شؤون إيرانية:
كتب تريتا بارسي، رئيس المجلس الوطني لإيران وأمريكا والمحلل السياسي المعروف ومؤلف كتاب "تحالف الخيانة: التعاملات السرية بين إسرائيل" مقالاً رائعاً حول الأحداث الأخيرة في إيران وما تعرضت له السفارة البريطانية في طهران هناك. المقال نشر في صحيفة "هوفينجتون بوست
Huffington post الأمريكية.
قد يبدو أن الهجوم الوحشي الذي قامت به قوات البسيج – تلك المجموعة التي قمعت المظاهرات السلمية في عام 2009- على السفارة البريطانية في طهران كردة فعل على دور بريطانيا في العقوبات الصارمة الأخيرة ضد إيران، حيث تسعى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات جديدة على ايران تشمل حظرا على البنك المركزي و النفط. إضافة إلى ذلك فقد وقعت في الأسابيع القليلة الماضية حالات اعتداءات واغتيالات استهدفت العلماء الايرانيين، وفيروسات ستهدفت أجهزة الحاسب الآلي في بعض المواقع الحساسة في إيران ، كما حدثت انفجارات عدة في منشآت نووية في ايران.
النظر إلى الهجوم على سفارة بريطانيا كرد فعل ايراني على الضغوط المتزايدة التي تواجها قد يبدو صحيحا ودقيقاً. فإيران سعت إلى إرسال رسالة إلى الغرب مفادها أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الضغوط المتزايدة عليها، ومن المحتمل أيضا أن تكون فعلا قد خططت لتصعيد الموقف و جعل هذه الرسالة واضحة تماما
.
لكن ما أحدث أكثر من هذا كله
في حين أن أعمال ميليشيا الباسيج ، القوة شبه العسكرية للحكومة، تلعب دورا بارزا في الساحة السياسية وتأثر بشكل كبير على العلاقة بين ايران والغرب، فإن لهذه الأزمة جذور في السياسية الداخلية ايضا. من المهم أن نأخذ هذا الوضع في الحسبان. في محاولة لتوجيه لكمات جديدة لايران من خلال العقوبات، قامت ادارة اوباما في الاسابيع الاخيرة بخطوات صارمة من أجل عزل إيران. في هذه الاثناء كان هناك مفاوضات في مجلس الأمن تجرى في الخفاء- ليست بالظرورة بتوجيه من الولايات المتحدة - لإيجاد حلا دبلوماسيا لقضية برنامج إيران النووي. كما كان من المقرر عقد اجتماع آخر مع أعضاء مجلس الأمن الدائمين بالاضافة الى المانيا (5 + 1) في أوائل عام 2012.
في حين أن أعمال ميليشيا الباسيج ، القوة شبه العسكرية للحكومة، تلعب دورا بارزا في الساحة السياسية وتأثر بشكل كبير على العلاقة بين ايران والغرب، فإن لهذه الأزمة جذور في السياسية الداخلية ايضا. من المهم أن نأخذ هذا الوضع في الحسبان. في محاولة لتوجيه لكمات جديدة لايران من خلال العقوبات، قامت ادارة اوباما في الاسابيع الاخيرة بخطوات صارمة من أجل عزل إيران. في هذه الاثناء كان هناك مفاوضات في مجلس الأمن تجرى في الخفاء- ليست بالظرورة بتوجيه من الولايات المتحدة - لإيجاد حلا دبلوماسيا لقضية برنامج إيران النووي. كما كان من المقرر عقد اجتماع آخر مع أعضاء مجلس الأمن الدائمين بالاضافة الى المانيا (5 + 1) في أوائل عام 2012.
من جانبها، رحبت حكومة أحمدي نجاد بمثل هذه المفاوضات. وقد عبرت ايران خلال اللقاءات مع الجانب الروسي عن استعدادها للتفاوض، سواء على مسودة الاقتراح الروسي من خلال خطوة عملية في هذا الجانب أو على أساس مقترح إيران لوقف برنامجها لتخصيب اليورانيو بنسبة 20% مقابل تزويد الغرب لها بالوقود النووي اللازم لأبحاث المفاعل الإيراني. الجدير بالذكر أن هذا المفاعل قد باعته امريكا إلى ايران قبل أكثر من 40 عاما وينتج اليوم النظائر المشعة لحوالي 850 الف إيراني مصاب بالسرطان.
ولكن منافسوا أحمدي نجاد في الداخل ، أي المحافظون المقربون غالبا من رئيس البرلمان علي لاريجاني، ليس لديهم أي نية مطلقا لقبول توجه حكومة أحمدي نجاد لهذا الحل البلوماسي وإتمام مثل هذه المفاوضات اطلاقا.
في خضم هذه الصراعات الداخلية بين المحافظين و التي ازدادت حدتها مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، اتخذ البرلمان بزعامة لاريجاني خطوات متقدمة لشل حكومة احمدي نجاد و تحويلها إلى بطة عرجاء (حكومة عديمة الفاعلية تماماً).
تعد مهاجمة السفير البريطاني الجديد لدى طهران دومينيك تشيلوكت مثالاً واضحاً لتوجه معسكر لاريجاني لافساد إجراء محادثات بين ايران والغرب. وكانا أحمدي نجاد ووزير الخارجية علي اكبر صالحي ينضلان من أجل الاعتراف رسميا بالسفير الجديد.
ومع ذلك، فقد بدأ برلمان لاريجاني قبل أسابيع قليلة حملة تهدف لطرد السفير البريطاني وخفض مستوى العلاقات بين ايران وبريطانيا إلى مستوى القائم بالاعمال، والحد من تأثير العقوبات.ووافق البرلمان يوم الاحد الماضي على هذا الأجراء، ولكن من الظروري موافقة حكومة أحمدي نجاد على ذلك ليتم تفعليه.
وقد قاوما أحمدي نجاد وصالحي المجلس لأنهما يعرفان جيدا أن هذا الإجراء من شأنه أن يقوض على نحو خطير آفاق عقد جولة جديدة من المفاوضات. ومن هنا يبدو أن الجناح المتشدد المؤيد للاريجاني قد قرر تحريك بعض قواته. فقاموا بارسال حوالي ثلاثمائة بسيجي للتظاهر أمام السفارة البريطانية ونجحوا في أقتحام السفارة وإحداث خسائر فادحة بمقتنياتها. وقد حدث كل ذلك أمام عدسات التلفزيون الحكومي الايراني وتم نقله على الهواء مباشرة وكان طلب هولاء البسيجيين الوحيد تنفيذ قرار البرلمان وطرد السفير البريطاني لدى طهران.
هذا الانقسام ليس بالضرورة حول ما اذا كان ينبغي عقد مفاوضات مجموعة 5 + 1 أو لا. فمناورة معسكر لاريجاني تسعى بشكل أكبر إلى إضعاف حكومة احمدي نجاد وتعزيز قوته في المستقبل، منها إلى معارضته للدبلوماسية ذاتها.
في حقيقة الأمر لم يكن الصراع بين هذين الرجلين وليد اللحظة. فعندما كان لاريجاني مندوب ايران في المفاوضات النووية مع مجموعة 5 + 1 ، كان أحمدي نجاد يسعى جاهدا لافساد مساعيه تلك . تصريحات احمدي نجاد الهجومية ضد دول الغرب كانت كافية ليجعل من المستحيل احراز تقدم حقيقي في المفاوضات النووية .
لم يكن الغرب الوحيد الذي استهدفته تصريحات أحمدي نجاد. ففي عام 2006 نجح نجاد في إفشال محاولات لاريجاني لفتح الباب للحل الدبلوماسي، حيث قال للصحفيين في موسكو أن على روسيا التخلي عن اسلحتها النووية. في العام التالي يأس لاريجاني من تحقيق أي نتائج مما أجبره على الاستقالة من منصبه كممثل لإيران في المفاوضات وبدأ خططه لوقوف وجها لوجه مع احمدي نجاد وبالطرق التي يراها مناسبة لذلك.
لم يكن الهجوم على سفارة بريطانيا في طهران غير قانوني وغير أخلاقي فقط، ولكن يدل أيضا على الصراعات الداخلية في صفوف النخبة السياسية الحاكمة، لقد اصبح الوضع في الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة أكثر سوأً من أي وقت مضى. الجهات الفاعلة الرئيسية داخل النظام على استعداد تام للإقدام على خطوات خطيرة على المسرح الدولي من خلال أفعال عبثية ولا مسئولة وكل ذلك من أجل تسجيل نقاط في المنافسات المحلية الصغيرة.
يبدو أكثر وأكثر أن القرارات التي تتخذ في طهران، لا يحضرها أي شخص ناضج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق