تويتر

الأحد، 1 يوليو 2012

العقوبات الأوروبية.. بين المكابرة الإيرانية والتحدي الأوروبي


شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي

دخلت اليوم الأول من يوليو حزمة العقوبات الأوروبية على صادرات إيران النفطية حيز التنفيذ، مما يشكل ضغوطا إضافية على الاقتصاد الإيراني المترنح اصلا بسبب العقوبات السابقة. صاحب هذا الحظر عقوبة أخرى تتمثل في توقف شركات التأمين البحري التي تسيطر الدول الغربية على 90 في المائة منها عن تغطية ناقلات النفط المحملة بالنفط الإيراني، مما يعني أن على الدول المستوردة لنفط إيران اعتماد تأمين سيادي لتغطية مخاطر الحوادث وتسرب النفط. ويكمن الهدف من هذه العقوبات الأوروبية إلى تشديد الخناق على إيران، وارغامها على التخلي عن برنامجها النووي المشتبه به من قبل المجتمع الدولي.

الجانب الإيراني حاول طيلة الأشهر القليلة الماضية التشكيك في جدية الدول الاوروبية في تطبيق عقوباتها على أرض الواقع لذا فقد قلل من أهمية تلك العقوبات على أنه لن يكون لها أي تأثير سلبي على الاقتصاد المحلي. وأعلن مسؤولون إيرانيون وفي أكثر من مناسبة أن صادرات إيران النفطية وبالتالي الاقتصاد المحلي لن يتأثر مطلقا بهذه العقوبات ولن تخسر طهران زبائن نفطها بل أن الدول المستهلكة للنفط هي من سيدفع ثمن هذه القرارات التي ستؤدي إلى التهاب اسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي هذا الصدد، فقد حاولت ايران وعلى لسان أكثر من مسؤول الترويج لفكرة مفادها أن حظر النفط الايراني يعني وصول اسعار النفط الى ارقام فلكية قد تتجاوز الـ200 دولار للبرميل الواحد. كما سبق وحذر المرشد الاعلى علي خامنئي من نتائج حظر النفط الإيراني على الاقتصاد الغربي وقال إن قادة الدول الغربية يخفون عن شعوبهم الكارثة التي ستحل بدولهم وأوضاعهم المعيشية بسبب الارتفاعات المحتملة لأسعار النفط في الاسواق العالمية. كما صرح وزير الصناعة الايراني شمس الدين حسيني لقناة سي ان ان الامريكية قائلا إن اسعار النفط ستتجاوز الـ160 دولارا للبرميل الواحد في حالة تم تطبيق الحظر الاوروبي على صادرات إيران النفطية.

وعلى الرغم من ذلك كله، نجد أن أسعار النفط أخذت تتراجع شيئا فشيئا غير متأثرة بالتحذيرات الايرانية. هذا التراجع أدى إلى ارتباك إيراني قبل دخول العقوبات الأوروبية حيز التنفيذ بأيام قليلة حيث دعا وزير النفط الايراني رستم قاسمي إلى اجتماع عاجل لأعضاء منظمة اوبك لمناقشة الأسعار الحالية للنفط باعتبارها غير عادلة ولا يجب أن ينخفض سعر البرميل الواحد دون مائة دولار أمريكي.
ومع تطبيق العقوبات الأوروبية صرح قاسمي أن هذه العقوبات ستبقى دون فاعلية وغير مؤثرة على الاقتصاد الإيراني. و نقلت وسائل الإعلام الإيراني امس عن قاسمي قوله: “ان تنفيذ اعدائنا العقوبات اعتبارا من اليوم (الأحد) لا يتسبب في أي مشكلة اقتصادية، فليس لها أي تأثير” لأن “الحكومة الإيرانية اتخذت القرارات الضرورية وهي مستعدة تماما لمواجهتها” دون أن يقدم أي توضيحات حول تلك القرارات. كما أضاف أن هناك زبائن جددا للنفط الإيراني بدلا عن الأوروبيين من دون الكشف عن هوية هؤلاء الزبائن الجدد.

من المؤكد أن الحظر الأوروبي سيؤثر سلبا على الاقتصاد الإيراني. فمن المعلوم أن الخزانة الإيرانية تعتمد على عائدات النفط والغاز بنسبة 80 في المائة. كما أن إنتاج إيران النفطي قد تراجع بشكل كبير في الفترة الأخيرة (راجع مقالي السابق حول الموضوع). إضافة إلى المشاكل الانتاجية فقد تراجعت صادرات إيران النفطية بنسبة تقترب من 40 في المائة بسبب قرارات دول شرق آسيوية مثل اليابان وكوريا وغيرها تقليص أو إيقاف وارداتها النفطية من ايران واستبداله بالنفط العربي. هذه النسبة اصبحت 60 في المائة بعد تطبيق العقوبات الأوروبية على طهران.

بنظرة سريعة إلى الواقع الاقتصادي في إيران، نجد أن تأثير العقوبات السابقة على الاقتصاد الإيراني قد ظهر جلياً بخاصة في الأشهر القليلة الماضية حيث فقدت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها أمام العملات الأجنبية مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم تصل نسبته في بعض السلع الاستهلاكية الأساسية إلى 80 في المائة وفقا لتقرير صدر عن البنك المركزي الإيراني أخيرا.
هذه النسبة العالية في التضخم أدت وستؤدي بكل تأكيد بعد تطبيق العقوبات الأوروبية إلى مزيد من معاناة الشعب الإيراني من خلال ارتفاع نسبة الفقر إلى أرقام قياسية. إضافة إلى ذلك، فقد لوحظ اضطراب شديد في السوق المالية الإيرانية خلال الاسبوع الماضي كما تراجعت العملة المحلية أمام الدولار الامريكي بصورة أعادت للأذهان انهيار العملة الإيرانية مطلع العام الجاري.
قد تتماسك العملة الإيرانية وبدعم حكومي لفترة قصيرة أمام العملات الأجنبية ولكن من المؤكد أن تأثير العقوبات سيظهر على السطح قريبا وقد تجد إيران نفسها بين خيارات الانهيار الاقتصادي، أو الاستمرار في البرنامج النووي وتحدي تلك العقوبات على حساب الحياة المعيشية للمواطن الإيراني.

المصدر: مجلة المجلة

ليست هناك تعليقات: