شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي
في مقابلة أجرتها معه مجلة الدراسات الدولية الايرانية وتناقلت الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية مقتطفات منها تحدث الرئيس الإيراني الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني، عن العلاقات السعودية الإيرانية وأهمية تحسين هذه العلاقة واصفاً تلك بالمهمة بـ”غير المستحيلة”.
وقد تحدث بصراحة كبيرة حول مدى فاعلية موقف الجانب السعودي وتأثيره على الاقتصاد الإيراني من خلال إبقاء السعودية مستوى حصتها في أوبك على ما هو عليه مؤكداً بأنه “لا نريد من السعودية فعل أي شيء إلا إنتاج حصتها من النفط في أوبك حينها لا يستطيع أحد الاعتداء علينا، لأن العالم لا يمكنه التخلي عن إنتاجنا النفطي”. كما تحدث عن المكانة الكبيرة للسعودية بين شعوب العالم الإسلامي والجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لدعم الدول العربية والإسلامية.
من جانب آخر، تحدث رفسنجاني عن محاولات بعض المسؤولين الإيرانيين في حكومة الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد لإعاقة أي مساع لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران بل ومحاولة البعض تشويه العلاقة بين الجانبين والتحدث عن مضايقات سعودية لبعض المسؤولين الإيرانيين خلال تواجدهم في المملكة وهو ما ثبت لاحقا بأنه عار من الصحة، كما قال رفسنجاني. وأضاف بأن المتشددين لا يفكرون في العواقب، مشدداً على أنه لو سيطرت السعودية وايران على المتطرفين وتصريحاتهم لعم الهدوء العالم الاسلامي، على حد قوله.
لم يمر يومان على تصريحات رفسنجاني هذه حتى اطلق امام وخطيب الجمعة في طهران احمد خاتمي تصريحات وتهديدات موجهة للسعودية بسبب موقف الاخيرة من الأزمة السورية وقال في خطبة الجمعة الماضية أن ما تقوم به السعودية هو إثارة للفتن في العالم الاسلامي على عكس إيران التي تسعى جاهدة إلى الوحدة الاسلامية، كما هدد بشكل مباشر السعودية عندما قال “ان تدخلت السعودية عسكريا في سوريا فليعلموا أن النار التي يشعلونها ستحرقهم قبل أي احد آخر، أحذر السعودية، عليهم التوقف عن دعم المعارضين السوريين وإلا فوالله انها ستحترق بالنار التي اشعلتها”.
لايمكن فهم وتفسير هذا التباين الكبير في وجهات نظر مسؤولين كبيرين في النظام الإيراني الحالي حول موقفهما من السعودية والعلاقة معها دون أن نلقي نظرة سريعة على الدوائر السياسية للجمهورية الإسلامية في إيران وتعقيداتها.
هناك ثلاث نخب تشكل النظام الإيراني وتعرف اقربها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سيد علي خامنئي بـ “الهيئات الإشرافية الدينية” (الآخران هما المؤسسات الدينية والجمهورية).
تلعب هذه الهيئات الدور الأبرز في صنع القرار في الجهورية الإسلامية في إيران. تنقسم هذه النخب إلى مجموعتين رئيسيتين، إحداهما رسمية والأخرى غير رسمية. يهمنا هنا المجموعة الأولى حيث تتكون من ثلاث دوائر استشارية ولكن ليست على مستوى واحد بل أن بعضها تمارس صلاحيات على الأخرى:
أولاً: مجلس مصلحة النظام، ومن مهامه الإشراف على القرارات التي يقرها البرلمان هل تتوافق مع الشريعة الإسلامية أو لا. يشرف المجلس ايضا على الانتخابات البرلمانية، كما يشرف على مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية ومن يتم ترشيحه للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
ثانياً: مجلس الخبراء ومن واجباته اختيار المرشد الأعلى في حالة وفاة الحالي، كما يستطيع من الناحية النظرية عزل المرشد إذا كان لا يقوم بمهامه على الوجه المطلوب إلا أن تطبيق هذا على أرض الواقع من المستبعد تقريباً.
أخيرا: مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن وظائفه التنسيق بين البرلمان ومجلس الخبراء، كما يعمل كجهة استشارية للمرشد الأعلى. من مسؤوليات المجلس ايضا اتخاذ القرار في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد.
إضافة إلى هذه النخب الثلاث، هناك مؤسسات مهمة أخرى تلعب دوراً بارزاً في صنع القرار وبعضها مرتبط بشكل مباشر بالمرشد الأعلى وتمثل توجهاته السياسية خاصة الخارجية منها.
من بين هذه المؤسسات مكتب ممثلي المرشد الأعلى وهم منتشرون في كافة الموسسات الحكومية والأكاديمية، مؤسسة خطباء الجمعة وكذلك المحكمة الخاصة لرجال الدين.
جميع أعضاء هذه المؤسسات يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى، كما أنه المرجع الأول والمباشر لخطباء الجمعة وغالباً ما يعكس الخطباء وجهات نظره الشخصية في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية للبلاد دون الحاجة للرجوع إلى وزارة الخارجية أو رئيس الجمهورية.
إن التنافس في ما بين كل هذه الدوائر والمؤسسات يلعب دوراً جوهرياً في رسم السياسة الداخلية والخارجية للنظام.
لو نظرنا للمراكز التي يتبع لها كل من هاشمي رفسنجاني وأحمد خاتمي سنجد أن الأول يشغل منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهذا المجلس يأتي في المركز الثالث من حيث قربه من المرشد الأعلى إلا أن من مجمل مهامه رسم السياسة الداخلية والخارجية وفقا لما يراه أعضاء المجلس يصب في مصلحة الدولة، ولكن يظل ذلك وجهة نظر المجلس فقط ويجب أن يمر بعدة مراحل حتى يتم الأخذ بمرئياته أو رفضها.
أما خاتمي فيعمل عضوا في مجلس الخبراء وهذا المجلس أقرب إلى المرشد وأكبر أهمية من ذلك الذي يرأسه رفسنجاني.
كما أن خاتمي امام و خطيب الجمعة الموقت بطهران، وبالتالي فإن التصريحات التي يطلقها ليست عبثية بل تعكس توجهات المرشد الأعلى كما ذكرنا سابقاً وفي اطار القانون الإيراني وليست ارتجالية كما أنه من غير المنطقي اهمالها أو النظر إليها كمجرد وجهة نظر خطيب جمعة لا أكثر.
لذا، فإن هذه التصريحات المتباينة الصادرة من شخصيتين كبيرتين من النخب السياسية المقربة من المرشد تأتي في سياق التنافس بين تلك الدوائر، وعليه فإن تهديدات خاتمي في هذا الوقت تحديداً لم تكن مصادفة محضة بل يمكن قراءتها كرد غير مباشرعلى تصريحات رفسنجاني الداعية إلى التهدئة وتحسين العلاقات حتى وإن لم يذكر رفسنجاني بالاسم.
إضافة إلى ذلك فإن تهديدات خاتمي انتقاد لتصريحات رفسنجاني بصفته لا يمثل رأي المرشد وبالتالي أراد من خلال منبر الجمعة أن يقدم وجهة نظر المرشد على الأقل في الفترة الحالية والتي تشهد توترا كبيرا في العلاقات بين البلدين.
يذكر أن رفسنجاني عرف بجهوده في تحسين العلاقات السعودية الإيرانية بخاصة في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ويصفه البعض بمهندس العلاقات بين البلدين.
المصدر: مجلة المجلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق