تويتر

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

إيران وتركيا يتولّيان إدارة الشؤون العربيّة

 
 
شؤون إيرانية:

مؤتمران تناولا شؤونا عربيّة، الأوّل صنع في إسطنبول، والثاني صنع في طهران. أسفر الأوّل عن ولادة المجلس الوطني السوري الذي يضمّ قوى ليبراليّة ويساريّة وإسلاميّة ويهدف الى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، فيما أسفر الثاني عن دعم الانتفاضة الفلسطينيّة، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينيّة الحرّة والمستقلّة والموحّدة والشاملة على كلّ أرض فلسطين وعاصمتها القدس.

يشكّل المؤتمران انتهاكا صارخا للخصوصيّة العربيّة الفاعلة والوازنة في المنطقة، وأيضا للعمل العربي المشترك، في محطة تاريخيّة مفصليّة ترسم خلالها مصائر الشعوب والأنظمة والكيانات في هذه البقعة الاستراتيجيّة من العالم. وليس بالأمر السهل أن يكون التركيّ هو من يساهم مباشرة في تقرير مستقبل سوريا، وأن يكون الإيراني هو من يرسم مستقبل فلسطين، ولو من حيث الشكل، وقبل التوغّل في المضمون لمعرفة من هو القادر، ومن هو المقصّر، وما إذا كانت النتائج التي تمّ التوصّل اليها في هذا المؤتمر أو ذاك ستأخذ طريقها نحو التنفيذ أم ستبقى حبرا على ورق؟

ويبدو المشهد السياسيّ فاقعا عندما يصبح الشرق الأوسط أشبه بملعب واسع، يركن الأيرانيّ في أحد زواياه حارسا للمرمى، فيما يركن التركيّ حارسا للمرمى الآخر، وتعكس الكرة الواقع العربي المصادر، والذي تتلقّفه التدخّلات من كلّ حدب وصوب، كلّ يحاول أن يكون له دور ولو من باب إثبات الحضور لا أكثر، وكأنّ التفليسة واقعة لا محال، وبالتالي فإنّ أصحاب الأسهم هم أصحاب الحصص.

لقد انعقد مؤتمر إسطنبول في كنف الدولة التركيّة، وبعد تنسيق وتفاهم مع الراعي الأميركي الذي يجتهد في الداخل السوري وخارجه لتوحيد المعارضة، فكان المجلس تتويجا لهذه الاتّصالات، ونتيجة اتّفاق بين الأتراك والأميركييّن والإخوان المسلمين. ويؤكّد المفكّر السوري المستقلّ برهان غليون في ختام يومين من الاجتماعات انّ المجلس يشكّل إطارا موحّدا للمعارضة السوريّة، ويضمّ كافّة الأطياف السياسيّة الأساسيّة، وهي الإسلاميّة والقوميّة والليبراليّة. ويبقى التحدّي ماثلا في الخطوات التي ستلي ليصار الى اختبار معدن هذا المجلس، ومدى قوّته وقدرته على الاستمرار والتفاعل، وهل سيكون مقبولا من كلّ الأطياف السياسيّة التي تنادي بإسقاط النظام، أم ستحمل الأيّام الطالعة خلافات جوهريّة تشكّك في البنى الأساسيّة التي قام عليها؟. ويمتثل تحدٍّ آخر على جانب من الأهمّية حول القدرة على تحويل الإطار الموحّد الى عمل منظّم يستمدّ قوّته من العمق السوري، ويوفّر كامل زخمه باتّجاه هذا العمق لإحداث التغيير المطلوب. إنّ الخشية كلّ الخشية ان يتحوّل هذا المجلس الى أداة طيّعة تلهو بها المصالح التركيّة – الأميركيّة – الإقليميّة – الدوليّة، أو أن يكون جسر يعبر من فوقه التدخّل الدولي في الشؤون السوريّة الداخلية تحت شعار وقف القمع الذي يمارسه النظام، وحماية المدنيّين، ومساعدة المنتفضين على تحقيق غايتهم، فيكون المجلس أشبه بالمجلس الثوري الليبي، خصوصا وأنّ البيان الختامي قد أثار إشكاليّة واسعة على هذا الصعيد عندما أكّد على "أنّه استجابة لنداء الثورة، يطالب المجلس الوطنيّ المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتحمّل مسؤوليّاتها تجاه الشعب السوري، والعمل على حمايته من الحرب المعلنة عليه، ووقف الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام بجميع الوسائل المشروعة عبر تفعيل المواد القانونيّة في القانون الدولي".

أمّا في ما يتعلق بالمؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينيّة الذي استضافته طهران، فقد اختتم أعماله بالتأكيد على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينيّة الحرّة الموحّدة والمستقلّة والشاملة على كلّ أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. وهذا ما يفتح الشهيّة أمام وابل من الأسئلة الاستيضاحيّة: ماذا فعلت طهران تحديدا لإقامة الدولة الفلسطينيّة الحرّة الموحّدة سوى ضرب الوحدة الفلسطينيّة، وتعميق الشرخ ما بين "حماس" والسلطة، واحتضان "حماس" على حساب إضعاف دور السلطة؟ ماذا قدمّت من إنجازات سوى المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة من أعلى المنابر الإسلاميّة والإقليميّة والدوليّة بما يتوافق ومصالح طهران في العالم، ودعم دورها وحضورها في الشرق الأوسط؟

ويناشد البيان الختامي الدول الإسلاميّة للتدخّل من أجل تحقيق هذه الدولة. إنّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة هي من الدول الأسلاميّة الكبرى، فماذا فعلت لتحقيق ما جاء في البيان الختامي الصادر في أعقاب المؤتمر الذي استفاضته؟ وما من قراءة أخرى توازي بأهميتها القراءة التي قدّمتها إحدى المرجعيّات الدبلوماسيّة العربيّة في بيروت، وخلاصتها أنّ طهران قبل هذا المؤتمر، وخلاله، وبعده، تريد المتاجرة بسلعتين مطروحتين حاليّا في سوق المزايدات الدوليّة والإقليميّة: الإتجار بالقضيّة الفلسطينيّة من خلال الظهور بمظهر الحريص على حقوقها ومكتسباتها. والإتجار بالمذهبيّة من خلال التأكيد على أنّ أكبر دولة مسلمة شيعيّة حريصة على أكبر قضيّة عربيّة إسلاميّة سنيّة هي قضيّة فلسطين؟!... أليس في ذلك كلّ التحدّي، لكلّ العرب؟
 
المصدر: الجمهورية اللبناينة

ليست هناك تعليقات: