تويتر

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

حرائق الأسد تحسُبها طهران

  
شؤون إيرانية:


في مواجهة أزمته الداخليّة والحصار العربيّ – الدوليّ المضروب حولَه، يهدّد نظام الأسد بـ"أوراق" يقول إنّه يملكها، يمكنه بواسطتها "إحراق المنطقة". ولدى التدقيق في تلك التهديدات لا يخفى أنّ الأسد يراهن على إيران في أن تقوم هي بإشعال المنطقة لمساعدته. فهل هذا صحيح وممكن؟

المتابعون الذين يعرفون جيّداً عمق التحالف بينَ النظامين في طهران ودمشق، والذين يعرفون أهمّية سوريا بنظامها الحاليّ بالنسبة إلى "الجمهوريّة الإسلاميّة"، يشكّون جدّاً في إمكان أن تُقدِم إيران على إشعال الحرائق مباشرةً من جانبها أو عبر أوراقها لا سيّما "حزب الله" في لبنان استدراجاً لحرب إقليميّة واسعة النطاق "تعوّم" نظام الأسد. ويعزو هؤلاء تقديرهم هذا إلى الواقع الراهن لإيران. فيرون أنّ إيران المأزومة من الداخل في إطار الصراع على السلطة والصراع على النظام من جهة، والمأزومة بالحصار الإقليميّ والدوليّ عليها بشأن ملفّها النووي وقد بلغ الأمر مرحلة أصبح معها خيار الضربة العسكريّة مطروحاً بقوّة من جهة أخرى، ليست في وضع يمكّنها من أن تخوض حرباً من هذا القبيل، خاصةً بعنوان النظام السوريّ. ويعتبرون أنّ إيران "أعقل" من أن تلج في هكذا مغامرة، وهي التي تعتمد سياسة التهديد بإمكانيّاتها تزامُناً مع عدم استخدامها، أو بالأدقّ عدم الإفراط في استخدامها.


بيدَ أنّ تطوّراً استراتيجيّاً طرأ في الشهور والأسابيع المنصرمة لا بدّ أن يترك أثره على التفكير والسياسة الإيرانيّين.


لا شكّ أنّ حاجة إيران إلى نظام الأسد كانت حاجة استراتيجيّة كبرى على الدوام. بل أكثر من ذلك، شكّلت دمشق في العقود الماضية عنوان الاختراق الإيرانيّ الأهمّ للمنطقة والتوسّع الإيرانيّ عربيّاً، وعنوان الدور الإقليميّ لإيران. غيرَ أنّ ذلك ما كانَ ممكناً لولا أنّ النظام السوريّ لم يكن جزءاً من النظام العربيّ. فنظام سوريّ متحالف مع إيران لكنّه جزء أساسيّ من النظام العربيّ، يستطيع منع تشكّل موقف عربيّ عامّ ضدّ إيران.. أي إنّه يستطيع حجز موقف النظام العربيّ من إيران، أي من المشروع الإيراني.


لكن ما حصلَ مؤخّراً هو أنّ نظام الأسد الذي يدافع عن بقائه في الداخل السوريّ – بدون أفق فعليّ – صارَ خارجَ الشرعيّة العربيّة أو النظام العربيّ، بل وضعه الموقف العربيّ خارجاً. وهنا لا بدّ أنّ إيران تطرحُ على نفسها الأسئلة الآتية: إنّ النظام السوريّ يترنّح داخل سوريّا وهو خارج المنظومة العربيّة، فهل أغامر من أجله، هذا إذا كنت أستطيع أصلاً؟ وإذا غامرتُ فهل ينقذه ذلك؟ وهل الحرب الإقليميّة مضمونةٌ نتائجها بما يفرض توازناً إقليميّاً جديداً لصالحي؟


إذاً، إنّ إيران المستمرّة في دعم النظام السوريّ قمعاً للشعب السوريّ، تواجهُ أوّل تحوّل استراتيجيّ من نوعه منذ العام 1979، إذ باتَ النظام السوريّ خارجَ الصفّ العربيّ.. وغير ذي نفع لها تالياً. واللافت أنّ ذلك يحصل، ليس فقط في وقت يبدو من غير المنطقيّ لطهران أن تشعل حرائق لا تنقذ نظاماً ساقطاً، بل يحصل تزامُناً مع فتح "ملفّ إيران" من جميع جوانبه ومن مدخل برنامجها النوويّ.


خلال السنوات الماضية، جرّب العربُ وجرّب الغرب ما سمّي فكّ سوريّا عن إيران. وفي بعض المرّات جُرّبت محاولة فكّ إيران عن سوريّا. فلا فكّ دمشق عن طهران نجح ولا فكّ طهران عن دمشق نجح.


إلى أن كان الربيع السوريّ. ومع تقدّمه في الوقت ومع إصرار نظام الأسد على مواجهة شعبه، صار "الفكّ" ممكناً عندما باتَ النظام السوريّ خارج الصفّ العربيّ. وصار ممكناً عندما بات مطروحاً على إيران أن تنظر بجدّية إلى احتمال أن تكون إيران في إيران... فقط.


إنّ السطور السابقة لا يضع كاتبها نفسه في مكان إيران. لكنّها سطورٌ إذ ترصد جانباً من التحوّلات الاستراتيجيّة، تحاول أن تستبعد تحوّل إسقاط نظام الأسد إلى حرب إقليميّة يقتضي لها كي "تبدأ" قراراً إيرانيّاً بالمغامرة، وهي – أي الحرب الإقليميّة – قد لا تتمكّن إيران من إطلاق شرارتها في لحظة "العين الدوليّة" المفتوحة عليها.


... من بين كلّ التهديدات التي يطلقُها نظام الأسد، ليست الحرب الإقليميّة التهديد الجدّي أو الواقعي. يبقى التهديد الموجّه إلى شعبه بأن "إمّا بقاء النظام وإمّا التقسيم"، والتهديد الموجّه إلى لبنان بهَزّ أمنه واستقراره، وبما يعبّر عنه بعض حلفائه هنا بالفتنة الداخليّة.


إحتمال تنفيذ تلك التهديدات وارد وإن كانَ التهويل هو أغلب الظنّ. لكن في كلّ الأحوال، ثمّة ثابت: إنّه نظامٌ يلفظ أنفاسه ولن تعيد له "خربشاته" وضعاً سابقاً!

ليست هناك تعليقات: