تويتر

الاثنين، 22 أغسطس 2011

إيران وخريطة طريق الوصاية والهيمنة على العالم العربي

شؤون إيرانية:
خنفر الكعبي
يبدو واضحا أنّ نظريتي "أم القرى" و"ولاية الفقيه" تتلازمان بشكل أيديولوجي محكم لربط الدين والمذهب بالسياسة ومن ثم تدويل هذا الرابط، فلا تعدو هذه المحاولات كونها محاولات فاشلة للتركيز على ضبط الداخل بالتزامن مع التوجه الأخطبوطي السلطوي نحو الخارج الإيراني باستخدام نظريات مستحدثة وإلصاق صورة مليئة بالتناقضات تظهر بالإسقاطات التاريخية على شاكلة أيديولوجيا مترهلة لبناء القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية للنظام من خلال صناعة المفاهيم لدى المنظرين الإيرانيين.

يستخدم النظام الإيراني جميع السبل لبسط هيمنته على المنطقة العربية؛ فنظام طهران الذي يشكل مبدأ ''ولاية الفقيه'' منهاجه للهيمنة الأيديولوجية المركزة بمسحة طائفية مع مزيج من التوجه القومي الفارسي وترسم نظرية ''أم القرى''خارطة الطريق أمامه للهيمنة على العالمين الإسلامي والعربي لم يتورع في لحظة ما للوصول إلى مطامحه الاستعمارية على المنطقة، وكما بدا واضحا من المسعى المحموم والتصريحات التي يصدرها المسؤولون الإيرانيون المدججون بولائهم المطلق للولي الفقيه ومسؤوليتهم المنصبّة بالحفاظ على مكتسبات هذا النظام؛ لما لهم فيه من مصالح ومطامع، تعتبر خطتهم المنهجية التي ترمي للتوسّع وتدجين أكبر عدد ممكن من أبناء شعوب المنطقة خدمة لمشاريعهم ذات البصمات الإمبراطورية الإيرانية القديمة التي ها هنا ماثلة أمامنا بكل وضوح من خلال نظرية ''ولاية الفقيه''.

من هذا المنطلق يسعى النظام الصفوي الحاكم في إيران استخدام شتى الطرق لتعزيز مكانة إمبراطورية الهيمنة على العالم العربي، خاصة بعد أن فشل النظام الإيراني في تصدير ثورته بالقوة عبر حرب استمرت ثماني سنوات، عادة للمناهج الناعمة لغزو العالم العربي والتمدد في ربوعه؛ وذلك بسبب افتقار العالم العربي لمرجعية حقيقية تصمد في وجه التغلغل الإيراني، فوجدت طهران نفسها أمام أرض رخوة يمكنها غرس عصابات موالية لها في الأرض العربية الخصبة؛ لتظهر لنا بعد ذلك مثل الفطريات في كل مرة تسقيها طهران بدولارات هائلة وتتحول هذه الميليشيات فيما بعد إلى بلاء العرب المحتوم لكي تحتل خلالها ولاية الفقيه، شر احتلال العالم العربي انطلاقا بمصر وفلسطين مرورا بدول الخليج العربي وصولا إلى العراق والهلال الخصيب.


مبدع نظرية أم القرى:

يعتبر ''محمد جواد أردشير لاريجاني'' المبدع الأول لنظرية ''أم القرى'' ينتمي لاريجاني لأسرة عراقية معاودة من أصول إيرانية، وهو من مواليد مدينة النجف في العراق بداية الخمسينيات من القرن الماضي (كانت ولا تزال الأسر العراقية من أصول إيرانية تلعب دورا رياديا في السياسة الإيرانية مثل أسرة: ''شاهرودي'' رئيس سلطة القضاء سابقا وأسرة ''أصفي'' و''نقدي'' و''دانايي فر''و...)، وكان في السابق مستشارا لوزارة الخارجية ونائبا في البرلمان لفترات متتالية وينتمي منهجيا لكتلة المحافظين المتطرفين ويترأس الآن لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية التي يديرها شقيقه ''آية الله صادق لاريجاني''، تتمتع آل لاريجاني بنفوذ واسع داخل النظام الإيراني وتمسك الأسرة المذكورة بمقاليد الحكم في إيران حيث الإخوة لاريجاني يشغلون مناصب حكومية رفيعة ولديهم علاقات بأسر أخرى متنفذة مثل ''أسرة توكلي؛ النائب المعمر في البرلمان منذ تأسيسه إلى الآن'' و''أسرة آية الله مطهري؛ منظّر الثورة الإيرانية وأبوها الروحي بعد الخوميني'' وأسرة لاريجاني حيث ''علي لاريجاني؛ رئيس البرلمان الإيراني الحالي''.

تخرّج ''لاريجاني'' من جامعة كاليفورنيا في بروكلي فرع الرياضيات وحصل على الدكتوراه من جامعة تايم في فلوريدا في فرع الفيزياء، ولدى لاريجاني مواقف متصلبة حيال القضايا السياسية في إيران مثل مواقفه المناوئة للإصلاحيين ومعارضته لنهج النظام المتسامح مع قضايا المنطقة، حيث كشفت التقارير عن أنّ وزارة الخارجية الإيرانية في عهد ''علي أكبر ولايتي'' طردت لاريجاني من منصب مساعد وزير الخارجية بعد ثمانية أشهر من توقيع إيران على قرار مجلس الأمن المرقم بـ598 والقاضي بوقف إطلاق النار بين العراق وإيران، وذلك بناءً على طلب مقدم من قبل وزارة المخابرات (إطلاعات) بسبب موقف الأخير المناوئ لقرار وقف إطلاق النار.


نظريتا أم القرى وولاية الفقيه:

يرى الكثير من المتابعين للشأن الإيراني أنّه بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ورحيل الزعيم الروحي السابق للثورة آية الله خوميني بدأت نظرية أم القرى ذات الطابع الواقعي تأخذ مكان نظرية تصدير الثورة ذات الطابع الطوباوي، وأن هذه النظرية رغم أنها تنتقد الفكر القومي، إلا أنها تحمل ملامح التوجه الشوفيني والطائفي في داخلها خلال التركيز على العنصرين الفارسي والشيعي والتأكيد على قم كعاصمة دينية وطهران كعاصمة سياسية لإيران والعالم الإسلامي في وجه مكة والمدينة والإصرار على ولاية الفقيه كمبدأ لا تنازل عنه وبديل للعنصر العربي والسني، وإن كان هذا التصريح بشكل مبطن، لكن يفصح التوجه عن نفسه من خلال تنفيذ بنود هذه النظرية من قبل القائمين على نظام الملالي في طهران وفي مناسبات عدة.

إنّ جدلية الثورة والنظام في إيران دفعت البعض إلى أن يجري مقارنة بين هذه النظرية ونظريات مشابهة، حيث عمل البعض على تشبيه النظرية بتفسير ''ستالين'' من نظرية العالمية للشيوعية، حيث إن نظرية ''أم القرى'' تحمل في طياتها خريطة طريق النفوذ والهيمنة للنظام الإيراني؛ نظرا لما تتمتع به من معان ومنهج مبسط للتوسع، إضافة إلى ذلك فإن الظروف التي نشأت فيها هذه النظرية تعبر عن دلالات، من بينها محاولات إخراج النظام الإيراني من المأزق الداخلي والخارجي الذي كان ولا يزال يعاني منه، وهذه هي نقاط ضعف النظام التي يحاول جاهدا التستر عليه.

إن أم القرى تمثل بوابة النظام نحو العالم الإقليمي، من هنا ظل يستخدمها حتى يومنا هذا بعد مرور أكثر من عقدين على إبصار هذه النظرية النور، حيث جاءت النظرية في توقيت عصيب كان يمر به النظام الإيراني جراء نهاية حربه مع العراق وفشل نظرية تصدير الثورة بما تحمله الكلمة من معانٍ وأيضا ظهور مشكلات داخلية مستفحلة أمام النظام الإيراني مثل الإضرابات ووصول الاعتصامات الجماهيرية للشعوب إلى ذروتها ما دفع منظري النظام إلى البحث عن حلول للخروج من ذلك المأزق الخانق، واستمر النظام في تطبيق النظرية مع إجراء تعديلات طفيفة عليها حتى يومنا هذا.

تنظر ''أم القرى'' الإيرانية إلى العالم الإسلامي على أنه أرضية ممهدة للزعامة الإيرانية؛ فتعتبر النظرية المرشد الإيراني أنه إضافة لكونه حامل للأوصاف الـ''إيرانية'' ومرجع تقليد الشيعة وغير الشيعة الإيرانيين يعتبر ''ولي أمر المسلمين في العالم'' فتوصي النظرية الزعماء الإيرانيين بشكل منمّق بأن يعوا مصالح العالم الإسلامي، إضافة إلى رعايتهم للمصالح الوطنية، وعليه فإن المسؤولية الملقاة على عاتق بقية المسلمين تتجسد في تقديم الدعم والدفاع عن إيران ولاية الفقيه باعتباره ''أم القرى للعالم الإسلامي''، ففي حال حدوث أي تعارض فيما بين المصالح الوطنية والإسلامية ستكون المصالح الإسلامية في الأولوية، وذلك منوط بقدرة الحفاظ على النظام الإسلامي في أم القرى الإسلامية على حد تعبير النظرية.

جاءت نظرية أم القرى لتوحي بأنها تنوي التضخّم في الدور السياسي لطهران باعتبارها العاصمة السياسية للتشيع في العالم، مقابل مكة وهي العاصمة الدينية للعالم الإسلامي فـ''محمد جواد لاريجاني'' عند تبنيه نظرية أم القرى كان عاملا في وزارة الخارجية بصفته مساعدا دوليا للوزير؛ فهذا في حد ذاته يعبر عن مكانة النظرية وأهميتها بما أنها صدرت في موقع حساس (وزارة الخارجية الإيرانية) وأيضا تركيز هذه النظرية على العالم العربي والإسلامي دون غيره كي تصبح هذه البقعة من العالم وطأة قدم تمهد لنفوذها وتوسعها المتخم بالكراهية والعدوان.

وفي هذا الإطار أجرى في السابق صاحب النظرية حديثا مطولا مع صحيفة رسالت المتشددة بتاريخ 12 شباط (فبراير) 2008 يؤكد لاريجاني فيه أن: ''هذه النظرية ظهرت أساسا للتوفيق بين الآفاق والأهداف طويلة الأمد والظروف الحالية التي تمر بها البلاد، حيث كان يتصور البعض أنه يجب التفاعل الآني مع أحداث العالم الإسلامي في حين صرح الإمام أن طريق القدس يمر من كربلاء؛ لكلام المرشد مغزى كبير للغاية يتعارض مع التفاعل الآني فقامت نظرية أم القرى على ضوء إعطاء الزخم الكافي للخطط الآنية وربطها بالتطلعات المستقبلية''.
ويضيف لاريجاني في معرض إجابته عن ضرورة بناء علاقات مع الولايات المتحدة، أنه يؤمن بما يراه المرشد في تغليب المصلحة الوطنية في التعامل مع الأمريكان وتجنب المواقف التي تنبع من الأحاسيس لا المنطق والعقلانية، مؤكدا أنه لا يوجد خط أحمر أمام النظام الإيراني سوى المصالح القومية العليا للنظام، معتبرا نقطة الالتقاء في المصالح التي قد يصل إليها الإيرانيون والأمريكان هي أرض العراق ومن ثم تحويل هذه النقطة للتفاهم والحوار الذي يخدم مصالح طهران - أم القرى الإسلامية - دون غيره.

من هذا المنطلق التفكيري الحاكم على ساسة طهران تقوم نظرية أم القرى بعملية تتويج ''ولاية الفقيه'' ومنحه لقب ولي أمر المسلمين ليأخذ دورا مشابها للرعوية الكنسية وخليفة أو سلطانا مشابها للخلافة العثمانية، وتشير هذه المحاولات لأهداف أيديولوجية تسعى لخصخصة المذهب الشيعي لصالح فئة تسكن طهران وقم لتصدر أوامرها المقدسة إلى بقية الأصقاع في العالم الشيعي والإسلامي على حد سواء.

بالنظر إلى كل ما قيل يبدو واضحا أنّ نظرية ''أم القرى'' و''ولاية الفقيه'' تتلازمان بشكل أيديولوجي محكم لربط الدين والمذهب بالسياسة ومن ثم تدويل هذا الرابط، فلا تعدو هذه المحاولات كونها محاولات فاشلة للتركيز على ضبط الداخل بالتزامن مع التوجه الأخطبوطي السلطوي نحو الخارج الإيراني باستخدام نظريات مستحدثة وإلصاق صورة مليئة بالتناقضات تظهر بإسقاطات التاريخية على شاكلة أيديولوجيا مترهلة لبناء القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية للنظام من خلال صناعة المفاهيم لدى المنظرين الإيرانيين الذي ضجر شعبهم كما ملت شعوب المنطقة خطابهم وأيديولوجيتهم المتآكلة، حيث يصعب على المتتبع معرفة تفاصيلها إن لم يفلح بالإطلاع على ركائزها وكانت هذه محاولة بسيطة في هذا الإطار.

المصدر: صحيفة الأقتصادية 
الشكرللصديق العزيز الدكتور سعد النامي

ليست هناك تعليقات: