تويتر

الخميس، 27 سبتمبر 2012

تريتا بارسي وتهمة “العمالة المزدوجة”؟




شؤون إيرانية:
تريتا بارسي باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية، ويقيم في الولايات المتحدة وهو رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي (NIAC) كما أنه مؤلف الكتاب الشهير “التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأميركية Treacherous Alliance: The Secret Dealings Of Israel, Iran And The U.S وله كتاب آخر صدر مؤخرا بعنوان “لفة واحدة من النرد Single Role of the Dice” بالإضافة إلى العديد من المقالات والمقابلات التلفزيونية، وقد نجح في التقرب من صانعي القرار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية وسيطر على بعض وسائل الإعلام الأميركية الناطقة بالفارسية مثل إذاعة “صوت اميركا” وقام بتسريح معظم العاملين فيها وعين طاقما جديدا تحت اشرافه والمنظمة التي يترأسها.
كما يعتبر بارسي الشخصية الأكثر صراحة في واشنطن، التي تدعو للمشاركة والركون إلى التفاهم مع النظام الاسلامي في طهران، كما يدعو صانعي السياسة الغربية والأميركية تحديدا إلى استيعاب نظام الملالي في طهران أو ما يطلق عليه الانخراط الحكيم، بدلا من مواجهته في قضايا مثل البرنامج النووي وتهمة دعم المجموعات الإرهابية وملفات حقوق الإنسان.

وعرف بارسي بتصريحاته المناهظة لمنظمة “مجاهدين خلق” الإيرانية المعارضة واستماتته في اقناع السلطات الأميركية بعدم رفع اسم الحركة من قائمة المجموعات الإرهابية الأجنبية، مما آثارت الشكوك في أن توصيات بارسي ومجموعته ليست مجرد دفع لحمائم السلام في السياسة الخارجية الأميركية بل يدافعون عن النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية في إيران، كما أن بعض إيرانيي المهجر يطلقون عليه لقب “سفير إيران المتنقل”.

وفي هذا الصدد فقد حامت حول تريتا بارسي الكثير من التهم بالعمل لصالح النظام الإيراني فقد كتبت صحيفة “واشنطن تايمز” في عام 2009 مقالا مطولاً عن الدور الذي تقوم به المنظمة التي يترأسها بارسي (NIAC) لأن الكثيرين يرونها قوة ضغط (لوبي) إيراني في الولايات المتحدة الأميركية على غرار منظمة “ابيك” اليهودية الأميركية (AIPAC)على أن المنظمة وجميع أعضائها غير مسجلين كجماعة ضغط، وبالتالي فهي تخالف القوانين الأميركي كما تحدث البعض عن أموال دخلت إلى حساب بنكي له في السويد يعتقد أنها من مصادر مشبوهة ويتهمه خصومه من الإيرانيين في المهجر بتلقي أموال من النظام الإيراني كما يراه البعض عميلاً مزدوجاً للنظامين الإيراني والأميركي على حد سواء، إلا أن بارسي نفى كل هذه التهم، وقال إن تلك الأموال التي تحول لحسابه البنكي في السويد تأتي من المقابلات التي تجريها معه قنوات تلفزيونية، ومقالات يكتبها في عدد من الصحف والمجلات العالمية، ويصر بارسي ومنظمته على أنهم يعملون لما هو في مصلحة المجتمع الإيراني في اميركا وليس حكومة طهران.
إلى ذلك فقد ظهرت الى السطح خلافات عديدة بين بارسي وبعض الشخصيات الإعلامية الأميركية من أصول إيرانية وصلت بعض هذه الخلافات الى أروقة المحاكم الأميركية، ولعل أبرزها الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ضد الصحافي الاميركي من أصول إيرانية حسن داعي، الذي كتب في عام 2008، مقالا وصف فيه بارسي بأنه أبرز شخصيات اللوبي المناصر لملالي طهران في الولايات المتحدة، وأن بارسي لا يكترث بحقوق الإنسان المضطهدة هناك، كما أنه على تواصل مستمر مع عدد من المسؤولين الإيرانيين في الداخل والخارج. 

هذه التهمة دعت بارسي والمنظمة التي يرأسها إلى رفع قضية ضد داعي، زاعما بأن الأخير شوه سمعته والمنظمة.
استمرت المحاكمة لأكثر من ثلاث سنوات بين تهم موجهة بين الطرفين وكم هائل من الوثائق والمستندات، حتى أصدر قاض المحكمة الفيدرالية في واشنطن دي سي “جون باتس” الأسبوع المنصرم حكمه النهائي في القضية.
على الرغم من أن القاضي أكد أن داعي تلاعب في بعض تصريحات بارسي وكتاباته، من خلال حذف بعض الأجزاء أو استخدام بعض عبارات بارسي في غير موضعها الصحيح، إلا أن هذا لا يدينه مطلقا وليس في ذلك أي تضليل للقراء، وبالتالي أصدر القاضي حكمين منفصلين في هذه القضية، أكد الأول على بطلان الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ومنظمة (NIAC) ضد الصحافي حسن داعي، كما وجد القاضي أن دفاع بارسي عن حقوق الانسان في إيران كانت “فاترة”، مما يدعم وجهة نظر الصحافي داعي في هذا الصدد، أما الحكم الثاني فكان يقضي بتحمل تريتا بارسي نسبة كبيرة من تكاليف المحامين، الذين قام بتوكيلهم داعي.

هذا الحكم شكل صدمة لمؤيدي تريتا بارسي، كما استقبل ايرانيو المهجر الحكم الصادر بترحيب كبير، واعتبروه انتصارا لهم ضد اللوبي الايراني في الولايات المتحدة، ورسالة للنظام الحاكم في طهران.
ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادا كما يقال، فما هو إلا أسبوع واحد بعد صدور حكم المحكمة، حتى تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن أن الولايات المتحدة بصدد حذف اسم حركة “مجاهدين خلق” من قائمة المجموعات الإرهابية، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.


وبالتالي وفي حالة قامت الولايات المتحدة بذلك فعلاً فهي ضربة موجعة أخرى لتريتا بارسي، الذي ما لبث يقاتل من أجل بقائها على قائمة المنظمات الإرهابية، وقد كتب وصرح غير مرة ضد الحركة وتوجهاتها، وأنها حركة إرهابية قتلت العديد من الأبرياء داخل إيران وخارجها، وهو توجه يتفق وسياسة النظام الإيراني ضد الحركة.
ختاما، يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون هاتان الضربان كفيلتين باسقاط تريتا بارسي، بعد أن توغل في أروقة البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومراكز صنع القرار هناك، وبالتالي تخسر إيران أحد رجالها في واشنطن.. ربما!


المصدر: مجلة المجلة

الخميس، 6 سبتمبر 2012

إيران وقمة “عدم” الانحياز… مكاسب أو خسائر؟



شؤون إيرانية:

بقلم: محمد السلمي
 
سقطات نظام
كانت قمة حركة عدم الانحياز في آواخر شهر اغسطس المنصرم تمثل حدثا هاما لإيران وقادتها، كيف لا وطهران تحتضن ممثلي أعضاء هذه الحركة لمدة يومين كاملين. قامت إيران، على المستوى الرسمي والإعلامي، بالتحضير جيدا لهذا الحدث الكبير واعتبرته فرصة ذهبية لها لتقدم للعالم وجهة نظرها السياسية بخاصة في ما يتعلق ببرنامجها النووي وأحداث الشرق الأوسط والأزمة السورية على وجه الخصوص.

الآن وقد هدأت العاصفة وودعت إيران ضيوفها، لابد وأنها أخذت “ورقة وقلما” لحساب أرباحها وخسائرها السياسية التي نجمت عن هذا الاجتماع الدولي.. ماذا كانت الطموحات وما هي النتائج التي تحققت على أرض الواقع؟
سنحاول من خلال الأسطر التالية أن نقوم بسرد ما حققته إيران من هذا المؤتمر وماذا خسرت ثم نرى المحصلة النهائية هل هي إيجابية أو سلبية بالنسبة لها.
مما لا شك فيه أن إيران نجحت في اقناع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بحضور القمة رغم المعارضة الغربية الشديدة لذلك، كما نجحت إيران في استقطاب ممثلين لقرابة (100) دولة من بين (120) عضوا في حركة عدم الانحياز الأمر الذي يعتبره الكثيرون نجاحا لطهران في كسر العزلة الدولية المفروضة عليها رغم أنه لم يحضر سوى ثلاثين رئيس دولة وحكومة فقط.

تزامنت القمة أيضا مع عودة السفير البحريني لدى طهران إلى مقر عمله في طهران وقد علل وزير خارجية البحرين أخيرا ذلك على حسابه على تويتر بأن “قرار إعادة السفيرالى طهران هو للقيام بعمله في الدفاع عن مصالح البحرين وليس مجاملة لإيران وعودة السفير الإيراني الى البحرين شأن لا يهمنا”. وبغض النظر عن سبب العودة إلا أن تزامنه مع القمة رآه البعض بأنه نجاح إيراني. 

نجحت إيران أيضا في “اقناع” الرئيس المصري المنتخب حديثا الدكتور محمد مرسي بالحضور إلى طهران بعد قطيعة بين البلدين تجاوزت الثلاثة عقود بقليل. كما أشاد ممثلو دول عدة بحسن التنظيم وكرم الضيافة والحفاوة التي حظوا بها في طهران خلال فترة تواجدهم هناك. وبطبيعة الحال فقد نجحت إيران قبيل وأثناء القمة في كسب أضواء الإعلام الأجنبي و تصدر اسم إيران وصور المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عناوين الإعلام العالمي خلال فترة انعقاد القمة. 

هذه أهم المكاسب التي حققتها إيران ولكن ماذا عن الخسائر. كانت كلمة بان كي مون هي المفاجأة الأولى للمسؤولين الإيرانيين بخاصة في ما يتعلق بحديثه عن الأزمة السورية وجرائم النظام الحاكم هناك. ليس ذلك فحسب فقد فتح الأمين العام للأمم المتحدة ملف الحريات في إيران مع كبار المسؤولين في طهران حيث صعد من لهجته تجاه إيران وطالبها بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان كاشفا “طلبت من السلطات خلال زيارتي الإفراج عن مسؤولي المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والناشطين الاجتماعيين بهدف خلق أجواء من حرية التعبير ونقاش منفتح”، في المجتمع الإيراني.
الجدير بالذكر أن بعض رموز المعارضة الإيرانية والمثقفين الإيرانيين في الخارج قد قاموا بإرسال رسائل عدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة طالبوه فيها بالضغط على إيران لرفع القيود عن الناشطين وإطلاق سراح المعتقلين منهم.
كما طالبوه بالاجتماع بزعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين يعيشان قيد الإقامة الجبرية منذ شهر فبراير من عام 2011.
على صعيد آخر، وجه بان كي مون انتقادات شديدة لإيران بسبب طموحها النووي وقال انه على إيران بناء الثقة حول برنامجها النووي عبر “الالتزام الكامل بقرارات مجلس الامن ذات الصلة والتعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية” محذرا من اندلاع “دوامة عنف” على خلفية المسألة النووية الإيرانية، على حد تعبيره.


تمثلت الخسارة الثانية لإيران خلال القمة في خيبة أملها في كسب الرئيس المصري الجديد. من المؤكد أن طهران كانت واثقة بأن مرسي لن يعرب عن تأييده لموقفها تجاه تطورات المنطقة ولكن المفاجأة لها كانت اعرابه عن دعم الثوار في سوريا ووصف النظام السوري بالقمعي الذي فقد شرعيته، مما أجبر مترجمي تلفزيون وإذاعة إيران الرسميتين إلى تحريف كلمة مرسي مرات عدة بهدف خداع الرأي العام الداخلي وتسويق فكرة مفادها أن مصر ما بعد الثورة تسير على طريق الجمهورية الاسلامية في إيران وتتفق معها في كثير من الرؤى والتوجهات تجاه مستجدات المنطقة.

توالي السقطات

سقطة أخرى لبعض المسؤولين الإيرانيين خلال هذه الفترة كانت حول العلاقة مع مصر فقد تحدث مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن مباحثات جرت بين الرئيس المصري ونظيره الإيراني حول تنمية العلاقات بين البلدين ولكن ما هي إلا سويعات حتى تناقلت الصحف المصرية تصريحات على لسان المتحدث باسم مكتب رئاسة الجمهورية المصرية ياسر علي نفى فيها التصريحات الإيرانية موضحا بأن الرئيس المصري لم يناقش هذه الملفات خلال لقائه بالمسؤولين الإيرانيين الأمر الذي زاد من حرج الدبلوماسية الإيرانية وتضرر صورتها في الداخل والخارج على حد سواء.

خسارة أخرى لإيران نجمت عن قمة طهران تتمثل في توتر علاقاتها مجددا مع دول الخليج العربي بسبب اقحام الإعلام الإيراني اسم مملكة البحرين في الترجمة الفارسية لكلمة الرئيس المصري حيث صدر بيان لوزارة الخارجية البحرينية يؤكد أن مسؤولا رفيعا في الوزارة “قام باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني السيد مهدي إسلامي بالديوان العام لوزارة الخارجية وتسليمه مذكرة احتجاج رسمية على ما قام به الاعلام الإيراني من خلال التلفزيون الرسمي الإيراني من تزوير وتحريف من المترجم باللغة الفارسية بوضع اسم البحرين بدلا من اسم سوريا” في خطاب مرسي واصفة بأنه يعد “اخلالا وتزويرا وتصرفا اعلاميا مرفوضا يشير الى قيام أجهزة الاعلام الإيرانية بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين” وفقا لما نقلته وكالة أنباء البحرين الرسمية.
من جانب آخر، فقد استنكر اجتماع المجلس الوزاري لمجلس التعاون في جدة تحريف كلمة الرئيس المصري في قمة طهران وأعرب المجلس الوزاري عن رفضه واستنكاره الشديدين لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي.

في الخنام، نجد أن إيران لم تحقق الكثير من الأهداف التي سعت إلى تحقيقها من وراء استضافة قمة دول عدم الانحياز فلم تنجح في تمرير وجهة نظرها حول الأزمة السورية ولم تفز بتوثيق العلاقة مع جمهورية مصر العربية ورئيسها المنتخب حديثا بل زادت من شكوك القاهرة تجاه أهداف طهران.

فبعد المقابلة المزورة التي نشرتها وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري الإيراني قبل قرابة الشهرين على لسان الرئيس المصري ها نحن نشهد فضيحة جديدة للإعلام الإيراني تتمثل في تحريف كلمة الرئيس المصري الأمر الذي قد يؤجل ذوبان جليد القطيعة بين البلدين إلى أجل غير مسمى. 

صحيح أن البيان الختامي للقمة قد اشتمل على إدانة للعقوبات الأحادية الجانب ولكن طهران لم تنجح في تخفيف العقوبات المفروضة عليها لأن العقوبات مفروضة من دول ليست أعضاء في حركة عدم الأنحياز حيث اتهم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الجمعة الماضية إيران بانها “لم تغير موقفها البتة” بشأن ملفها النووي مطالبا بـ”تشديد العقوبات”.
تأتي هذه التصريحات غداة صدور تقرير شديد اللهجة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البرنامج النووي الإيراني أشار إلى أن إيران ضاعفت قدرتها على تخصيب اليورانيوم في موقع “فوردو” على الرغم من العقوبات الدولية المفروضة عليها، واتهمت طهران بإعاقة عمليات التحقيق في موقع بارشين العسكري المشتبه بنشاطه النووي المحظور.

بشكل عام ومن خلال كل ما تقدم يتضح أنه ومن حيث موقعها على الخارطة السياسية الدولية ليس هناك ثمة فرق يذكر بين إيران قبل القمة وبعدها، وبعبارة أكثر دقة، إن لم تخسر فإن طهران لم تحقق أي مكاسب تذكر من استضافتها لإجتماع قمة حركة عدم الانحياز.
أما بخصوص رئاسة إيران لحركة عدم الانحياز اعتبارا من هذا الشهر ولمدة ثلاث سنوات قادمة فإن طهران ستستغل ذلك لتلميع نفسها والترويج لتوجهاتها كما أنه من المتوقع أن تحاول جاهدة إلى حل ملفاتها العالقة في الشرق والغرب والأيام القادمة حبلى بكل جديد.


المصدر: مجلة المجلة