شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
حتضن مدينة جنيف السويسرية مفاوضات بين مجموعة «5+1» (الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا) وإيران حول الملف النووي الإيراني. تعد الجولة الأخيرة هي الجولة الثالثة بعد تولي حسن روحاني منصب الرئاسة في إيران. التوافق بين الجانبين وشيك جدا، وإن لم يحصل في هذه الجولة من المفاوضات فإنه سينجح في جولة أخرى، لأن الاختلاف حتى الآن يدور حول صياغة مسودة الصفقة، فإيران تريد ألا تظهر أمام الشعب والمغرمين بالنظام في الخارج متنازلة عن الخطوط الحمراء التي تحدث عنها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي والرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. تحاول طهران أن تصل إلى اتفاق يحقق طموحها السياسي في المنطقة وفي الوقت ذاته يحافظ على صورتها كدولة «ممانعة» في وجه القوى الغربية والكيان الإسرائيلي، إلا أنها لا تمانع من استخدام سياسة «المرونة البطولية»، كما يسميها خامنئي.
إذن، فمن المؤكد أن هذه المفاوضات ليست حكرا على الملف النووي، بل إن هذه القضية مجرد غطاء لصفقات أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ولعل تأجيل مؤتمر «جنيف 2» حول الأزمة السورية يصب في هذا الاتجاه. هناك تقارب أميركي - إيراني كبير، وهناك صفقات كبيرة بين الجانبين يجري الإعداد لها على نار هادئة وخلف الأبواب المغلقة. إيران تريد أن تخرج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها في الوقت الراهن وتسعى إلى الحصول على أموالها المحتجزة في الخارج. من جانب آخر، هناك أنباء عن وعود إيرانية لواشنطن بفتح الأبواب للشركات الأميركية وتقديم تسهيلات لاستثمارات تتجاوز المائة مليار دولار أميركي. هذه الاستثمارات الضخمة ستكون في الغالب على حساب بعض الشركات الأوروبية الموجودة حاليا في السوق الإيرانية أو لها تعاون مع شركات إيرانية، خاصة في مجال التصنيع. فرنسا، على وجه التحديد، قد تكون من أكبر الخاسرين في هذه الصفقة، لذا فهي الدولة الوحيدة حتى الآن التي وقفت في وجه هذا التوافق الإيراني - الغربي. أما روسيا، فهي كذلك تخشى من التقارب الإيراني - الأميركي وليست مرحبة به بشكل كامل، ولكن فرنسا في الوقت الراهن ساعدت روسيا على إخفاء غضبها مؤقتا.
على الجانب السياسي، إيران تعد بتقديم تعاون سياسي كبير للجانب الأميركي الذي يعمل على حزم حقائبه وترك منطقة الشرق الأوسط ليتجه إلى الشرق الأقصى، حيث تنامي الخطر الصيني والكوري على حد سواء. التعاون الإيراني سيكون على ثلاثة محاور رئيسة، فهناك إعادة إحياء التعاون الإيراني - الأميركي فيما يتعلق بأفغانستان. فكما ساعدت طهران واشنطن في إسقاط حكومة طالبان، فإنها تقدم الآن الوعود بضمان استقرار سياسي في كابل بعد رحيل آخر جندي غربي من الأراضي الأفغانية.
المحور الثاني سيكون فيما يتعلق بالجار الجنوبي لإيران، العراق، ذلك الخصم القديم والحليف الجديد. طهران ترى أن السيطرة على الأوضاع في العراق أقل صعوبة منها في أفغانستان، لا سيما في ظل وجود حكومة عراقية موالية بشكل كامل للنظام السياسي في طهران، وفي ظل وجود الميليشيات الشيعية و«الحرس الثوري» و«فيلق القدس» على الأراضي العراقية أيضا، كل ذلك يسهل لطهران المهمة في العراق الجديد ويطمئن الجانب الأميركي بضمان عدم نمو أي خطر هناك قد يهدد المصالح الأميركية والغربية في المنطقة.
المحور الثالث، أرض الشام، لبنان وسوريا معا. إيران ليست مكترثة بمسألة استمرار نظام بشار الأسد من عدمه، وقد تتخلى عن الأسد بسهولة كبيرة، ولكن همها الأساسي استمرار التحالف والتعاون بين البلدين. الجانب الأميركي والغربي بشكل عام، يخشى من وصول حكومة إسلامية سنية إلى الحكم في سوريا تقوم على احتواء الجماعات الجهادية المسلحة على الأراضي السورية، مما يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل. هنا، يأتي التقاطع في المصالح بين إيران والغرب، فكل جانب لديه مصالح معينة، ولن تتحقق هذه المصالح إلا من خلال الوصول إلى اتفاق أو مقايضة تضمن لكل جانب تحقق مصالحه، أو كما وصفها الرئيس الإيراني: «نفوز معا أو نخسر معا». على الساحة اللبنانية، سوف يستمر حزب الله ولا شك، ولن يواجه أي ضغوطات غربية حقيقية، لأنه في واقع الأمر لا يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة. وكما لا يخفى على الجميع أن ما تعرضت له السفارة الإيرانية لدى لبنان قبل أيام كان مخططا له بعناية، فقد تزامن مع المفاوضات الجارية في جنيف، وقد سارعت الكثير من الدول إلى إدانة ذلك العمل الذي تزعمته مجموعة مسلحة لم تكن معروفة قبل هذه العملية، وتوصف بأنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي لم تصدقه حتى بعض الصحف مثل صحيفتي «شرق» و«قانون» الإيرانيتين اللتين قالتا في صبيحة اليوم التالي للحدث إن «العنوان خاطئ» و«(القاعدة) لم تفعلها ضد المصالح الإيرانية من قبل»، كما حاول الإعلام الإيراني بداية وصف العملية بأنها عملية خططت لها إسرائيل. بغض النظر عمن يقف حقيقة خلف العملية ضد السفارة الإيرانية في بيروت، فالمحصلة أن طهران ظهرت بصورة الدولة المستهدفة، مثل الدول الغربية ومصالحها في المنطقة وخارجها، وبالتالي فإن هذا الأمر يدفع التقارب بين إيران والغرب إلى الأمام ويسرع بكتابة سطور الصفقة التاريخية المرتقبة.
إيران لم تتجاهل الجانب العربي والخليجي تحديدا، فقد شرعت في طمأنة الجوار العربي عبر تصريحات ورسائل كثيرة، وأن التقارب مع الجوار العربي، يأتي على قائمة أولويات الحكومة الجديدة في طهران. بهذه الخطوة الذكية، تمارس إيران ما يمكن تسميته «التنويم المغناطيسي» السياسي للجوار العربي حتى تجري الصفقة مع الغرب وتكتمل أركانها، ومن ثم ستكشف عن وجهها الآخر، وتتخلى عن «التقية السياسية» التي تمارسها حاليا، وحينها سيكون الوقت متأخرا جدا بالنسبة للدول العربية لتفادي ذلك أو حتى تحجيم أي خطر إيراني على الدول العربية.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق