شؤون إيرانية:
بقلم محمد السلمي
تواجه إيران تحديات اقتصادية داخلية وخارجية عديدة، وتأتي قدرتها على المحافظة على مستوى إنتاجها النفطي على رأس تلك التحديات. فوفقا لتقرير نشرته مؤسسة استشارات الطاقة في فيينا (جي بي سي) فقد هبط إنتاج إيران من النفط الخام إلى 3.2 مليون برميل يوميا في نيسان (أبريل) الماضي، منخفضا بـ 150 ألف برميل يوميا خلال شهرين، هذا الانخفاض الحاد في إنتاج إيران من النفط، يعد الأول من نوعه منذ عشرين عاماً.
تقارير أخرى تحدثت عن صعوبات تواجهها طهران في تسويق إنتاجها النفطي، وذلك بسبب العقوبات الغربية المفروضة على صادرات إيران النفطية وكذلك البنك المركزي الإيراني. “جي بي سي” ذكرت في تقريرها أن الهبوط جاء نتيجة تزايد العزلة التي تعانيها البلاد بسبب البرنامج النووي، فالزبائن الدائمون للنفط الإيراني مثل اليابان والصين والهند قد خفضوا مشترياتهم من النفط الإيراني بنسب تتراوح بين 30 إلى 50 في المائة خلال الشهرين الماضيين مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. كما تحدثت تقارير أخرى نشرت الشهر الماضي، أن ناقلات النفط الإيرانية تحولت إلى مخازن عائمة في أعالي البحار أو على الموانئ الإيرانية.
ماذا يقول الجانب الإيراني؟ إيران تقول إنها تعمل على رفع إنتاجها النفطي من خلال ما يسمى بالمرحلة الثالثة من مشروع رفع إنتاج النفط الإيراني في مياه الخليج العربي. هذه المرحلة من المشروع انطلقت مؤخرا وتهدف إلى رفع الإنتاج بما مقداره 20 ألف برميل يومياً من خلال ضخ هذه الكمية من بئرين نفطيتين، كانتا مجمدتين في الخليج. إلى ذلك فقد صرح مسؤول في شركة هضبة إيران للإنتاج النفطي أن هناك خطة إستراتيجية تهدف إلى رفع الإنتاج النفطي من خلال تطوير بعض الحقول النفطية مثل هنجام، رشادت، فرزوان وهنديجان بزيادة مقدارها 100 ألف برميل بنهاية العام الجاري. إضافة إلى ذلك يلاحظ المتابع للتصريحات الإيرانية في هذا الصدد، تناقضات عدة حول إنتاج إيران من النفط. فقد سبق وأن أعلن البنك المركزي الإيراني عن خفض إنتاج النفطي في البلاد بمقدار 500 ألف برميل في عام 2011. هذا الإعلان واجه معارضة من قبل مساعد وزير النفط الإيراني احمد قلعه باني، حيث ذكر أن الأرقام التي يتحدث عنها البنك المركزي غير دقيقة، موضحا أن إنتاج إيران من النفط لعام 2011 قد انخفض بما مقداره 28 ألفا، مؤكدا أن هناك إحصائيات تشير إلى أن معدل انتاج إيران النفطي، كان ثلاثة ملايين ونصف المليون يوميا خلال العام المنصرم.
وبيّن قلعه باني أن السعة الإنتاجية للنفط في إيران في الوقت الراهن حوالي 4 ملايين و200 ألف برميل يوميا، ولكنه لم يقدم أي دلائل تثبت هذه الادعاءات، بينما كانت تصريحات البنك المركزي مبنية على التقارير المقدمة من شركة النفط الوطنية في إيران، وبالتالي فإنه من الصعب معرفة أسباب هذا التضارب في التصريحات الإيرانية حول هذا الانخفاض الحاد في إنتاجها النفطي، والذي يقدر بعشرات الآلاف من البراميل يوميا.
نستطيع القول إن انخفاض إنتاج إيران النفطي كان متوقعا بسبب العقوبات المفروضة على مبيعات إيران النفطية، وكذلك تلك التي تحظر على الشركات الأميركية والأوروبية الاستثمار هناك، أو توريد التكنولوجيا لطهران، وقد قامت شركات نفط عالمية كبرى بإيقاف تعاملها مع الجانب الإيراني تنفيذا لتلك الضغوط. من جانب آخر، نجد أن إيران تحاول إظهار عدم تأثرها بهذه العقوبات، حيث أعلنت في أكثر من مناسبة بأنها لا تواجه أي مشاكل في بيع إنتاجها النفطي، بل ذهبت إلى ما هو أكثر من ذلك من خلال تصريحات بعض المسؤولين هناك بأنه الطلب على النفط الإيراني في ازدياد.
إلا أن الواقع يقول إن هذه التصريحات غير مبنية على حقائق على أرض الواقع، وما هي إلا تصريحات للاستهلاك المحلي، حيث تحدثت وكالات أنباء عدة عن أن إيران قدمت خصومات هائلة في أسعار نفطها، مقارنة بالأسعار العالمية لدول عدة في شرق آسيا وأميركا الجنوبية (الأمر الذي قامت إيران بوصفه بأنه عار من الصحة) كما أبدت مرونة كبيرة في طريقة الدفع، مثل قبول الذهب والعملة المحلية في تعاملها مع الهند، وموافقتها بأن يكون جزء من قيمة النفط المصدر إلى الصين، تعود بشكل بضائع صينية تصدر إلى الأسواق الإيرانية، بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البنك المركزي الإيراني.
على صعيد آخر، فإن إيران ما لبثت تعلن أن الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها السعودية، لا تستطيع تعويض النقص في الأسواق العالمية بسبب الحظر المفروض على صادرات إيران النفطية، بل وكانت لغتها تتسم بالتهديد في بعض الأحيان، إلا أن الجانب السعودي قد أعلن وفي أكثر من مناسبة، وعلى لسان وزير النفط علي النعيمي، أن الرياض على أتم الاستعداد لتعويض أي نقص يحدث في سوق النفط العالمي، كما أن (أوبك) قد أعلنت عن رفع إنتاجها بالتزامن مع انخفاض إنتاج النفط الإيراني.
تأثيرات انخفاض إنتاج إيران من النفط، وتناقص أعداد المستهلكين له والمتعاملين مع إيران في المجال النفطي، ستكون كبيرة على الاقتصاد المحلي، فإيران تعتمد بشكل كبير على عائداتها النفطية، والمؤسف أن ذلك سيؤثر بشكل كبير على المواطن الإيراني المغلوب على أمره، وستزداد معاناته الاقتصادية سوءا (انظر التقرير الاقتصادي الذي كتبته سابقا ونشر في المجلة، تحت عنوان: إيران الثورة والنفط).
إلا أن النظام الإيراني والنخبة الحاكمة هناك، لا تكترث كثيرا بكل ذلك، وقضية الوضع المعيشي الداخلي مغيبة تماماً عن حساباتها السياسية في صراعها مع العالم، بسبب الشكوك الغربية في أن برنامجها النووي يهدف لإنتاج أسلحة نووية، الأمر الذي ترفضه طهران وتؤكد على أنه لأغراض سلمية.
المصدر: مجلة المجلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق