سفرة النيروز |
شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي
احتفل الملايين يوم الخميس الماضي بعيد النيروز، ولكن ماهذا العيد وماهي طقوسه وماهو مصدره أساساً؟ بدايةً، النيروز هي معرب كلمة “نوروز” الفارسية و يقال أيضاً إن مصدرها كردي، وهي كلمة مركبة من “نو”: بمعنى جديد، و”روز ” ويعنى يوم، فيصبح معنى الكلمتين معاً “اليوم الجديد”. يتصادف قدوم عيد النيروز مع بداية فصل الربيع ويقابل بالتاريخ الميلادي 21 آذار مارس وهو أول أيام السنة الشمسية.
هناك عدة دول وشعوب شرقية تحتفل بهذا العيد من بينها إيران، تركيا، وأفغانستان وبعض دول آسيا الوسطى والشعب الكردي، ولكل شعب طريقة معينة وتقاليد محددة بعضها التزم بكثير من الطقوس التقليدية القديمة وأخرى أعطت هذا العيد صبغة إسلامية أو بمعنى آخر، قيدته إلى حد كبير بضوابط الدين الإسلامي. سوف أركز في هذه التدوينة على عيد النيروز وعاداته في إيران على وجه الخصوص وأصل هذه الاحتفالية بين الحقيقة والأسطورة.
يذكر أن هذا العيد يرمز في أساسه للصراع بين قوى الظلام والنور، أو الفضيلة والرذيلة أو بمفهوم أكثر شمولية للصراع بين الخير والشر و ينسب بداية النيروز إلى عصور ما قبل التاريخ و تحديداً إلى العصر الأخميني بينما ينسبه البعض إلى الملك الفارسي جمشيد بن طهمورث وهو شخصية يضعه الفرس في مقابل نبي الله سليمان عليه السلام ويرون أنه كان يتمتع بنفس القدرات التي وهبها الله للنبي سليمان مثل السيطرة على الجن ونحو ذلك. في العصر التاريخي، كان عيد النيروز هو العيد الرسمي للإمبراطورية الساسانية التي سقطت مع الفتح الإسلامي وكان يحتفل بهذا العيد جميع أو على أقل تقدير معظم الشعوب التي كانت تحت حكم الإمبراطورية الفارسية بغض النظر عن الدين الذي تعتنقه تلك الشعوب وكانت الاحتفالات تستمر لمدة عشرة أيام بلياليها.
على الجانب الثقافي والشعبي، من الأساطير التي يؤمن بها الإيرانيون اعتقادهم بأن أرواح أقاربهم المتوفين تعود من السماء إلى الأرض بل وتجتمع مع أهاليهم وذويهم خلال عيد النيروز. لذا يتم تجهيز الموائد بكل ما لذ وطاب لتسعد تلك الأرواح خلال تواجدها على الأرض. في هذا الصدد يتم تجهيز “سُفرة” تضم سبعة أشياء كلها تبدأ بحرف السين (تسمى بالفارسية هفت سين) والبعض يجمع العدد نفسه ولكن بأشياء تبدأ بحرف الشين (هفت شين). أما السبعة الأشياء التي تبدأ بحرف السين (باللغة الفارسية طبعا) هي في الغالب. الخل (سركه)، التفاح (سيب)، عملة معدنية ( سكه)، الثوم (سير)، العشب أو الخضرة (سبزه)، السماق (سماق)، ونوع من الحلوى يسمى “سمنو”. أما الأشياء التي تبدأ بحرف الشين فهي: الخمر (شراب)، الشمع (شمع)، المشط (شانه)، الشال (شال)، السيف (شمشير)، نوع من الورد (شكوفه)، ونبتة القنب (شاهدانه).
إضافة إلى ذلك، يتم إضافة كتاب إلى المائدة و كان الإيرانيون قبل الإسلام يضعون الكتاب المقدس لدى المجوس (الزردشتيين) ويسمى الأوفستا، على الطاولة وسط الأشياء السبعة المذكورة آنفاً، وبعد الإسلام تم استبداله بالقرآن أو ديوان الشاعر حافظ الشيرازي . كما يتم زراعة أو شراء عشبة صغيرة غالباً تكون من بذور القمح أو العدس أو الشعير ويطلق عليها “سبزه عيد” وفي الغالب يتم زراعتها قبل العيد بخمسة وعشرين يوما ولها فلسفة وحسابات معينة انطلاقاً من بذر هذه البذور ومتى يتم وضع بذور إضافية وكيف يتم مراقبة العشبة ومقدار الماء ونحو ذلك. تحتوي سفرة النيروز أيضا على نوع من السمك وكذلك توضع مرآة إلى جانب الأصناف المذكورة أنفاً
من بين العادات المشهورة بين الإيرانيين خلال عيد النيروز ايضاً ما يعرف بـ “آبريزگان” أو اللعب بالماء وفلسفته الطهارة وللتفاؤل بهطول أمطار كافية خلال العام الجديد خاصة من قبل أهالي المناطق الزراعية والذين يعتمدون على المطر في زراعتهم بشكل كبير إلا أن هذا الاحتفال اصبح متداولا في جميع المدن وبين فئة الشباب تحديداً ويستخدم في الوقت الراهن المسدسات المائية وغالبًا يكون التنافس بين الشباب والفتيات في الحدائق العامة رغم مضايقات الشرطة الدينية وقوات البسيج لذلك في الوقت الراهن.
يذكر أن هذا العيد يسبقه ما يعرف بعيد النار (چهارشنبه سورى) ويعد احتفالا لاستقبال النيروز وإعلان قدوم الربيع وهو مهرجان شعبي يمتد من الديانية الزرادشتية القديمة حيث تقديس النار وهو لوداع آخر شمس في السنة الشمسية و يقام كما هو واضح من اسمه في آخر أربعاء من السنة الفارسية. فمنذ غروب شمس الثلاثاء يتم إشعال نيران كبيرة في مداخل الطرقات والشوارع ويقفز الشباب فوقها وهم يرددون بعض الترانيم مثل “يا نار خذي لوني الأصفر (يدل على المرض) وامنحيني لونك الأحمر (يدل على الصحة)” ويستمر ذلك حتى بزوغ شمس يوم الأربعاء.
من جانب آخر، تختتم احتفالات العيد يوم الثالث عشر بما يعرف بـ(سيزده به در) أو يوم الطبيعة وهو يوم يتشاءم من الإيرانيون ويرون أنه يوم نحس لذا يخرجون فيه من بيوتهم ويقضون أوقاتهم في الحدائق العامة أو بين أحضان الطبيعة بشكل عام كما يقومون بإلقاء حزمة من العشب في النهر أو القنوات المائية كرمز لامتزاج عنصري الحياة مع الطبيعة التي تعني السعادة والبهجة.
وختاماً، تغنى الشاعر العباسي البحتري في قصيدة له بالربيع وأورد اسم النيروز فيها فقال:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ….من الحسن حتى كاد أن يتكلم.
وقد نبه النيروز في غسق الدجى ….أوائل وردكن بالأمس نوما.
يفتقها برد الندى فكأنه ….يبث حديثا كان قبل مكتما.
فمن شجر رد الربيع لباسه …عليه كما نشرت وشيا منمما.
أحل فأبدى للعيون بشاشة ….وكان قذى للعين إذ كان محرما .
ورق نسيم الريح حتى حسبته …يجيء بأنفاس الأحبة نعما.
المصدر: مجلة المجلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق