تويتر

الاثنين، 22 يوليو 2013

تأرجح إيران في هويتها (بين العرق الفارسي والمذهب الشيعي)



شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي

تعتبر تركيبة المجتمع الإيراني تركيبة فسيفسائية معقدة تتكون من أقليات عرقية، ودينية ومذهبية كثيرة. ويلعب عنصر الإثنية دورا فعّالا ليس فقط في سياسة إيران مع دول الجوار فحسب، بل والأهم من ذلك في سياستها الداخلية وهيكلة النظام وعلاقة الحكومة المركزية في طهران بالأقليات العرقية في البلاد بغض النظر عن انتماءاتها المذهبية. إن التطرق لهذا العنصر ووضعه تحت المجهر يظهر إلى السطح المساحة الضيقة التي تتحرك فيها الأقليات العرقية في النظام السياسي والثقافي وكذلك على المستوى الوظيفي والتمثيلي في الدولة، ناهيك عن موضوع توزيع ثروات البلاد بين الأقاليم ومدى وحصول كل إقليم على حقه في التنمية والبنية التحتية دون النظر للخلفية العرقية لأهالي تلك الأقاليم. في المقابل نجد السيطرة الكاملة للسكان الأصليين على معظم مفاصل الدولة في إيران.من أجل معرفة كيفية تكون الدولة الإيرانية الحديثة وطبيعة تعاملها مع مواطنيها من الأقليات الأخرى يجب أن نركز على أولويات النظام الحاكم خاصة عندما يكون هناك تعارض بين العنصرين العرقي والمذهبي. التساؤل هنا هو: ما موقف النظام الحاكم في إيران لو حدث تعارض بين العنصرين العرقي والمذهبي، ولأيهما الأولوية في الفكر السياسي الإيراني؟ شخصيا أرى أن الأولوية ستكون للعنصر الأول، أي إن عنصر العرق سيجري تفضيله على عنصر المذهب. نعلم ان هناك أغلبية شيعية بين العرب في إيران، لكن اتباعهم للمذهب الرسمي في إيران لا يعني الشيء الكثير لدى الدولة ولم يشفع لهؤلاء العرب مطلقا، بل إن النظرة لهم كعرب جعلت معاملة النظام لهؤلاء المواطنين معاملة مختلفة وعلى كافة الأصعدة، إذ يتعرض عرب الأحواز لمعاناة كبيرة حيث التهميش الذي يعيشونه رغم أن منطقتهم تنعم بثروة نفطية ومائية كبيرة. إضافة إلى ذلك فقد عانى عرب إيران من سياسة التهجير من مناطقهم إلى مدن أخرى هذا من جانب، وتشجيع الدولة لبعض الأسر الإيرانية بالانتقال إلى هذه المنطقة، من جانب آخر، في محاولة لتغيير التركيبة السكانية هناك (ثمة دراسات تتحدث عن ذلك وبالأرقام). الأمر ذاته ينطبق على معظم الأقليات العرقية في إيران وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة. عليه فإن هوية الدولة الإيرانية قائمة على عنصر واحد وحتى لو جرت إضافة العنصر الإسلامي إبان ثورة عام 1979، من أجل التمدد الإقليمي في المناطق المجاورة التي لا يتحقق فيها الصدام بين العرق والمذهب، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن العنصر العرقي قد تراجع أو أن «أسلمة الدولة» جعلتها تتخلى عما عرف به النظام البهلوي الشاهنشاهي خاصة خلال فترة حكم رضا شاه بهلوي (1925 - 1941)، بل إنها ارتكزت على أفضلية عرق على كافة الأعراق الأخرى حتى وإن كانت تتبع المذهب الشيعي. قد يقول قائل إنه ليس هناك أي أفضلية عرقية خاصة فيما يتعلق بوظائف الدولة من دون أي استثناء حتى العليا منها، وقد يستدل بقوله بأن وظيفة المرشد الأعلى وهي أكبر سلطة في البلاد، بيد آية الله علي خامنئي الذي يتحدر من أصول عرقية آذرية، وكذلك الأمر بالنسبة لمير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق وزعيم الموجة الخضراء أيضا. يجيب الكاتب والباحث الإيراني المقيم في كندا عليرضا أصغرزاده عن هذا التساؤل في كتابه المعروف «إيران وتحدي التعددية: الأصولية الإسلامية، العنصرية، الآرية، والنضالات الديمقراطية» بالقول إن كل هذه مجرد لعبة سياسية من النظام الحاكم والنظر إليها بهذه السطحية قد يثبت تلك الادعاءات ولكن حقيقة الأمر مختلفة تماما. ويضيف أصغرزاده «صحيح أن والد المرشد خامنئي من أصل آذري، وهذا لا يمكن إنكاره أو التشكيك فيه ولكن والدته، وكما ذكر هو بنفسه في أحد خطاباته بمناسبة عيد الأم، من إقليم فارس وهو من مواليد ذلك الإقليم وقد قضى طفولته وشبابه في أحضان الثقافة الإيرانية، بعيدا كل البعد عن ثقافة العرق الذي يتنسب إليه. ومن هذا المنطلق فلغته الأم هي الفارسية ولا يجيد من اللغة الآذرية التركية إلا الشيء القليل مما يتذكره من والده، ويستخدم تلك الكلمات التركية القليلة التي يعرفها.. عند زياراته لمدن أذربيجان ولقائه بالآذريين في بعض المناسبات الوطنية». ويؤكد أصغرزاده أن ذلك ينطبق تماما على موسوي فهو تركي الأصل من مدينة «خامنه» موضحا أن موسوي قد هاجر إلى طهران وهو ابن اثني عشر ربيعا ودرس في مدارسها والتحق بجامعاتها وتربى في بيئة فارسية بحتة، وعليه، والحديث لا يزال للباحث الإيراني، «فإنه من الخطأ البالغ أن نعتقد أن الانتماء العرقي لأشخاص كهؤلاء ممن تشرب ثقافة غير ثقافته الأصلية قد يلعب دورا في الإخلال بالهوية الإيرانية الرسمية المبنية وبشكل كامل على قومية عرقية واحدة وهي الفارسية المحضة».
ويلعب العنصر المذهبي في سياسة إيران الداخلية والخارجية دورا مهما وبارزا إلا أن ذلك يكون أكثر تجليا خارج حدود إيران، وعلى الجانب الآخر، قد لا يظهر دور العنصر العرقي كثيرا على السطح في غالب الأحيان ولكن مسألة حتمية المفاضلة بين العنصرين تبرز في كامل صورتها عندما يحتاج الأمر إلى ذلك ويعد هذا العنصر من الركائز التي كونت الشخصية الحاكمة في إيران ونظرتها إلى الأقليات العرقية داخل حدود الدولة الإيرانية المعاصرة، وهو أمر يشعر به المواطن الإيراني في الداخل ويعترف به عدد من الإيرانيين. هذه الأفضلية الكبيرة لعرق لا تشكل نسبته ما يتجاوز نصف عدد سكان البلاد تجعل مسألة العدالة الاجتماعية وحق المواطنة بعيدا عن المذهب أو العرق على المحك، وتثير التساؤل حول دور الأعراق، التي تشكل أكثر من نصف عدد سكان إيران، في الحياة السياسية والثقافية والمشاركة في إدارة البلاد التي تستعد حاليا لانتخاب رئيس جديد يكون، في الغالب، متحدرا من العرق المهيمن على الدولة.

المصدر: الشرق الأوسط

الانتخابات الإيرانية.. لماذا حسن روحاني؟


شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي


لم يكن فوز المرشح المعتدل ورجل الدين الوحيد بين المرشحين الثمانية الذين جرت المصادقة على ترشحهم من قبل مجلس صيانة الدستور لخوض سباق الانتخابات الإيرانية، بالمفاجأة غير المتوقعة إطلاقا، بل على العكس تماماً، فعلى الرغم من الحديث كثيرا عن أن سعيد جليلي كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي الإيراني، هو المرشح المتوقع فوزه بسبب قربه من المرشد الأعلى وإخلاصه الشديد لولاية الفقيه، إلا أن نظرة خامنئي كانت أبعد من ذلك بكثير، فمنح مقعد الرئاسة لشخصية وكاريزما مثل تلك التي يتمتع بها روحاني تضرب عصفورين بحجر واحد، إن صح التعبير. فعلى المستوى الداخلي، أراد خامنئي إرضاء تيار كبير يقوده أحد أهم أعمدة ثورة 1979، آية الله هاشمي رفسنجاني وكذلك الرئيس السابق سيد محمد خاتمي بعد أن جرى تهميشهما كثيراً بعد انتخابات 2009 الشهيرة ووضع زعيمي الحركة الخضراء مهدي كروبي ومير حسين موسوي تحت الإقامة الجبرية منذ ما يقارب الثلاث سنوات. عليه، فإن إعلان فوز روحاني يأتي لترميم صورة النظام على المستوى الداخلي خاصة شريحة الشباب التي تشكل أكثر من نصف المجتمع الإيراني. هذه الشريحة تعيش حالة من الاستياء والتذمر الشديدين بعد أن جرى «سحق» الموجة الخضراء في الانتخابات الأخيرة. لذا فهي خطوة لكسب ثقة أنصار هذا التيار، حتى وإن كانت هذه الثقة بمستواها الأدنى، وتفادياً لتكرار الأحداث التي أعقبت الإعلان عن نتائج انتخابات 2009، خاصة أن خامنئي يعلم قبل غيره أنه يمسك في قبضته بكامل خيوط اللعبة في البلاد، ورئيس الجمهورية لا يمكنه بأي حال من الأحوال تجاوز الخطوط التي يرسم حدودها المرشد الأعلى شخصياً. أما على المستوى الخارجي، فيعتبر اختيار روحاني محاولة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة، فإيران تعيش حالة من العزلة السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي كما أن صورتها في الخارج أصبحت الأكثر سوءا على مستوى العالم وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤخراً محطة البي بي سي البريطانية وشارك فيه 62 ألف شخص من 25 دولة حول العالم. فالعلاقة مع دول الجوار العربي في أسوأ حالاتها بسبب الثورة السورية والتدخلات الايرانية في شؤون هذه الدول من خلال إثارة القلاقل والنزعات الطائفية وزرع الخلايا التجسسية. وعلى المستوى الدولي، هناك أزمة برنامج إيران النووي والعقوبات الاقتصادية الصارمة التي أنهكت الاقتصاد المحلي وتسببت في إنهيار العملة المحلية وارتفاع نسبة التضخم الذي أثر بشكل كبير على المستوى المعيشي للمواطن الإيراني. نعود للسؤال المطروح في عنوان هذه المقالة، لماذا حسن روحاني وليس أحد المرشحين المحسوبين على التيار المحافظ المقرب من المرشد الأعلى؟ قد يرى البعض أن هناك تناقضا في توجهات خامنئي، حيث جرى استبعاد رفسنجاني من السباق الرئاسي ثم أعلن فوز المرشح المدعوم بشكل كامل من قبل رفسنجاني وخاتمي، فكيف نفهم ذلك؟ هناك معركة ثنائية بين خامنئي ورفسنجاني بدأت قبل سنوات عندما جرت إزاحة الأخير من رئاسة مجلس الخبراء الذي يعد واحداً من المناصب المهمَّة في البلاد، فمن صلاحية المجلس تعيين وعزل المرشد الأعلى في البلاد. إلا أن خامنئي أبقى رفسنجاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام وهو منصب غير منتخب ويعين رئيسه من قبل المرشد الأعلى وليس له صلاحيات يمكن أن تؤثر على التوجه السياسي العام لإيران. إضافة إلى ذلك، اعتبر خامنئي التزام رفسنجاني للصمت تجاه زعيمي الحركة الإصلاحية الخضراء بمثابة تأييد لهما وتحد صريح للمرشد شخصياً، وبالتالي يمكننا قراءة استبعاد رفسنجاني من السباق الرئاسي في هذا الإطار. إن المرحلة القادمة تحتاج إلى شخصية قد تنجح في إخراج البلاد من بعض المشاكل المحلية والإقليمية والدولية المتراكمة، وتعمل على ترميم ما يمكن ترميمه بعد مرحلة الرئيس محمود أحمدي نجاد التي اتسمت بعدائية وراديكالية سياسية تضرر منها النظام الايراني كثيراً وعلى كافة الأصعدة. وأخيراً، يجب أن نتذكر أن «الفترة الذهبية» للعلاقات بين إيران ما بعد الثورة ودول العالم بشكل عام ودول الخليج العربي على وجه الخصوص كانت خلال فترة زمنية كان الرئيس فيها رجل دين آية هو حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد خاتمي، وكان مهندس هذه العلاقات من الجانب الإيراني آية الله هاشمي رفسنجاني، وهاتان الشخصيتان، بطبيعة الحال، ترتديان الزي التقليدي لرجال الدين الشيعة، وكذلك الحال ينطبق على حجة الإسلام والمسلمين الدكتور حسن روحاني الذي سيعمل، وكما ركز في حماته الانتخابية، على تحسين العلاقات مع دول الجوار وبالتالي سيسعى إلى إعادة العلاقات إلى مستوى فترة رئاسة خاتمي على أقل تقدير. هذا الجانب - سمة الرئيس ومظهره - في غاية الأهمية بالنسبة لرأس الهرم في إيران لأن الرئيس وإن كان منفتحاً تجاه الآخر إلا أنه يحافظ على الصورة النمطية للجمهورية الإسلامية ذات الصبغة الدينية المحافظة. في هذا الإطار يمكننا فهم أسباب اختيار ولي الفقيه للمرشح حسن روحاني، ولكن السؤال الأهم هو هل سينجح في ذلك في ظل المرحلة التي تمر بها المنطقة حالياً؟

المصدر: الشرق الأوسط