تويتر

الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط.. سيناريو معقد، وتغيرات جذرية

 


 

شؤؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي  

موازين القوى

 تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة مفصلية في تاريخها، وتشهد تغييرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، وإعادة هيكلة التحالفات، واستبدال الحلفاء القدماء بآخرين جدد، وفقًا لاعتبارات ترسمها القوى العظمى، وإن كانت غير واضحة المعالم حتى الآن. يأتي على رأس هذه التغيرات التقارب الإيراني الأمريكي، وتغير نغمة معظم الدول الأوروبية تجاه إيران بعد وصول الرئيس حسن روحاني إلى منصب الرئاسة، ونشهد في الوقت الراهن تقاربًا معلنًا وغير مسبوق بين إيران والولايات المتحدة، ولقد حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني تقديم صورة مغايرة لإيران عن تلك التي قدمها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على مدى ثمان سنوات، ولقد ألقى روحاني باللوم بشكل مباشر أو غير مباشر على الحكومة السابقة في خلق صورة سلبية وموجة عداء بين إيران والعالم.

إلا أن مثل هذه الادعاءات لا تتجاوز كونها محاولة للخروج من عنق الزجاجة التي تمر بها إيران على المستويين السياسي والاقتصادي. الغرب يدرك جيدًا أنه في وضع يسمح لهذه الدول على مساومتها على عدة قضايا مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران، وقد نشهد تنازلات كبيرة من الجانب الإيراني فيما يتعلق ببرنامجها النووي وتعاونها مع لجان التفتيش الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

من المؤكد أن الغرب يحتاج لإيران على عدة محاور، من أهمها الوضع في أفغانستان بعد الانسحاب الكامل للقوات الدولية من الأراضي الأفغانية. من جانب آخر، وبحكم التقارب الكبير بين إيران والحكومة العراقية الراهنة، يحتاج الغرب -وواشنطن تحديدًا- لخدمات إيران فيما يتعلق بالوضع الأمني والسياسي على الأراضي العراقية أيضًا. أما فيما يتعلق بالأزمة السورية، فالولايات المتحدة أيضًا في حاجة لإيران بحكم التحالف القوي بين طهران ودمشق، فالدول الغربية تخشى أن تصل الأسلحة الكيميائية التي يملكها النظام في حالة سقوطه على أيدي الثوار إلى الجماعات الإسلامية المسلحة وتنظيم القاعدة، وبالتالي قد يتم استخدام هذه الأسلحة الخطيرة ضد مصالح غربية أو ضد إسرائيل، لذا فقد شاهدنا مؤخرا اتفاقية تسليم الأسلحة الكيميائية السورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهذا لم يكن له أن يتحقق بدون التدخل الإيراني والروسي لدى النظام السوري وإقناعه بذلك.

نظرة جديدة

هذا النظرة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط لا يمكن أن ينظر إليها بأنها نتيجة لظروف أو تطورات جديدة، بل إن التقارب الإيراني الغربي الذي نشهده حاليًا يسير وفق استراتيجية معينة خاصة، وخطط بعيدة المدى لن تظهر نتائجها على المدى القريب، كما أن التخطيط لذلك ليس وليد اللحظة أيضًا. الواقع أن هناك عدة نداءات أطلقها باحثون أمريكيون تطالب بتغيير تحالفات الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، ومن بينهم الباحث الأمريكي “ستيفن كينزر” صاحب كتاب “إعادة تشكيل الشرق الأوسط: الأصدقاء القدامى والحلفاء الجدد: السعودية، تركيا، إسرائيل وإيران” (Reset the Middle East: Old Friends and New Allies: Saudi Arabia, Turkey, Israel, Iran) صدر في 2011، والذي يؤكد على ضرورة التحالف مع إيران وتركيا بدلاً من السعودية وإسرائيل؛ لأن تلك الدول -وفقًا لوجهة نظر الكاتب- تشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية في عدد من القيم والتوجهات التي تتقاطع مع الخطط المستقبلية للولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط، وقد يكون هذا التحسن في العلاقات بين طهران وواشنطن مقدمة لمزيد من التعاون المستقبلي، ولكن ذلك مرهون بعدة جوانب في الداخل الإيراني أيضًا. من جهة أخرى يؤكد الكاتب أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع السعودية والتحالف الطويل معها لا يجب أن ينتهي بجرة قلم، بل يحتاج لبعض الوقت ليتم التراجع التدريجي عن التحالف مع السعودية وإسرائيل، من جانب، وتتقوى العلاقة مع الحليفين الجديدين، إيران و تركيا، من جانب آخر. ويضيف كينزر: من أجل أن يتم التحالف المتكامل مع إيران، وتعود العلاقة كما كانت قبل الثورة، فعلى الولايات المتحدة أن تغير من سياساتها ونظرتها تجاه إيران، كما يجب على إيران أن تفعل الشيء ذاته تجاه أمريكا. فإيران يجب أن تتغير بشكل كبير جدًا، وعلى تركيا أن تجري بعض التغييرات أيضًا، ولكن ليس بالمستوى الذي يجب أن يحدث في إيران، وفق وجهة نظر الكاتب


إيران والغرب.. أهمية استراتيجية

وعودًا على بدء، فرغم اللغة العدائية المتبادلة بين إيران وبعض الدول الغربية بيد أن ضرورة التعاون فيما بينهم في قضايا تهم الجانبين لم يحل دون التعاون في ظل المصالح ذات الاهتمام المشترك. تمثل إيران بالنسبة للغرب أهمية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وهناك تعاون كبير بين الجانب الإيراني والغربي خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو. فإيران تعاونت بشكل مباشر مع الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان واحتلال العراق على حد سواء.

إذن هناك تقاطع للمصالح بين إيران والولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسة المستقبلية تجاه الشرق الأوسط، وهذا يقلق حليف إيران التقليدي، الجانب الروسي، ولقد برزت تحفظات موسكو على هذا التقارب بشكل أكثر وضوحًا في الأيام القليلة الماضية. فتعليقًا على المباحثات بين مجموعة 5+1 وإيران التي استضافتها جنيف مؤخرًا، أبدت روسيا عدم تفاؤلها بإحراز تقدم كبير في هذه المفاوضات، وقالت رئيس الوفد الروسي المفاوض في مجموعة الست أن مباحثات جنيف لا تضمن إحراز تقدم في اللقاءات القادمة، وأن “مسافة الخلاف بين إيران والقوى الكبرى تحسب بالكيلومترات بينما يحسب التقدم الحالي ببضع خطوات”.

هذا التصريح الروسي المفاجئ أثار حفيظة الإعلام الإيراني، ورأى في ذلك ما أطلقت عليه بعض المواقع الإيرانية عبارة “التوجه الروسي التخريبي”. في هذا الصدد علق الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الإيراني الدكتور مهدي مطهرنيا قائلاً: إذا ما وصلت إيران في الوقت الراهن إلى نقطة التقاء وتفاهم مع الولايات المتحدة وكسبت ثقة واشنطن، فإن روسيا سوف تدخل على الخط وتحاول إفساد ذلك بطريقة أو أخرى، وقد تسعى موسكو إلى تشجيع التيار الراديكالي في طهران إلى الوقوف في وجه أي تقارب مع واشنطن. وأضاف مطهرنيا: تصريح المسئول الروسي المشارك في المفاوضات التي جرت في جنيف كان بمثابة تموضع روسي منفعل ومتسرع في مواجهة التقدم السريع في المباحثات النووية بعد اجتماع نيويورك”.

وأضاف في مقابلة أجراها معه موقع “فرارو” الإيراني الشهير قائلاً: يدرك الروس جيدًا أن وصول إيران والمجتمع الدولي إلى نتائج ملموسة خاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، وحل الخلاف الإيراني- الأمريكي، ومع الأخذ في الاعتبار ما يجري في سوريا وما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيقه في الشرق الأوسط، أن ذلك كله يعني أن روسيا ستخسر اللعبة السياسية في الشرق الأوسط بشكل كامل. كما أن رفع الحظر المفروض على صادرات إيران من الغاز والنفط ليس من صالح الجانب الروسي الذي يعد أحد المنافسين البارزين لإيران في هذا الجانب.

روسيا.. الحليف الغاضب

الواقع أن روسيا في السابق قد استفادت كثيرًا من العداء المعلن بين إيران والمجتمع الدولي والولايات المتحدة تحديدًا، وكانت تلعب بالورقة الإيرانية كثيرًا في موضوع التوازنات السياسية الدولية والإقليمية، وبالتالي فموسكو لن ترغب في خسارة مثل هذه الورقة، ولن تفرط فيها بكل سهولة. السؤال هنا، ما هي البدائل التي تملكها روسيا إن نجحت أمريكا في ضم إيران إلى جانبها؟ يعلم الجميع أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الخليج العربي خاصة المملكة العربية السعودية ليست في أفضل حالاتها في الوقت الراهن، وبرز تباين واضح في وجهات النظر بين واشنطن والرياض حول ما يجري في سوريا ومصر، وعملية السلام في الشرق الأوسط والتقارب الإيراني الأمريكي. ظهرت حالة عدم الرضا السعودية تجاه سياسات واشنطن في اعتذار المملكة عن قبول المقعد المؤقت في مجلس الأمن، وقبل ذلك إلغاء السعودية كلمتها في اللقاء الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. هذا الفتور في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، والتقارب بين الأخيرة وإيران من جانب، وحالة عدم الرضا الروسية بسبب هذا التقارب، قد يقود إلى تحالف سعودي- روسي في حالة نجحت الرياض في إقناع موسكو بتغيير موقفها من الأحداث الجارية في سوريا، وتخليها عن دعم بشار الأسد. التحدي الأكبر الذي يقف في وجه هذا التحالف يكمن في دور المملكة العربية السعودية والدول العربية في إسقاط الاتحاد السوفيتي خلال الحرب على أفغانستان، وهي عقبة حقيقية إلى جانب خشية روسيا من أي نفوذ سعودي في الجمهوريات الإسلامية التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وخشية موسكو من دعم الرياض للجماعات الإسلامية هناك والتي تشكل -من وجهة النظر الروسية- خطرًا حقيقيًّا على الأمن القومي الروسي، إلا أن ذلك قد يكون عامل في التقارب والتفاوض أيضًا.

الصين .. لاعب قوي

إضافة إلى روسيا، تمثل الصين أيضًا حليفًا آخر لإيران، وفي الوقت ذاته تعتبر علاقتها مع الولايات المتحدة ليست في أفضل حالتها ومنافسًا قويًا، وقوة صاعدة بسرعة الصاروخ تحسب لها واشنطن كثيرًا، كما أن بكين لاعب أساسي في ميزان القوى العالمية، وهي كما نعلم جميعًا تعتمد على القوة الناعمة، الأقتصاد، لبسط نفوذها في كل الاتجاهات، وتعمل دون ضوضاء إعلامية ومتحفظة جدًا في تصريحاتها فيما يتعلق بالصراعات السياسية الدولية. التحالف مع الدول الخليجية التي تملك قوة اقتصادية كبيرة، وتشهد ثورة عمرانية ومشاريع استثمارية مغرية يتناغم مع تطلعاتها وأهدافها الاستراتيجية خاصة في ظل ما نشهده من أزمة الديون الخانقة التي تمر بها الولايات المتحدة، كما لا ننسى أن السعودية تؤمن الصين بالحصة الأكبر من وارداتها النفطية.

توجه الجانب التركي في هذه المعادلة ليس واضحًا رغم أننا شهدنا تحولاً نسبيًا في الموقف التركي من الأوضاع في سوريا، فلقد قامت القوات التركية بضرب مواقع على الحدود التركية السورية قالت أنقرة إنها تابعة لجماعة داعش المسلحة والمرتبطة بتنظيم القاعدة. بعض المحللين رأوا هذا الموقف بمثابة تغير في الموقف التركي من الثورة السورية، ورسالة حسن نوايا موجهة للجانب الأمريكي بأن أنقرة تحارب الإرهاب والجماعات الإرهابية. إضافة إلى ذلك، فأنقرة وواشنطن يتبنيان موقفًا متطابقًا إلى درجة كبيرة فيما يتعلق بالأوضاع في مصر، وعدم موافقتهما على عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وهي أيضًا نقطة خلاف واضحة بين السعودية من جانب، وتركيا وإيران من جانب آخر بحكم العلاقة، التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير، بين طهران والقاهرة، وتطورت سريعًا خلال فترة رئاسة محمد مرسي، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً بسبب أحداث 30 يونيو، وعزل الرئيس مرسي من منصبه. كل هذا قد يقود إلى تحقق مثلث التحالف الأمريكي- الإيراني- التركي الجديد في الشرق الأوسط.

ختامًا، نعم المعادلة بكاملها معقدة جدًا، وسيناريو التغير الجذري في التحالفات السياسية وقلبها رأسًا على عقب خاصة في منطقة مثل الشرق الأوسط، حيث الموقع الجغرافي الحساس وتمركز منابع الطاقة العالمية في هذه البقعة من العالم ليس بالأمر السهل والسريع، ولكن ذلك ليس مستبعدًا إطلاقًا، والأيام القادمة قد تكون حبلى بالكثير من المفاجآت.

المصدر: مجلة المجلة

ليست هناك تعليقات: