعي السياسة الغربية والأميركية تحديدا إلى استيعاب نظام الملالي في طهران أو ما يطلق عليه الانخراط الحكيم، بدلا من مواجهته في قضايا مثل البرنامج النووي وتهمة دعم المجموعات الإرهابية وملفات حقوق الإنسان.

وعرف بارسي بتصريحاته المناهظة لمنظمة “مجاهدين خلق” الإيرانية المعارضة واستماتته في اقناع السلطات الأميركية بعدم رفع اسم الحركة من قائمة المجموعات الإرهابية الأجنبية، مما آثارت الشكوك في أن توصيات بارسي ومجموعته ليست مجرد دفع لحمائم السلام في السياسة الخارجية الأميركية بل يدافعون عن النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية في إيران، كما أن بعض إيرانيي المهجر يطلقون عليه لقب “سفير إيران المتنقل”.

وفي هذا الصدد فقد حامت حول تريتا بارسي الكثير من التهم بالعمل لصالح النظام الإيراني فقد كتبت صحيفة “واشنطن تايمز” في عام 2009 مقالا مطولاً عن الدور الذي تقوم به المنظمة التي يترأسها بارسي (NIAC) لأن الكثيرين يرونها قوة ضغط (لوبي) إيراني في الولايات المتحدة الأميركية على غرار منظمة “ابيك” اليهودية الأميركية (AIPAC)على أن المنظمة وجميع أعضائها غير مسجلين كجماعة ضغط، وبالتالي فهي تخالف القوانين الأميركي كما تحدث البعض عن أموال دخلت إلى حساب بنكي له في السويد يعتقد أنها من مصادر مشبوهة ويتهمه خصومه من الإيرانيين في المهجر بتلقي أموال من النظام الإيراني كما يراه البعض عميلاً مزدوجاً للنظامين الإيراني والأميركي على حد سواء، إلا أن بارسي نفى كل هذه التهم، وقال إن تلك الأموال التي تحول لحسابه البنكي في السويد تأتي من المقابلات التي تجريها معه قنوات تلفزيونية، ومقالات يكتبها في عدد من الصحف والمجلات العالمية، ويصر بارسي ومنظمته على أنهم يعملون لما هو في مصلحة المجتمع الإيراني في اميركا وليس حكومة طهران.
إلى ذلك فقد ظهرت الى السطح خلافات عديدة بين بارسي وبعض الشخصيات الإعلامية الأميركية من أصول إيرانية وصلت بعض هذه الخلافات الى أروقة المحاكم الأميركية، ولعل أبرزها الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ضد الصحافي الاميركي من أصول إيرانية حسن داعي، الذي كتب في عام 2008، مقالا وصف فيه بارسي بأنه أبرز شخصيات اللوبي المناصر لملالي طهران في الولايات المتحدة، وأن بارسي لا يكترث بحقوق الإنسان المضطهدة هناك، كما أنه على تواصل مستمر مع عدد من المسؤولين الإيرانيين في الداخل والخارج. 

هذه التهمة دعت بارسي والمنظمة التي يرأسها إلى رفع قضية ضد داعي، زاعما بأن الأخير شوه سمعته والمنظمة.
استمرت المحاكمة لأكثر من ثلاث سنوات بين تهم موجهة بين الطرفين وكم هائل من الوثائق والمستندات، حتى أصدر قاض المحكمة الفيدرالية في واشنطن دي سي “جون باتس” الأسبوع المنصرم حكمه النهائي في القضية.
على الرغم من أن القاضي أكد أن داعي تلاعب في بعض تصريحات بارسي وكتاباته، من خلال حذف بعض الأجزاء أو استخدام بعض عبارات بارسي في غير موضعها الصحيح، إلا أن هذا لا يدينه مطلقا وليس في ذلك أي تضليل للقراء، وبالتالي أصدر القاضي حكمين منفصلين في هذه القضية، أكد الأول على بطلان الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ومنظمة (NIAC) ضد الصحافي حسن داعي، كما وجد القاضي أن دفاع بارسي عن حقوق الانسان في إيران كانت “فاترة”، مما يدعم وجهة نظر الصحافي داعي في هذا الصدد، أما الحكم الثاني فكان يقضي بتحمل تريتا بارسي نسبة كبيرة من تكاليف المحامين، الذين قام بتوكيلهم داعي.

هذا الحكم شكل صدمة لمؤيدي تريتا بارسي، كما استقبل ايرانيو المهجر الحكم الصادر بترحيب كبير، واعتبروه انتصارا لهم ضد اللوبي الايراني في الولايات المتحدة، ورسالة للنظام الحاكم في طهران.
ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادا كما يقال، فما هو إلا أسبوع واحد بعد صدور حكم المحكمة، حتى تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن أن الولايات المتحدة بصدد حذف اسم حركة “مجاهدين خلق” من قائمة المجموعات الإرهابية، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.


وبالتالي وفي حالة قامت الولايات المتحدة بذلك فعلاً فهي ضربة موجعة أخرى لتريتا بارسي، الذي ما لبث يقاتل من أجل بقائها على قائمة المنظمات الإرهابية، وقد كتب وصرح غير مرة ضد الحركة وتوجهاتها، وأنها حركة إرهابية قتلت العديد من الأبرياء داخل إيران وخارجها، وهو توجه يتفق وسياسة النظام الإيراني ضد الحركة.
ختاما، يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون هاتان الضربان كفيلتين باسقاط تريتا بارسي، بعد أن توغل في أروقة البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومراكز صنع القرار هناك، وبالتالي تخسر إيران أحد رجالها في واشنطن.. ربما!


المصدر: مجلة المجلة

الخميس، 6 سبتمبر 2012

إيران وقمة “عدم” الانحياز… مكاسب أو خسائر؟



شؤون إيرانية:

بقلم: محمد السلمي
 
سقطات نظام
كانت قمة حركة عدم الانحياز في آواخر شهر اغسطس المنصرم تمثل حدثا هاما لإيران وقادتها، كيف لا وطهران تحتضن ممثلي أعضاء هذه الحركة لمدة يومين كاملين. قامت إيران، على المستوى الرسمي والإعلامي، بالتحضير جيدا لهذا الحدث الكبير واعتبرته فرصة ذهبية لها لتقدم للعالم وجهة نظرها السياسية بخاصة في ما يتعلق ببرنامجها النووي وأحداث الشرق الأوسط والأزمة السورية على وجه الخصوص.

الآن وقد هدأت العاصفة وودعت إيران ضيوفها، لابد وأنها أخذت “ورقة وقلما” لحساب أرباحها وخسائرها السياسية التي نجمت عن هذا الاجتماع الدولي.. ماذا كانت الطموحات وما هي النتائج التي تحققت على أرض الواقع؟
سنحاول من خلال الأسطر التالية أن نقوم بسرد ما حققته إيران من هذا المؤتمر وماذا خسرت ثم نرى المحصلة النهائية هل هي إيجابية أو سلبية بالنسبة لها.
مما لا شك فيه أن إيران نجحت في اقناع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بحضور القمة رغم المعارضة الغربية الشديدة لذلك، كما نجحت إيران في استقطاب ممثلين لقرابة (100) دولة من بين (120) عضوا في حركة عدم الانحياز الأمر الذي يعتبره الكثيرون نجاحا لطهران في كسر العزلة الدولية المفروضة عليها رغم أنه لم يحضر سوى ثلاثين رئيس دولة وحكومة فقط.

تزامنت القمة أيضا مع عودة السفير البحريني لدى طهران إلى مقر عمله في طهران وقد علل وزير خارجية البحرين أخيرا ذلك على حسابه على تويتر بأن “قرار إعادة السفيرالى طهران هو للقيام بعمله في الدفاع عن مصالح البحرين وليس مجاملة لإيران وعودة السفير الإيراني الى البحرين شأن لا يهمنا”. وبغض النظر عن سبب العودة إلا أن تزامنه مع القمة رآه البعض بأنه نجاح إيراني. 

نجحت إيران أيضا في “اقناع” الرئيس المصري المنتخب حديثا الدكتور محمد مرسي بالحضور إلى طهران بعد قطيعة بين البلدين تجاوزت الثلاثة عقود بقليل. كما أشاد ممثلو دول عدة بحسن التنظيم وكرم الضيافة والحفاوة التي حظوا بها في طهران خلال فترة تواجدهم هناك. وبطبيعة الحال فقد نجحت إيران قبيل وأثناء القمة في كسب أضواء الإعلام الأجنبي و تصدر اسم إيران وصور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عناوين الإعلام العالمي خلال فترة انعقاد القمة. 

هذه أهم المكاسب التي حققتها إيران ولكن ماذا عن الخسائر. كانت كلمة بان كي مون هي المفاجأة الأولى للمسؤولين الإيرانيين بخاصة في ما يتعلق بحديثه عن الأزمة السورية وجرائم النظام الحاكم هناك. ليس ذلك فحسب فقد فتح الأمين العام للأمم المتحدة ملف الحريات في إيران مع كبار المسؤولين في طهران حيث صعد من لهجته تجاه إيران وطالبها بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان كاشفا “طلبت من السلطات خلال زيارتي الإفراج عن مسؤولي المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والناشطين الاجتماعيين بهدف خلق أجواء من حرية التعبير ونقاش منفتح”، في المجتمع الإيراني.
الجدير بالذكر أن بعض رموز المعارضة الإيرانية والمثقفين الإيرانيين في الخارج قد قاموا بإرسال رسائل عدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة طالبوه فيها بالضغط على إيران لرفع القيود عن الناشطين وإطلاق سراح المعتقلين منهم.
كما طالبوه بالاجتماع بزعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين يعيشان قيد الإقامة الجبرية منذ شهر فبراير من عام 2011.
على صعيد آخر، وجه بان كي مون انتقادات شديدة لإيران بسبب طموحها النووي وقال انه على إيران بناء الثقة حول برنامجها النووي عبر “الالتزام الكامل بقرارات مجلس الامن ذات الصلة والتعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية” محذرا من اندلاع “دوامة عنف” على خلفية المسألة النووية الإيرانية، على حد تعبيره.


تمثلت الخسارة الثانية لإيران خلال القمة في خيبة أملها في كسب الرئيس المصري الجديد. من المؤكد أن طهران كانت واثقة بأن مرسي لن يعرب عن تأييده لموقفها تجاه تطورات المنطقة ولكن المفاجأة لها كانت اعرابه عن دعم الثوار في سوريا ووصف النظام السوري بالقمعي الذي فقد شرعيته، مما أجبر مترجمي تلفزيون وإذاعة إيران الرسميتين إلى تحريف كلمة مرسي مرات عدة بهدف خداع الرأي العام الداخلي وتسويق فكرة مفادها أن مصر ما بعد الثورة تسير على طريق الجمهورية الاسلامية في إيران وتتفق معها في كثير من الرؤى والتوجهات تجاه مستجدات المنطقة.

توالي السقطات

سقطة أخرى لبعض المسؤولين الإيرانيين خلال هذه الفترة كانت حول العلاقة مع مصر فقد تحدث مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن مباحثات جرت بين الرئيس المصري ونظيره الإيراني حول تنمية العلاقات بين البلدين ولكن ما هي إلا سويعات حتى تناقلت الصحف المصرية تصريحات على لسان المتحدث باسم مكتب رئاسة الجمهورية المصرية ياسر علي نفى فيها التصريحات الإيرانية موضحا بأن الرئيس المصري لم يناقش هذه الملفات خلال لقائه بالمسؤولين الإيرانيين الأمر الذي زاد من حرج الدبلوماسية الإيرانية وتضرر صورتها في الداخل والخارج على حد سواء.

خسارة أخرى لإيران نجمت عن قمة طهران تتمثل في توتر علاقاتها مجددا مع دول الخليج العربي بسبب اقحام الإعلام الإيراني اسم مملكة البحرين في الترجمة الفارسية لكلمة الرئيس المصري حيث صدر بيان لوزارة الخارجية البحرينية يؤكد أن مسؤولا رفيعا في الوزارة “قام باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني السيد مهدي إسلامي بالديوان العام لوزارة الخارجية وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على ما قام به الاعلام الإيراني من خلال التلفزيون الرسمي الإيراني من تزوير وتحريف من المترجم باللغة الفارسية بوضع اسم البحرين بدلا من اسم سوريا” في خطاب مرسي واصفة بأنه يعد “اخلالا وتزويرا وتصرفا اعلاميا مرفوضا يشير الى قيام أجهزة الاعلام الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين” وفقا لما نقلته وكالة أنباء البحرين الرسمية.
من جانب آخر، فقد استنكر اجتماع المجلس الوزاري لمجلس التعاون في جدة تحريف كلمة الرئيس المصري في قمة طهران وأعرب المجلس الوزاري عن رفضه واستنكاره الشديدين لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي.

في الخنام، نجد أن إيران لم تحقق الكثير من الأهداف التي سعت إلى تحقيقها من وراء استضافة قمة دول عدم الانحياز فلم تنجح في تمرير وجهة نظرها حول الأزمة السورية ولم تفز بتوثيق العلاقة مع جمهورية مصر العربية ورئيسها المنتخب حديثا بل زادت من شكوك القاهرة تجاه أهداف طهران.

فبعد المقابلة المزورة التي نشرتها وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري الإيراني قبل قرابة الشهرين على لسان الرئيس المصري ها نحن نشهد فضيحة جديدة للإعلام الإيراني تتمثل في تحريف كلمة الرئيس المصري الأمر الذي قد يؤجل ذوبان جليد القطيعة بين البلدين إلى أجل غير مسمى. 

صحيح أن البيان الختامي للقمة قد اشتمل على إدانة للعقوبات الأحادية الجانب ولكن طهران لم تنجح في تخفيف العقوبات المفروضة عليها لأن العقوبات مفروضة من دول ليست أعضاء في حركة عدم الأنحياز حيث اتهم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الجمعة الماضية إيران بانها “لم تغير موقفها البتة” بشأن ملفها النووي مطالبا بـ”تشديد العقوبات”.
تأتي هذه التصريحات غداة صدور تقرير شديد اللهجة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البرنامج النووي الإيراني أشار إلى أن إيران ضاعفت قدرتها على تخصيب اليورانيوم في موقع “فوردو” على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليها، واتهمت طهران بإعاقة عمليات التحقيق في موقع بارشين العسكري المشتبه بنشاطه النووي المحظور.

بشكل عام ومن خلال كل ما تقدم يتضح أنه ومن حيث موقعها على الخارطة السياسية الدولية ليس هناك ثمة فرق يذكر بين إيران قبل القمة وبعدها، وبعبارة أكثر دقة، إن لم تخسر فإن طهران لم تحقق أي مكاسب تذكر من استضافتها لإجتماع قمة حركة عدم الانحياز.
أما بخصوص رئاسة إيران لحركة عدم الانحياز اعتبارا من هذا الشهر ولمدة ثلاث سنوات قادمة فإن طهران ستستغل ذلك لتلميع نفسها والترويج لتوجهاتها كما أنه من المتوقع أن تحاول جاهدة إلى حل ملفاتها العالقة في الشرق والغرب والأيام القادمة حبلى بكل جديد.


المصدر: مجلة المجلة

الجمعة، 17 أغسطس 2012

تهنئة وشكر


شؤون إيرانية:
بمناسبة قرب حلول عيد الفطر المبارك، يسر مدونة "شؤون إيرانية" أن تهنى جميع زوارها بهذه المناسبة السعيدة أعادها الله على الأمتين العربية والأسلامية بالخير واليمن والبركات.. وكل عام والجميع بخير...

كما يسرني استثمار هذه المناسبة السعيدة لكي أشكر كل من شرف المدونة والصفحات التابعة لها على مواقع التواصل الأجتماعي بالزيارة والمتابعة بأمل أن نكون عند حسن ظنكم دائماً و يرقى ما يقدم هنا وهناك إلى ذائقتكم المتميزة...

خالص الدعاء للجميع بالتوفيق والسداد...

أخوكم...
محمد السلمي

الأحد، 12 أغسطس 2012

العلاقات السعودية – الإيرانية بين قمتي مكة وطهران



شؤون إيرانية:

بقلم محمد السلمي- مجلة المجلة


تشهد منطقة الشرق الأوسط صيفا سياسيا ساخنا هذه الأيام، زاد من التهابه الأزمة السورية التي مازالت تزداد تعقيدا يوما تلو الآخر. لو تحدثنا عن العلاقات السعودية – الإيرانية تحديدا فإن ملفات الخلاف بين البلدين اصبحت كثيرة، والعلاقة تتجه الى مزيد من التعقيد بسبب الموقف السياسي المتباين في وجهات النظر بين الرياض وطهران تجاه المستجدات في المنطقة. فالسعودية تتهم ايران – وبشكل غير مباشر- بالوقوف خلف أعمال الشغب التي تشهدها المنطقة الشرقية من المملكة، كما ينطبق ذلك على أعمال مشابهة تشهدها الساحة البحرينية أيضا.

من جانب آخر، تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية مؤخرا عن رفض السعودية استقبال وفد ايراني يتكون من حقوقيين وقناصلة للاطلاع على ملف المواطنين الإيرانيين الذين تم اعدامهم مؤخرا في شرق السعودية بتهمة تهريب المخدرات. إضافة إلى ذلك، نجد أن إيران اطلقت تصريحات عديدة ومتباينة حول دعوة العاهل السعودي لحضور قمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها طهران آواخر الشهر الجاري. فبعد الإعلان عن اعدام المواطنين الإيرانيين في السعودية، تناقلت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الإيرانية مفادها أن طهران لن تقوم بدعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لحضور القمة، تعبيرا منها عن استيائها من القرار السعودي هذا.

بعد ذلك تراجعت إيران عن الفكرة، ولكنها لم تقم بإرسال مبعوث خاص على مستوى الوزراء أو نوابهم، كما فعلت مع بقية القادة المدعوين للقمة، بل اكتفت بإرسال دعوة إلى العاهلين السعودي والبحريني عبر الوسائل الدبلوماسية.
هذه الحسابات السياسية الإيرانية انقلبت رأسا على عقب، بعد دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لقمة إسلامية طارئة تحتضنها مكة المكرمة خلال يومي الـ26 و27 من شهر رمضان الجاري، كما تسلم للرئيس الإيراني دعوة رسمية لحضور هذه القمة.
قبل أن يعلن مكتب الرئاسة الإيرانية عن مشاركة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في القمة الإسلامية الطارئة، انقسمت آراء المحللين السياسيين في إيران حول جدوى تلبية أحمدي نجاد لدعوة خادم الحرمين الشريفين، إلى قسمين: فريق رأى أنه من الأفضل أن يشارك نجاد في قمة مكة، ويطرح الرؤية الإيرانية حول قضايا العالم الإسلامي ومستجدات الساحة السورية على وجه الخصوص، وأنه لا ينبغي لسياسة إيران الخارجية التفريط في مثل هذه الفرصة مطلقا. من جانب آخر، يضع الفريق المقابل، مشاركته في هذه القمة في إطار العلاقات السعودية ـ الإيرانية بوصف المملكة البلد المضيف وقد يؤثر ذلك، من وجهة نظرهم، على توصيات القمة، وبالتالي يرون أن هذه الزيارة، وفي ظل الظروف الراهنة، لا تصب في مصلحة ايران، ولن تقدم الكثير للدبلوماسية الخارجية لإيران. من أهم مبررات هذا الفريق أيضا نظرهم إلى القمة واستضافة قيادات العالم الإسلامي في مكة، على أنها خطوة استباقية من الجانب السعودي لإفشال أو استبعاد ملف الأزمة السورية من جدول أعمال قمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها طهران أواخر الشهر الجاري، والتي لا تفصلها عن قمة مكة سوى أيام قليلة. كما يزعم هؤلاء المحللون الإيرانيون أن السعودية ستشجع زعماء العالم الإسلامي، على مقاطعة قمة طهران، أو المشاركة فيها بمستوى تمثيل متواضع على أقل تقدير.

إضافة إلى ذلك، يرى هذا الفريق أنه من المؤكد أن السعودية سوف تستثمر نجاحها في اقناع مجلس الأمن بإقرار المشروع العربي حول الأزمة السورية، والذي يدين قصف المدن السورية ويدعو لانتقال سياسي للسلطة في سوريا، وبالتالي ستتحول قمة مكة إلى تكتل اسلامي مؤيد للرؤية السعودية حول الأزمة السورية، وقد يصدر في نهاية أعمال القمة بيان ختامي شديد اللهجة يدين النظام السوري. عليه فحضور أحمدي نجاد لهذه القمة، وتقديم وجهة النظر الإيرانية، لن يكونا مؤثرين نهائيا، ومن الأفضل عدم سفر نجاد إلى السعودية، والاكتفاء بإرسال وزير الخارجية علي أكبر صالحي فقط، أوعدم المشاركة فيها مبدئيا، على حد زعم هذا الفريق من المحللين الإيرانيين.

الآن وقد أعلنت طهران رسميا عن تلبية الرئيس الإيراني للدعوة السعودية، وبالتالي المشاركة في القمة الإسلامية الطارئة، فإن الإعلام الإيراني خلال الأيام القليلة القادمة، سيقدم انطباعا مبدئياً عما سيطرحه أحمدي نجاد في هذه القمة، كما أن ذلك مرهون أيضا بتطورات الأحداث على الساحة السورية. نجاد قد يروج لقمة دول عدم الانحياز التي تستضيفها بلاده، كما أنه من المتوقع أن يكرر وجهة النظر الإيرانية حول الأزمة السورية، من خلال اعتبارها مؤامرة صهيو ـ اميركية وتواطؤا عربيا ضد ما تطلق عليه إيران “جبهة الممانعة” في وجه المطامع الغربية والاسرائيلية في العالمين العربي والإسلامي.

كما أن نجاد قد يؤجل اطلاق تصريحاته النارية ضد الدول العربية والإسلامية، التي تتبنى وجهة النظر السعودية من الأزمة السورية إلى قمة طهران، ومن المتوقع أن يشن هجوما لاذعا ضد الحكومة السعودية، مما يزيد من توتر العلاقات الثنائية بين البلدين.

الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة عن كل التساؤلات، حول ردة فعل سياسة إيران الخارجية لكل هذه الأحداث، وإن غدا لناظره قريب.

الثلاثاء، 24 يوليو 2012

إيران و الأزمة السورية..بين ربيع و مؤامرة!





شؤون إيرانية:


بقلم: محمد السلمي


إننا لا نفشي سراً عندما نقول، إن إيران ترى في نظام الرئيس السوري بشار الأسد خطا أحمر، يجب حمايته وضمان بقائه لأطول وقت ممكن. هذا الحرص الشديد على استمرار بشار في سدة الحكم في سوريا، يهدف إلى الاطمئنان على مستقبل طهران السياسي، ليس في المنطقة العربية فحسب، بل والحيلولة دون كل ما يهدد بقاء نظام ولاية الفقيه أيضا. 

يعد النظام السوري قلب إيران النابض في المنطقة العربية، فهو حلقة الوصل التي تربط طهران بحزب الله في لبنان، ومع فقدان هذه الحلقة الحساسة، فإن مستقبل طهران في المنطقة العربية سيكون على المحك. لا ننكر وجود تحالف قوي بين بغداد ممثلة في نظام نوري المالكي وطهران، لكن هذا التحالف لا يمكنه ترميم الخسارة التي تتعرض لها طهران جراء سقوط بشار الأسد، فالعراق وإن كان يحتل موقعا جغرافيا استراتيجيا بالنسبة لطهران، فإنه لا يملك حدوداً برية مع لبنان، وبالتالي يصبح ضمان استمرار الوصول إلى حزب الله التابع لإيران، معضلة حقيقية تواجه طهران، وبالتالي يصبح مستقبل حزب الله كجناح عسكري أو دويلة داخل دولة، مهددا بالزوال أيضا. أضف إلى ذلك، فبسقوط النظام السوري، تخشى طهران من انتقال موجة “الربيع العربي” إلى حصنها الأخير في المنطقة العربية، العراق، وبالتالي اسقاط حكومة المالكي، خاصة إذا علمنا بوجود خلافات قوية بين الكتل السياسية في العراق وعدم رضاء شريحة كبيرة من العراقيين عن النظام القائم هناك.

على الجانب المحلي، تخشى إيران أن يمتد “الربيع العربي” إلى داخل حدودها، خاصة ونحن مقبلون على الانتخابات الرئاسية هناك. هذه الانتخابات تعيد إلى أذهان النخبة الحاكمة في طهران لجوء الإيرانيين الى الشارع بعد إعلان نتائج انتخابات عام 2009، والمظاهرات التي استمرت لأسابيع وما صاحبها من اعتقالات وأعمال عنف، أودت بحياة عدد كبير من الشباب الإيراني الغاضب جراء إعلان فوز احمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، وهزيمة مرشحي الاصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي. 

في هذا الصدد، يجب أن نتذكر أن تلك المظاهرات والاحتجاجات حدثت قبل موجة “الربيع العربي”، ولا شك أن الشباب الإيراني يتابع وبشغف كبير تطورات الأحداث في المنطقة العربية عموماً، وسوريا على وجه التحديد. الموقف الرسمي الإيراني من الأزمة السورية جعل الكثير من الشباب الإيراني يتجاهل الصورة التي يود النظام الإيراني تمريرها ورسمها داخليا لكل ما يحدث في الوطن العربي. فلم يعد مقبولا لدى المواطن الإيراني، التعاطي المتناقض للنظام مع “الربيع العربي” والكيل بمكيالين من خلال وضع جميع الثورات العربية في كفة، والثورة السورية في كفة أخرى، وتصوير جميع تلك الثورات بأنها امتداد للثورة الإيرانية التي حدثت قبل أكثر من ثلاثة عقود، وأنها صحوة اسلامية تهدد الوجود الغربي في المنطقة العربية.

هذا من جانب، ومن جانب آخر اعتبار ما يحدث في سوريا مجرد مؤامرة صهيوأميركية، وتواطؤ عربي، يهدف إلى اسقاط ما تسميه إيران بـ”محور الممانعة” المضاد للأهداف الغربية والصهيونية في المنطقة على حد زعمها. كل ذلك كشف النظام الإيراني أمام شعبه قبل غيره، وعراه أمام مواطنيه. الشارع الإيراني يدرك جيدا أن إصرار نظام ولاية الفقيه على تسمية الأزمة السورية بالمؤامرة ليس عبثيا، وهو يعلم قبل غيره أن النظام يعمد إلى تسمية تحركات الداخل الإيراني بالمؤامرة، وقد اطلقت هذه التهمة على أحداث 2009 وتأكيدها على أن ما يسمى “الموجة الخضراء” وزعماءها مجرد مؤامرة اسرائيلية وغربية، تستهدف الجمهورية الإسلامية.
في هذا السياق، وفي تقرير نشر مؤخرا على  موقع “عصر إيران” شبه الحكومي، أعرب المرجع الشيعي الإيراني آية الله ناصر مكارم الشيرازي عن قلقه من الاطاحة بنظام بشار الأسد، وأن ذلك جزء من مشروع الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران، مبيناً أن “ما تسعى إليه بعض القوى، ليس بهدف التخلص من النظام الحاكم في سوريا فحسب، بل ان كل مطلع على ما يجري في المنطقة يدرك أنهم (يقصد الغرب واسرائيل) يسعون إلى الاطاحة بنظام بشار، لكي تواجه جبهة الممانعة مشكلة حقيقية.. والكل يعلم أن الهدف القادم هو العراق ثم الجمهورية الاسلامية في ايران”. هذا دليل واضح على أن إيران تخشى انتقال ما يحدث في المنطقة العربية إلى الداخل الإيراني.

أضف إلى ذلك، فقد تحدثت مواقع المعارضة الإيرانية عن أن “الربيع العربي” سيصل إلى ايران عبر سوريا، وأن سقوط نظام بشار الأسد، يعد الخطوة الأولى لسقوط نظام ولاية الفقيه في ايران. من يرصد المواقع الاجتماعية الإيرانية يلاحظ أن متابعة الشباب الإيراني للأزمة السورية مذهلة، ويرصدون كافة التطورات على الأرض. وعلى الرغم من القيود الكبيرة التي تفرضها السلطات الايرانية على الانترنت، إلا أن البعض نجح في تأسيس صفحات تضامنية مع الشعب السوري على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” و”تويتر”، كما تتحدث بعض المواقع الاجتماعية الإيرانية على الانترنت عن تداول الشباب الإيراني هذه الأيام لرسائل نصية قصيرة، تطالب المواطنين بالنزول إلى الشوارع فور إعلان سقوط النظام السوري، للتعبير عن سعادتهم بالحدث، كما أن هناك رسالة أخرى تقول “الطريق إلى طهران يمر عبر دمشق” في إشارة إلى انتقال الثورة من سوريا إلى إيران. كل هذا بطبيعة الحال يقلق النظام الإيراني كثيرا، وأنه يعد مؤشراً لتطلع الشباب الإيراني إلى انتقال العدوى العربية اليهم.

ختاما، عندما نقوم بفرز بسيط للمصطلحات المستخدمة من قبل الحكومة أو الشعب الإيراني، نجد أن هناك شبه اتفاق بين الطرفين في استقراء النتائج المستقبلية لما بعد نظام بشار الأسد، ويكمن ذلك في احتمالية انتقال الوضع السوري (سواء تم تفسيرها بالمؤامرة أو الثورة الشعبية) إلى الأراضي الإيرانية. أي أنه في حال نجح الشعب السوري في الإطاحة بنظام بشار الأسد – ويبدو ذاك قريبا – فإن ذلك سينعكس لا محالة على إيران، وبالتالي يمكننا القول إن هناك علاقة مصير وترابط بين النظامين في دمشق وطهران، وهنا يفسر بشكل دقيق، الدعم الإيراني المستمر لسوريا، والاستماتة من أجل ضمان بقاء نظام بشار الأسد، مهما كان الثمن. 

المصدر: مجلة المجلة

الجمعة، 13 يوليو 2012

إيران بين أزمة النووي وأزمة الدجاج





شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي



تصدرت صفحات الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية خلال الأيام القليلة الماضية أخبار تتحدث عن أزمة حقيقية وشح كبير في المعروض من بعض المواد الغذائية كالألبان بجميع مشتقاتها وكذلك لحوم الدجاج في الأسواق المحلية، ولقد شاهدنا صوراً لمئات المواطنيين الإيرانيين يتزاحمون منذ الصباح الباكر أمام المتاجر التي تبيع الدجاج المدعوم من قبل الحكومة وماهي إلا سويعات قليلة حتى تنفد كل الكميات المتوفرة ويتم تعليق لافتات كبيرة توعز للزبائن بنفاد الكمية المتاحة من الدجاج لذلك اليوم.
بل أن الأمر قد بلغ مرحلة التهريب حيث نقلت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أخباراً تتحدث عن احباط قوات الأمن لعملية تهريب أطنان من الدجاج الحي. نعم تهريب الدجاج من أقليم إلى آخر من أجل بيعه بأسعار مرتفعة في الأقاليم الكبيرة نتيجة نقص المعروض في تلك الأقاليم. وحتى مع توفر بعض الكميات فإن الأسعار قفزت إلى أرقام قياسية تقول بعض المواقع الإيرانية ووفقا لمقارنة أجرتها إنها الأعلى على مستوى العالم.

هذه الأخبار تعيد إلى الأذهان أزمة شح العروض من العملة الأجنبية لدى البنوك ومحلات الصرافة في إيران عندما فقد التومان الإيراني أكثر من نصف قيمته قبل أشهر قليلة مما دفع المواطنين الإيرانيين إلى التزاحم على شراء العملات الأجنبية مثل اليورو والدولار الأمريكي وذلك بهدف الحفاظ على ما لديهم من مدخرات يخشى فقدانها في ظل انهيار العملة المحلية.
يقابل هذه المعاناة المعيشية التي تعصف بالشعب الإيراني عدم اكتراث وتهميش شديدين من قبل حكومة أحمدي نجاد لهموم المواطن العادي الذي يسعى جاهداً للحصول على قوته وأفراد أسرته وتأمين لقمة عيش كريمة لهم.
ما يثير حفيظة المواطنين بخاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة هو النهج الذي تسلكه الحكومة في تجاهل مشاكل الشعب وتركيزها خلال فترة “أزمة غلاء الأسعار” على الاستعداد لحضور المفاوضات مع مجموعة الست حول برنامجها النووي وبرنامج تخصيب اليورانيم.

الواقع يقول إن معظم الشعب الإيراني لا يهتم كثيرا بالبرنامج النووي وبرنامج تخصيب اليورانيوم. ليس ذلك فحسب بل وعلى العكس تماماً فقد أجرى التلفزيون الإيراني ممثلا في قناة “خبر” الرسمية استفتاء قبل أيام يستطلع فيه آراء الشارع الإيراني حول ما إذا كان مع أو ضد مشروع تخصيب اليورانيوم (ليس بنسبة عالية كما تطالب الحكومة بل استمرار أو إيقاف البرنامج) وقد جاءت النتائج عكس توجهات النظام الإيراني تماما حيث فضل 63 في المائة من المشاركين في هذا الاستفتاء فكرة إيقاف برنامج تخصيب اليورانيوم تماماً.

كانت هذه النتائج رسالة جلية لا لبس فيها من المواطن الإيراني إلى حكومته، فالمواطن البسيط يرى ضرورة تخصيص الجزء الأكبر من الدخل القومي الهائل من النفط والغاز لمعالجة الفقر وتطوير البنية التحتية في البلاد وأن يتانسب ثراء الدولة مع الوضع المعيشي للمواطن وبالتالي ينعكس على حياته اليومية لكي لا يضطر إلى البحث عن عمل إضافي ثان أو ثالث لتوفير متطلبات الأسرة في ظل التضخم الهائل الذي يضرب البلاد في مقابل الراوتب المتدنية جدا.
يتساءل المواطن الإيراني عن الفائدة التي ستعود عليه من البرنامج النووي الذي تقاتل من أجله النخبة السيايسة في طهران أو توجيه الأموال الهائلة إلى دعم النظام السوري أو حزب الله في لبنان.

يرى هذا المواطن أن خطط بلاده هذه تسببت له بالكثير من المصاعب في الداخل والخارج، حيث يجد الطالب الإيراني الطموح الذي يرغب في اكمال دراسته في جامعات عالمية مرموقة أن طلبه يصطدم بعراقيل كثيرة عندما يتقدم لسفارة دولة ما للحصول على تأشيرة دخول لهذه الدولة أو تلك وبالتالي يفقد الأمل في تحقيق طموحه العلمي، هذا من جانب ومن جانب آخر يجد الطالب الإيراني الذي على رأس بعثته أن إقامته في البلد المضيف لن تجدد وللسبب ذاته. الحال ذاته ينطبق على التاجر الإيراني الذي لا يستطيع استيراد وتصدير البضائع بشكل مرن يتوافق والأنظمة المعمول بها في بقية دول العالم ويواجه الكثير من المعوقات في الداخل والخارج ولأسباب سياسية بحتة.

خلاصة القول، الشعب الإيراني يرى أنه أصبح ضحية السياسة الخارجية للنظام الحاكم، لكنه لازال يكافح ويعيش على أمل فجر جديد أو عدوى ربيعية من جيرانه العرب حتى وإن ظهر ذلك على استحياء خوفا من القمع والتنكيل بخاصة وأن رئيس الاستخبارات الإيراني قد صرح أخيرا بأن النظام لن يسمح مطلقا بتكرار الأحداث التي اعقبت نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009. ولكن يمكن القول إن المواطن يستطيع تحمل الضغوط السياسية والإملاءات الحكومية ولكن عندما تصل الأوضاع إلى لقمة العيش التي تسد رمقه وأطفاله فحينها ليس لديه ما يخشى خسارته مطلقاً. 


إن استمر نظام “ولي الفقيه” في تجاهل المشاكل التي تعصف بحياة المواطن الإيراني فإن الخطر لن يكون من صواريخ اسرائيل ولا طائرات أمريكا، بل قد يكون تحركا داخلياً من خلال عودة المظاهرات والاضطرابات إلى الشوارع ولن يخشى الشباب الغاضب تهمة العمالة للغرب أو اسرائيل أو حتى تهمة إثارة الفتنة كما حدث مع الاصلاحيين موسوي وكروبي لأنه حينها سيكون قد تشبع من هذه الدمغة المملة والاسطوانة المشروخة وبتالي على النظام آنذاك مواجهة “أزمة الدجاج” بدلاً من أزمة النووي.

المصدر: مجلة المجلة

الأحد، 1 يوليو 2012

العقوبات الأوروبية.. بين المكابرة الإيرانية والتحدي الأوروبي


شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي

دخلت اليوم الأول من يوليو حزمة العقوبات الأوروبية على صادرات إيران النفطية حيز التنفيذ، مما يشكل ضغوطا إضافية على الاقتصاد الإيراني المترنح اصلا بسبب العقوبات السابقة. صاحب هذا الحظر عقوبة أخرى تتمثل في توقف شركات التأمين البحري التي تسيطر الدول الغربية على 90 في المائة منها عن تغطية ناقلات النفط المحملة بالنفط الإيراني، مما يعني أن على الدول المستوردة لنفط إيران اعتماد تأمين سيادي لتغطية مخاطر الحوادث وتسرب النفط. ويكمن الهدف من هذه العقوبات الأوروبية إلى تشديد الخناق على إيران، وارغامها على التخلي عن برنامجها النووي المشتبه به من قبل المجتمع الدولي.

الجانب الإيراني حاول طيلة الأشهر القليلة الماضية التشكيك في جدية الدول الاوروبية في تطبيق عقوباتها على أرض الواقع لذا فقد قلل من أهمية تلك العقوبات على أنه لن يكون لها أي تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي. وأعلن مسؤولون إيرانيون وفي أكثر من مناسبة أن صادرات إيران النفطية وبالتالي الاقتصاد المحلي لن يتأثر مطلقا بهذه العقوبات ولن تخسر طهران زبائن نفطها بل أن الدول المستهلكة للنفط هي من سيدفع ثمن هذه القرارات التي ستؤدي إلى التهاب اسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي هذا الصدد، فقد حاولت ايران وعلى لسان أكثر من مسؤول الترويج لفكرة مفادها أن حظر النفط الايراني يعني وصول اسعار النفط الى ارقام فلكية قد تتجاوز الـ200 دولار للبرميل الواحد. كما سبق وحذر المرشد الاعلى علي خامنئي من نتائج حظر النفط الإيراني على الاقتصاد الغربي وقال إن قادة الدول الغربية يخفون عن شعوبهم الكارثة التي ستحل بدولهم وأوضاعهم المعيشية بسبب الارتفاعات المحتملة لأسعار النفط في الاسواق العالمية. كما صرح وزير الصناعة الايراني شمس الدين حسيني لقناة سي ان ان الامريكية قائلا إن اسعار النفط ستتجاوز الـ160 دولارا للبرميل الواحد في حالة تم تطبيق الحظر الاوروبي على صادرات إيران النفطية.

وعلى الرغم من ذلك كله، نجد أن أسعار النفط أخذت تتراجع شيئا فشيئا غير متأثرة بالتحذيرات الايرانية. هذا التراجع أدى إلى ارتباك إيراني قبل دخول العقوبات الأوروبية حيز التنفيذ بأيام قليلة حيث دعا وزير النفط الايراني رستم قاسمي إلى اجتماع عاجل لأعضاء منظمة اوبك لمناقشة الأسعار الحالية للنفط باعتبارها غير عادلة ولا يجب أن ينخفض سعر البرميل الواحد دون مائة دولار أمريكي.
ومع تطبيق العقوبات الأوروبية صرح قاسمي أن هذه العقوبات ستبقى دون فاعلية وغير مؤثرة على الاقتصاد الإيراني. و نقلت وسائل الإعلام الإيراني امس عن قاسمي قوله: “ان تنفيذ اعدائنا العقوبات اعتبارا من اليوم (الأحد) لا يتسبب في أي مشكلة اقتصادية، فليس لها أي تأثير” لأن “الحكومة الإيرانية اتخذت القرارات الضرورية وهي مستعدة تماما لمواجهتها” دون أن يقدم أي توضيحات حول تلك القرارات. كما أضاف أن هناك زبائن جددا للنفط الإيراني بدلا عن الأوروبيين من دون الكشف عن هوية هؤلاء الزبائن الجدد.

من المؤكد أن الحظر الأوروبي سيؤثر سلبا على الاقتصاد الإيراني. فمن المعلوم أن الخزانة الإيرانية تعتمد على عائدات النفط والغاز بنسبة 80 في المائة. كما أن إنتاج إيران النفطي قد تراجع بشكل كبير في الفترة الأخيرة (راجع مقالي السابق حول الموضوع). إضافة إلى المشاكل الانتاجية فقد تراجعت صادرات إيران النفطية بنسبة تقترب من 40 في المائة بسبب قرارات دول شرق آسيوية مثل اليابان وكوريا وغيرها تقليص أو إيقاف وارداتها النفطية من ايران واستبداله بالنفط العربي. هذه النسبة اصبحت 60 في المائة بعد تطبيق العقوبات الأوروبية على طهران.

بنظرة سريعة إلى الواقع الاقتصادي في إيران، نجد أن تأثير العقوبات السابقة على الاقتصاد الإيراني قد ظهر جلياً بخاصة في الأشهر القليلة الماضية حيث فقدت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها أمام العملات الأجنبية مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم تصل نسبته في بعض السلع الاستهلاكية الأساسية إلى 80 في المائة وفقا لتقرير صدر عن البنك المركزي الإيراني أخيرا.
هذه النسبة العالية في التضخم أدت وستؤدي بكل تأكيد بعد تطبيق العقوبات الأوروبية إلى مزيد من معاناة الشعب الإيراني من خلال ارتفاع نسبة الفقر إلى أرقام قياسية. إضافة إلى ذلك، فقد لوحظ اضطراب شديد في السوق المالية الإيرانية خلال الاسبوع الماضي كما تراجعت العملة المحلية أمام الدولار الامريكي بصورة أعادت للأذهان انهيار العملة الإيرانية مطلع العام الجاري.
قد تتماسك العملة الإيرانية وبدعم حكومي لفترة قصيرة أمام العملات الأجنبية ولكن من المؤكد أن تأثير العقوبات سيظهر على السطح قريبا وقد تجد إيران نفسها بين خيارات الانهيار الاقتصادي، أو الاستمرار في البرنامج النووي وتحدي تلك العقوبات على حساب الحياة المعيشية للمواطن الإيراني.

المصدر: مجلة المجلة

الخميس، 28 يونيو 2012

إيران.. علاقات متوترة مع الجيران وفاترة مع “الأصدقاء”





شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي
 
عزلة دولية
يشعر النظام الإيراني بعزلة كبيرة سواء على مستوى محيطه الإقليمي والإسلامي أو المستوى الدولي. فدول المنطقة بخاصة العربية منها قد ضاقت ذرعا بالتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية سواء كان ذلك في البحرين، السعودية أو الإمارات التي تحتل إيران جزرها الثلاث أو حتى دول الربيع العربي مثل مصر وتونس واليمن. كما أن دعم إيران للنظام السوري والكيل بمكيالين في ما يتعلق بالثورات العربية قد عرى إيران أمام الشعوب العربية بشكل كبير  . 

العلاقات التركية الإيرانية ليست في أفضل حالاتها أيضا، فالأزمة السورية والتباين في الموقف بين طهران وأنقرة حول ما يقوم به النظام السوري من قمع للثوار قاد إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين الجارتين. كذلك تتهم تركيا ايران بدعمها لحزب الله التركي وحزب العمال الكردستاني. إضافة إلى ذلك فقد كشفت أخيراً صحيفة “زمان” التركية أن خلية من وحدة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني تخطط لهجمات إرهابية على الأراضي التركية تستهدف السفارة والقنصليات الأميركية.
العلاقة بين إيران و دول شبه القارة الهندية وأفغانستان متأرجحة نسبياً، فهناك توتر في العلاقة بين إيران والهند بسبب عمليات تفجير استهدفت موظفي السفارة الإسرائيلية في نيودلهي وقد توصلت التحقيقات الأمنية إلى أن إيرانيين متورطون في الحادثة. كما قامت الهند بالاستجابة للضغوط الدولية وخفضت وارداتها من النفط الإيراني.
كذلك الحال بالنسبة للعلاقة مع إسلام آباد فهي تتأثر بين الفينة والأخرى بسبب مناوشات حدودية أو من خلال ملاحقات تقوم بها القوات الإيرانية لبعض عناصر منظمة جند الله المحظورة أو مهربي المخدرات داخل الأراضي الباكستانية مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل بعض رجال حرس الحدود الإيراني أو بعض من رجال القبائل الباكستانية الذين يعبرون الحدود بحثا عن الكلأ لمواشيهم ويتم مهاجمتهم من قبل حرس الحدود الإيراني وقوات الحرس الثوري بحجة أنهم مهربو مخدرات أو أسلحة
تمييز عنصري
فيما يتعلق بافغانستان، فالتوتر بين البلدين على أشده بسبب التدخل الإيراني المتواصل في الشأن الأفغاني، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين في كابل. ويأتي على رأس قائمة هذه التدخلات تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين بشأن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها كابل مع واشنطن بداية شهر مايو الماضي وبحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الأفغاني حامد كرازي.
  
تشمل هذه الاتفاقية التعاون في المجالين السياسي والعسكري بعد انسحاب الوحدات القتالية للناتو من افغانستان في عام 2014. في هذا الصدد قام سفير طهران لدى كابل أبو الفضل ظهر وند بتسليم رسالة إيرانية إلى رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني تحتج فيها طهران على توقيع الاتفاقية وترى في ذلك تهديدا لأمن واستقرار المنطقة. إثر ذلك استدعت الخارجية الأفغانية السفير الإيراني وطالبته بالتوضيح حول تصريحاته التي وصفتها بغير المسؤولة واعتبرتها تدخلاً سافراً في شؤون افغانستان الداخلية. كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد من المواطنين الأفغان بتهمة التجسس لصالح إيران، واعترفوا بالتهمة المنسوبة إليهم، وكشفوا عن تلقيهم تدريبات على يد الحرس الثوري الإيراني ضمن مجموعة عرفت بـ فيلق محمد

كما يواجه اللاجئون والعمال الافغان في ايران تمييزا عنصريا من قبل الجهات الرسمية ويتعرضون لترهيب متواصل و للمطاردة من قبل قوات الأمن الإيرانية في كل مكان. فعلى سبيل المثال، فقد تم منعهم من دخول حدائق عامة في اصفهان، كما قامت السلطات الإيرانية بمنع إقامة أو تجول المهاجرين الأفغان في بعض الأقاليم الإيرانية مثل أقليم مازندران في شمال إيران وحددت وزارة الداخلية الإيرانية تاريخ (30 خرداد/- 19 يونيو 2012) كآخر مهلة لهم لمغادرة الأقليم.

هذه التصرفات العنصرية أثارت استيلاء نشطاء حقوق الإنسان في افغانستان وإيران على حد سواء.
أما بالنسبة لعلاقة إيران مع العالم الغربي فكما يعلم الجميع أن هناك خلافات حادة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب برنامج إيران النووي. فالاتحاد الأوروبي قرر إيقاف استيراد النفط الإيراني وفرض حظر على البنك المركزي الإيراني

إضافة إلى ذلك فقد تم إعداد قائمة طويلة تضم عددا كبيرا من المسؤولين الإيرانيين المحظور التعامل معهم أو دخولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما أن ملف حقوق الإنسان واضطهاد الأقليات العرقية والدينية في إيران زاد من التوتر في العلاقات أيضا. كما أوقفت الخارجية الهولندية 250 طلب تأشيرة لطلاب إيرانيين يرغبون في الدراسة في الجامعات الهولندية كما منعت تجديد إقامة الطلاب الإيرانيين المتواجدين حاليا على الأراضي الهولندية. وكان التعليل الذي قدمته السلطات هناك هو أن القرار ليس قرارا تنفرد به هولندا من دون غيرها إنما تطبيقا لقرار صادر من الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.

نهاية علاقة

لا شك أن إيران تتمتع بعلاقات متينة مع بعض دول امريكا اللاتينية مثل كوبا و فنزولا وبوليفيا والبرازيل وهناك تعاون اقتصادي وعسكري بين معظم هذه الدول و إيران. كما أن هناك نشاطا ملحوظا للحرس الثوري الإيراني وكثر الحديث عن وجود معسكرات يتم فيها تدريب عدد كبير من الخليجيين في معسكر خاص أقيم في مقاطعة الواهيرا, وهي منطقة حدودية بين فنزويلا وكولومبيا لاستخدامهم في أعمال وصفتها بـ”الإرهابية” داخل دولهم وفي أنحاء متفرقة من العالم، إذا ما تعرضت إيران لأي استهداف عسكري.

ومع ذلك فإن العلاقة مع تلك الدول لم تخل من التوترات أيضا بخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع البرازيل. فقد تسبب دبلوماسي إيراني يعمل في السفارة الإيرانية لدى البرازيل في موجة غضب في الشارع البرازيلي بسبب القبض عليه بتهمة التحرش بقاصرات في أحد حمامات السباحة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية وقد تم اطلاق سراح موظف السفارة الإيراني هذا بسبب الحصانة الدبلوماسية التي تحميه من السجن وقد فر من البلاد بعد أن تم إحالة ملف القضية للخارجية البرازيلية. هذه الحادثة خلفت توتراً في العلاقات بين البلدين. فقد قام الرئيس الإيراني خلال الأيام القليلة الماضية بجولة في عدد من دول امريكا اللاتينية. وكانت البرازيل إحدى محطاته للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) التي تعقد في مدينة ريو دي جانيرو. هذه الزيارة لم تلق ترحيبا سواء كان على المستوى الرسمي أو الشعبي حيث لم يحضر أي مسؤول برازيلي رفيع لاستقبال نجاد في المطار وكان الاستقبال من قبل وزير البيئة الإيراني وطاقم السفارة الإيرانية فقط. إضافة إلى ذلك فقد تقدم احمدي نجاد بطلب للقاء الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف ولكن وكما ذكرت صحيفة جلوبو البرازيلية فقد تم رفض الطلب. كما قام عمدة العاصمة بإلغاء مراسم إزاحة الستار عن نسخة لعمود أثري إيراني يعود تاريخه الى عهد الحضارة الاخمينية.  وعلى الجانب الشعبي فقد شهدت مدينة ريو دي جينيرو مسيرات حاشدة نظمها مناصرون لحقوق الأنسان تندد بزيارة الرئيس الايراني للبلاد باعتباره شخصية غير مرغوب فيها في البرازيل

ختاما، طهران تدرك قبل غيرها حجم العزلة السياسية التي تمر بها وتدرك مسبباتها وسبل الخروج منها ولكن ذلك لن يأت إلا من خلال تقديم تنازلات كبيرة وعمل دبلوماسي مكثف لترميم صورتها في الخارج. على ساسة إيران معالجة تلك الملفات الخلافية وحل النزاعات مع دول الجوار بداية ثم بقية دول العالم، فالمتضرر الأول من هذه العزلة والتوجس من إيران وطموحاتها هو الشعب الإيراني سواء كان في الداخل من خلال الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة بسبب الحصار الدولي أو أولئك الذين يواجهون صعوبات في الخارج بسبب الخلافات السياسية بين إيران وعدد كبير من دول العالم. لذا فإن الكرة في ملعب إيران والمبادرة بيدها متى ما أرادت أن تصحح علاقاتها وتخرج من العزلة التي تعيشها حاليا.
 
المصدر: مجلة المجلة