تويتر

الأربعاء، 21 يناير 2015

الدرس السعودي في إساءات إيران الإعلامية للمملكة





 

 
 
 
شؤون إيرانية:
بقلم: د. محمد بن صقر السلمي
المصدر: صحيفة مكة
 
ضربت الصحافة الإيرانية خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة محمومة من التعرض لدول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص إلى درجة غير مسبوقة خلال العقد الأخير على أقل تقدير. كمتابع يومي للإعلام الإيراني والتصريحات الصادرة من مسئوليّ النظام الإيراني على كافة المستويات ابتداءً من ولي الفقيه والدوائر المقربة منه ومروراً بالقادة العسكريين من الحرس الثوري والجيش الإيراني وانتهاءً بالحكومة الإيرانية، أجد أن الصوت الإيراني بدأ يرفع من وتيرة العداء تجاه منطقة الجوار العربي وقد وصل الأمر إلى التهديد الصريح أيضاً.

 
في السابق، اعتاد المتابع للشأن الإيراني على تصريحات إيرانية مستفزة صادرة في الغالب من التيار "الأصولي" وقيادات الحرس الثوري وقوات البسيج (التعبئة)، أما الأمر فقد تغير في المرحلة الأخيرة حيث بدأت هذه التصريحات تصدر أولاً من مساعد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ثم بدأت الوتيرة تعلو شيئاً فشيئاً فانتقلت إلى وزير الخارجية وإن كان بشكل غير مباشر قبل أن تصل إلى المرشد الأعلى علي خامنئي الذي بدوره منح الرئيس الإيراني حسن روحاني الضوء الأخضر لمهاجمة السعودية، وكان ذلك خلال خطاب ألقاه خلال زيارته لمدينة "بوشهر" وتناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية.  

يظهر هذا التناقض جلياً في خطاب روحاني (نذكر بأنه ركز في حملته الانتخابية على ضرورة تحسين العلاقات مع السعودية) الذي يهدد ويتوعد الدول التي تقف، بزعمه، خلف هبوط أسعار النفط ويذكر السعودية والكويت على وجه التحديد، ثم يعود ليقول إن هاتين الدولتين سوف تتضررا من هذا التراجع في أسعار النفط أكثر من إيران. وهنا يقفز السؤال: إذا كان الأمر كذلك فعلاً فكيف تتهمهما بالتآمر على إيران خاصة أنهما ستتضرران أكثر من غيرهما، وهل يريد فخامته إقناع الإيرانيين والخليجيين بل والعالم بأنه أعلم بمصالح الآخرين أكثر من أنفسهم؟!

 إن تحليل هذه التصريحات المسيئة للمملكة العربية السعودية وقيادتها ممثلة في خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وألبسه ثوب الصحة والعافية يقود إلى نتيجة واحدة تتمثل في أن النظام الإيراني يواجه صعوبات حقيقية قد وصلت إلى العظم جعلتها تتألم كثيراً خلال هذه الفترة، ولكنها بدلاً من الاعتراف بذلك والعمل على حلها، سلكت أسهل الطرق من خلال تصدير مشاكلها إلى الخارج. في إطار العرف الدبلوماسي والسياسي والأخلاقي، فإن مثل هذه التصريحات لا ترقى مطلقاً إلى أن تصدر من مسئولين صغار في دولة تحترم اسمها وسمعتها وصورتها في الخارج ناهيك عن أن تصدر ممن يتربع على رأس الهرم والرجل الثاني في البلاد معاً. وعندما، على سبيل المثال، تكتب صحيفة إيرانية رسمية ومرتبطة بإدارة تشرف عليها وزارة الداخلية الإيرانية عن ضرورة التدخل في الشأن الداخلي السعودي وإثارته دون أن يصدر بحقها أي عقوبة أو تنبيه من الحكومة الإيرانية فهذا يعني تواطؤ النظام وقبوله بذلك وربما تكون تصريحات المسئولين الإيرانيين هي من قادت، بشكل أو بآخر، تلك الصحف على كل ذلك التطاول المقزز. وقد قالها صراحة، إبراهيم آقامحمدي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، بأن وزارة الإرشاد التي أحالت صحيفة إلى المحاكمة لإساءاتها المتكررة لدول الجوار، قد ارتكبت خطأ فادحاً بفعلتها هذه، زاعماً بأن السعودية تتآمر مع من وصفهم بالأعداء (أمريكا) ضد إيران، وفق ما نشرته وكالة أنباء فارس شبه الرسمية.

 تتحدث إيران دائماً عن حضارة تمتد إلى 2500 سنة وتقدم نفسها بالقوة العظمى والوحيدة في المنطقة وأنها حامية أمن الخليج العربي والمُلهِمة في الحنكة السياسية والدبلوماسية ثم نرى أن زعماءها وقادتها ينحدرون إلى هذا المستوى أو يسمحون بذلك في وسائلهم الإعلامية التي بعضها تمتلكها مؤسسات حكومية وأمنية معلنة. من يعيش على ذكرى الماضي يبقى حبيس تلك الحقبة وتسيطر عليه مما قد يقوده إلى ارتكاب بعض الأخطاء الفادحة. إن هذا الاسفاف الإعلامي يؤثر على تاريخ هذه الدولة الجارة ويسيء إلى مكانتها إقليمياً ودولياً كما أن ذلك يكشف أمام شعبه في المقام الأول، ناهيك عن المتابعين من الخارج، يكشف مدى هشاشة هذا النظام والصعوبات التي يواجهها. وبالفعل فقد بدأت بعض الشخصيات المنصفة والمتزنة في الداخل الإيراني تتعجب من هذا الانحدار الرهيب الذي تشهده إيران خلال هذه الفترة ولكنها لا تستطيع، في غالب الأحيان، الإفصاح بمعظم انتقاداتها للنظام خشية البطش والقمع، وبالتالي تكتفي بالانتقاد على استحياء أو بصورة غير مباشرة أو حادة والتساؤل هل نرضى أن تكال مثل هذه الشتائم لإيران أو رموزها الوطنية.

 الدوافع والأسباب للتهجم على المملكة:

تعد المسألة واضحة جداً ولا اعتقد أنها تخفى على ذكاء الشارع الإيراني وفطنته. لقد قدم الرئيس روحاني وعوداً كثيرة للشعب الإيراني خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه ولكن غالبية هذه الوعود لم تتحقق بل واتجهت الأمور في المسار المعاكس. لقد وعد بحل مشكلة البطالة ولم ينجح ووعد بضبط الأسعار وكبح جماح التضخم الاقتصادي فارتفع سعر رغيف الخبز الذي يعد غذاء الأسر الإيرانية الأول بنسبة 30%، وراهن على رفع العقوبات الخراجية ولم ينجح حتى اللحظة كما وعد بتحسين العلاقة مع دول الجوار فزاد الأمر سوءاً.  ليس ذلك، كله أو بعضه، بسبب تدخلات خارجية أو ظروف طارئة بل لأنه استمر في تكرار الأخطاء ذاتها التي وقع فيها سلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد. لقد نأت دول الخليج العربي بنفسها عن معاملة إيران بالمثل وهي ليست عاجزة عن ذلك مطلقاً ولكنها تتخذ من سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين مبدئاً رئيسياً في سياساتها. 

الحلول:

بداية، يحتاج الإعلام الإيراني أو من يوجهه ضد دول الجوار إدراك أن التعامل مع الخلافات السياسية من خلال الهجوم الإعلامي الذي يتجاوز حدود اللباقة وآداب المهنة يدل على ضعف الحجة والموقف من خلال انتهاج مسلك تهييج الشارع ضد ذلك الخصم والمنافس الإقليمي.  من هذا المنطلق، ولحل المشاكل الحقيقية التي تواجهها طهران بعيداً عن لوم الآخرين، تحتاج طهران إلى إعادة استراتيجياتها الإقليمية التي لم تجلب لها حتى اللحظة إلا مزيداً من النظرة السلبية في محيطها الإقليمي، ولعل آخر الدراسات في هذا الصدد ما نشر مؤخراً حول نظرة العراقيين تجاه إيران، حيث تظهر الدراسة أن وجهات النظر السلبية تجاه إيران قد كانت في عام 2008م 22% فقط، وارتفعت إلى 24% في عام 2010م، وتواصل الارتفاع إلى 29% في عام 2013م، وبلغت مؤخراً في أكتوبر الماضي 2014م 41%. بعبارة أخرى، كلما زاد تدخل إيران في الشأن العراقي الداخلي كلما زادت النظرة السلبية تجاه طهران.
  

لذا، ولتصحح صورتها في المنطقة وتتغلب على المشاكل التي تعصف بها داخلياً وخارجياً، تحتاج إيران للقيام بعدة خطوات جادة يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

1)

التوقف عن العزف على فزاعة العدو المتربص لإرهاب الشارع الإيراني والضرب بعصا الخطر الخارجي لعدم تحقيق المطالب الشعبية المتراكمة

2)
بدلاً من تبديد أموال الشعب الإيراني على المليشيات المسلحة في المنطقة، بداية من لبنان ومرورا بالعراق وسوريا والبحرين وانتهاء باليمن، على النظام الإيراني تحويل هذه الأموال إلى الداخل وانتشال الشعب من الفقر المقذع الذي يعيش فيه وحل مشاكل البطالة وإدمان المخدرات التي تعصف بالمجتمع الإيراني الصديق وقادت إلى تدهور أوضاعه منذ ثورة 1979م. ولقد عبر الشارع الإيراني عن امتعاضه من هذا التوجه الحكومي عدة مرات ويتذكر الجميع شعار الشباب الإيراني "لا غزة ولا لبنان،،، روحي فداء إيران". لكن النظام الحاكم لايزال يتجاهل ذلك ويبحث عن مبررات خارجية واهية.

3)
الاقتناع بأن السعي لإنتاج السلاح النووي وبالتالي محاولة تهديد دول المنطقة بذلك لن يُخرج إيران من مشاكلها الداخلية ولن يُحسّن المستوى المعيشي للشعب الإيراني أو كما يقول الإيرانيون (لن نتناول النووي على المائدة) ولعل حالة كوريا الشمالية خير شاهد على ذلك.

4)
الاعتراف للشعب الإيراني بالأخطاء السابقة سيكون أول الخطوات نحو التصحيح والخروج من المأزق إلا أن ذلك قد يصطدم بطبيعة الشخصية الحاكمة في إيران التي تميل كثيرا إلى المكابرة في غالب الأحيان وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه الشاه قبل أن يسقطه الإيرانيون في عام 1979م.

 ختاماً نذكر الجميع بأن السعودية ووسائلها الإعلامية قد نأت بنفسها عن معاملة إيران بالأسلوب ذاته، ليس لأنها عاجزة عن ذلك، بل لأنها لا تراه من بين الخيارات اللائقة باسمها وسمعتها كما أن السعودية ليست في حرب مع إيران حتى وإن أرادت طهران إقناع شعبها بذلك للخروج من الصعوبات التي تواجهها. إن عدم انسياق السعودية خلف هذه الحملة الإعلامية الشعواء يعد في حد ذاته درساً كبيراً لوسائل الإعلام الإيرانية التي ركبت موجة الإساءة للمملكة وكررت أسطوانات مشروخة حول هذا الوطن وقيادته وشعبه.