تويتر

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

هل تنجح تركيا حيث فشلت إيران؟


شؤون إيرانية:
هدى الحسيني

 
زعماء المنطقة غير العرب يريدون كسب الشارع العربي، يعتبرونه مأخوذا بمواقفهم، يلعبون على عواطفه وخيباته. والشارع العربي يجمّل صورتهم في الخارج، يساعدهم على استمداد القوة.
على خطى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يسير رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان. الأول حاول «اقتناص» الشارع العربي قبل «الثورات العربية» ولما وقعت الثورات، ظن أنه بسبب تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية. أردوغان أراد «قطف» حماسة الشارع العربي وهي في عز ربيعها ولا تعرف ماذا يحمل لها شتاء الثورات.

الشارع العربي يمنح قوة لهؤلاء الزعماء، وهم يدغدغون أحلامه، يحدثونه عن مستقبل زاهر. لكن الشارع العربي مثل الزئبق لا يهدأ بيد زعيم، ثم إنه شارع ملول، وكما يعشق بسرعة يدير ظهره بسرعة، وهكذا القوة التي يمنحها لهؤلاء. أين صارت القوة التي ظن أحمدي نجاد أن الشارع العربي منحه إياها؟ بتلك القوة قمع المظاهرات التي خرجت تندد بتزويره الانتخابات الرئاسية. فإذا به يخسر الشارع الإيراني، فيما الشارع العربي أدار له ظهره.

القوة التي تنفسها أردوغان من جولته الأخيرة دفعته إلى تهديد قبرص اليونانية التي لم تبال، وقررت المضي قدما في التنقيب عن الغاز قبالة الساحل الجنوبي. استمر أردوغان في التهديد وفي الوقت نفسه أبلغ الأمم المتحدة وقادة قبرص أن بلاده لم تعد مستعدة لقبول التنازلات التي وافقت عليها للمساعدة في إعادة توحيد قبرص حسب خطة الأمم المتحدة لعام 2004، فالجانب التركي لن يرضى بقبول أي شيء أقل من الاعتراف بحل الدولتين في الجزيرة. أيضا حذرت تركيا الاتحاد الأوروبي، بأنها لن توافق على تسلم قبرص رئاسة الاتحاد مع بدء السنة المقبلة.

في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي وفي منتدى «الجزيرة»، شدد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على أنه «تجب حماية سلامة أراضي بلادنا والمنطقة». لم يشر إلى قبرص أو الأكراد.
يريد أردوغان الآن وضع تركيا باعتبارها طليعة المؤيدين للقضية الفلسطينية، كما يريد من «الربيع العربي» اعتبار تركيا مؤيدة ونموذجا ملهما، مشددا على وحدة تركية - عربية صلبة، فهو يخطط لمجلس تعاون استراتيجي بين مصر وتركيا.
التمهيد لهذا التعاون لوحظ من خلال حجم الوفد الذي رافق أردوغان: ستة وزراء ونحو 200 من رجال الأعمال الأتراك، فتركيا عازمة على الاستثمار بكثافة في المنطقة. عام 2010 بلغ حجم التجارة التركية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يفوق 30 مليار دولار، أي ما يمثل 27% من الصادرات التركية، وقد استثمرت أكثر من 250 شركة تركية في مصر بمبلغ 1,5 مليار دولار.

يجب الاعتراف، أنه رغم محاولات أحمدي نجاد كسب الشارع المصري بشن حربه على نظام مبارك، فقد عجز عن إغراء هذا الشارع بالنظام الإيراني رغم العلاقات التي بناها مع «الإخوان المسلمين» و«شارع خالد الإسلامبولي». أما أردوغان، وإلى حين موعد زيارته، فقد كان النموذج التركي يحظى بشعبية هائلة في مصر: حزب إسلامي (حزب العدالة والتنمية) في السلطة، دستور علماني، أما الجيش، وإن كان قويا، فقد أعيد إلى الثكنات، وازدهار اقتصادي.
لكن المشكلة مع أردوغان، أن سياساته الخارجية غير ثابتة. ومراجعة لسياساته القريبة، والتي تغيرت بسرعة، تبعث على الشك في ثبات هذه السياسة والتزاماتها.

حذر أردوغان من محاولة غزو ليبيا. وأصر على أنه إذا كان هناك أي تغيير للنظام في ليبيا فيجب أن يأتي من الداخل وليس من خلال التدخل الأجنبي. كان لتركيا استثمارات بمليارات الدولارات في ليبيا ناهيك عن أكثر من 20 ألف عامل تركي تم إجلاؤهم في غضون أيام. ورغم أنها في الأطلسي فقد أدانت بقوة القرار الدولي 1973. ثم حصلت الإطاحة بالنظام، فانتقلت قافلة أردوغان لتحية الثوار.

يمكن لتركيا أن تقول إنها حسب سياسة داود أوغلو: «صفر مشكلات»، فإن الاقتصاد والتجارة يأخذان الأولوية. لكن هذه السياسة انهارت وأدت إلى ضغينة مع إسرائيل، والثورات العربية دفعت أنقرة إلى إدخال بعض التعديلات عليها. هذا الأسلوب (إدخال تعديلات)، قد يتكرر مع السياسة «المنفتحة» الجديدة.
لكن إدخال التعديلات لم ينجح مع سوريا. فقد انكسرت العلاقات عندما تجاهلت سوريا دعوة تركيا لوقف حملتها العسكرية على المتظاهرين المدنيين. وأفقدتها بذلك «القوة» التي يتمتع بها أحيانا الوسيط. وبذلك تكون سوريا الثانية بعد إسرائيل التي نزعت صفة الوسيط عن تركيا.

في إطار سياسة «صفر مشكلات» مع الدول المجاورة عززت أنقرة علاقاتها السياسية والتجارية مع سوريا. ارتبط أردوغان بصداقة مع الرئيس السوري بشار الأسد وبنى علاقات سياسية واقتصادية مع دولة مجاورة، كانت معادية، وعادت معادية الآن عندما فقد صبره لامتناع الأسد عن الأخذ بنصيحته عدم قتل المحتجين وإجراء إصلاحات. قد لا يكون الحق على أردوغان في فشل سياسة «صفر مشكلات» مع سوريا، إذ إن الالتزام بالوعود ليس من صفات الرئيس السوري، فهو عندما وافق على قانون تعدد الأحزاب الذي طالبت به المعارضة، لم يوقع عليه إلا بعدما شطب عبارة: «المشاركة في السلطة والحكم».
داود أوغلو، يوم الأحد الماضي وفي حديث إلى «سي إن إن» قال إن سياسة «صفر مشكلات» لم تسقط إلا في سوريا. هذا يعني أن العلاقة مع إيران جيدة.

في كتابه: «العمق الاستراتيجي: وضع تركيا الدولي»، يقول أوغلو إن تركيا الآن لاعب رئيسي في الشرق الأوسط «هذا هو وطننا». ولوضع هذه العبارة في منظور مفهوم، جاء أوغلو بمعادلة: العثمانية الجديدة زائد القومية التركية زائد الإسلام، تساوي: تركيا الكبرى.
العثمانية الجديدة تصل بتركيا إلى الأراضي العربية والبلقان. الروابط القومية التركية تصل بها إلى آسيا الوسطى، أما ديار الإسلام فإنها من المغرب إلى إندونيسيا. لهذا، وهو الأهم بالنسبة إلى أوغلو، فإنه يعتبر الشراكة بين تركيا وإيران تعادل تلك القائمة بين فرنسا وألمانيا. وفي ظل مفهوم أوغلو هذا، يمكن فهم العلاقة بين تركيا والبرازيل وموقفهما العام الماضي في مجلس الأمن، ضد واشنطن ولندن وباريس بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني.

سوريا على علاقة وثيقة بإيران، شكلت لتركيا حالة حرجة وقد يكون هذا السبب الذي جعل أردوغان يفقد صبره مع الأسد. فتركيا ترى إيران الباب الذهبي إلى آسيا الوسطى وربما أيضا إلى الخليج، وإلى تحقيق معادلة أوغلو.
هل أن الطموح التركي البعيد سيتعرض لما يتعرض له الطموح الإيراني البعيد؟ تركيا الآن تستخدم المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة لكسب مصداقية (لم يقطع أردوغان العلاقات الدبلوماسية)، لكنها تريد أن تستمر أزمتها مع إسرائيل لنفوذ أقوى في الشرق الأوسط، اعتقادا منها بأن الحاجة الأميركية لها ستزداد للمساعدة في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط من سوريا إلى مصر إلى إيران. ثم إن تركيا بعد ضعف النظام في سوريا تريد أن تلعب دورا في العراق وربما كوسيط بين واشنطن وطهران. هي «سلّفت» الولايات المتحدة في الرابع من سبتمبر (أيلول) عندما وافقت رسميا على تركيب رادار لمنظومة الصواريخ الدفاعية الاستراتيجية التي تديرها الولايات المتحدة. هذه الموافقة قد تعقّد العلاقات التركية - الروسية، لكنها في الوقت نفسه إشارة تركية إلى أميركا على أن أنقرة ضرورية لواشنطن، وإشارة إلى طهران على استعداد أنقرة للعب دور الوسيط بينها وبين واشنطن، وإشارة إلى إسرائيل، ليس معروفا تفسيرها، فإيران رأت الموافقة على الرادار، بمثابة دفاع عن إسرائيل.

هل هذه خطوة تركية صائبة؟ حتى الآن خسر أردوغان انتصارين. الأول مع سوريا التي رفضت الاستماع لنصائحه، والثاني مع إسرائيل التي رفضت تقديم اعتذار له.

وهناك في تركيا من بدأ يحذر إذ إن الآذريين فيها أكثر عددا من أذربيجان، والأرمن أكثر من أرمينيا، وفيها ألبانيون أكثر مما في ألبانيا وكوسوفو، وبوسنيون أكثر من البوسنة، والأكراد فيها أكثر عددا من كردستان العراق وهذه كلها براميل بارود محتملة

المصدر: الشرق الأوسط

ليست هناك تعليقات: