شؤون إيرانية:
بقلم: باريس : ما شاء الله رزمي
ترجمة : جابر احمد
أدخلت التطورات التي شهدتها الحركات القومية للشعوب غير الفارسية في العقود القليلة الماضة مفاهيم جديدة إلى الخطاب السياسي في إيران ، حيث أدركت الكثير من التنظيمات والشخصيات السياسية أنه بدون الاهتمام بحل المسألة القومية في بلد متعدد القوميات كإيران تبقي أي جهود من أجل استقرار الديمقراطية بدون فائدة . وأظهر فشل الحركة الخضراء في جلب دعم الشعوب غير الفارسية أن مرحلة ايجاد بديل شامل من المركز دون طرح مطالب الشعوب الايرانية ودعوتهم إلى اللحاق بالبديل المراد قد انتهت . فهناك بديل في الاطراف قد انوجد وان هذا البديل له قاعدته الاجتماعية ويساهم اليوم مساهمة فعالة في النضال ضد الديكتاتورية الحاكمة في المركز ، كما أن هناك حقيقة بات يدركها الجميع وهي انه دون مشاركة الممثلين الرسميين لهذا البديل في الاطراف القومية لا يستطيع أي أحد في ايران القيام بأي نشاط سياسي بمعزل عن ممثلي هذه الشعوب من هنا فإن أي تعاون ونشاط سياسي مشترك بين المركز والاطراف مرهون قبل كل شيء بالاعتراف بحق هذه الشعوب في ايران ” بتقرير مصيرها القومي ” بنفسها .
أسباب تطور حركات الاطراف
بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انتهاء الحرب الباردة كان النشطاء السياسيين من أبناء القوميات من غير الفرس في الاطراف ودون ان يجعلوا من مطالبهم القومية مطالب أساسية يشكلون الغالبية العظمى من أعضاء ومؤيدي الاحزاب والمنظمات السياسية الشاملة في ايران ، ولكن انهيار الاتحاد السوفييتي واستعادة القوميات لحياتها السياسية ، بالاضافة الى تنامي وتسارع العولمة أدى إلى نمو ملحوظ لحركة ابناء القوميات في ايران وساعد على تطور الهويات القومية . واليوم فان الدولة – او الدول المصطنعة تتآكل من الاعلى والاسفل . من الاعلى حطمت العولمة الحدود وخيارات الدولة – الدول ومن الاسفل أضعفت وعبر النمو السريع للهويات العرقية وذلك بتأثير من ثورة المعلومات وتداول المعلومات حول مفهوم الدولة – الامة بشكل جدي ، من هنا فان الشرعية التي كانت تتمتع بها الدولة – الامة فقدت اعتبارها الى حد كبير الامر الذي نتج عنه ازمة هوية لدى هذه الدول من جهة ونمو للهويات القومية من جهة اخرى وقد باتت هذه التغييرات في البلدان ذات التنوع القومي كإيران ترى بالعين المجردة خاصة بعد ان فشلت الجمهورية الاسلامية ان تنحت وتصنع وعبر منابرها الاعلامية الاحتكارية هوية ايرانية اسلامية شيعية للشعوب القاطنة في ايران .
و بعد انتهاء الحرب الايرانية العراقية وعودة الجنود والمقاتلين من الجبهات الى اوطانهم تشكلت في المناطق القومية غير الفارسية المنظمات الثقافية – السياسية ذات الهوية القومية وكذلك توجه قسم من النشطاء السياسين الاشتراكيين السابقين الذين كانوا اعضاء في الاحزاب الايرانية الى النشاطات القومية الامر الذي غير بالتدريج الاصطفاف السياسي في ايران وانتهى في نهاية المطاف الى انسحاب هؤلاء من الاحزاب الايرانية التي كانت تنشط على الساحة الايرانية كلها والالتحاق بصفوف المنظمات والاحزاب القومية للشعوب غير الفارسية وعرفوا هويتهم وانتمائهم على اساس الجذور القومية .
في البداية لم يتحمل الكثير من السياسيين القدماء هذه الحالة والمتمثلة في تغيير الخطاب السياسي ولم يأخذوا ماقام به النشطاء من ابناء القوميات على محمل الجد واعتبروا نشاطهم جزءا من النشاطات الانفصالية ، وكانوا أيضاً يعتقدون انهم اذا ما تحدثوا عن المسألة القومية سوف تتقوى النزعة الانفصالية لدى القائمين على هذه التنظيمات على سبيل المثال غضوا الطرف عن الانتفاضة التي اندلعت في 25 مدينة آذربايجانية احتجاجا على الاهانة التي وجهتها الصحافة الايرانية الحكومية في الاول من خرداد 1385 ( مايو – أيار ) 2006 الى ابناء القومية الآذرية والتي ادت الى عدد من القتلى اربعة منهم في مدينة سولدوز ” نقده ” ورغم بشاعة ماجرى إلا أن التنظيمات العمومية في ايران لم تنبس ببنت شفه حول هذه الاحداث أما أولئك الذين اضطروا الى الاشارة إلى هذه الفاجعة الكبرى قاموا بتغليط تلك الحركة وإدانتها باعتبارها عملاً إنحرافياً (حدثت مثل هذه المواقف إزاء ماجرى للعرب والاكراد ايضا) إلا أن دخول نضالات الشعوب غير الفارسية من المراحل الثقافية إلى المراحل السياسية لايمكن السكوت عنه الى الابد ، خاصة وان الحركات في بعض المناطق كالتحركات ذات الطابع الجماهيري تختلف شكلا ومضمونا عن ممارسة مثقفي التنظيمات العمومية في ايران ، وقد تبدلت هذه القوى خلال عقدين من الزمن إلى قوة سياسية في مناطق القوميات غير الفارسية في ايران واصبح لديها تنظيماتها الخاصة بمناطقها القومية .
ومع تزايد نمو التناقض بين المركز والاطراف قادت هذه الحالة السياسية الايرانية الى النقاش والجدال الامر الذي دفع الاحزاب والتنظيمات السياسية التي تعمل على عموم الساحة في ايران الى اتخاذ المواقف حيال ما يجري . بحيث اصبحت الغالبية العظمى من الاحزاب والتنظيمات العمومية تقبل بتواجد ونشاط الحركات القومية في المناطق غير الفارسية . أما اولئك الافراد والمجاميع التي لاتعير اهتماما لنشاط القوميات غير الفارسية فهي تلك التنظيمات التي تعتبر غريبة عن النضال الميداني في داخل البلاد .
وبعد القبول بهذه الحقيقة وهي وجود التنظيمات القومية في الاطراف اخذت الاحزاب والمنظمات الايرانية تتحدث في برامجها عن كيفية حل المسألة القومية ودور النشطاء السياسيين في المناطق القومية ، وهنا تم طرح ربط الديمقراطية بالمسألة القومية ، وأن بعضاً من النشطاء السياسيين سواء شخصيات أو تنظيمات والتي تعمل على عموم الساحة الايرانية تعتقد أن استقرار الديمقراطية في ايران سوف يحل موضوع المسألة القومية وبالتالي ليس هناك الآن حاجة لنشاطات مستقلة للقوميات الايرانية وهم يريدون ان تتشابك كل الايدي و تتوحد من اجل الاطاحة بنظام الجمهورية الاسلامية المستبد ، عندها سوف يحصل الجميع على حقوقه ومن بينها الشعوب غير الفارسية والتي ستنال حقوقها القومية .
فيما يلي سوف نسعى الى التوضيح بأن مثل هذه النظرة غير واقعية وسوف نثبت ايضا ان الديمقراطية رغم اهميتها فهي بحد ذاتها لا تحل المسألة القومية لأن موضوع المسألة القومية ليس الديمقراطية وإنما حق تقرير المصير وهو سابق للديمقراطية وارضيتها .
الديمقراطية:
قال وينستون تشرشل في حينه أن الديمقراطية ” تبدو وكأنها اسوأ اشكال الحكم الى حين مقارنتها بالأشكال الاخرى ” وهذا يعني ان البشرية طالما لم تخترع حتى اليوم نوعاً اخر من الحكم أفضل من الديمقراطية تبقى الديمقراطية مقبولة كنظام ، لقد كنا يوما ما نعتقد بأن الاشتراكية والشيوعية سوف تكون الشكل الاخير لمؤسسات الحكم البشري وأنها المفتاح لحل جميع المشاكل ، ولكن فشل التجرية الاشتراكية بعد 70 عاما في الاتحاد السوفياتي السابق أظهرت أن أنواع النظم الديمقراطية مع جميع الانتقادات التي دارت وتدور حولها هي اكثر انواع الحكم ثباتاً واستقراراً واكثر قبولاً .
ومع الاذعان بقبول أرجحية النظام الديمقراطي على سائر اشكال الانظمة الاخرى فإن هناك سؤالاً يطرح نفسه هل الديمقراطية قادرة على حل المسألة القومية أم لا ؟ .
ان الاجابة على هذا السؤال هو ” لا ” بالبند العريض ، فلو كانت الديمقراطية قادرة على حل المشكلات القومية لاستطاعت بلدان مثل بريطانيا ، فرنسا واسبانيا وغيرها التي تعتبر انظمتها ديمقراطية ، ان تحل هذه المشكلة في حين أننا نرى انه رغم مرور مايقارب 300 عام لم تحل المعضلة الايرلندية ، كما أن فرنسا التي تعد مولد الديمقراطية الحديثة رغم مرور ما يقارب 200 عام لم تتمكن بعد من حل المسألة القومية الكورسيكية في فرنسا ، كما أن إسبانيا لاتزال تواجه بمفردها مشكلة الباسك القومية . من هنا يمكن القول أن الديمقراطية لا تستطيع حل المسالة القومية لانه من زواية علم الاجتماع حل المسألة القومية في المجتمع له الاولوية على اقامة النظام الديمقراطي وليس العكس .
وتعني المسألة القومية أول ماتعني هو حق تقرير المصير والتحرر وليس الديمقراطية ، فمعنى “Emancipation ” باللغة اللاتينية هو التحرر، فعندما يراد شراء العبد ، بائع العبد يضع يد العبد بيد الشاري وتتم المعاملة واذا اراد صاحب العبد تحريره من العبودية يقوم بتحريره بيده و يقول له من هذه اللحظة انت حر ولكن في العلوم السياسية تعني ال “Emancipation ” التحرر والتحرر من العبودية هو التحرر من شخص اوطبقة او التحرر من التبعية والسيطرة من شعب آخر .وغالبا مايترجم مصطلح “Emancipation ” في النصوص الفارسية على انه الحرية وهي ترجمة لاتفي بالغرض لان التحرر سابق على الحرية ” اللبرلة ” لانه في مجتمع عبودي لا يمكننا الحديث عن الحرية والديمقراطية ، لان العبد قبل اختياره شكل العيش بحرية يجب ان يكون حرا ، اذن إن اراد المرء أن يكون حرا يجب ان يكون قد تخلص تماما من العبودية عندها يستطيع ان يحيا بشكل حر ، وفي مجتمع واقع تحت السيطرة الاستعمارية لا يمكن لنا الحديث عن الديمقراطية ، لان العلاقة بين الخاضع للاستعمار والمستعمر ليست متساوية ، ومن اجل الحصول على الحرية والديمقراطية ، قبل كل شيء يجب التحرر من قيود الاستعمار ، فالنساء في المجتمع الذكوري ” Masculism ” او الابوي “Patriarchy) ” طالما أنها لم تتحرر من التقاليد المتخلفة لايمكن أن تكون حرة ومتساوية مع الرجال وان تتحدث عن الديمقراطية الحديثة . وباختصار فإن مسألة التحرر في المجتمعات العبودية والمجتمعات الخاضعة للإستعمار والمجتمع الابوي او الذكوري له الاولوية على الديمقراطية.
إن الحديث هنا هو عن الديمقراطية الحديثة ، ولا يشمل الانواع البدائية للديمقراطية كما هو الحال في الديمقراطية التي كانت سائدة في المدن اليونانية القديمة أو تلك الديمقراطية التي كانت في المجتمع القبلي والديمقراطية القروية ، الحديث هنا عن الحاضر والديمقراطية الحديثة والتي ينتخب فيها المواطنون حكومتهم بشكل حر .
إن المسألة القومية في بلد متعدد القوميات قد بدأت منذ أن فرضت بالقوة الحكومة المركزية والدولة – الامة وبصورة أكثر وضوحاً إن المسألة القومية في إيران بدأت منذ وصول رضا شاه إلى دفة الحكم في إيران عام 1304 هجرية 1925 ميلادي وقد اشتدت يوماً بعد يوم إلى أن أصبحت اليوم من أهم المسائل السياسية في المجتمع وأن هذه المسألة سوف تتعقد أكثر عندما تفكر المعارضة الايرانية التي تدعو إلى المركزية أنه باستقرار الديمقراطية في إيران سوف تحل المسألة القومية و ليس هناك أي ضرورة للإصرار على هذه المسألة قبل استقرار الديمقراطية في إيران . لعل هذه المواقف هي التي دفعت نشطاء الشعوب غير الفارسية إلى فصل نضالاتها عن الأحزاب والمنظمات المركزية الإيرانية التي لم تكتف بطرح مفهوم الديمقراطية وحسب بل أحيانا وقفت ضد أبناء القوميات وهذا يصب ومع الأسف الشديد في صالح النظام الديكتاتوري الحاكم في إيران .
دخل مصطلح التحرر “Emancipation ” في أوروبا إلى ثقافة علم الاجتماع منذ عهد النهضة ، كما فتح التفكير النقدي والتحرر من القيود والمعتقدات الميتافيزيقية الطريق بعد عصر النهضة لولادة الحداثة ومواجهة الانسان العلمية للمجتمع وللطبيعة . كما قام ابرهام لينكلن أثناء فترة الحرب بين الشمال والجنوب ومن خلال وضع مشروعه لالغاء العبودية بإدخال مفهوم التحرر “Emancipation ” الى الثقافة السياسية ، كما طالب لامارتين ومن خلال خطبه الحماسية في البرلمان الفرنسي بتحرير شعوب المستعمرات ، كما أن طلائع الحركات النسوية ومن خلال هذا الطرح طالبت بالمساواة الكاملة في المجتمع . وعندما نقرأ أحاديث وخطابات ابراهم لينكولن ، ونقرأ خطب لامارتين ، ونستمع إلى أحاديث مارتين لوثر كينك نرى أن هؤلاء الرجال العظام لايتحدثون عن الديمقراطية وإنما يتحدثون عن التحرر “Emancipation ” والذي هو الأساس الأول للحرية ومقدمة للديمقراطية ، كما أن الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو عندما شاهد عن قرب معاناة الشعب الجزائري جراء الاستعمار الفرنسي اقترح مفهوم التحرر القومي الذي يجب أن ينفذ على يد الجزائريين أنفسهم ، كما أن كلاً من أقوام نكروما في غانا ووباتريس لومبا في الكونغو في نضالهم ضد الإستعمار طرحوا شعار التحرر “Emancipation ” وفي هذا المجال يجب أن لاننسى فرانتيس فانون المنظر البارز للحروب التحررية المناوئة للإستعمار كونه أبرز مفكري القرن العشرين في مجال التحرر .
وتبدأ مرحلة التحرر”Emancipation ” بشعار الحرية والديمقراطية لكن التحرر لاينتهي على الدوام إلى الديمقراطية ، فالتحرر بالنسبة للعبد يعني التخلص من العبودية ، ولكن بالنسبة لفرد أسير الاستعمار فالديمقراطية تعني التأثر بالاستعمار والذي غالبا ماينتهي بالاستعمار الجديد ” نيوكلنياليسم ” وبالنسبة للشعوب المحتلة بلدانهم يعني التحرر ” “Emancipation ” الاستقلال حتى إذا انتهى الأمر بقيام سلطة غير ديمقراطية .
عموماً إن الثورات لاتؤدي مباشرة إلى الديمقراطية ولكنها تستطيع أن تهيء الظروف لقيام الديمقراطية ، لأن الثورة عادة ماتكون بالاساس ضد الظلم والديكتاتورية وفي المجتمعات الديكتاتورية التي كانت قائمة قبل الثورة ، لان ديكتاتوريات السلطة الاحتكارية لم تسمح للشعوب بتنظيم نفسها وأن تتمرن على ممارسة الديمقراطية . من هنا وفي مرحلة الثورة فإن الغالبية العظمى من الجماهير هم غرباء عن الديمقراطية وأنهم يريدون التخلص من الظلم والاستبداد والاستعمار والاستغلال . وعندما يتحررون عندها يدركون أنه يجب عليهم بناء الدولة وبعد أن تتشكل مؤسسات الدولة عندها تصبح المسألة الديمقراطية والدولة الديمقراطية والمنتخبة مطالب الغالبية العظمى من المواطنين , ويجب أن يناضلوا من أجل ذلك إن هذه الحقائق المرة تصبح على نقيض من غايات المثقفين الديمقراطيين، ولكن من الناحية التاريخية يبقى التحرر “Emancipation ” مرحلة غير قابلة للاجتياز تعبرها المجتمعات الانسانية في مسيرة تطورها .
الإستعمار الداخلي :
والأن هناك سؤال يطرح نفسه وهو أن الشعوب الايرانية غير الفارسية أسيرة أي من هذه الظروف ومن أي شيء يريدون تحرير أنفسهم ؟ هل الدولة المركزية هي احتلال أجنبي ؟ هل العلاقات الاستعمارية قائمة في هذه المناطق ؟ .
إن الاضطهاد القومي والعنصرية الموجودة في ايران تجيب على هذه الأسئلة . وكل فرد سياسي اذا كان حقاً فرد واقعي لايمكن له انكاروجود الاضطهاد القومي والتمييز العنصري الذي يمارس بحق القوميات غير الفارسية في ايران . وفي هذا المجال يقول صادق زيبا كلام وهو أحد منظري الجمهورية الاسلامية ” إن جميع الايرانيين هم عنصريين ” . كما أن عباس عبدي وهو منظر آخر يقول أيضا ” إن المناطق القومية تدار من قبل المؤسسات الأمنية ” من هنا فإنهم يعترفون علناً بالعنصرية والاحتلال العسكري لمناطق القوميات في ايران. أقر مايقارب أكثر من 18 خبيراً في لجنة معاداة العنصرية وحقوق الانسان التابعة لهيئة الامم في 27 اغسطس من عام 2010 أن سياسية التمييز العنصري تمارس ضد الأقليات القومية في إيران . وطالبت الجمهورية الاسلامية بوضع حدِ للتمييز العنصري و العمل على رعاية واحترام حقوق الانسان في ايران .
لقد طرح القوميون المتشددون الفرس مقولة قوم بإسم الآريين وهذه المقولة تستمد جذورها من الثقافة العنصرية الالمانية التي كانت سائدة بين الحربين العالميين وبالتالي نسبوا الشعوب القاطنة في إيران إلى أولئك القوم الموهومين وهو طرح عنصري بامتياز ولكن العنصرية هنا لاترتبط بظاهر الافراد ولكنها تمارس كعنصرية ثقافية ، ولعل أبرز المظاهر البارزة لهذه العنصرية الثقافية الفارسية هي معادة العرب والاتراك ، بالاضافة إلى التمييز الديني البارز وهو وجه آخر للإستعمار الثقافي والذي قوننته الجمهورية الاسلامية بحيث لايحق للسني ترشيح نفسه لرئاسة السلطات الثلاث كما أن رئيس البلاد واستناداً إلى الدستور يجب أن يكون شيعياً اثني عشر إمامياً .
إن ثمانية عقود ونيف من نضالات هذه الشعوب في سبيل تخلصها من سيطرة المركز أخذت اليوم تنضج أكثر فأكثر في هذه المناطق وتطرح مطالب واضحة تبين وجود حالة تسمى من زواية علم الاجتماع ” بالاستعمار الداخلي ” . ولعل أبرز مظاهر هذا الاستعمار الداخلي هو منع التعلم باللغة الام ، التهجير الإجباري التحقير والاضهاد الثقافي والتمييز الاقتصادي والسياسي بالاضافة إلى النظرة الامنية للشعوب غير الفارسية ، ولكن وخلال الثماني عقود الماضية وبسبب وجود الديكتاتورية وفقدان حرية التعبير بقيت هذه الحقائق قيد الكتمان وان الغالبية من المواطنين لم يعرفوا جذور مشاكلهم بالاضافة الى أن عدداً من مثقفي القومية الحاكمة وتحت يافطة الدفاع والاستقلال والسيادة الوطنية ووحددة الاراضي فرضوا نوعاً من أنواع ” التابو ” على المسألة القومية ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتثقيف بها .
ومن مظاهر هذا الاستعمار الداخلي تدمير اقتصاد المناطق القومية بحجة تطوير وازدهار اقتصاد المركز بحيث لايمكننا مقارنة مستوى الرفاه الاجتماعي والخدمي بين طهران واصفهان مع بلوشستان وكردستان والى حد ما مع عربستان “خوزستان ” وأذربايجان وهما أقاليم ذات أغلبية قومية بلوشية وكردية وعربية وتركية ولايتساوى البلوشي مع الطهراني بأي شيء من الامور ، لا بالمذهب ولا اللغة ولاكيفية الحياة ولا الوضع المعيشي ولا العمل الذي يعمل به . حيث نواجه هنا شعباً فقيراً وآخر غني وبالتالي يبقى الحديث عن الاخوة والمساواة مجرد كذب لاغير . ان عربستان ” خوزستان ” تمتلك نفطاً أكثر من الكويت وقطر إضافة إلى أراضيها الزراعية الغنية ووفرة المياه التي لاتقل أهمية عن النفط والغاز ولكن الاستعمار الداخلي حرم العرب من أبناء عربستان ” خوزستان ” الاستفادة من هذه الثروات العظيمة .
كانت ايران وقبيل الانقلاب الذي قاده كل من سيد ضياء الدين الطباطبائي ورضاخان مير بنج ” البهلوي ” في عام 1921 تسمى بالبلدان أو الولايات الايرانية المحروسة وكانت هذه البلدان من الناحية الاقتصادية وظروف الحياة شبيهة لبعضها البعض وكان الغنى والثراء يرتبط بإنتاج الأرض وتراكم السكان ، ولكن بعد إيجاد الدولة المركزية في طهران فقدت هذه البلدان شيئاً فشيئاً استقلالها النسبي وقمعت الشعوب غير الفارسية تحت عنوان الكفاح ضد حكم الزعامات المحلية في جميع هذه الولايات واقترن ذلك بتدمير الاقتصاد أيضاً .
عندما أطاح رضا شاه بحكومة الشيخ خزعل ذات الحكم الذاتي في خوزستان والتي كانت آنذاك تسمى آنذاك بعربستان،كانت المنطقة أثناء فترة حكم الشيخ خزعل من أغنى المناطق في عموم المنطقة بدءاً من شمال ايران إلى الخليج في الجنوب ، لكننا نراها اليوم وبعد ثمان عقود ونيف من سيطرة الحكم المركزي في ايران عليها وعلى الرغم من أنها تعوم على بحيرة من النفط يعيش أهلها الفقر والحرمان ، فالبحرين وقطر ودبي اللواتي كنا آنذاك قرى مجهولة تعيش من صيد اللؤلؤ والاسماك تبدلت اليوم إلى مراكز للسلطة والثروة في المنطقة من هنا يمكن القول ان التخلف الذي لحق بالشعب العربي في عربستان “خوزستان” هو نتاج الاستعمار الداخلي . فلم يحرم من التمتع بثروته النفطية وحسب وإنما نقلت مياهه إلى مدينتي قم ويزد الايرانيتين كما أن نسيجه السكاني يتعرض إلى تغيير ممنهج .
لقد كانت آذربايجان ايضا وقبل قيام الدولة المركزية وفي عهد ثورة الدستور “المشروطة ” من أغنى البلدان الايرانية وهذه القوة الاقتصادية هي التي مكنتها من أن تقاوم جيش الدولة المركزية المستبد ولمدة عام دفاعاً عن ثورة الدستور ، ولكن آذربايجان اليوم واستناداً إلى إحصائيات وزارة الصناعة تحتل المرتبة السابعة من بين 30 مقاطعة من المقاطعات الايرانية وتستمر سياسة التدمير مع تجفيف بحيرة أرومية .
إن الفرق الجوهري بين الشعب الأذربايجاني وسائر الشعوب الايرانية الاخرى غير الفارسية هو كونه قبل وصول رضا شاه إلى السلطة كان القومية الحاكمة ولهم تجربة بالحكم امتدت على مدار الألف عام ، لذلك أصبح تضعيفهم اقتصادياً وتحقيرهم واضطهادهم ثقافياً استراتيجية استعمارية يمارسها الحكم المركزي وذلك من أجل الحيلولة دون استلام السلطة مجدداً .
قبل عشرين عاماً كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في كردستان ايران والعراق متشابهاً ولكن ومنذ أن أصبحت كردستان العراق تحت وصاية الامم المتحدة وحصولها على استقلال نسبي بدأت بالتنمية ، بحيث لايمكننا اليوم مقارنة كردستان ايران مع كردستان العراق ، فقد أصبحت اللغة الكردية في كرستان العراق لغة التدريس حتى في الجامعات بينما بقيت كردستان ايران أسيرة الفقر والتخلف وهذه هي نتيجة مباشرة للإستعمار الداخلي .
في عام 1971 اختارت البحرين الاستقلال والانفصال عن ايران وذلك عبر استفتاء جرى تحت إشراف المجتمع الدولي وكانت آنذاك أرخبيلاً من الجزر المهملة ولكننا نراها اليوم أصبحت مركزاً لكبريات شركات التأمين وللبنوك العالمية في المنطقة ووصلت عائداتها عشرة أضعاف عائدات إيران .
كانت أراضي صحراء التركمان وهي موطن الاقلية التركمانية من أغنى الأراضي الزراعية ولكن ومنذ أن استلم رضا شاه السلطة تعرضت هذه القومية إلى أشد أنواع القمع ووزعت أجود أراضيهم على قادة الجيش ورجال ” الدربار” الملكي . وفي عهد الجمهورية الاسلامية تعرض النسيج السكاني لهذه القومية للتغيير وذلك عبر تشجيع الهجرة من الاقاليم الايرانية الاخرى اليهم واليوم فقد تم منح الوظائف الحكومية والاراضي الصالحة للزراعة إلى المهاجرين الشيعة الموالين لنظام الجمهورية الاسلامية . كما يتم التضييق عليهم دينياً باعتبارهم سنة وهذه الممارسات كلها جزء من ممارسات الاستعمار الداخلي .ولكنه من الممكن أن يقال أن هذا هو ديدن الحكومات الديكتاتورية التي أوجدت هوة عميقة بين المركز والأطراف ، ولو كان الحكم ديمقراطياً لما حدثت مثل هذه الأمور .
نعلم جيداً أن الحقائق لاتتغير بكلمتي ” لكن وإذا ” ويجب القبول أن بلداً متعدد الثقافات وكثير الشعوب وبمساحة لاتقل عن 1648000 كم2 وعائدات نفطية بلغت 100 ميليار دولار وحكومة مركزية تدار من قبل شعب واحد لم تكن النتيجة أفضل مما هو عليه الآن ، من هنا فالحكومة المركزية هي مهد الديكتاتورية وهذه الديكتاتورية تتكامل عندما يكون لديها جذور إقتصادية وقد تمكنت من خلال الاستيلاء على العائدات البترولية تثبيت أركان ديكتاتوريتها ، وهنا تحتل نوايا الحكام درجة ثانوية من حيث الأهمية وتتجه السلطة نحو الاحتكار والفساد وتتبدل مؤسسات الدولة المركزية إلى مؤسسات ديكتاتورية . وخلال خمسين عاماً الماضية و بسبب استمرار الاضطهاد القومي تطورت القومية الفارسية إلى حد كبير أما سائر الشعوب فإنها إما ذابت أو أنها أصبحت أكثر فقراً ، كما أن ثقافتهم وهويتهم القومية هي الأخرى تعرضت للدمار والتخريب . وفي المقابل استخدمت كل الميزانية المخصصة للتربية لصالح تنمية الثقافة الفارسية ، كما قل يوماً بعد يوم دور الشعوب غير الفارسية في إدارة دوائر البلاد الحكومية ، وقد وصل الى درجة بحيث أن بعضاً من هذه الشعوب مثل البلوش والتركمان لاتمارس أي دور في إدارة البلاد ، أما البعض الآخر مثل الآذريين والذين يشكلون ثلث السكان لا يتواجدون إلا في المناصب من الدرجة الثانية أو الثالثة وأصبح الحكم يوماً بعد يوم بيد قومية واحدة حتى أصبح حكراً على القومية الفارسية .
حراس الحدود الشجعان :
تصف الكتب المدرسية الفارسية الشعوب الايرانية غير الفارسية على أنهم حراس الحدود الشجعان ولكنها سرعان ماتضيف ولكن مع الأسف الشديد فإن القوى الأجنبية ومن أجل القضاء على الوحدة القومية والسيادة ووحدة الأراضي الايرانية تحرض سكان الحدود بغية تجزئة إيران وتفكيكها . إن تدريساً من هذا النوع يجعل ذهن الاطفال ومنذ نعومة أظفارهم يسيء الظن بالشعوب غير الفارسية والذين يشكلون الاكثرية في أطراف البلاد مما يجعل الطفل الفارسي يتخيل أن كل تركي أو كردي أو عربي أو بلوشي قد ولد من رحم أمه شخص انفصالي إلا إذا ثبت عكس ذلك ، إن هذا التعليم الانحرافي والعنصري والممنهج أدى بالكثير من المثقفين الفرس عند مواجهتهم المسألة القومية ومطالب الشعوب غير الفارسية يتبدلون إلى قوميين إيرانيين ويمينيين عنصريين متشددين من الدرجة الأولى يدوسون بأقدامهم على مبادىء وأصول الديمقراطية ، وحسب تعبير بيربورديو يمارسون ” العنف النموذجي ” الشامل عندما يخاطب العامل الفارسي زميله العامل التركي ويصفه بالحمار ” ترك خر ” والآخر يصف العربي ” بالبدوي المتخلف ” ” عرب تازي ” أو آكل الجرابيع “سوسمار خوار” وإنما هو تعبيرٌ مباشرٌ عن عنف قومية ضد قومية أخرى . وهذا جرحٌ غائر يؤذي المشاعر والروح الإنسانية ويساهم في تعميق الفواصل أكثر فأكثر .
كيفية تحقيق التحرر القومي :
إن التحرر وحق تقرير المصير القومي هو مسألة جيوبولوتيكية ولاترتبط بسياسة الحكومة المركزية في كل بلد لوحدها وحسب وإنما ترتبط بالسياسيات الإقليمية والدولية . فإذا واجهت الحكومة المركزية هذه المعضلة مواجهة عقلانية واعترف بحق تقرير المصير فإن المسألة القومية سوف تحل عبر السلام والاستقرار في داخل البلاد نفسها ، كما هو الحال بالنسبة لحل القضية القومية في الغالبية العظمى من الدول الأوروبية لكنه لم يتم حتى الآن الإعتراف بحقوق القوميات من قبل الحكومة المركزية الأمر الذي سوف يؤدي إلى بروز القلاقل والتدخل الخارجي وحتى إلى الحرب الأهلية . من هنا ومن أجل التحرر القومي لابد من ضرورة توفر الظروف الاقليمية والدولية .
شهدت المناطق الواقعة تحت السيطرة في القرن الماضي ثلاثة مراحل من مراحل التحرر “Emancipation ” وهي على النحو التالي “
المرحلة الأولى بدأت أثناء الحرب العالمية الثانية وذلك عندما هاجمت اليابان بلدان جنوب شرق آسيا منهية الإستعمار الغربي ومعترفة بحق تقرير المصير تلك الشعوب . ومع هزيمة اليابان وانتهاء الحرب أرادت دول مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا إعادة السلطة الإستعمارية مرة ثانية ولكن شعوباً مثل فيتنام وكامبوديا ولاوس وبورمة وأندونيسيا قاوموا هذه العودة الاستعمارية بالسلاح وألحقوا الهزيمة بالمستعمر ، وبدورها منحت أمريكا مستعمرتها الوحيدة وهي الفليبين الاستقلال وبذلك تكون قد تحررت جنوب شرق آسيا وحصلت على استقلالها الكامل ومع تحرر الباكستان والهند تكون آسيا قد تخلصت تماماً من السيطرة الاستعمارية .
أما المرحلة الاستعمارية الثانية فقد بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وشملت شمال أفريقيا وبالتدريج توسعت لتشمل كل بلدان تلك المنطقة وقد استمرت حروب هذه البلدان ضد الاستعمار ومن أجل الاستقلال حتى الثمانينات من القرن الماضي واستمرت حتى سقوط حكومة سالازار في البرتغال التي سبق وأن استعمرت البرازيل وجنوب غرب أفريقيا وانتهت بسقوط نظام التمييز العنصري ” الآبارتيد ” في أفريقيا الجنوبية يكون الاستعمار الكلاسيكي قد انتهي في كل أفريقيا .
وأما المرحلة الثالثة فقد بدأت مع سقوط جدار برلين وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي عام 1991 وتحرر الشعوب التي كانت تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي ومن ثم دول البلقان .
وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة على غاية من الاهمية وهي أنه وأثناء الحرب العالمية الثانية كانت الأطراف المتورطة في سياسات المنافسة تفضح بعضها البعض ، وكانوا يعارضون احتلال الدول ، وكذلك ومن أجل ازدياد قدراتهم العسكرية يجندون أبناء المستعمرات ويضمونهم إلى جيوشهم وكانت نتيجة هذه الممارسات اليقظة العامة التي أدت إلى استقلال المستعمرات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية .
وخلاصة القول نجد أنه ما إن انتهت الحرب العالمية الثانية وأثناء تأسيس هيئة الأمم المتحدة حتى تم الإعلان عن ولادة 55 دولة جديدة في العالم والتي أصبحت أعضاء رسميين في هذه المنظمة . واليوم إذا أخذنا بعين الإعتبار حكومة الحكم الذاتي في فلسطين فقد وصل عدد هذه الدول إلى 195 دولة ومع تزايد الرغبة في التحرر من السيطرة لايزال الإعلان عن تأسيس دول جديدة مستمراً . وكما يلاحظ أن عملية التحرر هذه قد كلفت الشعوب الواقعة تحت الاستعمار خسائر باهظة على سبيل المثال فقدت الجزائر أثناء كفاحها من أجل الاستقلال ثلث سكانها.
إن أنواع النضال أثناء التحرر القومي أدت إلى رفع وتيرة الوعي لدى الشعوب التي تناضل من أجل حق تقرير المصير ، وقد اصطدمت رغبة الشعوب من أجل تقرير مصيرها بعقبة الدولة المركزية وأيضا عقبة سياسة دول الجوار والمنطقة ومصالح سياسات الدول الكبرى في أي زاوية من زوايا العالم . من هنا فان النضال في هذا المجال يشبه لعبة الشطرنج إذا تغير أحد الأحجار تتغير كل الاحجار الاخرى . لذلك لابد من أخذ كل هذه الامور بعين الاعتبار. وقيادة النضال من أجل حق تقرير المصير هي بحاجة إلى تنظيمات قومية قوية وإلى سياسيين مخضرمين حتى يتمكن الشعب من تحقيق النصر بأقل الخسائر الممكنة وبالتالي تمهيد الطريق لاستقرار الديمقراطية في المجتمع
المصدر: مركز دراسات عربستان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق