في مقابلة مطولة أجراها معه موقع "جرس" الأصلاحي ونشر الجزء الأول منها قبل أربعة أيام، تحدث المفكر والمنظر الإيراني الشهيرالدكتور عبد الكريم سروش (مواليد 1945)عن نشاطاته الأكاديمية ومحاضراته التي ألقاها والجامعات والمراكز العلمية التي زارها خلال العام الماضي وكان معظمها في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وتحدث في الجزء الأول من المقابلة عن مواضيع متنوعة ونشاطات مختلفة ولكننا نركز في هذا المقال على ما اعتقد أنه الأهم في تلك المقابلة، ألا وهو تحدثه عن اصلاح المذهب الشيعي. لن أقوم بتحليل أو التعليق على وجهة نظر سروش بل سأنقلها كما هي إلى اللغة العربية دون زيادة أو نقصان.
إليكم ترجمة الجزء الذي يهمنا من هذه المقابلة:
"عندما كنت في كلفورنيا تم دعوتي الى القاء محاضرة في جامعة بركلي(The university of California, Berkeley) حول التشيع. والقيت المحاضرة تحت عنوان "التشيع يحتاج الى اصلاح". وقد سعيت في هذه المحاضرة ان أوضح ان التشيع وطول تاريخه كان فرقة اقلية في العالم الاسلامي. وكيف فكرة الاقلية هذه القت بظلالها على ليس فقط نمط الحياة بل على فكر اتباع المذهب ايضا. غالبا ما تعاني الاقليات بشكل عام من اوضاع خاصة والتي يجب فهمها على الوجه الصحيح: تسعى الاقليات جاهدة الى اظهار هويتها وتشكيلها كما تسعى الى ابراز مايميزها أمام الاخر الكبير والواضح لكي لا تفقد هويتها وتضمت بقاءها واستمراريتها ولكي لا تعاني من أزمة الهوية. هذه الهوية لا تؤثر فقط على على نمطها السسياسي فقط بل على طريقة تفكيرها ايضا. هذا التقابل الذي يحدث بين الاقلية والغالبية يتجه الى تحميل سلوكيات في غالب الاحيان تفتقد للعقلانية والحكمة كما أنها تكون احيانا غير اخلاقية ايضا. يمكنني أن أشير هنا إلى ظاهرة قبيحة تتمثل في لعن صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي كانت ولازالت منتشرة بين أتباع المذهب الشيعي. إلا أنه يجب أن نشير إلى أننا نسمع في الوقت الراهن أن علماء الشيعة ورموزها في ايران يحاولون الحد من ظاهرة سب علماء أتباع المذهب السني ورموزهم. هذ توجه رائع ولكنه جاء متأخرا بعض الشيء ويجب أن يكون قد حدث قبل هذا الوقت بعصور كما أن عامة الشيعة كان يجب أن يكونوا قد تعلموا من علماءهم احترام الأكثرية (الغالبية) ويتعاملوا معهم باحترام أكبر. أنا لا أدعي أن الجانب المقابل لا تصدر منه نفس الشيؤ ولكن يجب أن لا يكون تعاملنا مع السلوك الخاطئ للاخر بنفس الطريقة.
للاسف الشديد أن هذا السلوك ليس حكرا على عامة الشيعة بل أنه كان ولايزال شائع بين طبقة العلماء ورجال الدين ايضا إلى درجة أن الكتيبات الخاصة بزيارات الائمة عامة و الامام الحسين خاصة تضم بين جنباتها مثل هذا اللعن والشتائم. يجب أن أشير هنا إلى أنني لا اختلف مع الشخص الذي يجرم الاعمال القبيحة بل ومتفق معه تماما، لأنه وببساطة شديدة يجب أن يتم تقبح الأعمال السيئة بعمومها، لكن لايجب أن تكون تلك الاعمال القبيحة مداعاة لاهانة رموز ومقدسات الآخرين وجرح مشاعرهم بل وإثارتها، أنه علم خاطئ وشنيع. للأسف الشديد أننا نرى أن الصراع، على سبيل المثال، في دولة مثل الباكستان، بين الشيعة والسينة لازال قائم على قدم وساق. وهنا انقل لكم قصة في هذا الشأن. قبل اعوام حضرت في لندن جلسة ضمت بعض علماء الدين الشيعة ومن بينهم الراحل آية الله معرفت. تحدث آية الله معرفت عن قصة نقلت إليه مفادها أن بعض شيعة الباكستان كانوا يجلسون على سقف المساجد ويلعنون الخلفاء الثلاثة الأوائل على الملا. يقول معرفت أنه بعث برسالة الى اولئك الشيعة ابلغهم فيها بحرمة العمل الذي قاموا به وأن هذه التصرفات ليست فقط لا تجلب لهم اي حسنات، بل أنها عمل يعاقبون بشدة عليه يوم الحساب. قلت (سروش) له لقد قمت بعمل رائع ولكن لماذا لم تقل ذلك قبل عشرة سنوات؟ لماذا لم يقولوا علماء الشيعة هذا قبل مائة عام؟ لقد جاء متآخرا بعد أن تم زرع هذا الحقد والبغض في القلوب. للاسف أننا نريد أن نقدم العلاج بعد أن اصبح ثمنه باهض جدا.
على كل حال أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تات والوقوف في وجه الضرر والتخلص منه عمل مفيد ونافع. اعتقد أن مثل هذا العمل هو مرض الاقلية الشيعية. لقد ابعد الغالبية ووسع الهوة بين الطرفين واصبح من المستبعد قبول ردم كل هذه الهوة وبالتالي فقد زرعوا بذرة كان ثمارها مرة وغير مستصاغة.
اشرت في المحاضرة ايضا إلى قول بعض علماء الشيعة بتحريف القرآن. عواقب هذا العمل سيئة جداً، خاصة اولئك الذين قالوا بأن هناك آيات عديدة نزلت في شأن وقدر الائمة و حذفها اعدائهم من القرآن الموجود بين أيدينا اليوم.هذا ضيق نظر واضح من جانبهم بسبب أن اعتقدوا أن مثل هذه الأعمال تقوي المذهب الشيعي ولكن غاب عنهم أن هذا العمل يفسد الاسلام والقرآن. لحسن الحظ أن مثل هذه الأدعاءات قد أخذت منذ القرن الرابع الهجري وعصر الشيخ الصدوق تتراجع شيئا فشيئا واظهروا علماء الشيعة شبه اتفاق في هذا الشأن بأن القول بتحريف القرأن ليس قول عموم الشيعة وأدعاء منافي للحقيقة والقول به في حكم النادر.
المشكلة الأخرى هي الغلو في المذهب الشيعي. على الرغم من أنهم يدعوا أن الغلاة فرقة أو افراد محددين وقد انطوت صفحتهم تماما إلا أنه يجب أن أقول أن الغلو لايزال متفشيا بين الشيعة. فاليوم يردد على منابر المساجد في ايران الكثير من الخطب لايمكن تسميتها بغير الغلو والمبالغة في شأن الائمة، فالغلو ينحى بالعلم الديني الى التلوث والفساد، فهو يلقي بظلاله على رموز الدين مما يقودهم إلى الانزلاق نحو الكثير من الأمور الخاطئة التي ادخلت في الأذهان وحرفت العلم الديني والتوحيدي ومعرفة الانبياء عن مسارها الحقيقي. يجب ن يتم التخلص من هذا الغلو وهذه مهمة العلماء بالدرجة الاولى. إن هذا السيل قد انحدر من الاعلى، لذا يجب أن يغلق من نفس المصدر (يقصد علماء الدين)..
لذا يجب على العلماء اليوم أن يقوموا بواجبهم. ينقل التلفزيون والاذاعة الايرانية في الوقت الراهن قصص ومعجزات وكرامات عن الائمة تجعل المرء في حقيقة الأمر يقف أمامها مبهوتا ومتحيرا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينقل أن حضرة الامام العباس عندما كان في بطن امه قد امتنع عن السقوط على الارض أو عندما خرج الى هذا العالم قام من الأرض واقفا، أو أن الله قد منح الجنة بكاملها لحضرة فاطمة الزهراء، ليس هذا فحسب بل طلبت من جبرائيل أن يجلب لها صك الجنة وقد أرسل الله عز وجل لها الصك فعلاً. هذه الروايات وغيرها تنقل على التلفزيون الايراني وقد سمعتها بنفسي ولكن العجيب في الأمر أنك لا تسمع من يصرخ ويقول أن مثل هذه الاقاويل والخزعبلات لن تفيد الدين في شيء، كما أنها لن تعود بالنفع على التاريخ المستقبلي للشيعة. إن كل ما تجلبه هو افساد الدين والتشيع وعلماءه وتزيل هيبتهم. لو لم تكن مثل هذه الروايات باطلة فإننا سندافع عنها ولكننا نعلم جميعا أنها باطلة من ناحية المحتوى والسند ولا يمكن تصديقها، كما أنها لا تزيد مثقال ذرة في شأن الائمة ورموز الدين، بل على العكس تماما فهي تحط من شأنهم ومكانتهم.
الضرر أو الآفة الأخرى في المذهب الشيعي تكمن في فكرة أننا شعب الله المختار، نحن كشيعة وايرانيين نعلم يقينا كيف تم حقنها في أذهاننا منذ الصغر وكيف علّمونا أن التشيع والتشيع فقط هو الدين الذي يقبله الله ويحبه من بين كل الأديان والفرق الاسلامية وأن الله قد خلق العالم خالصا لآل البيت وأتباع المذهب الشيعي. مثل هذه الأقوال تبث في الشيعة غرور كاذب، ونوع من الكبر والاستغناء الباطل، بينما هو في حقيقة الأمر على عكس ذلك تماماً.
لهذا كله ذكرت (سروش) أن المذهب الشيعي يحتاج نوع من الاصلاح، والواقع يجب أن يكون هناك اصلاح فقهي وفلسفي شامل في الدين الاسلامي بشكل عام ولكن ما نحن بصدده هنا هو اصلاح المذهب الشيعي على وجه التحديد...."
عبدالكريم سروش في سطور:
اسمه الحقيقي هو حسین حاج فرج دبّاغ ويعرف بـ عبدالكريم سروش. اشتهر سروش باهتمامه في المقام الأول بفلسفة العلوم، وفلسفة الدين، والنظام الفلسفي للشاعر جلال الدين البلخي (الرومي) كما يعد سروش مؤسس قسم فلسفة العلم في إيران. قام بالتدريس في عدد من الجامعات والمراكز العلمية الامريكية وعلى رأسها جامعة جورج تاون، اختارته مجلة "الفورين بوليسى" ضمن المفکرین الکبار العشرة في العالم في عام 2009. من فلسفته: التمييز بين "الدين وفهمنا له "، "التمييز بين الجوانب الأساسية والعرضية للدين"، " التمييز بين تفسير "الحد الأدنى" و "المتطرف للإسلام"،" التمييز بين "العقيدة" الدينية و الإيمان الديني"، واخيرا "التمييز بين الدين كفكر/ هوية والدين الحق". له عدد كبير من المؤلفات باللغة الفارسية والانجليزية والتركية وترجمت بعض كتبه إلى اللغة العربية.
محمد
هناك تعليق واحد:
أشكركك على هذا النقل
إرسال تعليق