تويتر

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الأعلام الإيراني وخبر محاولة اغتيال السفير السعودي


شؤون إيرانية:



ما أعلنه وزير العدل الأمريكي اريك هولدر بالأمس حول إحباط محاولة اغتيال سفير المملكة العربية السعودية لدى واشنطن والتخطيط لتفجير السفارة السعودية في الأرجنتين تصدر صفحات الصحف ووكالات الأنباء المحلية والإقليمية والعالمية. قلة هم الذين شككوا في مصداقية الخبر أو حاولوا قراءته بأنها خدعة أمريكية جديدة لمزيد من الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ومنابع البترول تحديدا خاصة وأن المتهم الأول في هذه المحاولة دولة إيران ممثلة في ذراعها الإرهابي المشهور فيلق القدس. في هذا المقال أحاول  أن أرصد ردود أفعال الجانب الإيراني وكيفية تناوله لهذه الأتهامات.


 لم يتأخر الرد الإيراني كثيرا حتى أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية  رامين مهمانبرست عن نفي إيران لهذه التهمة جملة وتفصيلا وأنها عارية عن الصحة تماما، كما وصفها بمسرحية أمريكية مضحكة .ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن مصدر مسؤول لم تذكر اسمه قوله إن الاتهامات تهدف إلى إظهار حكومة طهران على أنها المصدر الرئيسي الذي أعطى الأمر الخاص بمحاولة الاغتيال. كما وصفت وكالة مهر الإيرانية للأنباء الاتهامات بأنها سخيفة، وأضافت أن الولايات المتحدة بدأت جولة جديدة من الحرب النفسية ضد إيران.


وفي أول ردة فعل رسمية  دولية تجاه محاولات إيران نفي هذه الأتهامات، فقد أعلن راديو إيران الحكومي صباح هذا اليوم الأربعاء أن مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، محمد خزاعي، قد قام بإرسال رسالة أعتراض من الجانب الإيراني إلى الأمين العام بان كي مون حول الأتهامات الأمريكية لإيران. وقد جاء في الرسالة أن هذه الأتهامات باطلة ولا أساس لها من الصحة وأنها استمرار لاتهامات امريكا المتكررة ضد إيران ومحاولة من الجانب الأمريكي لتوجيه الرأي العام الدولي بعيدا عن مشاكل البيت الأبيض على المستويين الداخلي والخارجي. كما جاء في الرسالة أن الهدف من هذ من وراء هذا الأعلان هو مجرد جر المنطقة إلى مزيد من الخلافات وضرب العلاقات بين دولها. وأضاف أن إيران شهدت خلال العاميين الماضيين عدد من العمليات الإرهابية ضد علماءها ومفكريها الذين طالتهم يد الإرهاب الصهيوني وبحماية من الولايات المتحدة الأمريكية.

من جانب آخر كتب موقع "الــف" المقرب من النائب في البرلمان الإيراني أحمد توكلي أن  السعودية و إيران يعدان من أهم دول منطقة الشرق الأوسط وأن التقارب بين هاتين الدولتين يؤدي إلى الاستقرار في المنطقة الأمر الذي يزعج الجانب الغربي وأمريكا على وجه الخصوص، على حد زعم الموقع . وأضاف أن تلك الدول تسعى جاهدة إلى ضرب العلاقات بين هاتين الدولتين وجرهما إلى الصراع فيما بينهما، و موضحاً أن هذه المحاولات جاءت في قالب تخويف دول المنطقة من برنامج إيران النووي  وبالتالي بيع الأسلحة إلى الدول العربية، هذا من جانب،  ومحاولة إرضاء تلك الدول من خلال زرع درعها الصاروخي لمواجهة محتملة مع إيران، من جانب آخر وبالتالي، والحديث لايزال لـ"الف"، فإن ما تم أعلانه مساء البارحة يمكن فهمه في هذا الإطار. بعد ذلك تطرق الموقع لفائدة مثل هذه العملية بالنسبة إيران وقال إن التخلص من السفير السعودي لدى واشنطن لا يعني أي شيء بالنسبة لإيران كما أنه  لا يعرف عن الجبير أي نشاط ضد إيران ومصالحها  وعليه فماهي الفائدة التي ستجنيها إيران من وراء اغتياله؟  وانتهى الموقع إلى أن الايقاع بين السعودية وإيران وخلق تصادم بينهما ليس له أي فائدة لطهران أو الرياض على حد سواء وأن المستفيد الوحيد من ذلك هو الجانب الأمريكي من خلال تقوية دورها ونفوذها في المنطقة. وأكد الموقع  أن الاتهامات الامريكية ضد إيران ليست بالأمر الجديد فقد سبق وأن اتهمت إيران مرات عديدة  دون أن تبت أي من تلك الأتهامات. 


من جانبها فقد قدمت وكالة فارس الأخبارية سيناريوا مختلفاً  نوعا ما وذلك من خلال محاولة نسف التهمة من أصلها وهدم الأساس الذي بنيت عليه. فقد قالت الوكالة الشبه رسمية أن الشخص المتهم بعضوية فيلق القدس والتخطيط لأغتيال السفير السعودي المدعو  منصور عرببسيار(57 عاما)  قد قبض عليه قبل عشر سنوات في نيويورك بتهمة السرقة وتم إداعه السجن.  وأدعت وكالة فارس أنه قد تم اعلان الخبر في حينها من قبل قناة "آي بي اس نيوز" الأمريكية.  وقالت أنه قد حان الوقت المناسب بالنسبة للأمريكيين للاستفادة من السجين. هذا وزعمت فارس  أن السلطات الأمريكية طلبت من عربيسار القيام بهذا الدور كنوع من الفدية لكي يطلق سراحه. وبررت أختيار الوقت الراهن بأن الولايات المتحدة الأمريكية تشهد مشاكل عديدة خاصة ما نشاهده هذه الأيام من مظاهرات في "ول ستريت". وأضافت أن زعم امريكا بأن المتهم عضوا في فيلق القدس  ما هي إلا مكملات لحبك السيناريو المضحك. 
  

وفي السياق ذاته فقد أكد علي أكبر جوانفكر (جافانفكر) المستشار الصحفي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن هذا السيناريو مفبرك لتحويل الانتباه العام بعيدا عن المشكلات الداخلية في الولايات المتحدة. وأضاف أن الحكومة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية( سي أي أيه) لديها خبرة كبيرة في تحويل الانتباه العام عن المشكلات الداخلية, وأنه يتعين الانتظار لمعرفة تفاصيل هذا السيناريو المفبرك. من جانب آخر نقلت وكالة انباء " بارسينه " الإيرانية عن مساعد زير الخارجية الإيراني حسن قشقاوي  قوله أن العلاقات بين  السعودية و إيران مبنية على الاحترام المتبادل على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر. وأضاف أن إيران تتمتع بالأمن والاستقرار التامين الأمر الذي يزعج كثيرا  السلطات الأمريكية والإسرائيلية، لذلك فإن هاتين الدولتين تخططان ليل نهار لضرب هذه النعمة التي تعيشها إيران، على حد قوله.  


 وبعد أن استعرضنا بعض ردود الأفعال الإيرانية من خلال وسائل اعلامها المختلفة وتصريحات بعض المسئولين الإيرانيين وتوضيح التخبطات الأعلامية الإيرانية بين نفي للموضوع بكامله وبين اعطاء سيناريوات متعددة ترى طهران أن السياسة الأمريكية قد رسمتها ونفذتها أجهزتها الأمنية نقول أنه من الطبيعي بل والطبيعي جدا أن تنفي إيران هذه التهم وكما جرت العادة فهي ترى كل ما لا يتوافق وسياستها بأنه خطة من "دول الاستكبار العالمي" للسيطرة على المنطقة.  فإيران ترى نفسها مستهدفة من دول العالم أجمع  باستثناء بضع دول آسيوية ومثلها من دول امريكا الجنوبية. هذا التصور الشاذ خلقه تصور إيران بأنها جندي المنطقة وحاميها الذي يخاف على مصالحها من طمع المستعمرين الغربيين. لكن ما نسته طهران أو تناسته أنها متهمة من قبل دول المنطقة بالتدخل في شئونها الداخلية ومحاولة إثارة الغلاغل والصراعات الطائفية بين أبناء الدولة الواحدة ولعل الأوضاع في البحرين أولا ثم ما حدث في شرق السعودية مؤخرا خير دليل على ذلك.  


وعودة إلى التبريرات التي قدمتها الصحافة الإيرانية فإن تكرار التساؤل عن  المصلحة  التي يمكن أن تجنيها طهران من اغتيال سفير سعودي في امريكا ومحاولة التقليل من أهمية شخصية السفير السعودي خالد الجبير لا تعني الشيء الكثير. فربما يكون شخص الجبير غير مهم بالنسبة لإيران ولا يتصدر قائمة اعدائها  ولكن القضية ليست شخصية بطبيعة الحال. السفير الجبير يمثل دولة تراها إيران منافسة لها وربما تصنفها كدولة عدوة في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية والأهم من ذلك أنه سفيرها لدى دولة تصفها طهران بالشيطان الأكبر والعدو الأول لها (على الأقل اعلاميا) يعد صيدا ثمينا بالنسبة لطهران. الأهم من ذلك كله هو أن اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن- فيما لو نجحت خطة إيران هذه- يعد بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد،  فهو ضربة قوية في العمق الأمريكي وعلى أراضيها وبالتالي أختراق للأمن والاستخبارات الأمريكية، هذا من جانب،  والوصول لممثل السعودية دبلوماسيا لدى أكبر دولة في العالم من جانب آخر.  هذا التصرف لا يختلف كثيرا عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فكما تباهت القاعدة باختراقها كافة الحواجز الأمنية وضرب أمريكا في عقر دارها بغض النظر عن طبيعة ضحايا برجي التجارة العالمية، فإيران- وإن لم ولن تعلن مسئوليتها عن الحادث- سينتابها بكل تأكيد الغرور بنجاح مخططها الذي وحسب ما زعمت قناة العربية أن أحمدي نجاد هو المخطط الرئيسي له منذ البداية.


ومع هذا كله فإن موقف الحكومة السعودية كان حكيماً و ردة فعلها متزنة  حيث أعلنت أنه يجب انتظار النتائج النهائية للتحقيقات. كما يمكننا هنا أن نشير إلى حقيقة لا تخفى على أحد ألا وهي أن هناك نوع من الحرب الباردة (وهذا ربما اعلاميا فقط ) بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فهناك موضوع الدرع  الصاروخي لحلف الناتو على مقربة من حدود إيران وكذلك الاستفزازات الإيرانية من خلال نيتها إرسال بوارجها الحربية إلى المحيط الأطلسي لتكون على مقربة من حدود امريكا المائية، كما أن الأوضاع في العراق ولبنان وغيرها لا يمكن تجاهلها. وختاماً نقول  إنه من الحكمة وحسن التصرف التروي قليلاً حتى تتضح الرؤية تماماً وعليه يجب أن تكون ردود أفعالناً محكومة بكل هذه المعطيات دون إفراط او تفريط وعلينا أخذ كل هذه السيناريوات في حسباننا عند النظر إلى هذه القضية ومحاولة فهمها على الوجه الصحيح..



محمد

ليست هناك تعليقات: