تويتر

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشأن الإيراني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الشأن الإيراني. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 13 يوليو 2012

إيران بين أزمة النووي وأزمة الدجاج





شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي



تصدرت صفحات الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية خلال الأيام القليلة الماضية أخبار تتحدث عن أزمة حقيقية وشح كبير في المعروض من بعض المواد الغذائية كالألبان بجميع مشتقاتها وكذلك لحوم الدجاج في الأسواق المحلية، ولقد شاهدنا صوراً لمئات المواطنيين الإيرانيين يتزاحمون منذ الصباح الباكر أمام المتاجر التي تبيع الدجاج المدعوم من قبل الحكومة وماهي إلا سويعات قليلة حتى تنفد كل الكميات المتوفرة ويتم تعليق لافتات كبيرة توعز للزبائن بنفاد الكمية المتاحة من الدجاج لذلك اليوم.
بل أن الأمر قد بلغ مرحلة التهريب حيث نقلت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أخباراً تتحدث عن احباط قوات الأمن لعملية تهريب أطنان من الدجاج الحي. نعم تهريب الدجاج من أقليم إلى آخر من أجل بيعه بأسعار مرتفعة في الأقاليم الكبيرة نتيجة نقص المعروض في تلك الأقاليم. وحتى مع توفر بعض الكميات فإن الأسعار قفزت إلى أرقام قياسية تقول بعض المواقع الإيرانية ووفقا لمقارنة أجرتها إنها الأعلى على مستوى العالم.

هذه الأخبار تعيد إلى الأذهان أزمة شح العروض من العملة الأجنبية لدى البنوك ومحلات الصرافة في إيران عندما فقد التومان الإيراني أكثر من نصف قيمته قبل أشهر قليلة مما دفع المواطنين الإيرانيين إلى التزاحم على شراء العملات الأجنبية مثل اليورو والدولار الأمريكي وذلك بهدف الحفاظ على ما لديهم من مدخرات يخشى فقدانها في ظل انهيار العملة المحلية.
يقابل هذه المعاناة المعيشية التي تعصف بالشعب الإيراني عدم اكتراث وتهميش شديدين من قبل حكومة أحمدي نجاد لهموم المواطن العادي الذي يسعى جاهداً للحصول على قوته وأفراد أسرته وتأمين لقمة عيش كريمة لهم.
ما يثير حفيظة المواطنين بخاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة هو النهج الذي تسلكه الحكومة في تجاهل مشاكل الشعب وتركيزها خلال فترة “أزمة غلاء الأسعار” على الاستعداد لحضور المفاوضات مع مجموعة الست حول برنامجها النووي وبرنامج تخصيب اليورانيم.

الواقع يقول إن معظم الشعب الإيراني لا يهتم كثيرا بالبرنامج النووي وبرنامج تخصيب اليورانيوم. ليس ذلك فحسب بل وعلى العكس تماماً فقد أجرى التلفزيون الإيراني ممثلا في قناة “خبر” الرسمية استفتاء قبل أيام يستطلع فيه آراء الشارع الإيراني حول ما إذا كان مع أو ضد مشروع تخصيب اليورانيوم (ليس بنسبة عالية كما تطالب الحكومة بل استمرار أو إيقاف البرنامج) وقد جاءت النتائج عكس توجهات النظام الإيراني تماما حيث فضل 63 في المائة من المشاركين في هذا الاستفتاء فكرة إيقاف برنامج تخصيب اليورانيوم تماماً.

كانت هذه النتائج رسالة جلية لا لبس فيها من المواطن الإيراني إلى حكومته، فالمواطن البسيط يرى ضرورة تخصيص الجزء الأكبر من الدخل القومي الهائل من النفط والغاز لمعالجة الفقر وتطوير البنية التحتية في البلاد وأن يتانسب ثراء الدولة مع الوضع المعيشي للمواطن وبالتالي ينعكس على حياته اليومية لكي لا يضطر إلى البحث عن عمل إضافي ثان أو ثالث لتوفير متطلبات الأسرة في ظل التضخم الهائل الذي يضرب البلاد في مقابل الراوتب المتدنية جدا.
يتساءل المواطن الإيراني عن الفائدة التي ستعود عليه من البرنامج النووي الذي تقاتل من أجله النخبة السيايسة في طهران أو توجيه الأموال الهائلة إلى دعم النظام السوري أو حزب الله في لبنان.

يرى هذا المواطن أن خطط بلاده هذه تسببت له بالكثير من المصاعب في الداخل والخارج، حيث يجد الطالب الإيراني الطموح الذي يرغب في اكمال دراسته في جامعات عالمية مرموقة أن طلبه يصطدم بعراقيل كثيرة عندما يتقدم لسفارة دولة ما للحصول على تأشيرة دخول لهذه الدولة أو تلك وبالتالي يفقد الأمل في تحقيق طموحه العلمي، هذا من جانب ومن جانب آخر يجد الطالب الإيراني الذي على رأس بعثته أن إقامته في البلد المضيف لن تجدد وللسبب ذاته. الحال ذاته ينطبق على التاجر الإيراني الذي لا يستطيع استيراد وتصدير البضائع بشكل مرن يتوافق والأنظمة المعمول بها في بقية دول العالم ويواجه الكثير من المعوقات في الداخل والخارج ولأسباب سياسية بحتة.

خلاصة القول، الشعب الإيراني يرى أنه أصبح ضحية السياسة الخارجية للنظام الحاكم، لكنه لازال يكافح ويعيش على أمل فجر جديد أو عدوى ربيعية من جيرانه العرب حتى وإن ظهر ذلك على استحياء خوفا من القمع والتنكيل بخاصة وأن رئيس الاستخبارات الإيراني قد صرح أخيرا بأن النظام لن يسمح مطلقا بتكرار الأحداث التي اعقبت نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009. ولكن يمكن القول إن المواطن يستطيع تحمل الضغوط السياسية والإملاءات الحكومية ولكن عندما تصل الأوضاع إلى لقمة العيش التي تسد رمقه وأطفاله فحينها ليس لديه ما يخشى خسارته مطلقاً. 


إن استمر نظام “ولي الفقيه” في تجاهل المشاكل التي تعصف بحياة المواطن الإيراني فإن الخطر لن يكون من صواريخ اسرائيل ولا طائرات أمريكا، بل قد يكون تحركا داخلياً من خلال عودة المظاهرات والاضطرابات إلى الشوارع ولن يخشى الشباب الغاضب تهمة العمالة للغرب أو اسرائيل أو حتى تهمة إثارة الفتنة كما حدث مع الاصلاحيين موسوي وكروبي لأنه حينها سيكون قد تشبع من هذه الدمغة المملة والاسطوانة المشروخة وبتالي على النظام آنذاك مواجهة “أزمة الدجاج” بدلاً من أزمة النووي.

المصدر: مجلة المجلة

الأحد، 1 يوليو 2012

العقوبات الأوروبية.. بين المكابرة الإيرانية والتحدي الأوروبي


شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي

دخلت اليوم الأول من يوليو حزمة العقوبات الأوروبية على صادرات إيران النفطية حيز التنفيذ، مما يشكل ضغوطا إضافية على الاقتصاد الإيراني المترنح اصلا بسبب العقوبات السابقة. صاحب هذا الحظر عقوبة أخرى تتمثل في توقف شركات التأمين البحري التي تسيطر الدول الغربية على 90 في المائة منها عن تغطية ناقلات النفط المحملة بالنفط الإيراني، مما يعني أن على الدول المستوردة لنفط إيران اعتماد تأمين سيادي لتغطية مخاطر الحوادث وتسرب النفط. ويكمن الهدف من هذه العقوبات الأوروبية إلى تشديد الخناق على إيران، وارغامها على التخلي عن برنامجها النووي المشتبه به من قبل المجتمع الدولي.

الجانب الإيراني حاول طيلة الأشهر القليلة الماضية التشكيك في جدية الدول الاوروبية في تطبيق عقوباتها على أرض الواقع لذا فقد قلل من أهمية تلك العقوبات على أنه لن يكون لها أي تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي. وأعلن مسؤولون إيرانيون وفي أكثر من مناسبة أن صادرات إيران النفطية وبالتالي الاقتصاد المحلي لن يتأثر مطلقا بهذه العقوبات ولن تخسر طهران زبائن نفطها بل أن الدول المستهلكة للنفط هي من سيدفع ثمن هذه القرارات التي ستؤدي إلى التهاب اسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي هذا الصدد، فقد حاولت ايران وعلى لسان أكثر من مسؤول الترويج لفكرة مفادها أن حظر النفط الايراني يعني وصول اسعار النفط الى ارقام فلكية قد تتجاوز الـ200 دولار للبرميل الواحد. كما سبق وحذر المرشد الاعلى علي خامنئي من نتائج حظر النفط الإيراني على الاقتصاد الغربي وقال إن قادة الدول الغربية يخفون عن شعوبهم الكارثة التي ستحل بدولهم وأوضاعهم المعيشية بسبب الارتفاعات المحتملة لأسعار النفط في الاسواق العالمية. كما صرح وزير الصناعة الايراني شمس الدين حسيني لقناة سي ان ان الامريكية قائلا إن اسعار النفط ستتجاوز الـ160 دولارا للبرميل الواحد في حالة تم تطبيق الحظر الاوروبي على صادرات إيران النفطية.

وعلى الرغم من ذلك كله، نجد أن أسعار النفط أخذت تتراجع شيئا فشيئا غير متأثرة بالتحذيرات الايرانية. هذا التراجع أدى إلى ارتباك إيراني قبل دخول العقوبات الأوروبية حيز التنفيذ بأيام قليلة حيث دعا وزير النفط الايراني رستم قاسمي إلى اجتماع عاجل لأعضاء منظمة اوبك لمناقشة الأسعار الحالية للنفط باعتبارها غير عادلة ولا يجب أن ينخفض سعر البرميل الواحد دون مائة دولار أمريكي.
ومع تطبيق العقوبات الأوروبية صرح قاسمي أن هذه العقوبات ستبقى دون فاعلية وغير مؤثرة على الاقتصاد الإيراني. و نقلت وسائل الإعلام الإيراني امس عن قاسمي قوله: “ان تنفيذ اعدائنا العقوبات اعتبارا من اليوم (الأحد) لا يتسبب في أي مشكلة اقتصادية، فليس لها أي تأثير” لأن “الحكومة الإيرانية اتخذت القرارات الضرورية وهي مستعدة تماما لمواجهتها” دون أن يقدم أي توضيحات حول تلك القرارات. كما أضاف أن هناك زبائن جددا للنفط الإيراني بدلا عن الأوروبيين من دون الكشف عن هوية هؤلاء الزبائن الجدد.

من المؤكد أن الحظر الأوروبي سيؤثر سلبا على الاقتصاد الإيراني. فمن المعلوم أن الخزانة الإيرانية تعتمد على عائدات النفط والغاز بنسبة 80 في المائة. كما أن إنتاج إيران النفطي قد تراجع بشكل كبير في الفترة الأخيرة (راجع مقالي السابق حول الموضوع). إضافة إلى المشاكل الانتاجية فقد تراجعت صادرات إيران النفطية بنسبة تقترب من 40 في المائة بسبب قرارات دول شرق آسيوية مثل اليابان وكوريا وغيرها تقليص أو إيقاف وارداتها النفطية من ايران واستبداله بالنفط العربي. هذه النسبة اصبحت 60 في المائة بعد تطبيق العقوبات الأوروبية على طهران.

بنظرة سريعة إلى الواقع الاقتصادي في إيران، نجد أن تأثير العقوبات السابقة على الاقتصاد الإيراني قد ظهر جلياً بخاصة في الأشهر القليلة الماضية حيث فقدت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها أمام العملات الأجنبية مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم تصل نسبته في بعض السلع الاستهلاكية الأساسية إلى 80 في المائة وفقا لتقرير صدر عن البنك المركزي الإيراني أخيرا.
هذه النسبة العالية في التضخم أدت وستؤدي بكل تأكيد بعد تطبيق العقوبات الأوروبية إلى مزيد من معاناة الشعب الإيراني من خلال ارتفاع نسبة الفقر إلى أرقام قياسية. إضافة إلى ذلك، فقد لوحظ اضطراب شديد في السوق المالية الإيرانية خلال الاسبوع الماضي كما تراجعت العملة المحلية أمام الدولار الامريكي بصورة أعادت للأذهان انهيار العملة الإيرانية مطلع العام الجاري.
قد تتماسك العملة الإيرانية وبدعم حكومي لفترة قصيرة أمام العملات الأجنبية ولكن من المؤكد أن تأثير العقوبات سيظهر على السطح قريبا وقد تجد إيران نفسها بين خيارات الانهيار الاقتصادي، أو الاستمرار في البرنامج النووي وتحدي تلك العقوبات على حساب الحياة المعيشية للمواطن الإيراني.

المصدر: مجلة المجلة

الثلاثاء، 10 أبريل 2012

عبد الكريم سروش واصلاح المذهب الشيعي




في مقابلة مطولة أجراها معه موقع "جرس" الأصلاحي ونشر الجزء الأول منها قبل أربعة أيام، تحدث المفكر والمنظر الإيراني الشهيرالدكتور عبد الكريم سروش (مواليد 1945)عن نشاطاته الأكاديمية ومحاضراته التي ألقاها والجامعات والمراكز العلمية التي زارها خلال العام الماضي وكان معظمها في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وتحدث في الجزء الأول من المقابلة عن مواضيع متنوعة ونشاطات مختلفة ولكننا نركز في هذا المقال على ما اعتقد أنه الأهم في تلك المقابلة، ألا وهو تحدثه عن اصلاح المذهب الشيعي. لن أقوم بتحليل أو التعليق على وجهة نظر سروش بل سأنقلها كما هي إلى اللغة العربية دون زيادة أو نقصان.

إليكم ترجمة الجزء الذي يهمنا من هذه المقابلة:


"عندما كنت في كلفورنيا تم دعوتي الى القاء محاضرة في جامعة بركلي(The university of California, Berkeley) حول التشيع. والقيت المحاضرة تحت عنوان "التشيع يحتاج الى اصلاح". وقد سعيت في هذه المحاضرة ان أوضح ان التشيع وطول تاريخه كان فرقة اقلية في العالم الاسلامي. وكيف فكرة الاقلية هذه القت بظلالها على ليس فقط نمط الحياة بل على فكر اتباع المذهب ايضا. غالبا ما تعاني الاقليات بشكل عام من اوضاع خاصة والتي يجب فهمها على الوجه الصحيح: تسعى الاقليات جاهدة الى اظهار هويتها وتشكيلها كما تسعى الى ابراز مايميزها  أمام الاخر الكبير والواضح لكي لا تفقد هويتها وتضمت بقاءها واستمراريتها ولكي لا تعاني من أزمة الهوية. هذه الهوية لا تؤثر فقط على على نمطها السسياسي فقط بل على طريقة تفكيرها ايضا. هذا التقابل الذي يحدث بين الاقلية والغالبية يتجه الى تحميل سلوكيات  في غالب الاحيان تفتقد للعقلانية والحكمة كما أنها تكون احيانا غير اخلاقية ايضا. يمكنني أن أشير هنا إلى ظاهرة قبيحة تتمثل في لعن صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي كانت ولازالت منتشرة بين أتباع المذهب الشيعي. إلا أنه يجب أن نشير إلى أننا نسمع في الوقت الراهن أن علماء الشيعة ورموزها في ايران يحاولون الحد من ظاهرة سب علماء أتباع المذهب السني ورموزهم. هذ توجه  رائع ولكنه جاء متأخرا بعض الشيء ويجب أن يكون قد حدث قبل هذا الوقت بعصور كما أن عامة الشيعة كان يجب أن يكونوا قد تعلموا من علماءهم احترام الأكثرية (الغالبية) ويتعاملوا معهم باحترام أكبر. أنا لا أدعي أن الجانب المقابل لا تصدر منه نفس الشيؤ ولكن يجب أن لا يكون تعاملنا مع السلوك الخاطئ للاخر بنفس الطريقة.

للاسف الشديد أن هذا السلوك ليس حكرا على عامة الشيعة بل أنه كان ولايزال شائع بين طبقة العلماء ورجال الدين ايضا إلى درجة أن الكتيبات الخاصة بزيارات الائمة عامة و الامام الحسين  خاصة تضم بين جنباتها مثل هذا اللعن والشتائم. يجب أن أشير هنا إلى أنني لا اختلف مع الشخص الذي يجرم الاعمال القبيحة بل ومتفق معه تماما، لأنه وببساطة شديدة يجب أن يتم تقبح الأعمال السيئة بعمومها، لكن لايجب أن تكون تلك الاعمال القبيحة مداعاة لاهانة رموز ومقدسات الآخرين وجرح مشاعرهم بل وإثارتها، أنه علم خاطئ وشنيع. للأسف الشديد أننا نرى أن الصراع، على سبيل المثال، في دولة مثل الباكستان، بين الشيعة والسينة لازال قائم على قدم وساق. وهنا انقل لكم قصة في هذا الشأن. قبل اعوام  حضرت في لندن جلسة ضمت بعض علماء الدين الشيعة ومن بينهم الراحل آية الله معرفت. تحدث آية الله معرفت عن قصة نقلت إليه مفادها أن بعض شيعة الباكستان كانوا يجلسون على سقف المساجد ويلعنون الخلفاء الثلاثة الأوائل على الملا. يقول معرفت أنه بعث برسالة الى اولئك الشيعة ابلغهم فيها بحرمة العمل الذي قاموا به وأن هذه التصرفات ليست فقط لا تجلب لهم اي حسنات، بل أنها عمل يعاقبون بشدة عليه يوم الحساب. قلت (سروش) له لقد قمت بعمل رائع ولكن لماذا لم تقل ذلك قبل عشرة سنوات؟ لماذا لم يقولوا علماء الشيعة هذا قبل مائة عام؟ لقد جاء متآخرا بعد أن تم زرع هذا الحقد والبغض في القلوب. للاسف أننا نريد أن نقدم العلاج بعد أن اصبح ثمنه باهض جدا.

على كل حال أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تات والوقوف في وجه الضرر والتخلص منه عمل مفيد ونافع. اعتقد أن مثل هذا العمل هو مرض الاقلية الشيعية. لقد ابعد الغالبية ووسع الهوة بين الطرفين واصبح من المستبعد قبول ردم كل هذه الهوة وبالتالي فقد زرعوا بذرة كان ثمارها مرة وغير مستصاغة.

اشرت في المحاضرة ايضا إلى قول بعض علماء الشيعة بتحريف القرآن. عواقب هذا العمل سيئة جداً، خاصة اولئك الذين قالوا بأن هناك آيات عديدة نزلت في شأن وقدر الائمة و حذفها اعدائهم من القرآن الموجود بين أيدينا اليوم.هذا ضيق نظر واضح من جانبهم بسبب أن اعتقدوا أن مثل هذه الأعمال تقوي المذهب الشيعي ولكن غاب عنهم أن هذا العمل يفسد الاسلام والقرآن. لحسن الحظ أن مثل هذه الأدعاءات قد أخذت منذ القرن الرابع الهجري وعصر الشيخ الصدوق تتراجع شيئا فشيئا واظهروا علماء الشيعة شبه اتفاق في هذا الشأن بأن القول بتحريف القرأن ليس قول عموم الشيعة وأدعاء منافي للحقيقة والقول به في حكم النادر.
المشكلة الأخرى هي الغلو في المذهب الشيعي. على الرغم من أنهم يدعوا أن الغلاة فرقة أو افراد محددين وقد انطوت صفحتهم تماما إلا أنه يجب أن أقول أن الغلو لايزال متفشيا بين الشيعة. فاليوم يردد على منابر المساجد في ايران الكثير من الخطب لايمكن تسميتها بغير الغلو والمبالغة في شأن الائمة، فالغلو ينحى بالعلم الديني الى التلوث والفساد، فهو يلقي بظلاله على رموز الدين  مما يقودهم إلى الانزلاق نحو الكثير من الأمور الخاطئة التي ادخلت في الأذهان وحرفت العلم الديني والتوحيدي ومعرفة الانبياء عن مسارها الحقيقي. يجب ن يتم التخلص من هذا الغلو وهذه مهمة العلماء بالدرجة الاولى. إن هذا السيل قد انحدر من الاعلى، لذا يجب أن يغلق من نفس المصدر (يقصد علماء الدين)..
لذا يجب على العلماء اليوم أن يقوموا بواجبهم. ينقل التلفزيون والاذاعة الايرانية في الوقت الراهن قصص ومعجزات وكرامات عن الائمة تجعل المرء في حقيقة الأمر يقف أمامها مبهوتا ومتحيرا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينقل أن حضرة الامام العباس عندما كان في بطن امه قد امتنع عن السقوط على الارض أو عندما خرج الى هذا العالم قام من الأرض واقفا، أو أن الله قد منح الجنة بكاملها لحضرة فاطمة الزهراء، ليس هذا فحسب بل طلبت من جبرائيل أن يجلب لها صك الجنة وقد أرسل الله عز وجل لها الصك فعلاً. هذه الروايات وغيرها تنقل على التلفزيون الايراني وقد سمعتها بنفسي ولكن العجيب في الأمر أنك لا تسمع من يصرخ ويقول أن مثل هذه الاقاويل والخزعبلات لن تفيد الدين في شيء، كما أنها لن تعود بالنفع على التاريخ المستقبلي للشيعة. إن كل ما تجلبه هو افساد الدين والتشيع وعلماءه وتزيل هيبتهم. لو لم تكن مثل هذه الروايات باطلة فإننا سندافع عنها ولكننا نعلم جميعا أنها باطلة من ناحية المحتوى والسند ولا يمكن تصديقها، كما أنها لا تزيد مثقال ذرة في شأن الائمة ورموز الدين، بل على العكس تماما فهي تحط من شأنهم ومكانتهم.
الضرر أو الآفة الأخرى في المذهب الشيعي تكمن في فكرة أننا شعب الله المختار، نحن كشيعة وايرانيين نعلم يقينا كيف تم حقنها في أذهاننا منذ الصغر وكيف علّمونا أن التشيع والتشيع فقط هو الدين الذي يقبله الله ويحبه من بين كل الأديان والفرق الاسلامية وأن الله قد خلق العالم خالصا لآل البيت وأتباع المذهب الشيعي. مثل هذه الأقوال تبث في الشيعة غرور كاذب، ونوع من الكبر والاستغناء الباطل، بينما هو في حقيقة الأمر على عكس ذلك تماماً.
لهذا كله ذكرت (سروش) أن المذهب الشيعي يحتاج نوع من الاصلاح، والواقع يجب أن يكون هناك اصلاح فقهي وفلسفي شامل في الدين الاسلامي بشكل عام ولكن ما نحن بصدده هنا هو اصلاح المذهب الشيعي على وجه التحديد...."

  عبدالكريم سروش في سطور:
اسمه الحقيقي هو حسین حاج فرج دبّاغ ويعرف بـ عبدالكريم سروش. اشتهر سروش باهتمامه في المقام الأول بفلسفة العلوم، وفلسفة الدين، والنظام الفلسفي للشاعر جلال الدين البلخي (الرومي) كما يعد سروش مؤسس قسم فلسفة العلم في إيران. قام بالتدريس في عدد من الجامعات والمراكز العلمية الامريكية وعلى رأسها جامعة جورج تاون، اختارته مجلة "الفورين بوليسى" ضمن المفکرین الکبار العشرة في العالم في عام 2009. من فلسفته: التمييز بين "الدين وفهمنا له "، "التمييز بين الجوانب الأساسية والعرضية للدين"، " التمييز بين تفسير "الحد الأدنى" و "المتطرف للإسلام"،" التمييز بين "العقيدة" الدينية و الإيمان الديني"، واخيرا  "التمييز بين الدين كفكر/ هوية والدين الحق". له عدد كبير من المؤلفات باللغة الفارسية والانجليزية والتركية وترجمت بعض كتبه إلى اللغة العربية.

محمد

الأحد، 1 أبريل 2012

النزعة القومية بين رضا شاه و أحمدي نجاد



شؤون إيرانية:

اشتهر العصر البهلوي (1925-1979) خاصة فترة  حكم مؤسس السلسلة البهلوية، رضا شاه بهلوي (حكم إلى عام 1941) بالنزعة القومية الشديدة وتمجيد الماضي الذي تعرفت عليه غالباً من خلال كتب المستشرقين ودراساتهم. فحاول النظام الجديد بناء جسر يربط الحاضر بعصر ما قبل الإسلام مع تهميش مابين هاتين الفترتين واعتباره مثالا للتراجع الفكري والثقافي والحضاري ولوم العرب والمسلمين بوصفهم سبب ذلك التراجع وبالتالي رافق ذلك نزعة عداء محمومة ضد العرب والحضارة العربية شقت طريقها سريعا نحو الأدب بشقيه الشعري والنثري وكذلك كتب التاريخ كما توغلت حتى وصلت إلى المناهج الدراسية. وعلى جانب محاكاة الماضي، بدأ رضا شاه بتاجه الملكي الذي صممه على طراز يحاكي التاج الساساني  ثم انتقل الأمر إلى اللغة فأمر بتأسيس مجمع لغوي مهمته الأساسية تنقية اللغة الفارسية من الكلمات والمصطلحات الأجنبية عامة والعربية على وجه الخصوص إلى درجة أن البعض من مستشاريه أقترح التخلص من كافة الكلمات العربية واستبدالها بكلمات جديدة تكون فارسية الأصل أو من اللغات الأوروبية كالفرنسية والانجليزية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم  تغيير أسماء بعض المدن الإيرانية  كعربستان (أصبحت خوزستان) وكذلك التقويم المستخدم ليكون هجرياً شمسياً (بدلا من الهجري القمري) إلى جانب التقويم الشاهشاهي الذي أرخ لبدايته ليكون قبل 2500 عاماً. كما أقام النظام البهلوي احتفالية كبيرة في ذكرى مرور ألف عام على رحيل الشاعر الإيراني الشهير أبو القاسم الفردوسي(920-1020)، صاحب ملحمة الشاهنامة. وتبنت الحكومة الإيرانية هذه الاحتفالية والتحضير لها و أرسلت الدعوة إلى عدد كبير من المهتمين بالثقافة والأدب الفارسي من الشرق والغرب، خاصة كبار المستشرقين وتم ترميم ضريح الفردوسي في مدينة طوس. ولعل السبب في الأهتمام بهذا الشاعر دون سواه من عمالقة الأدب الفارسي كحافظ وسعدي الشيرازيين وغيرهما، لم يكن لتميزه شعريا أو أنه أتى بسبك شعري جديد ولكنه يكمن  في أن الكثير من القوميين الإيرانيين في ذلك العصر اعتبروا الفردوسي رمزاً وطنياً  يعود إليه الفضل في حفظ اللغة الفارسية والتاريخ الإيراني القديم بشقيه الأسطوري والحقيقي من خلال إعادة كتابته في منظومته الشعرية الشاهنامة التي نظمها في قرابة 60 ألف بيت من الشعر.
وعلى الرغم من أن قيادات إيران ما بعد ثورة 1979 التي أوصلت الملالي إلى سدة الحكم قد حاولت جاهدة التخلص من كل ما كان يعتبر رمزا للنظام الشاهنشاهي البهلوي والابتعاد قد المستطاع عن النزعة القومية التي عرف بها إسلافهم، ليس ذلك وحسب بل جعلت تلك النزعة القومية إحدى النقاط الرئيسية في نقد النظام الجديد للنظام البهلوي واستبدالها بالهوية الإسلامية الشيعية، إلا أن هناك مواقف عدة تظهر جلياً  أن تلك النزعة لازلت تشهد رواجاً بين الساسة الحاليين ولم يتمكنوا من التخلص منها مهما حاولوا إخفاءها.
ولعلنا نركز هنا على قادة إيران ورموزها السياسيين خلال فترة تولي احمدي نجاد لمنصب رئيس الجمهورية. يأتي على رأس القائمة اسفنديار مشايي، صهر احمدي نجاد ومدير مكتبه. فقد سبق وأن اظهر نزعة عرقية مبنية على الأفكار التي ذكرت أعلاه  وقد أيده نجاد في ذلك عندما قالا قبل أكثر من عام أن الانتماء في هذا البلد يجب أن يكون للإيرانية  Iranianness أولا ومن ثم للإسلام ثانياً. وقد وجه لمشايي الكثير من الانتقادات من التيار المحافظ إلا أن أحمدي نجاد دافع عنه وفي أكثر من مناسبة بل وتبنى نفس الفكر أيضاً. ولعل آخرها ما تحدث عنه  الرئيس أحمدي نجاد حول هذه النقطة كان الأسبوع المنصرم وفي احتفالية عيد النوروز التي اقيمت في  طاجكستان وبحضور رؤساء افغانستان وباكستان بالإضافة إلى رئيس البلد المضيف.
ففي حديثه في هذا الأجتماع، وصف الرئيس احمدي نجاد شاهنامة الفردوسي بکتاب التوحيد وقال:"بُعث کافة الأنبياء لإنقاذ الإنسان من الضلالة وإيضاح الطريق الصحيح برسالة التوحيد والإنسانية، والعدالة والمحبة"، مستدركا أن هذه القيم والدلائل لم تكن كافية لتحقق السعادة لذا كان من الضروري أن يكون هناك أمة تفهم جيدا هذه القيم والرسائل وإظهارها للعالم.
ثم هاجم نجاد الخلافتين الأموية والعباسية بقوله "لاحظت الأمة الإيرانية بعد دخولها في دين الإسلام أن الحكومة والقيادة السياسية تم اختطافها من قبل الأمويين ومن ثم العباسيين ولم تكن هاتين السلطتين مثالا للهدي النبوي والطريق الذي رسمه نبي الإسلام للأمة الإسلامية، فقد قاموا بإهانة الأمة الإيرانية وتحقيرها وهبّطوا من عزائم رجالها، وفي هذه الظروف ظهر نجم الفردوسي وأعاد إحياء الهوية التوحيدية والسعي إلى الحرية والعدالة الإنسانية في الشعب الإيراني..." على حد زعمه.
واستطرد قائلا: "لقد أنقذ الفردوسي منهج نبي الإسلام والنبي الأعظم ومدرسته واستخلص عبء هذه الرسالة العظيمة من قبضة أناس لم يكونوا أهل لحملها، ووضعها على عاتق الأمة الإيرانية وكانت هذه الأمة خير من حمل الرسالة وقدر المسئولية". واليوم، والحديث لازال لنجاد، "لو لم تكن الأمة الإيرانية حاضرة فإنه لن نجد أثرا للحرية والعدالة الإنسانية في هذا العالم وأن الأمة الإيرانية هي الأمة الوحيدة التي ارتكزت على تاريخها وحضارتها وتراثها، هذا من جانب، و على مدرسة الرسول والأئمة المؤمنين من بعده، من جانب آخر، ولا يوجد من ينافسها في ذلك".
يتضح مما طرح أعلاه أن أحمدي نجاد تبنى نفس الفكرة التي اشتهر بها النظام البهلوي المتمثلة في القومية أو النظرة المعادية للعرب. ففي العصر البهلوي كانت السمة الأبرز لهذا التوجه هو القومية الشوفينية الصرفة التي استحوذت على النتاج الثقافي والأدبي خلال تلك الفترة، أما خلال فترة الجمهورية الإسلامية وفترة أحمدي نجاد الرئاسية تحديدا، فإن هذه النزعة القومية اكتست بلباس الدين والمذهب الشيعي، فتم ترويجها من خلال الارتكاز على الجانب الطائفي كمنفذ وحيد لإبرازها دون التعارض مع الصورة التي يحاول النظام الإيراني الحالي ترويجها لنفسه من خلال رفع شعار الدين و ادعى مناصرة القضايا الإسلامية.
جدير بالذكر أن شاهنامة الفردوسي ليست كما حاول أحمدي نجاد وصفها والترويج لها فقد تبنى الفردوسي الفكر الشعوبي وصور العرب بأبشع الصور فوصفهم بالبدو الحفاة، العراة أكلت الفئران والضباب ورعاة الإبل، لا يعرفون من الحضارة أو الثقافة شيئاً. بل ونقل على لسان رستم، قائد الجيش الفارسي في معركة القادسية كلام بذيء وصل إلى سب الدهر بقوله، "تفّ تفّ لك أيها الفلك الدوار؛ العرب الحفاة العراة آكلو الضباب يدوسون أرض إيران الجميلة" ومثل ذلك مالا يمكن حصره في هذا المقال. فكيف يصف احمدي نجاد الفردوسي وملحمته بأنها رمز للعدالة والمحبة وهي مليئة بالعنصرية الشعوبية وكيف اصبح الفردوسي من حمل على عاتقه مهمة حفظ الدين الإسلامي والرسالة المحمدية وقد طرده حاكم عصره، السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي (971 - 1030) من بلاطه ورفض تكريمه لأسباب من أهمها ما احتوته الملحمة الشعرية من إجحاف في حق الدين الإسلامي وحملت لواءه العرب المسلمين.
   وختاماً، فقد وجه رجل الدين الإيراني آية الله مكارم الشيرازي نقدا لاذعاً لاحمدي نجاد بسبب هذه التصريحات وقال صحيح أن الفردوسي قد أعاد إحياء اللغة الفارسية وحفظ التاريخ الإيراني القديم ولكنه لم يكن يوما مجددا دينياً أو حافظاً للدين الإسلامي مطلقاً كما أتهم نجاد بمحاولة النيل من المدرسة الإسلامية على حساب الإيرانية وبالتالي عزل إيران عن العالم الإسلامي  بينما هناك بوادر قوية لمزيد من التقارب مع العالم الإسلامي خاصة في ظل ما اسماه بـ "الصحوة الإسلامية" في إشارة إلى ثورات الربيع العربي  التي تزعم إيران بأنها امتدادا لثورتها في عام 1979م.
 محمد

الجمعة، 30 مارس 2012

ماذا لو كان بيننا؟ إيران بين الأمس واليوم



شؤون إيرانية:


رسم كاريكتيري عثرت عليه اليوم مصادفة في إحدى المجلات الثقافية الإيرانية القديمة..قد يحتاج الرسم اعلاه إلى بعض من التوضيح خاصة لغير الملمين بالتاريخ الإيراني. الكاريكتير يجسد حالة إيران خلال ثلاث مراحل مختلفة من خلال شعارها المعروف المتمثل في الأسد والشمس:
الصورة رقم (3) ترمز لإيران الأمس (إيران ما قبل الأسلام) حيث يظهر الأسد وهو في قمة قوته حاملاً سيف الرفعة وتظهر الشمس مشرقة في الأفق، وتمثل حضارة إيران ومجدها.

الصورة رقم(4) الأسد والشمس في إيران اليوم (في عام 1924 م) ويظهر رأس الأسد معتم بعمامة تمثل رجال الدين الذين يتدخلون في كل شؤون البلاد. كذلك تظهر مسبحة معلقة على ذيل الأسد كما استبدل السيف بسوط التكفير. أما الشمس فلم يعد شعاعها وضياءها كما كان بالأمس. 

الصورة رقم (5) الأسد والشمس في إيران الغد (المستقبل)، إذا لم يتغير وضع البلاد وينتقل إلى الأفضل (عما هو عليه في عام 1924). حيث يظهر الأسد ميتاً والعمامة ملقاة على الأرض والسيف قد انكسر كما أن المسبحة قد انقطع خيطها و تناثرت حباتها. إضافة إلى ذلك فقد اختفت الشمس تماما. في هذه الظروف، يظهر نسر باسم "السيطرة والأستعمار" لتمزيق الأسد الميت والتهامه..

هذا الكاريكتير رسم بريشة الكاتب والقاص الإيراني الذي اصبح مشهورا جداً خلال العصر البهلوي  وهو عراف القصة القصيرة في إيران. نعم نتحدث هنا عن محمد علي جمالزاده (1892-1997) وكان حينها طالباً في برلين ونشر الكاريكتير في مجلة اتحاد الطلبة الإيرانيين في برلين واسمها "فرنگستان/ بلاد الفرنجة". كما هو معلوم، فهذا الرسم كان في أواخر العصر القاجاري و قد سبق تاسيس الدولة البهلوية بعام واحد كما سبق الثورة الاسلامية في إيران بـ 75 عاماً وكان نفوذ رجال الدين (الملالي) حينها  أقل مما هو عليه حالياً ولم يكن في أيديهم سلطة سياسية تذكر، ومع ذلك فإن نظرة  جمالزاده كانت متشائمة وسوداوية جداً لأنه يرى- وكما كتب في عدة من القصص التي ألفها في ذلك العصر ومن بينها "فارسي شكر است/ الفارسية سكر" – كثير من الخزعبلات التي تسيطر على رجال الدين وهي ليست من الأسلام في شيء... ماذا لو خرج من قبره هذه الأيام وطلب منه أن يرسم كاريكتير يجسد  الوضع الإيراني الراهن، هل سيعيد نفس الكاريكتير كما هو؟ ربما نعم . فالأمس لم يعد فقط إيران ماقبل الأسلام، بل النظام الشاهنشاهي البهلوي الذي أعاد احياء تراث  إيران  القديم وسقط في عام 1979، أما الحاضر فيشهد سيطرة الملالي على الدولة  تماماً ولكن بشكل أكبر مما كانت عليه في عام 1924 وأما القادم فقد يكون (وكما كان جمالزاده لايتمنى ذلك فأنا ايضاً لا أتمناه كذلك  مهما اختلفنا مع إيران) ما قد تأؤل إليه الأوضاع في إيران في ظل التهديدات الغربية والاسرائيلية الحالية لها بسبب برنامجها النووي ....

محمد

السبت، 17 مارس 2012

باكو تصعّد في وجه ايران وتذكّر بجنوبها المحتل




شؤون إيرانية:

أستانة - باسل الحاج جاسم


عرض إلهام علييف الرئيس الاذربيجاني، خلال لقائه أمين عام حلف «ناتو»، منتصف الشهر الماضي في مقر الحلف في بروكسيل، المساعدة في حل الازمة الافغانية، على أمل الحصول على دعم عسكري في علاقة بلاده المتوترة مع ايران. وفي سياق التشدد حول الخطط النووية لايران، دعا عدد من الساسة في اذربيجان الى تعزيز العلاقات مع اسرائيل، والجهات الغربية، لا سيما في مجال الامن والدفاع.

ولم يصدر أي تعليق رسمي في باكو، حول كيف تنوي اذربيجان الرد على تصاعد التوتر في شان القضية النووية الايرانية، لكن عدداً من الاعتقالات التي جرت في البلاد، تشير الى ان ادارة الرئيس إلهام علييف تقوم بالتصدي لمصادر النفوذ الايراني في اذربيجان.


تجدر الاشارة ان العلاقات الاذربيجانية - الاسرائيلية، ليست بالجديدة، وتعتبر من أكبر الاختراقات لدولة في العالم الاسلامي، وتتطور في مجالات عديدة، من الاستثمار في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية الى الامدادات العسكرية، ومعدات النفط، وتتضح العلاقة الوثيقة بين البلدين، من المعلومات التي نشرتها صحيفة «تايمز» البريطانية في الحادي عشر من شباط (فبراير) الماضي، عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) يقوم من أراضي أذربيجان بجمع المعلومات عن إيران.


وقالت إيران أن عملاء «موساد» في أذربيجان يضعون الخطط لتصفية علماء الذرة الإيرانيين، ونفت أذربيجان هذه الاتهامات، ووصفتها بالكاذبة وبأنها مجرد افتراء وتشهير، وفي 21 من شباط الماضي انتهكت المروحيات الايرانية اجواء اذربيجان بالقرب من مدينة استارا الحدودية بحسب ما ذكرته وكالة «توران»، ما اعتبرته اذربيجان مبرراً لمواصلة التعاون مع اسرائيل.


وذكر فوفا غول زادة المستشار الرئاسي السابق في السياسة الخارجية الاذربيجانية، ان مثل هذه الحوادث لا تجبر اذربيجان على النأي بنفسها عن اسرائيل، مشيراً الى ان على باكو ان تعمل مع القوى الغربية في حال حدوث أنشطة استخباراتية ايرانية تسبب ضرراً حقيقياً لأمن اذربيجان.


ايران التي تربطها علاقات تاريخية وثقافية عميقة مع اذربيجان، يشتبه دوماً في محاولاتها اثارة المشاكل لباكو، سواء من خلال الاحتجاجات عن طريق المسلمين الشيعة، اوعن طريق اجراءات اكثر جدية، مثل محاولة الاغتيال الاخيرة للسفير الاسرائيلي في اذربيجان ميخيائيل لوتوما.


ووفقاً لوجهة نظر غول زادة فان الضجة التي اثارتها طهران بعد التقرير الذي نشرته «تايمز»، يأتي في اطار الضغط على اذربيجان للحد من تعاونها مع اسرائيل، ويؤكد سهيل الدين اكبر مدير مركز التعاون الاطلسي في باكو على ضرورة تعزيز التعاون الاستخباراتي والامني مع الولايات المتحدة الاميركية ومع تركيا، مشيراً الى ان الاجهزة الامنية الاذربيجانية غير قادرة على وضع حد لأنشطة ايران.


وقالت تقارير إعلامية اواخر شباط الماضي، إن أذربيجان تريد شراء طائرات تجسس من دون طيار وأسلحة مضادة للصواريخ والطائرات من إسرائيل، وقدرت وسائل الإعلام الإسرائيلية قيمة الصفقة المرتقبة بـ1.6 بليون دولار أميركي.


وقال مراسل صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية إنه بعد نشر المعلومات عن الصفقة المرتقبة، انطلقت الإشاعات التي تتحدث حول احتمال انضمام أذربيجان إلى تحالف دولي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتشكيله لمحاربة إيران.


وعبّر نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان الأذربيجاني، أيدين ميرزا زاده، لوكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية عن شكوكه في صحة التقارير الإعلامية، مشيراً إلى أنه لا يرى داعياً لشراء الطائرات من دون طيار من البلدان الأخرى لأن أذربيجان تنتج هذه الطائرات بنفسها.


وأضاف المسؤول البرلماني الأذربيجاني: « ليس هناك من داعٍ لقلق إيران بشأن التعاون العسكري الفني بين أذربيجان وإسرائيل إذ أن أذربيجان أعلنت أنها لن تسمح للبلدان الأخرى أن تستخدم أراضيها منطلقاً لضرب إيران».


واستدعت وزارة الخارجية الإيرانية، سفير أذربيجان لدى طهران وأعـــربت له عن احتجاجها على صـــفقة عقدتها باكو مع تل أبيب لشراء أســـلحة إسرائيلية، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن طهران لن تسمح لإسرائيل أن تستخدم أراضي أذربيجان مسرحاً لتنفيذ «عمليات إرهابية» ضد الجمهورية الإسلامية.


ولم ينف السفير الأذربيجاني جوانشير أخوندوف شراء الأسلحة الإسرائيلية، ولكنه أشار إلى أن بلاده تحصل على الأسلحة بهدف «تحرير أجزاء من الأراضي الأذربيجانية من الاحتلال» في إشارة إلى النزاع الأذربيجاني مع أرمينيا المجاورة على إقليم كارا باخ.


واقترح بعض أعضاء مجلس النواب الأذربيجاني، خلال جلسة البرلمان اوائل شباط ، تغيير اسم الدولة من أذربيجان إلى أذربيجان الشمالية كما طالبوا بإجراء مراجعة قانونية لمعاهدات تاريخية منحت روسيا وإيران الحالية سيطرة على مناطق يعتبرونها أذربيجانية.


ويبدو أن أصواتاً بدأت تتعالى في أذربيجان للدخول على خط الحملة القوية التي تتعرض لها إيران حالياً، إذ طالب رئيس حزب الجبهة الشعبية لأذربيجان الموحدة المعارض قدرت حسن غولييف باجراء مراجعة قانونية لمعاهدتي غوليستان وتركمانشاي الموقعتين بين روسيا وبلاد فارس بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1813 و22 شباط 1828، انطلاقاً من أن أذربيجان خسرت مناطق واسعة ذهبت السيطرة فيها إلى كل من روسيا وبلاد فارس.


وجاء اقتراح تعديل اسم الدولة بإضافة كلمة «شمالية» لتغدو جمهورية أذربيجان الشمالية، في نوع من الضغوط الإضافية المباشرة على طهران «لأن ثلثي أراضي أذربيجان (التاريخية ) يقع داخل حدود إيران الحالية»، وحظي هذا الاقتراح بتأييد عدة نواب، منهم النائب فرج غولييف، والنائب من الحزب الحاكم سيافوش نوروزوف.


وأضاف نوروزوف أنه في العالم هناك العديد من الأمثلة المشابهة مثل كوريا الشمالية والجنوبية وقبرص الشمالية والجنوبية، وسيكون من المستحسن لو أن أذربيجان، كدولة مقسمة، تسمى أذربيجان الشمالية.


ووقف النائب فزائيل اغامالي أيضاً موقفاً إيجابياً من اقتراح تغيير اسم الجمهورية. ودعا إلى إجراء استفتاء على إدخال تعديلات على المادة 11 من الدستور الأذربيجاني بأن أذربيجان تتألف من مناطق شمال وجنوب وغرب أذربيجان.


وبحسب معاهدة غوليستان، في منطقة غوليستان (كاراباخ الحاليه)، بعد نهاية الحرب الروسية الفارسية (1804 - 1813)، اعترفت فارس بسيطرة روسيا على داغستان ومناطق قوقازية واسعة بينها أجزاء في أذربيجان.


ثم
جاءت بعد ذلك معاهدة تركمانشاي التي تم توقيعها في 22 شباط عام 1828، في منطقه تركمانشاي التاريخية بالقرب من تبريز الحالية، وتم التاكيد فيها على ما جاء في معاهدة غوليستان، وانسحبت روسيا من خانات ناخشيفان ويريفان.

وتم اعتقال انار بيرامالي مراسل التلفزيون الايراني «سحر» في 17 شباط الماضي، بتهمة الحيازة غير المشروعة للمخدرات, ومقاومة السلطات، وبحسب شقيقه الذي نفى حيازته للمخدرات، انه استدعي خلال الاسابيع القليلة الماضية اكثر من مرة الى الاجهزة الامنية لاستيضاح آرائه السياسية.


وأصدرت السفارة الايرانية في باكو بياناً، دانت فيه الاعتقال، وحذرت من ان ذلك قد يضر بالعلاقة مع طهران، لكن اذربيجان الواقعة بين ايران جنوباً وروسيا شمالاً وارمينيا المعادية في الغرب، يبدو انها تعلمت جيداً، ومنذ زمن طويل، كيف تحرك وبحذر أوراقها الديبلوماسية.


المصدر: الحياة اللندنية