تويتر

الأحد، 26 فبراير 2012

الانتخابات البرلمانية والصراعات السياسية داخل النظام الإيراني


شؤون إيرانية:



يمر النظام الحاكم في إيران بأصعب مراحله هذه الأيام  في ظل الضغوط الداخلية والخارجية على حد سواء. ونحن الآن على مشارف الانتخابات البرلمانية (في دورتها التاسعة) التي تؤجج الصراعات السياسية  داخل النظام الإيراني وتقدم صورة لمرحلة أهم وهي الانتخابات الرئاسية القادمة. وللحديث عن الانتخابات البرلمانية القادمة في إيران، نقول أن الأمر لا يقتصر على أن إيران بحاجة الى الظهور أمام أعدائها بأنها تحظى بدعم واسع من الشعب، وهذه حقيقة سوف تقوي شرعيتها، بل أنها  تحتاج أيضا لترويج هذه الفكرة بين مؤيديها. النظام الإيراني بحاجة الى استعادة ثقة أولئك الذين اصيبوا بخيبة أمل بعد الاحتجاجات التي انطلقت في الشوارع بُعيد الانتخابات الرئاسية الأخيرة فهي تريد إقناعهم بأن النظام لا يزال يحظى بدعم الجماهير وإثبات مصداقيتها في فرزنتائج الانتخابات التي دار حولها الكثير والكثير. يحتاج النظام  كذلك لرسم هذه الصورة لأنها يجب أن تظهر أيضا أمام القوى الأجنبية أنها تستمد قوتها من دعم شعبي واسع على الرغم من الضغوط والتهديدات المتكررة.

عليه فإن أهمية نسبة مشاركة الناخبين في الانتخابات الحالية تحظى بأن أهمية كبيرة جدا تتجاوز أهمية  أي انتخابات عادية. في الواقع، يمكننا أن نستنتج أن حجم مشاركة الشعب في هذه الانتخابات سوف يوضح الآثار الناجمة عن المعركة بين النظام السياسي ومعارضيه؛ كما يكشف عن قدرة أو عدم قدرة النظام السياسي لإعادة بناء الثقة النفسية لمؤيديها، وهو يحول ايضا الانتخابات الى منصة لردة فعل الشعب نحو الضغوط الدولية.

ولكن احتمال وقوع هذه الحوادث له مؤثر آخر: الاعلان عن نتائج الانتخابات التي ينبغي أن تلقى إقبالا كبيرا من الناخبين ايضا، الأمر الذي يعد مقبولا من قبل الآخرين ولكنها وبسبب العبث بالأصوات في الانتخابات الرئاسية وتزويرها في عام 2009 من جهة، والحاجة الملحة لنظام سياسي لعرض إقبالا كبيرا من الناخبين من جهة أخرى، فإن  إيران  تكون دائما في محل الاتهام،و أكثر من أي وقت مضى، بأنهم سيحاولوا التلاعب بالانتخاب مجددا. وفي ظل عدم وجود مؤسسات محايدة ومستقة تشرف على الانتخابات فإن هذه الشكوك لا تبتعد كثيرا وستظل حاضرة. من وجهة نظري، إن ما يعبر عن حجم مشاركة الشعب وميولها السياسية في مثل هذه الظروف لن تعتمد على إحصاءات موضوعية، بل سيعتمد على الصور التي ستظهر على الساحة خلال الحملات الانتخابية والحرب بين الأطراف المتصارعة.

في الوضع الراهن، وبعد الانتخابات الرئاسية لعام 2009، خرج أو أخرج اثنان من التيارات السياسية من النظام السياسي. تشكل المجموعة الأولى  من تبقى  من إصلاحيي التسعينات الذين أصبحوا يعرفون بالتيار المثير للفتنة في إيران (فتنه گران). وقد أعرب أعضاء هذا التيار، بشكل أو بآخر، عن تضامنهم مع الحركة الخضراء وزعمائها وأنصارها.من الشخصيات المعروفة المنتسبة لهذا التيار السياسي یمکننا الإشارة إلى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، أول رئيس للوزراء في إيران مير حسين موسوي و رئيس مجلس الشورى الايراني السابق مهدي كروبي. التيار الثاني يتكون من مؤيدي أحمدي نجاد الذين يسمون حاليا بالتيار المنحرف "جريان انحرافي/ باند انحرافي".  من الواضح أن هذه المجموعة  ليست موالية بشكل كبير للقائد الاعلى وقد أكدوا ابتعادهم عنه، أو على الأقل، يتوجس المرشد الأعلى و أنصاره  من نواياهاهم ويشعرون بأنهم يشكلون تهديدا حقيقيا لهم. في هذه الانتخابات، ومن وجهة نظر أجنحة النظام المختلفة، يعتبر "التيار المنحرف" منبوذ وبكل ما تعنيه الكلمة من معنى و دخيل على النظام الذي تم رسمه إبان قيام الثورة. الحقيقة أن التيار المنحرف بقيادة نجاد  يعي ذلك جيدا لذا فهو يسعى في هذه الانتخابات إلى إثبات وجوده كقوة  سياسية مؤثرة ومستقلة عن عباءة  المرشد ومنهم في دائرته الضيقة.
لكن بعيدا عن هذين التيارين، هناك ثلاثة تيارات رئيسية في النظام السياسي في إيران وهي متفاوتة من ناحية شعبيتها وتأثيرها أيضا. نحن هنا نتحدث عن اليمين المتطرف والذي يدعم من قبل المرشد الأعلى؛ اليمين المعتدل الذي لا يزال يعمل مع المرشد الأعلى ويستفيد منه ، ولكن ليس خياره الحقيقي؛ وأخيرا، اليمين التقليدي والذي اصبح ضعيفا ويلعب دورا رمزيا ومتراجعاً

في الوقت نفسه، تتنافس هذه التيارات الثلاثة بشراسة في دعم المرشد الأعلى من أجل الحصول على حصة أكبر في دائرة النخبة الحاكمة. تعد الانتخابات البرلمانية إحدى مجالات هذا التنافس. التاريخ السياسي الإيراني يقول أن الانتخابات البرلمانية تشكل الهوية السياسية وتشكل ملامحة وبالتالي فهي تعتبر  مؤثرا قويا وتمهيدا هاما للانتخابات الرئاسة التي تليها. لذا فهي  ليست فقط من  أجل السيطرة على الانتخابات والهوية السياسية للبرلمان المقبل وبالتالي يفترض أنها تحظى بأهمية غير مسبوقة للنظام السياسي، بل أن ذلك يتعدى إلى أنها تلقي بظلالها على مدى أهمية التيارات المذكورة أعلاه ومستقبلها.

نعلم أن التيار الاصلاحي قد أعلن مقاطعته للانتخابات البرلمانية الحالية وبالتالي فإن المنافسة تنحصر بين التيارات الثلاثة المقربة من المرشد من جانب و التيار المنحرف، الذي لا يزال يحارب من أجل البقاء في النظام من جانب آخر، و سوف تحدد المنافسة السياسية على المستوى الوطني في الانتخابات المقبلة. ما يمكن أن يحول هذه المنافسة إلى تهديد أمني للنظام السياسي يتمثل في السماح لها بالتحول إلى تصعيد خصوصا بين اليمين المتطرف واليمين المعتدل، من جهة، وبين هذين التيارين والتيار المنحرف من ناحية أخرى.

ذكرت آنفاً  ثلاث فترات من إعادة هيكلة الحدود السياسية في إيران. ما جعل إعادة ترتيب الحدود في إيران  مؤخرا مختلفاً عن الفترتين السابقة يتمثل في معناها وأهدافها. مع إعادة الهيكلة هذه، يريد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ومن خلال طريقته في السيطرة على انتخابات عام  2009 ونتائجها، أن يوجه رسالة واضحة إلى كل من المؤيدين والمعارضين على حد سواء مفادها أنهم سيتعاملون من الآن فصاعدا مع جمهورية إسلامية مختلفة. في هذه إيران، لا يمكن لأي قوة أو تيار استغلال الانتخابات كوسيلة لتغيير النظام السياسي داخليا أو يهدد موقف المرشد الأعلى. هذا هو السبب في أن النظام السياسي يجب عليه القضاء على أي قوة سياسية حاسمة يشتبه في أنها تسعى لتغيير النظام داخليا عن طريق اختراق حدودها الداخلية. وبعبارة أخرى، يريد المرشد الأعلى أن يقول لمؤيديه ومعارضيه انه لن يتسامح مع أي إصلاح في النظام عن طريق الجهود التي تبذلها بعض فصائلها خاصة إذا كانت هذه الجهود تهدف إلى الحد من سلطته و مسؤولياته. وهكذا، تغير معنى وهدف الانتخابات بالنسبة للاصلاحيين وحتى إشعار آخر. في الواقع، و بسبب ابعاد الانتخابات عن معناها الحقيقي- باعتبارها أداة لاختراق قلعة النظام- فإن  التيارات الاصلاحية غير قادرة في الوقت الراهن على تفعيل وتحقيق أهدافها من خلال الانتخابات.

على الرغم من هذا كله، فالصراع الداخلي و التحدي بين القوات الموجودة حاليا داخل النظام (التيارات الثلاثة من اليمين المتطرف، اليمين المعتدل واليمين التقليدي) تقدم قوة  أكبر في البرلمان المقبل، كما أن اصطدام هذه التيارات مع التيارالمنحرف - والذي كان في حد ذاته فرع من اضطراب اليمين المتطرف- سيؤدي على الارجح إلى اضطراب محدود في المشهد السياسي الإيراني. وسيخلق هذا الاضطراب فرص للإصلاحيين وقوى المعارضة الأخرى. ولكن وعلى الرغم من أنها تفتقر إلى الإعداد للتحرك اجتماعيا وسياسيا، إلا أنه ليس واضح بعد ما إذا كانت ستقوم باغتنام هذه الفرص أو لا. ما يقرر النتيجة هو طبيعة الأحداث التي ستخلقها هذه الفرص في المستقبل والأحداث التي لن يتم الكشف عنها إلا بعد حدوثها.

إضافة إلى ذلك، يمكن القول أنه إذا تشكل البرلمان المقبل وفقا لإرادة المرشد الأعلى، فإن حكومة نجاد ستتتعرض  إلى مزيد من الضغوط في العامين المقبلين. في الواقع انه سيكون المتهم الرئيسي فيما يتعلق بالمشاكل العديدة التي بلغت ذروتها هذه الأيام كارتفاع سعر الذهب والعملات الأجنبية وغيرها. في الوقت نفسه، فإن عدم القدرة على التنبؤ بسلوك نجاد وسيطرته على بعض الفصائل الموجودة، جعل الأحداث القادمة بالغة الأهمية والغموض على حد سواء.

إن لم ينجح المرشد الأعلى في السيطرة السياسية على البرلمان المقبل- وهو وضع غير محتمل جدا في الظروف الحالية- وبالتالي سيطرت القوى المستقلة نسبيا والتي تميل إما نحو الإصلاحيين أو إلى التيار المنحرف، فعلينا اننتظار مزيدا من التحديات خلال الفترة ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي العملية التي من شأنها جعل تلك الانتخابات غاية في حد ذاتها. أما الآن فإنه من الصعوبة بمكان قياس حجم ونطاق هذه التحديات وتحديدها ... القادم مشوق جدا لمعرفة ما تأول إليه الصراعات السياسية المنبثقة من داخل رحم الثورة التي بدأت تأكل نفسها...

ليست هناك تعليقات: