مع تحفظي الشخصي على بعض النقاط التي وردت في المقال
شؤون إيرانية:
د. عبدالعظيم محمود حنفي
مر اكثر من عامين على اعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد لفترة رئاسة ثانية في 12 يونيو 2009 . واندلاع الحركة الاصلاحية الخضراء التي كانت اضخم تحديا للثورة الايرانية منذ قيامها عام 1979 , تلك الحملة التي كان شعارها "اين صوتي?" تعبيرا عن التزوير الواسع لنتائج الانتخابات للابقاء على الرئيس نجاد رئيسا للجمهورية لفترة ثانية . و كان رد فعل الثالوث الحاكم بزعامة اية الله خامنئي قمعيا, وهذا الثالوث هم الحرس الثوري الايراني ورجال الدين المتشددين و"الباسيج" الذين هم بمثابة جيش شعبي تمت ادلجته باسم حماية الاسلام.
الواقع ان الثورة الخضراء, اذا كان قد تم قمعها, فانها اخذت في زرع بذور الشك في الركائز المحورية للجمهورية الايرانية, وفي زعزعة العامل الايديولوجي الذي جسدته الثورة الاسلامية في ايران وهو عامل لم ينشأ مع تلك الثورة, بل له جذوره في التاريخ الفارسي القديم عندما اصطلح الايرانيون على اعتبار السند الديني اساسا للسلطة السياسية, واعتقدوا في تمتع الملوك بتفويض من الاله "أهور افردا" لممارسة الحكم , ومع دخول الايرانيين في الاسلام اتخذ الصفويون من التشيع الاثنى عشري أداة لمقاومة خصومهم ثم لتوحيد بلادهم .وقد اعيد طرح الفكرة نفسها ولكن باسلوب مختلف, ومرد ذلك ان جوهر العقيدة الدينية الشيعية يتمثل في اعتبار سائر الحكام الدينيين مغتصبين للسلطة السياسية من الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري , لكنه يحض في الوقت نفسه على التريث في الثورة على الاوضاع الجائرة انتظارا لظهور المهدي المنتظر, واشاعة الحق والخير في ارجاء العالم, وعلى امتداد الفترة الفاصلة ما بين قيام الدولة الصفوية واندلاع الثورة الايرانية ظل التصور الشيعي التقليدي لدور الفقهاء ورجال الدين قاصرا على ممارسة الافتاء والقضاء "أي الولاية الخاصة" من دون الاشتغال بالسياسة او بإدارة الدولة "أي الولاية العامة" والاضافة الحقيقية التي جاء بها الامام الخميني تتمثل في كونه ارسى وكرس توسيع ولاية الفقيه وانتقل بها من الخاص الى العام "أي من الافتاء والقضاء الى ادارة الدولة" وكان مدخله لتحقيق هذا الهدف هو تخويل الفقهاء النيابة عن المهدي المنتظر في الثورة على الحاكم المستبد ثم ممارسة الامامة.
هذا النموذج اضحى موضع تساؤل لان الحركة الخضراء هي في روحيتها وجوهرها رفض لولاية الفقيه, وهذا احد المكاسب الكبيرة للحركة الخضراء, لان النظام القائم مكن الصفوة الحاكمة من جمع الثروة من دون ادنى محاسبة او خوف من انتقاد الشعب او المنظمات الدينية, والحركة الخضراء هي خطوة كبيرة ومجيدة من اجل الاصلاح من الداخل وهي تعتبر الحركة الاصلاحية الديمقراطية الثالثة في التاريخ الايراني الحديث وكانت الاولى جسدتها الثورة الدستورية عام 1906 , عندما تحالف التجار والمثقفون ورجال الدين لمواجهة السلطة المطلقة للشاه وارغامه على الحد من صلاحياته وسلطاته من خلال تغيير الدستور وانشاء مجلس اعلى على غرار البرلمان .
جاءت حركة الاصلاح الثانية في اعقاب انتخابات 1997 وتولي خاتمي رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية, وقد رسم خاتمي ستراتيجية حركة الاصلاح الثانية بالاشتراك مع نخبة من الطلبة والصحافيين والعلمانيين ورجال الدين والمثقفين ومسؤولين.
وقد اعتبرت هذه الحركة امتدادا للحركة الدستورية عام 1906 , والتي تلتها الجبهة الدستورية الوطنية في فترة الخمسينات من القرن الماضي. وقد ظل خاتمي قائدا لحركة الاصلاح الجديدة حتى محاولة اغتياله عام 2000 والتي اصيب من جرائها بجرح بالغ .ثم فقدت الحركة زخمها مع سطو المحافظين على البرلمان في فترة رئاسته الثانية .
الا ان الحركة الاصلاحية الثالثة وهي الحركة الخضراء هي الاشد عنفوانا والاكثر مواجهة وعمادها الشباب نتيجة لتشجيع الحكومة على كثرة الانجاب فأصبحت اكثرية الشعب من الشباب الطموح والمنفتح على افكار جديدة والرافض لفكرة الولي الفقيه غير الديمقراطية وساهم التضييق على الحريات واتساع نفوذ الحرس الثوري, وحكم احمدي نجاد الفردي, والعسر الاقتصادي وثورة المعلومات والاتصالات كلها ساهمت في ان يصبح الشعب الايراني حساسا جدا بالنسبة الى نوع الحكم القائم على الفردية او نظام الصفوة او النخبة الحاكمة, وربما ساهمت هذه الظروف في نضوج الشعب الايراني, وزيادة ادراكه بأن له كل حقوق المواطنة وليس الشعب كالقطيع ينقاد وراء من يسوقه. وقد استرجعوا عبارة استاذ للتاريخ كان قد اعدم في فترة الاصلاح الثانية نتيجة تصريحه بأنه ليس على المسلمين ان يتبعوا رجال الدين مثل القرود.
رغم التأييد الشعبي في ايران لحركة الاصلاح الثالثة الا انها كشفت عن ضعف في بنيتها الاساسية اي من الناحية الايديولوجية, وهذا يعني ان حركة الاصلاح قاصرة عن الانتصار حيث تفتقد الى خطة اصلاح حقيقية ومتكاملة لكي تجتذب مزيدا من التاييد الشعبي ورجال الدين ايضا. وهي لم تستطع مواجهة حملات القمع التي يشنها اصحاب العمائم السوداء وربما يرجع ذلك لقلة الخبرة والحذر الشديد.
وهناك اعتقاد سائد بين المصلحين السياسيين في ايران ان لابد من تدعيم ثقافة الديمقراطية من خلال نظام تعليم سياسي يمكن ان يساهم في التحول السياسي والمؤسسي نحو الديمقراطية .وربما يخضع التيار المحافظ من السياسيين الى عملية التحول ويتبنى مبدأ المشاركة السياسية والتنازل عن سلطانه الى آخر لكي يحافظ اصحابه على مصالحهم ومكاسبهم الاقتصادية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق