تويتر

الخميس، 28 نوفمبر 2013

قراءة في التقارب السياسي بين إيران وتركيا



شؤؤن إيرانية

بقلم: محمد السلمي


نظرة على العلاقات بين طهران وأنقرة:

بداية يجب أن ندرك أن العلاقات الإيرانية - التركية قد اتسمت ومنذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 بالتأرجح بين التوتر والانسجام شبه التام، وهناك بؤر خلافات عديدة بين البلدين وإن حاولتا طهران وأنقرة ردمها ومعالجتها ولكنها سرعان ما تظهر إلى السطح عند أدنى توتر أو تعارض في التوجهات السياسية للبلدين. لقد أحدثت الثورة السورية خلافا سياسيا بين الجانبين، فمع بداية الثورة قبل ما يربو على العامين ظهر اختلاف كبير في وجهات النظر بين البلدين في هذا الإطار وقد تبادل الطرفان اطلاق تصريحات انتقادية بعضها كان شديد اللهجة خاصة عندما تحدثت وسائل الإعلام عن قرار السلطات التركية نشر درع من صواريخ الناتو (من نوع باتريوت) على الحدود السورية التركية حيث زار رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني تركيا وعبر حينها عن امتعاض طهران من هذا القرار باعتباره خطوة استفزازية من جانب أنقرة ليس للنظام السوري فحسب بل سيكون له عواقب وخيمة ستؤدي الى تفاقم المشاكل في المنطقة برمتها. الرد التركي على انتقادات لاريجاني هذه لم يتأخر كثيراً فقد صرح وزير الداخلية التركي إدريس نعيم شاهين أن السلطات الإيرانية تدعم حزب العمال الكردستاني المسلح والذي تصنفه أنقرة ودول اخرى عدة ضمن المجموعات الإرهابية. و نقلت صحيفة "حريت" التركية عن الوزير أن تركيا على اطلاع كامل بدعم ايران لهذا الحزب “الإرهابي” وأن الجانب الإيراني يقوم بنقل المصابين من أفراد الحزب إلى الداخل الإيراني ويقدم لهم الخدمات الطبية والعلاجية.

التعاون الاقتصادي والتجاري:

الخلافات بين إيران وتركيا خلافات سياسية بحتة أما فيما يتعلق بالجانب الثقافي والاقتصادي والتبادل التجاري فالتعاون متواصل وفي حالة نمو مستمر. هناك تبادل تجاري كبير بين إيران وتركيا يصل في الوقت الراهن إلى 25 مليار دولار، ووفقا لتقارير إيرانية فإنه من المتوقع أن يرتفع ذلك خلال العامين القادمين إلى 35 مليار دولار، وإذا ما تم رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران فإن التبادل التجاري بين الجانبين قد يتجاوز المائة مليار دولار. من جانب آخر، استمرت تركيا في استيراد النفط والغاز من إيران على رغم الضغوطات الغربية على أنقرة بهدف تقليص وارداتها من الطاقة الإيرانية. إلى جانب ذلك، تحتل إيران المركز الثالث من حيث استيراد السلع التركية وقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إيران قرابة عشرة مليارات دولار، بينما تأتي إيران في المركز السادس من حيث التواجد في الأسواق التركية بمبلغ يصل إلى نحو 11.4 مليار دولار في عام 2012. في إطار آخر، وبسبب العقوبات الدولية المفروضة على خطوط نقل البضائع إلى إيران، تسعى طهران جاهدة إلى إحلال تركيا محل دولة الامارات العربية المتحدة فيما يتعلق بمسار وارداتها من البضائع التي تحتاجها كما يوجد في تركيا العديد من الشركات الإيرانية وتستفيد من التسهيلات التي تقدمها أنقرة فيما يتعلق بنقل البضائع والتعاملات المالية بين تركيا وإيران. ولقد شهدنا في الآونة الأخيرة ارتفاع الدور الذي يلعبه الجانب التركي فيما يتعلق بتزويد إيران بما تحتاجه من مواد أولية وكانت الأراضي التركية محطة عبور (ترانزيت) للبضائع المختلفة إلى الأسواق الإيرانية.

مرحلة جديدة، سياسة جديدة:

على جانب التعاون السياسي بين البلدين في الآونة الأخيرة، فلقد شهدنا تقاربا إيرانياَ- تركيا كبيراَ وتوافقاَ في وجهات النظر في عدة جوانب ولعل أبرزها التقارب الكبير فيما يتعلق بالأزمة السورية. هذا التقارب بين طهران وأنقرة لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط. فلقد تحدثت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مؤخرا عن قيام السلطات التركية بتزويد المخابرات الإيرانية قائمة بأسماء عشرة من جواسيس إسرائيل الإيرانيين، والذين كانوا يترددون إلى تركيا للتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية، كما تحدث موقع دبكا الإسرائيلي عن توقيع اتفاقية سرية للتعاون الاستخباراتي بين أنقرة وطهران وأشرف على توقيعها وزير الخارجية التركي أحمد داوود اغلو ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارة الأخير إلى أنقرة قبل أيام. خلال هذه الزيارة، شدد وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الإيراني، شدد على ما وصفه ب"العلاقات التاريخية والعميقة" بين إيران وتركيا، مضيفا بأن هناك من يحاول وضع الدولتين وجها لوجه ولكن إيران وتركيا ليستا متنافستين بل دولتين صديقتين. من جانب آخر، وصف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فتح الله حسيني التقارب التركي-الإيراني بأنه يأتي بعد سياسة تركية كانت متعجلة تجاه ما يجري في سوريا وكذلك في علاقتها مع السعودية وقد أدركت أنقرة ذلك وعادت إلى تعاونها مع إيران. ويضيف حسيني بأن تركيا تسعى الآن إلى رفع مستوى تعاونها مع إيران و "ترميم الجسور المهدمة" بين الجانبين، على حد قوله. هذا التقارب توج بالكشف عن زيارة سيقوم بها الرئيس حسن روحاني إلى تركيا في شهر ديسمبر القادم كما أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان سيزور إيران في شهر يناير من العام القادم (2014).
عليه، فإن إيران وتركيا تتجهان نحو مرحلة جديدة وقوية من العلاقة السياسية بين البلدين ويمكن تلخيص أسباب هذا التقارب في النقاط التالية:

1-    وصول حكومة إيرانية "معتدلة" تحاول ركزت على الانفتاح على الغرب ودول الجوار وحل الخلافات حول برنامجها النووي الأمر الذي سبق وأن لعبت أنقرة فيه دورا بارزا قبل الثورة السورية في محاولة منها لتقريب وجهات النظر بين إيران والدول الكبرى .

2-    التقارب الأمريكي-الإيراني ومحاولة تركيا أن تلعب دورا في هذا الاتجاه حيث رحبت تركيا بهذا التقارب بأمل أن تستفيد من أي انفتاح امريكي قادم تجاه إيران

3-    تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في العام القادم ويسعى حزب العدالة والتنمية ووفقا للأوضاع الراهنة، على المستويين الداخلي والخارجي وكذلك بسبب الانتقادات للحزب، يسعى إلى إعادة تقييم دبلوماسيته مع دول الجوار. لذا فإن تركيا تسعى إلى تحسين العلاقة مع إيران والحكومة العراقية المقربة من طهران حيث توجه مؤخرا وفد تركي إلى بغداد نقل دعوة من رئيس الحكومة إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لزيارة أنقرة.

4-    تحسين العلاقة مع حكومة إقليم كردستان العراق بعد أن مرت هذه العلاقة بمرحلة توتر لبعض الوقت وكذلك .محاولة تركيا إقناع الجانب الإيراني بالتخلي عن دعم المجموعات الكردية التركية المسلحة وعدم إيواءها أو تقديم أي تسهيلات لها.

5-    المخاوف المشتركة بين أنقرة وطهران فيما يتعلق بالجماعات المسلحة من خلال لعب طهران على وتر خطر هذه الجماعات "الإرهابية" وتنظيم القاعدة فتركيا تخشى من تسرب الجماعات "المتطرفة" في سوريا إلى الداخل التركي خاصة بعد المناوشات الأخيرة بين الجيش التركي وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، المرتبط بتنظيم القاعدة، على الحدود التركية-السورية.

العلاقة مع السعودية:

في ظل هذا التقارب بين طهران وأنقرة، يبرز سؤالاَ هاماَ وهو هل سيمثل التقارب بين طهران وأنقرة ابتعادا في علاقة تركيا مع بقية دول المنطقة خاصة المملكة العربية السعودية؟ بداية يجب أن ندرك أن السياسة التركية سياسة براغماتية إلى حد كبير وتميل هذه السياسة في الاتجاه الذي يتوافق و مصالحها السياسية والاقتصادية، ومع ذلك فإن التطورات السياسية في المنطقة تؤثر على مسار هذه المصالح وإعادة تقييم علاقاتها وتحالفاتها. وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاَ، نجد أن إيران رحبت بفوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية في مصر وحينها ركز الإعلام الإيراني على ضرورة تشكيل مثلثاَ اسلامياَ في الشرق الأوسط يضم كلاَ من مصر وتركيا وإيران إلا أن عزل الدكتور محمد مرسي في شهر يوليو الماضي أحدث ضربة حقيقية لهذه الاستراتيجية التي كانت تعمل طهران على بناءها. هذه التطورات على الساحة المصرية ألقت بظلالها على العلاقة بين أنقرة والرياض أيضاً وهناك بون شاسع في وجهات النظر في البلدين في هذا الصدد كون الحكومة التركية الحالية تتفق من حيث الأيدولوجية مع حكومة محمد مرسي وبالتالي فإن عزل الأخير وموقف السعودية من ذلك أحدث شرخا في العلاقة بين الجانبين وعليه فإن التقارب الإيراني- التركي الحالي قد يكون، بشكل أو بآخر، نوعا من ردة الفعل التركية على ذلك. من جانب آخر، شهدنا في الآونة الأخيرة تغيرا في الموقف التركي من الأزمة السورية واصبح يقترب كثيراَ من الموقف الإيراني بعد أن كان قبل عام أو نحوه ينسجم تماماَ مع الموقف السعودي. إيران تحاول كسب ثقة تركيا وحل الخلافات القائمة وفي الوقت ذاته تعمل على الاستفادة من الخلافات الحالية بين الرياض وأنقرة بسبب الأوضاع في مصر واستقطاب الجانب التركي نحوها. تركيا بدأت تنساق كثيراً خلف طهران وقد أعلنت عن دعم إيران في محادثات جنيف 2 حول الأزمة السورية وسبل حلها.

ختاما، يجب الإشارة إلى أن التقارب الإيراني- التركي ينسجم أيضاَ مع التوجهات الجديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة. تدعوا بعض الأصواتً في الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء تحالفات جديدة في الشرق الأوسط خاصة مع إيران وتركيا ومن غير المستبعد أن يكون التناغم الحالي بين طهران وأنقرة بداية تأسيس هذا التحالف خاصة إذا ما آخذنا في الاعتبار التقارب الأمريكي – الإيراني بعد قطيعة معلنة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.

ملاحظة: أجزاء من هذا التقرير نشرت في صحيفة الوطن السعودية هنا

فيديو: اتفاق ايران مع القوى العظمى حول البرنامج النووي


شؤون إيرانية:
قناة الحرة

تسجيل لمداخلتي قبل أيام في برنامج ساعة حوار على قناة الحرة حول اتفاق ايران مع القوى العظمى حول البرنامج النووي

http://www.alhurra.com/media/video/free_hour/237607.html?z=38&zp=1
 

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

صفقات جنيف و«التنويم المغناطيسي» للجوار العربي



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي

حتضن مدينة جنيف السويسرية مفاوضات بين مجموعة «5+1» (الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا بالإضافة إلى ألمانيا) وإيران حول الملف النووي الإيراني. تعد الجولة الأخيرة هي الجولة الثالثة بعد تولي حسن روحاني منصب الرئاسة في إيران. التوافق بين الجانبين وشيك جدا، وإن لم يحصل في هذه الجولة من المفاوضات فإنه سينجح في جولة أخرى، لأن الاختلاف حتى الآن يدور حول صياغة مسودة الصفقة، فإيران تريد ألا تظهر أمام الشعب والمغرمين بالنظام في الخارج متنازلة عن الخطوط الحمراء التي تحدث عنها المرشد الأعلى السيد علي خامنئي والرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. تحاول طهران أن تصل إلى اتفاق يحقق طموحها السياسي في المنطقة وفي الوقت ذاته يحافظ على صورتها كدولة «ممانعة» في وجه القوى الغربية والكيان الإسرائيلي، إلا أنها لا تمانع من استخدام سياسة «المرونة البطولية»، كما يسميها خامنئي.

إذن، فمن المؤكد أن هذه المفاوضات ليست حكرا على الملف النووي، بل إن هذه القضية مجرد غطاء لصفقات أكبر في منطقة الشرق الأوسط، ولعل تأجيل مؤتمر «جنيف 2» حول الأزمة السورية يصب في هذا الاتجاه. هناك تقارب أميركي - إيراني كبير، وهناك صفقات كبيرة بين الجانبين يجري الإعداد لها على نار هادئة وخلف الأبواب المغلقة. إيران تريد أن تخرج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها في الوقت الراهن وتسعى إلى الحصول على أموالها المحتجزة في الخارج. من جانب آخر، هناك أنباء عن وعود إيرانية لواشنطن بفتح الأبواب للشركات الأميركية وتقديم تسهيلات لاستثمارات تتجاوز المائة مليار دولار أميركي. هذه الاستثمارات الضخمة ستكون في الغالب على حساب بعض الشركات الأوروبية الموجودة حاليا في السوق الإيرانية أو لها تعاون مع شركات إيرانية، خاصة في مجال التصنيع. فرنسا، على وجه التحديد، قد تكون من أكبر الخاسرين في هذه الصفقة، لذا فهي الدولة الوحيدة حتى الآن التي وقفت في وجه هذا التوافق الإيراني - الغربي. أما روسيا، فهي كذلك تخشى من التقارب الإيراني - الأميركي وليست مرحبة به بشكل كامل، ولكن فرنسا في الوقت الراهن ساعدت روسيا على إخفاء غضبها مؤقتا.

على الجانب السياسي، إيران تعد بتقديم تعاون سياسي كبير للجانب الأميركي الذي يعمل على حزم حقائبه وترك منطقة الشرق الأوسط ليتجه إلى الشرق الأقصى، حيث تنامي الخطر الصيني والكوري على حد سواء. التعاون الإيراني سيكون على ثلاثة محاور رئيسة، فهناك إعادة إحياء التعاون الإيراني - الأميركي فيما يتعلق بأفغانستان. فكما ساعدت طهران واشنطن في إسقاط حكومة طالبان، فإنها تقدم الآن الوعود بضمان استقرار سياسي في كابل بعد رحيل آخر جندي غربي من الأراضي الأفغانية.

المحور الثاني سيكون فيما يتعلق بالجار الجنوبي لإيران، العراق، ذلك الخصم القديم والحليف الجديد. طهران ترى أن السيطرة على الأوضاع في العراق أقل صعوبة منها في أفغانستان، لا سيما في ظل وجود حكومة عراقية موالية بشكل كامل للنظام السياسي في طهران، وفي ظل وجود الميليشيات الشيعية و«الحرس الثوري» و«فيلق القدس» على الأراضي العراقية أيضا، كل ذلك يسهل لطهران المهمة في العراق الجديد ويطمئن الجانب الأميركي بضمان عدم نمو أي خطر هناك قد يهدد المصالح الأميركية والغربية في المنطقة.

المحور الثالث، أرض الشام، لبنان وسوريا معا. إيران ليست مكترثة بمسألة استمرار نظام بشار الأسد من عدمه، وقد تتخلى عن الأسد بسهولة كبيرة، ولكن همها الأساسي استمرار التحالف والتعاون بين البلدين. الجانب الأميركي والغربي بشكل عام، يخشى من وصول حكومة إسلامية سنية إلى الحكم في سوريا تقوم على احتواء الجماعات الجهادية المسلحة على الأراضي السورية، مما يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل. هنا، يأتي التقاطع في المصالح بين إيران والغرب، فكل جانب لديه مصالح معينة، ولن تتحقق هذه المصالح إلا من خلال الوصول إلى اتفاق أو مقايضة تضمن لكل جانب تحقق مصالحه، أو كما وصفها الرئيس الإيراني: «نفوز معا أو نخسر معا». على الساحة اللبنانية، سوف يستمر حزب الله ولا شك، ولن يواجه أي ضغوطات غربية حقيقية، لأنه في واقع الأمر لا يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة. وكما لا يخفى على الجميع أن ما تعرضت له السفارة الإيرانية لدى لبنان قبل أيام كان مخططا له بعناية، فقد تزامن مع المفاوضات الجارية في جنيف، وقد سارعت الكثير من الدول إلى إدانة ذلك العمل الذي تزعمته مجموعة مسلحة لم تكن معروفة قبل هذه العملية، وتوصف بأنها مرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي لم تصدقه حتى بعض الصحف مثل صحيفتي «شرق» و«قانون» الإيرانيتين اللتين قالتا في صبيحة اليوم التالي للحدث إن «العنوان خاطئ» و«(القاعدة) لم تفعلها ضد المصالح الإيرانية من قبل»، كما حاول الإعلام الإيراني بداية وصف العملية بأنها عملية خططت لها إسرائيل. بغض النظر عمن يقف حقيقة خلف العملية ضد السفارة الإيرانية في بيروت، فالمحصلة أن طهران ظهرت بصورة الدولة المستهدفة، مثل الدول الغربية ومصالحها في المنطقة وخارجها، وبالتالي فإن هذا الأمر يدفع التقارب بين إيران والغرب إلى الأمام ويسرع بكتابة سطور الصفقة التاريخية المرتقبة.

إيران لم تتجاهل الجانب العربي والخليجي تحديدا، فقد شرعت في طمأنة الجوار العربي عبر تصريحات ورسائل كثيرة، وأن التقارب مع الجوار العربي، يأتي على قائمة أولويات الحكومة الجديدة في طهران. بهذه الخطوة الذكية، تمارس إيران ما يمكن تسميته «التنويم المغناطيسي» السياسي للجوار العربي حتى تجري الصفقة مع الغرب وتكتمل أركانها، ومن ثم ستكشف عن وجهها الآخر، وتتخلى عن «التقية السياسية» التي تمارسها حاليا، وحينها سيكون الوقت متأخرا جدا بالنسبة للدول العربية لتفادي ذلك أو حتى تحجيم أي خطر إيراني على الدول العربية.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

الاثنين، 18 نوفمبر 2013

العلاقات السعودية الأمريكية إلى أين؟


تسجيل لمداخلتي في برنامج "ساعة حرة " على قناة الحرة الأمريكية إلى جانب المحلل السياسي الدكتور خليل جهشان و السفير الأمريكي السابق مارك جينيسبيرق ..


http://www.alhurra.com/media/video/free_hour/236057.html?z=38&zp=1

الأحد، 17 نوفمبر 2013

الثورة السورية وبوصلة مستقبل المنطقة



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي


أصبحت الأراضي السورية مسرحا للصراعات السياسية الدولية، ولا نبالغ إن قلنا إنها حرب عالمية مصغرة تدور رحاها حاليا في أرض الشام. تجاوز النظام السوري لهذه المرحلة العصيبة التي يمر بها يعد انتصارا إيرانيا بالدرجة الأولى، وسوف يؤدي، ولا شك، إلى مزيد من التوغل الإيراني في المنطقة العربية ومكافآت النظام السوري لنظيره الإيراني سوف تتجاوز كل التوقعات، إذن فالأمر ليس محصورا في سوريا وحدها، بل إن أثر ذلك يتجاوز إلى معظم دول المنطقة، ومتى ما كسبت إيران المعركة في سوريا، فإن ذلك سوف يفتح شهيتها، ولا شك، لمزيد من فتح الصراعات في الداخل العربي والإقليمي.

ترمي إيران بكامل ثقلها على الأراضي السورية ممثلة في الحرس الثوري وفيلق القدس، اللذين يقودان المعركة ضد الثوار السوريين، وأصبح الجيش السوري تحت إمرة هذه القوة التي جهزتها إيران بكل ما تحتاجه من عتاد عسكري واستخباراتي، وبتواطؤ صريح من قبل الحكومة العراقية، كما كشفت بعض التقارير أخيرا، عن تسهيل كل السبل لعبور الدعم الإيراني إلى سوريا عبر العراق.

فيما يتعلق بالوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية، فهو حقيقة لا يساورها الشك، فلقد كشفت تسجيلات الفيديو الأخيرة التي نشرها الثوار السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت قناة الـ«بي بي سي» البريطانية (الناطقة بالفارسية) بتفحص هذه المقاطع وعرضها على مختصين عسكريين وإعلاميين، أكدوا بدورهم عدم تعرض هذه التسجيلات لأي فبركة أو محاولات للتلاعب بمحتواها. التسجيل المصور يظهر منتجا سينمائيا إيرانيا شهيرا يدعى هادي باغباني، قام الحرس الثوري الإيراني بإرساله من العاصمة الإيرانية طهران إلى سوريا بهدف تغطية العمليات التي يقوم بها أفراد الحرس الثوري على الأراضي السورية وطريقة عملهم هناك، ومن ثم يجري إرسال ما يسجّل إلى قيادة الحرس الثوري في طهران لتكون على اطلاع كامل بما يدور على الأرضي السورية. ولقد شاهدنا في التسجيل، قيام ضباط من الحرس الثوري بتفقد القرى في ريف حلب وتوجيه الأوامر للجيش السوري وكذلك توجيه انتقادات حادة لطريقة عملهم، خاصة فيما يتعلق بالحواجز التي يقيمها الجيش النظامي في تلك المناطق. كما قام المنتج الإيراني بإجراء مقابلات مع بعض ضباط الحرس الثوري الإيراني الموجودين في القاعدة العسكرية الإيرانية هناك، وتوثيق نشاطهم اليومي داخل القاعدة وخارجها. ولسوء حظ إيران، فقد قرر هذا المنتج السينمائي مرافقة وحدة إيرانية تقوم باستطلاع ومسح للمنطقة، ولكنهم وقعوا في فخ محكم خطط له الثوار السوريون بعناية فائقة. لمحت الفرقة الإيرانية شيئا ما تحرك في إحدى مناطق ريف حلب وأرادت التأكد منه، ولكن تفاجأت بعد لحظات أنها قد وقعت في فخ لم تتوقعه ودارت معركة شرسة بين الجانبين انتهت بمقتل معظم أفراد هذه الوحدة الإيرانية، بالإضافة إلى المصور المرافق، وبالتالي وصل الثوار السوريون إلى الكاميرا ووجدوا هذه التفصيل كاملة. ولقد أقيم في إيران أخيرا مراسم تشييع لمن قتل من أفراد الحرس الثوري في سوريا. إضافة إلى هذه الوحدة فقد طالعنا الإعلام الإيراني قبل بضعة أيام بخبر مقتل أحد أهم قياديي الحرس الثوري في سوريا ويدعى محمد جمالي زاده، وهو عضو في الحرس الثوري وكان يعمل قبل توجهه إلى سوريا في معسكر «ثار الله» التابع للقوات البرية في الحرس الثوري في مدينة كرمان الإيرانية.

الكشف عن وجود القوات الإيرانية على الأراضي السورية لم يتوقف عن هذا الحد، بل وصل إلى أبعد من ذلك فقد كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي، أخيرا، عن وجود مئات الكتائب العسكرية التابعة لإيران التي تقاتل إلى جانب قوات بشار الأسد، مؤكدا وقوف إيران خلف «الانتصارات» التي حققها الجيش السوري أخيرا، على حد تعبيره.. وأضاف قدوسي: «توجد مئات الكتائب الإيرانية على الأراضي السورية، وقد تسمعون أنباء عن انتصارات على لسان قائد عسكري سوري، إلا أن القوات الإيرانية هي التي تقف خلف تلك الانتصارات». هذا الاعتراف الصريح تسبب في كثير من الانتقادات لقدوسي، كما خرج المتحدث باسم الحرس الثوري للإعلام وينفي ذلك جملة وتفصيلا.

هذا التسجيل وغيره من التسجيلات التي جرى تسريبها أخيرا، وكذلك تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين، لا يضيف إلى الحقيقة التي يدركها الجميع الكثير، بل إن ذلك مزيد من التوثيق للوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية والقتال إلى جانب النظام ضد الشعب السوري، ويظهر بجلاء أن المعركة في سوريا وتعقيداتها أكبر من النظام السوري وقدراته بمراحل كبيرة.

هذا التكتل الكبير خلف النظام الحاكم في سوريا من قبل حلفائه خاصة روسيا وإيران، يقابله تشرذم واختلاف في وجهات النظر للقوى العربية والإسلامية الأخرى في المنطقة. يلاحظ المتابع لما يدور في المنطقة من مستجدات تراجعا كبيرا في مواقف بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالموقف التركي الذي تغير كثيرا في الأشهر القليلة الماضية سيما بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي. لقد بدأت الحكومة تتحول تدريجيا إلى الجانب الإيراني والعزف على وتر المجموعات الإرهابية على الأراضي السورية. فقد صرح الرئيس التركي عبد الله غل لصحيفة «الغارديان» البريطانية قائلا، إن «المتشددين في سوريا يشكلون خطرا حقيقيا على أوروبا، وسوف تصبح سوريا نموذجا أفغانيا آخر في حوض البحر الأبيض المتوسط». نعم، لنقولها بصراحة كبيرة، تركيا متأرجحة في مواقفها بشكل كبير في الوقت الراهن، فالنزعة القومية التركية (الأتاتوركية) تتجاذب مع توجه حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية، والطموح في دخول النادي الأوروبي يتصارع مع الاتجاه نحو آسيا والشرق الأوسط تحديدا، كما أن أنقرة لا تزال غير واثقة بخطواتها فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران، تخشى ورقة الأكراد وتخاف اللوبي الإيراني المتوغل في الداخل التركي وعلى عدة أصعدة، كل هذا وغيره ساعد على تراجع موقفها من الثورة السورية.

ختاما، مؤشر بوصلة مستقبل المنطقة يشير نحو سوريا، فدعم الثورة السورية يمثل الخيار الاستراتيجي والسياسي الوحيد لدول المنطقة، متى ما أرادت كبح جماح مطامع إيران التوسعية. لذا فعلى دول المنطقة الالتفاف حول بعضها في هذا الجانب وتوحيد موقفها إزاء ما يدور على الأراضي السورية بعيدا عن أي مواقف حزبية وخلافات آيديولوجية ومحاولات للمقايضة فيما يتعلق ببعض القضايا الصغيرة هنا وهناك، فكل ذلك لن يزيد هذه الدول إلا تشرذما وفرقة وضعفا.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط