تويتر

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط.. سيناريو معقد، وتغيرات جذرية

 


 

شؤؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي  

موازين القوى

 تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة مفصلية في تاريخها، وتشهد تغييرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، وإعادة هيكلة التحالفات، واستبدال الحلفاء القدماء بآخرين جدد، وفقًا لاعتبارات ترسمها القوى العظمى، وإن كانت غير واضحة المعالم حتى الآن. يأتي على رأس هذه التغيرات التقارب الإيراني الأمريكي، وتغير نغمة معظم الدول الأوروبية تجاه إيران بعد وصول الرئيس حسن روحاني إلى منصب الرئاسة، ونشهد في الوقت الراهن تقاربًا معلنًا وغير مسبوق بين إيران والولايات المتحدة، ولقد حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني تقديم صورة مغايرة لإيران عن تلك التي قدمها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على مدى ثمان سنوات، ولقد ألقى روحاني باللوم بشكل مباشر أو غير مباشر على الحكومة السابقة في خلق صورة سلبية وموجة عداء بين إيران والعالم.

إلا أن مثل هذه الادعاءات لا تتجاوز كونها محاولة للخروج من عنق الزجاجة التي تمر بها إيران على المستويين السياسي والاقتصادي. الغرب يدرك جيدًا أنه في وضع يسمح لهذه الدول على مساومتها على عدة قضايا مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران، وقد نشهد تنازلات كبيرة من الجانب الإيراني فيما يتعلق ببرنامجها النووي وتعاونها مع لجان التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

من المؤكد أن الغرب يحتاج لإيران على عدة محاور، من أهمها الوضع في أفغانستان بعد الانسحاب الكامل للقوات الدولية من الأراضي الأفغانية. من جانب آخر، وبحكم التقارب الكبير بين إيران والحكومة العراقية الراهنة، يحتاج الغرب -وواشنطن تحديدًا- لخدمات إيران فيما يتعلق بالوضع الأمني والسياسي على الأراضي العراقية أيضًا. أما فيما يتعلق بالأزمة السورية، فالولايات المتحدة أيضًا في حاجة لإيران بحكم التحالف القوي بين طهران ودمشق، فالدول الغربية تخشى أن تصل الأسلحة الكيميائية التي يملكها النظام في حالة سقوطه على أيدي الثوار إلى الجماعات الإسلامية المسلحة وتنظيم القاعدة، وبالتالي قد يتم استخدام هذه الأسلحة الخطيرة ضد مصالح غربية أو ضد إسرائيل، لذا فقد شاهدنا مؤخرا اتفاقية تسليم الأسلحة الكيميائية السورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهذا لم يكن له أن يتحقق بدون التدخل الإيراني والروسي لدى النظام السوري وإقناعه بذلك.

نظرة جديدة

هذا النظرة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط لا يمكن أن ينظر إليها بأنها نتيجة لظروف أو تطورات جديدة، بل إن التقارب الإيراني الغربي الذي نشهده حاليًا يسير وفق استراتيجية معينة خاصة، وخطط بعيدة المدى لن تظهر نتائجها على المدى القريب، كما أن التخطيط لذلك ليس وليد اللحظة أيضًا. الواقع أن هناك عدة نداءات أطلقها باحثون أمريكيون تطالب بتغيير تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، ومن بينهم الباحث الأمريكي “ستيفن كينزر” صاحب كتاب “إعادة تشكيل الشرق الأوسط: الأصدقاء القدامى والحلفاء الجدد: السعودية، تركيا، إسرائيل وإيران” (Reset the Middle East: Old Friends and New Allies: Saudi Arabia, Turkey, Israel, Iran) صدر في 2011، والذي يؤكد على ضرورة التحالف مع إيران وتركيا بدلاً من السعودية وإسرائيل؛ لأن تلك الدول -وفقًا لوجهة نظر الكاتب- تشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية في عدد من القيم والتوجهات التي تتقاطع مع الخطط المستقبلية للولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، وقد يكون هذا التحسن في العلاقات بين طهران وواشنطن مقدمة لمزيد من التعاون المستقبلي، ولكن ذلك مرهون بعدة جوانب في الداخل الإيراني أيضًا. من جهة أخرى يؤكد الكاتب أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع السعودية والتحالف الطويل معها لا يجب أن ينتهي بجرة قلم، بل يحتاج لبعض الوقت ليتم التراجع التدريجي عن التحالف مع السعودية وإسرائيل، من جانب، وتتقوى العلاقة مع الحليفين الجديدين، إيران و تركيا، من جانب آخر. ويضيف كينزر: من أجل أن يتم التحالف المتكامل مع إيران، وتعود العلاقة كما كانت قبل الثورة، فعلى الولايات المتحدة أن تغير من سياساتها ونظرتها تجاه إيران، كما يجب على إيران أن تفعل الشيء ذاته تجاه أمريكا. فإيران يجب أن تتغير بشكل كبير جدًا، وعلى تركيا أن تجري بعض التغييرات أيضًا، ولكن ليس بالمستوى الذي يجب أن يحدث في إيران، وفق وجهة نظر الكاتب


إيران والغرب.. أهمية استراتيجية

وعودًا على بدء، فرغم اللغة العدائية المتبادلة بين إيران وبعض الدول الغربية بيد أن ضرورة التعاون فيما بينهم في قضايا تهم الجانبين لم يحل دون التعاون في ظل المصالح ذات الاهتمام المشترك. تمثل إيران بالنسبة للغرب أهمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهناك تعاون كبير بين الجانب الإيراني والغربي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو. فإيران تعاونت بشكل مباشر مع الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان واحتلال العراق على حد سواء.

إذن هناك تقاطع للمصالح بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسة المستقبلية تجاه الشرق الأوسط، وهذا يقلق حليف إيران التقليدي، الجانب الروسي، ولقد برزت تحفظات موسكو على هذا التقارب بشكل أكثر وضوحًا في الأيام القليلة الماضية. فتعليقًا على المباحثات بين مجموعة 5+1 وإيران التي استضافتها جنيف مؤخرًا، أبدت روسيا عدم تفاؤلها بإحراز تقدم كبير في هذه المفاوضات، وقالت رئيس الوفد الروسي المفاوض في مجموعة الست أن مباحثات جنيف لا تضمن إحراز تقدم في اللقاءات القادمة، وأن “مسافة الخلاف بين إيران والقوى الكبرى تحسب بالكيلومترات بينما يحسب التقدم الحالي ببضع خطوات”.

هذا التصريح الروسي المفاجئ أثار حفيظة الإعلام الإيراني، ورأى في ذلك ما أطلقت عليه بعض المواقع الإيرانية عبارة “التوجه الروسي التخريبي”. في هذا الصدد علق الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الإيراني الدكتور مهدي مطهرنيا قائلاً: إذا ما وصلت إيران في الوقت الراهن إلى نقطة التقاء وتفاهم مع الولايات المتحدة وكسبت ثقة واشنطن، فإن روسيا سوف تدخل على الخط وتحاول إفساد ذلك بطريقة أو أخرى، وقد تسعى موسكو إلى تشجيع التيار الراديكالي في طهران إلى الوقوف في وجه أي تقارب مع واشنطن. وأضاف مطهرنيا: تصريح المسئول الروسي المشارك في المفاوضات التي جرت في جنيف كان بمثابة تموضع روسي منفعل ومتسرع في مواجهة التقدم السريع في المباحثات النووية بعد اجتماع نيويورك”.

وأضاف في مقابلة أجراها معه موقع “فرارو” الإيراني الشهير قائلاً: يدرك الروس جيدًا أن وصول إيران والمجتمع الدولي إلى نتائج ملموسة خاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وحل الخلاف الإيراني- الأمريكي، ومع الأخذ في الاعتبار ما يجري في سوريا وما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقه في الشرق الأوسط، أن ذلك كله يعني أن روسيا ستخسر اللعبة السياسية في الشرق الأوسط بشكل كامل. كما أن رفع الحظر المفروض على صادرات إيران من الغاز والنفط ليس من صالح الجانب الروسي الذي يعد أحد المنافسين البارزين لإيران في هذا الجانب.

روسيا.. الحليف الغاضب

الواقع أن روسيا في السابق قد استفادت كثيرًا من العداء المعلن بين إيران والمجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدًا، وكانت تلعب بالورقة الإيرانية كثيرًا في موضوع التوازنات السياسية الدولية والإقليمية، وبالتالي فموسكو لن ترغب في خسارة مثل هذه الورقة، ولن تفرط فيها بكل سهولة. السؤال هنا، ما هي البدائل التي تملكها روسيا إن نجحت أمريكا في ضم إيران إلى جانبها؟ يعلم الجميع أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الخليج العربي خاصة المملكة العربية السعودية ليست في أفضل حالاتها في الوقت الراهن، وبرز تباين واضح في وجهات النظر بين واشنطن والرياض حول ما يجري في سوريا ومصر، وعملية السلام في الشرق الأوسط والتقارب الإيراني الأمريكي. ظهرت حالة عدم الرضا السعودية تجاه سياسات واشنطن في اعتذار المملكة عن قبول المقعد المؤقت في مجلس الأمن، وقبل ذلك إلغاء السعودية كلمتها في اللقاء الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. هذا الفتور في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، والتقارب بين الأخيرة وإيران من جانب، وحالة عدم الرضا الروسية بسبب هذا التقارب، قد يقود إلى تحالف سعودي- روسي في حالة نجحت الرياض في إقناع موسكو بتغيير موقفها من الأحداث الجارية في سوريا، وتخليها عن دعم بشار الأسد. التحدي الأكبر الذي يقف في وجه هذا التحالف يكمن في دور المملكة العربية السعودية والدول العربية في إسقاط الاتحاد السوفيتي خلال الحرب على أفغانستان، وهي عقبة حقيقية إلى جانب خشية روسيا من أي نفوذ سعودي في الجمهوريات الإسلامية التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وخشية موسكو من دعم الرياض للجماعات الإسلامية هناك والتي تشكل -من وجهة النظر الروسية- خطرًا حقيقيًّا على الأمن القومي الروسي، إلا أن ذلك قد يكون عامل في التقارب والتفاوض أيضًا.

الصين .. لاعب قوي

إضافة إلى روسيا، تمثل الصين أيضًا حليفًا آخر لإيران، وفي الوقت ذاته تعتبر علاقتها مع الولايات المتحدة ليست في أفضل حالتها ومنافسًا قويًا، وقوة صاعدة بسرعة الصاروخ تحسب لها واشنطن كثيرًا، كما أن بكين لاعب أساسي في ميزان القوى العالمية، وهي كما نعلم جميعًا تعتمد على القوة الناعمة، الأقتصاد، لبسط نفوذها في كل الاتجاهات، وتعمل دون ضوضاء إعلامية ومتحفظة جدًا في تصريحاتها فيما يتعلق بالصراعات السياسية الدولية. التحالف مع الدول الخليجية التي تملك قوة اقتصادية كبيرة، وتشهد ثورة عمرانية ومشاريع استثمارية مغرية يتناغم مع تطلعاتها وأهدافها الاستراتيجية خاصة في ظل ما نشهده من أزمة الديون الخانقة التي تمر بها الولايات المتحدة، كما لا ننسى أن السعودية تؤمن الصين بالحصة الأكبر من وارداتها النفطية.

توجه الجانب التركي في هذه المعادلة ليس واضحًا رغم أننا شهدنا تحولاً نسبيًا في الموقف التركي من الأوضاع في سوريا، فلقد قامت القوات التركية بضرب مواقع على الحدود التركية السورية قالت أنقرة إنها تابعة لجماعة داعش المسلحة والمرتبطة بتنظيم القاعدة. بعض المحللين رأوا هذا الموقف بمثابة تغير في الموقف التركي من الثورة السورية، ورسالة حسن نوايا موجهة للجانب الأمريكي بأن أنقرة تحارب الإرهاب والجماعات الإرهابية. إضافة إلى ذلك، فأنقرة وواشنطن يتبنيان موقفًا متطابقًا إلى درجة كبيرة فيما يتعلق بالأوضاع في مصر، وعدم موافقتهما على عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وهي أيضًا نقطة خلاف واضحة بين السعودية من جانب، وتركيا وإيران من جانب آخر بحكم العلاقة، التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير، بين طهران والقاهرة، وتطورت سريعًا خلال فترة رئاسة محمد مرسي، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً بسبب أحداث 30 يونيو، وعزل الرئيس مرسي من منصبه. كل هذا قد يقود إلى تحقق مثلث التحالف الأمريكي- الإيراني- التركي الجديد في الشرق الأوسط.

ختامًا، نعم المعادلة بكاملها معقدة جدًا، وسيناريو التغير الجذري في التحالفات السياسية وقلبها رأسًا على عقب خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط، حيث الموقع الجغرافي الحساس وتمركز منابع الطاقة العالمية في هذه البقعة من العالم ليس بالأمر السهل والسريع، ولكن ذلك ليس مستبعدًا إطلاقًا، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت.

المصدر: مجلة المجلة

الجمعة، 18 أكتوبر 2013

المركز الخليجي للدراسات الإيرانية.. ضرورة وليس ترفا


شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي


تحيط بنا في دول الخليج العربي دول وشعوب متنوعة الثقافات ومتباينة من الناحية الآيديولوجية والفكرية، وبطبيعة الحال التاريخية، والعلاقات بين تلك الدول ودول الخليج العربي مرت وتمر بمراحل تتأرجح بين التوتر والجمود تارة، والتحسن والتقارب تارة أخرى. وفي جميع الحالات، نحتاج لأن نتعرف عن كثب على طريقة تفكير شعب أو حكومة دولة ما لكي نستطيع أن نتواصل معها بالطريقة الصحيحة من دون مبالغة أو أي أحكام مسبقة، كما أنه في الوقت ذاته لا يمكننا مطلقا تجاهل دولة جوار ونزعم أننا لا نكترث بما ينشر في وسائلها الإعلامية ولسنا في حاجة إلى فهمها. إن هذا هروب من الحقيقة وابتعاد عن واقع العصر الذي نعيشه والدور الذي يلعبه الإعلام في رسم الكثير من السياسات والتأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء.
كتب الأستاذ مشاري الذايدي قبل حوالي ثلاثة أسابيع حول هذا الموضوع وتساءل عن وجود خليجيين متخصصين في الشأن الإيراني يجيدون اللغة الفارسية وثقافة إيران وتاريخها. ولعله أصاب في طرح هذا الموضوع الذي شخصيا تحدثت عنه كثيرا في بعض وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ليس هناك ما يمنع من طرحه مجددا وبشكل أكثر وضوحا لعله يجد آذانا صاغية هذه المرة.

بحكم التخصص في الشأن الإيراني، سأركز هنا على علاقتنا بالجار المطل على الخليج العربي من الجهة الشرقية. نحتاج بادئ ذي بدء أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل نفهم الجار الإيراني كما ينبغي؟ شخصيا، لا أعتقد ذلك، وهناك أسباب عدة سأطرح بعضها هنا. يجب أن نعترف بداية بأن معظم ما يصل وسائلنا الإعلامية الخليجية عن الداخل الإيراني يجري عبر وسيط ثالث، ألا وهو وكالات الأنباء العالمية، والغربية تحديدا، وهذا بطبيعة الحال لا يجعلنا على اطلاع تام على الأحداث هناك، ومتابعة المستجدات على الأرض أولا بأول. إضافة إلى ذلك، يجب أن نعترف أيضا بأن الإعلام الغربي يركز غالبا على الأحداث التي تكون داخل نطاق اهتماماته أو ما يكون مرتبطا بقضية دولية معينة، كالبرنامج النووي الإيراني وملف حقوق الإنسان ونحو ذلك.
لنطرح الفكرة بصورة أخرى: هل تتطرق وسائل الإعلام الدولية لما يعرض في الإعلام الإيراني ويخص الشأن العربي على وجه التحديد؟ بطبيعة الحال الإجابة ستكون بالنفي. إذن علينا كخليجيين التركيز على ذلك ورصده قبل غيرنا ونتابع بشكل لصيق كل ما يدور في دولة لا يفصلنا عنها إلا مسطح مائي لا يتجاوز عرضه عشرات الكيلومترات.

لهذا كله ولكي نفهم سياسة إيران والتصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة من تلك الدولة نحتاج إلى فهم ثقافة الشعب الإيراني وطريقة تفكيره أيضا، نظرته لدول الجوار العربي، شعوبا وحكومات. هذا الفهم لا يمكن استنتاجه بسهولة من خلال تحليل مقال صحافي أو مقابلة تلفزيونية أو تصريح رسمي. تعقيدات الشخصية الإيرانية أكبر من ذلك بكثير، وما لم نفهم هذه الشخصية جيدا فقد يشعر البعض أحيانا بأن هناك حلقة مفقودة بسبب ما يبدو من الوهلة الأولى من تناقض في التصريحات وردود الفعل تجاه حدث ما.

بالأخذ في الاعتبار جميع ما تقدم نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري وهو ما نحتاج؟ وما الذي يجب علينا فعله؟ ما أود قوله هنا هو وببساطة شديدة حاجتنا الملحة جدا لتأسيس مركز يهتم بالشأن الإيراني وعلى كافة المستويات، سواء سياسية وتاريخية وثقافية واقتصادية، وفي مجال علم الاجتماع والأمن، ونحو ذلك.

لا ينبغي النظر مطلقا إلى المناداة بتأسيس مركز الدراسات الإيرانية على أنه يأتي كردة فعل على العلاقة المتوترة حاليا بين إيران ومعظم دول الخليج، حتى وإن كان ذلك محفزا قويا بحد ذاته، فعمل المركز لا ينبغي أن يكون كذلك ولا يتأثر بطبيعة العلاقات السياسية وتقلباتها مطلقا، بل يكون مركزا بحثيا يعمل على استراتيجية محددة وأهداف يسعى إلى تحقيقها.
ولعل من نافل القول التأكيد على أن معظم جامعات دول العالم الغربي تضم مراكز بحثية تهتم بالدراسات الإيرانية، ولا تكاد تخلو جامعة عريقة من هذه الأقسام والمراكز المهتمة بالشأن الإيراني. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هناك أكثر من مائة مركز دراسات ومركز بحثي يهتم بشكل كلي أو جزئي بالدراسات الإيرانية. هذا الأمر ينطبق أيضا على كافة الجامعات الأوروبية العريقة في بريطانيا، مثل أكسفورد، وكمبريدج، ولندن، أو جامعة ليدن الهولندية، وجامعتي برلين وبون الألمانيتين، والقائمة طويلة جدا.

من جانب آخر، هناك عشرات المراكز البحثية الإيرانية التي تركز بشكل مباشر على الشأن العربي وترصد كل ما يطرح في وسائلنا الإعلامية بشكل يومي. بل إن الأمر تجاوز ذلك بكثير، إذ تقوم مواقع إيرانية على الإنترنت بترجمة العناوين التي تتصدر صفحات الجرائد والمجلات العربية وتضعها بين يدي القارئ الإيراني ليكون على اطلاع على أهم ما يجري طرحه في دول الجوار العربي.

وللعودة إلى الفكرة الرئيسة، المركز الخليجي للدراسات الإيرانية الذي أتمنى أن يرى النور قريبا، ينبغي أن يكون من أولوياته إجراء دراسات أكاديمية بحثية معمقة تركز على الداخل الإيراني، اقتصاديا، سياسيا، ثقافيا وتاريخيا. أي أن الهدف هو تشكيل مركز دراسات إيرانية يهتم بالجانبين الأكاديمي والإعلامي، ويضم في عضويته أبناء الخليج العربي المهتمين بالشأن الإيراني. قد يرى البعض أن مركز الخليج للأبحاث الذي يشرف عليه الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر - وأنا أوجه له خالص التحية والتقدير - يقوم بنفس عمل المركز الذي أطالب به. نعم مركز الخليج للأبحاث يقوم بجهود رائعة تذكر فتشكر، ولكن نحن في زمن التخصص الدقيق، والمركز الذي أنادي بإنشائه يأتي مكملا لدور مركز الخليج للأبحاث، ولديّ الكثير من الأفكار والخطوط العريضة لطبيعة هذا المركز وأقسامه والمهام التي يجب أن تناط به.

ختاما، أعلم جيدا أن هناك شبابا متحمسين، وعدد منهم يتقنون اللغة الفارسية في عدد من دول الخليج العربي، وكل ما يحتاجونه هو مظلة مؤسسة بحثية تجمعهم معا لتجري الاستفادة منهم في خدمة أوطانهم، ويتبادلوا الخبرات فيما بينهم بعيدا عن العمل الفردي والعشوائي.  هذا هو الهدف الذي أتمنى أن يتحقق قريبا، وأن تجد هذه الفكرة من يتبناها ويعمل على تحويلها إلى واقع ملموس.. والله من وراء القصد.

المصدر: الشرق الأوسط      

الأربعاء، 9 أكتوبر 2013

التعايش العربي الإيراني... حلماً أو حقيقة؟



شؤون إيرانية



على الرغم من اللغة المتشنجة والمتوترة المسيطرة على الإعلام العربي والإيراني خلال فترة ليست بالقصيرة  إلا ذلك لا يمنع طرح الخيار الآخر أيضا. لغة التصعيد ومهاجمة الدول العربية والخليجية تحديدا كانت ولاتزال النغمة السائدة على الإعلام الإيراني المقروء منه والمسموع هي. لم تتوقف وسائل الأعلام عن مهاجمة قيادات الخليج ومحاولة إثارة الخلافات والعزف على الوتر الطائفي وبصور مختلفة.
 

ربما طرح مثل هذه السياسات وفي ظل المناخ الحالي السائد في المنطقة فيه شيء من السباحة ضد التيار ولكن  يجب أن نعلم يقيناً لا خيار لإيران  والدول العربية، حتى لو لم تكن لديهم الرغبة الحقيقة في ذلك في الوقت الراهن ، سوى التعايش فالأفضل أن يكون هذا التعايش جنباً إلى جنب مع التعاون وخلق الفرص المتبادلة من أجل ارتقاء المصالح المشتركة بين الطرفين لا الصراع الذي نعيشه واقعاً ملموساً. فالواقع يقول أن الجوار الجغرافي يحتم على الجانبين العربي والإيراني خيار التعاون والتفاهم والتخلص من  اللغة المتشنجة خاصة من الجانب الإيراني. ولكن السؤال الأهم الذي يقفز تلقائيا الى المقدمة يتمثل في كيفية تحقق هذا التعايش القائم على الاحترام المتبادل بعيدا عن التدخل في شؤون الجانب الآخر.
 

لن تواجه إيران صعوبة كبيرة في التزام الدول العربية بحسن الجوار والالتزام بالمبادئ الأساسية لأي محاولات لطمر الهوة بينها وبين الجانب الإيراني، إلا أن الجانب العربي والخليجي تحديدا ولأسباب عديدة يبقى متوجسا من أي انفتاح على إيران ما لم تعترف إيران وبكل شجاعة بأخطاء الماضي والتعهد على فتح صفحة جديدة مع دول الخليج أساسها احترام استقلالية أراضي هذه الدول والتخلص من التعنت في حل القضايا العالقة وعلى رأسها قضية الجرز الاماراتية الثلاث والتوقف تماما عن الحديث عن البحرين.
 

في هذا الاتجاه قمت مؤخرا بطرح سؤالا في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" حول التعايش بين الدول العربية و إيران وطلبت من المتابعين طرح وجهات نظرهم حول الموضوع ومدى موافقتهم أو معارضتهم للعلاقات مع إيران والتعايش معها. كان التفاعل كبير جدا فالبعض رد بشكل مباشر على التغريدة التي اطلقتها وآخرون عبروا عن وجهات نظرهم من خلال الوسم (الهاشتاق) الذي انشاءته لهذا الغرض. كانت الردود، في معظمها، جميلة وموضوعية وإن كان البعض قد خرج عن نقطة النقاش أو ركز على الخلاف الطائفي دون تقديم أي حلول حقيقية.

قمت بجمع هذه التغريدات وأخذت أفكر في كيفية تقديمها لمن لم يتابع الوسم (#التعايش_مع_إيران) أو الردود على تغريدتي، فكان أفضل نتيجة وصلت إليها هو تقديم تلك الأفكار والروئ كما هي، مع محاولة تفادي التكرار قدر الإمكان. الهدف من نشر هذه التغريدات يمكن في محاولة إبراز ردود أفعال  شريحة لا بأس بها من المغردين العرب تجاه هذا الموضوع، وبعبارة أخرى يمكن وصف ذلك باستطلاع محدود للرأي العربي عبر تويتر. هنا بعض التغريدات مذيلة بوجهة نظري الشخصية في هذا الموضوع كما وعدت في تغريدتي أن أدلي بدلوي لاحقا:

 

·       اعتقد أن شروط التعايش لا يمكن تطبيقها مع إيران لأن المشكلة تكمن في النية وهذا من الصعب الجزم بصدقها
 

·       أن تلغى الطائفية من الجانبين الإيراني والعربي وتتحد دول مجلس التعاون وتكون قوة عسكرية بعد ذلك يكون لها احترامها 

·       احترام الهوية القومية للكل، عدم التدخل إيران في شؤوننا وألا تكون العلاقات الغربية الإيرانية على حساب دول المنطقة العربية

·       الند للند وغير ذلك لا يمكن التعايش


·       لا يمكن التعايش معهم حتى تستوي كفتي الميزان، حين نكون مؤثرين في الداخل الإيراني ولنا قوتنا العسكرية الرادعة، هنا نتعايش


·       تخلي الإيرانيون عن النظرة الدونية للعرب 

·       تأسيس مصالح مشتركة تراعي التوازن في المواقف، تتخلى إيران عن الدبلوماسية العقدية

·       التخلي عن مشروعها التوسعي الشرط رقم واحد
 
·       لا يمكن نتعايش مع من نختلف معه في العقيدة، مسمى الخليج العربي يسبب حساسية كبيرة (لدى الإيرانيين) فما بالك التعايش مع حقد دفين على العرب


·       لا أتوقع التعايش بين الجانبين لأن هناك نزعة شعوبية قوية


·       لا شك أن لإيران مشروعا في المنطقة والحل أن يكون لنا كعرب مشروع مضاد

·       التخلي عن اطماعها التوسعية وإذكاء الفتن داخل الدول العربية ومنح الأحوازيين حقوقهم ومع ذلك فهم لن يقبلوا بشئ
 

·       الحوار في أوجه التعاون الآنية.. في سبيل خلق أرضية لحل المواضيع ذات الاختلاف
 

·       لا أمل في التعايش السلمي مع إيران مالم يتوقف طموح إيران الديموغرافي ونتوقف جميعا عن المهاترات الطائفية ونحقق التوازن العسكري

·       بناء الثقة والكف عن التشكيك في النوايا واعتبار الطرفين بعضهم البعض كأصدقاء وشركاء وليس كخصوم وأعداء فما يجمعهم أكثر مما يفرقهم 

·       الشروط من الجانب العربي إعادة الجزر الإماراتية وعدم التدخل وإذكاء الفتن في الدول العربية واثبات حسن النوايا واحترام شعوب وحكام الخليج

·       إيران إذا أرادت التعايش مع العرب بسلام عليها كف تدخلاتها بشؤوننا بخطوات إيجابية ملموسة وليس بتصريحات إعلامية زائفة
 

·       التوقف عن تهميش السنة في إيران وتقديم المشاريع التعليمية والصحة وتوفير حياة كريمة لهم كما نعمل مع الأقلية الشيعية في بلداننا

 
·       إيران جار لم نختاره. وأرى تكثيف اللقاءات و الحوار المعمق والجاد المبني على المصلحة الوطنية الصرفة مع القوة ومد ونشر ثقافتنا في الشارع الإيراني والوصول إلى المواطن هناك باللغة الفارسية بشكل مكثف ومركز، تقوية وحماية الجبهة الداخلية واللحمة الوطنية لدينا، العودة الجادة للانتشار في عواصم العالم الإسلامي وعدم ترك أي فراغ لإيران أو مساحة يمكن أن تستغلها، إنشاء مراكز أبحاث وفكر استراتيجي متخصصة في الشأن الإيراني  وأخيرا بحث فرص التعاون النووي السلمي والتنسيق في مجال النفط والغاز وهذا بحد ذاته سيولد مصالح مشتركة ملموسة وفاعلة (سلسلة من التغريدات من شخص واحد)

 

·       بناء استراتيجية دفاعية إن لم تكن توسعية وإنشاء مراكز أبحاث مخصصة بالشأن الإيراني بكل نواحيه العسكرية والعرقية والدينية

 
·       طالما هناك حقد تاريخي على العرب لا يمكن الوثوق بإيران كدولة مسالمة

·       عندما تتخلى إيران عن نهجها في تصدير الثورة وتبدئ الرغبة الحقيقية بالسلام حتما سنتعايش معها، فالروابط التي تجمعنا عميقة.

·       نتعايش مع إيران بأن يتفهم ويقبل كل طرف عادات وطقوس الطرف الآخر وإن تبادلوا المصالح باتفاقيات عادلة وقنعة ومفيدة

 وجهة نظري الشخصية:

نستطيع التعايش مع إيران كما تعايشنا معها قبل ثورة 1979م، فإيران دولة جارة تجمعنا بها روابط تاريخية ضاربة في عبق التاريخ والأهم من ذلك أننا لا نستطيع استبدالها بجار أفضل. استعادة الثقة بين الجانبين وبناءها بكل شفافية ووضوح وتخلي إيران عن غرور الشخصية الفارسية وإعادة تقييم الأوضاع بكل عقلانية وبعيدا كل البعد عن الأنا والنزعة القومية الجامحة يساعد كثيرا في ترميم العلاقة بين الجانبين مع ضرورة حل الملفات العالقة والمتراكمة من خلال الدخول في مفاوضات صادقة بعيدة كل البعد عن التصريحات الإعلامية الفضفاضة و التقية السياسية المعتادة. الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد ولكنه ليس مستحيلاً.

همسة: شكرا لكل من شارك وأبدى وجهة نظره في هذا الموضوع ومعذرة لمن شارك ولم يتم إدراج مشاركته هنا، مع العلم بأن التغريدات المنقولة أعلاه تمثل وجهة نظر أصحابها فقط ...

 

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2013

«شرطي الخليج» بين النظرية والتطبيق

 
 
شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
 
 
دار خلال الأيام القليلة الماضية حديث حول اتفاق وشيك بين إيران والولايات المتحدة على حل الملفات العالقة، وتسوية للملف النووي الإيراني، ورفع للعقوبات المفروضة على طهران، وبالتالي يضعان حدا لقطيعة رسمية بين البلدين استمرت لما يقارب 34 عاما. ثم جاء اللقاء الثنائي بين وزيري خارجية البلدين على هامش اجتماع بين مجموعة «5+1» وإيران بشأن ملفها النووي ليرفع مدى صحة هذه المعلومات، ثم الحدث الأكبر الذي أثبت حقيقة هذا الغزل السياسي بين البلدين «اللدودين» بالاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيسين الإيراني حسن روحاني والأميركي باراك أوباما ليؤكد ذلك تلك التكهنات التي جرى تداولها سابقا.
مع كل هذه الأحداث المتسارعة، هل تستطيع الولايات المتحدة والغرب عموما، الاستغناء عن دول الخليج العربي وإعادة إيران شرطيا للخليج؟ يتردد هذا السؤال كثيرا والأجوبة في غالبيتها تؤمن بذلك، ولكل تفسيراته ومبرراته، ولكن على رسلكم يا من تؤمنون بهذه الإجابة، لنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلا ونلق نظرة على الظروف التي كانت تعيشها المنطقة عندما كان البعض يطلق على إيران اسم «شرطي الخليج». كان ذلك قبل ما يقارب نصف قرن أو أقل من ذلك بقليل. كانت إيران البهلوية في أوج قوتها وعنفوان ملكها الشاب محمد رضا بهلوي، وكانت إيران آنذاك تضع حجر الأساس لبرنامجها النووي، وقد احتفلت أيضا في تلك الفترة بمرور 2500 عام على تأسيس الإمبراطورية الفارسية رغم ما خالط ذلك من أساطير بعيدة كل البعد عن التاريخ الحقيقي. في تلك الاحتفالية التي أقيمت بجوار ما يعرف بـ«مقام الملك قوروش» خطب الشاه قائلا: «نعم، نحن شرقيون ولكننا ننتمي إلى العرق الآري. ماذا يكون الشرق الأوسط هذا؟ لا أحد يستطيع أن يجدنا هنا، ولكن في آسيا، نعم! نحن آسيويون ننتمي إلى العرق الآري الذي تعتبر عقليته وفلسفته أقرب إلى الدول الأوروبية وعلى رأسها الجمهورية الفرنسية!». كان الشاه يخطط، كما يفعل قادة إيران الحاليون، لبسط نفوذه على المنطقة وعلى الخليج العربي بضفتيه الشرقية والغربية. إضافة إلى ذلك كان الشاه يحاول جاهدا بناء جزر سياحية تكون «قبلة» للسياح العرب، والخليجيين تحديدا، بدلا من توجههم إلى باريس ولندن وجنيف وغيرها. لقد أعلنها الشاه صراحة بأنه يسعى إلى جذب الأموال العربية التي تصرف على السياحة، وبدأ بمشروعه من جزيرة كيش في الخليج العربي، ولكنه ولسوء حظه، وربما سوء حظ إيران أيضا، لم ير الشاه ذلك المشروع في صورته النهائية، حيث قامت الثورة في عام 1979، وتبدد «الحلم الجميل» والمشروع الكبير.

ماذا عن الكفة الأخرى من المعادلة في ذلك الوقت؟ كانت معظم دول الخليج العربي تخطو خطواتها الأولى نحو التنمية والتعليم العام والجامعي وتشكيل الدولة الحديثة. التركيز كان آنذاك داخليا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ليس هناك مشاريع سياسية كبيرة ولا منافسة إقليمية تستطيع أن تقف ندا ومنافسا للمشروع الإيراني الشاهنشاهي. معظم الدول الخليجية كانت قد نالت استقلالها للتو عن القوى الاستعمارية، والبعض الآخر بدأ يعمل على الوحدة وتشكيل دولة تجمع الجميع وتحت راية واحدة كما فعل الراحل الشيخ زايد بن نهيان.

هذه المعادلة تغيرت تماما في الوقت الراهن. لن أتحدث هنا عن القدرات العسكرية المتقدمة والأسلحة المتطورة التي يملكها الجانب الخليجي أو تلك التي تستعرضها إيران على شاشات التلفزيون أو في المناورات العسكرية بين الفينة والأخرى، فلسنا هنا بصدد دراسة مقارنة في هذا الجانب، في الوقت الراهن. الواقع الملموس يقول إن دول الخليج العربي وبفضل قوتها الاقتصادية الهائلة وعلاقاتها الدبلوماسية مع دول العالم لم تعد تلك الدول الصغيرة المنكفئة على نفسها قبل خمسة عقود أو أقل من ذلك. تستطيع دول الخليج أن تقف بما تملكه من ثروات في وجه أي تحالف غربي - إيراني ضدها أو صفقات بين الجانبين ضد المنطقة العربية والخليجية تحديدا، وهذا أمر ليس بالمستبعد إذا ما جرى التفكير بعمق وأزيلت القشرة الخارجية المغلفة بشعارات «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل» والتهديد «بنسف إسرائيل من خارطة العالم» أو الشعارات المقابلة التي تضع إيران ضمن «محور الشر» وتصفها بكثير من الأوصاف التي نعلم جميعا أنها مجرد شعارات للاستهلاك الإعلامي وذر للرماد في العيون العربية. نعم تستطيع دول الخليج العربي أن تقف في وجه ذلك ليس بالوضع الذي نعيشه الآن. تحتاج هذه الدول إلى الالتفاف حول بعضها البعض، ويجري تشكيل الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين، ويتحول مجلس التعاون الخليجي الحالي من النظرية إلى التطبيق على الأرض، بحيث نرى سياسة خارجية واحدة ومنظومة مشتركة بين الدول الأعضاء كافة. وهذا الأمر ليس صعبا ولا مستحيلا، بل إن الإرادة السياسية والشعور بالمصير المشترك بعد تقوية الجبهة الداخلية، هو كل ما تحتاجه بالفعل.

حينها، لن تستطيع أي دولة تنصيب نفسها حامية لهذه المنطقة أو مهيمنة عليها، وستكون فكرة شرطي الخليج حقيقة بيد هذا العقد اللؤلؤي الجميل، فهل ستتحقق هذه الوحدة وهذا الاتحاد؟ القرار بيد القيادات الخليجية الحكيمة، وجميع شعوب دول الخليج تنتظر هذا القرار.

المصدر: الشرق الأوسط