تويتر

الاثنين، 29 أبريل 2013

اللعبة الخطرة في العلاقات المصرية - الإيرانية



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي


تحدثت في مقال سابق عن العلاقات الإيرانية – المصرية منذ انتصار ثورة 25 يناير، وقمت برصد معظم الزيارات المتبادلة بين الجانبين والوفود المصرية متنوعة التوجهات ومختلفة الميول التي استضافتها الحكومة الإيرانية ونظمت لها عدة زيارات ولعل آخرها مشاركة وفد إعلامي مصري في احتفالات إيران بذكرى انتصار الثورة الإسلامية، وتطرقت آنذاك إلى الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها من وراء هذا التقارب مع مصر ما بعد الثورة ومحاولتها لاستقطاب إعلاميين مصريين شباب ليكتبوا باسمها ويقوموا بتلميع صورتها في الإعلام العربي والمصري تحديدا، كما أن الأمر قد يتعدى الإعلاميين والكتاب الشباب إلى اختراق بعض النخب في المجتمع المصري وبمختلف ميولهم وتوجهاتهم (انظر: ماذا تريد إيران من مصر ما بعد الثورة؟ ).

إلا أن زيارة الرئيس الإيراني إلى مصر مؤخرا ومشاركته في قمة التضامن الإسلامي التي احتضنتها القاهرة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، ومكوث الرئيس أحمدي نجاد في مصر لما يقارب الأسبوع، ولقاءه عددا من المسؤولين المصريين – كانت نقطة تحول في العلاقة بين البلدين وخطوة كبيرة في التقارب بين البلدين. لقد كشف أحمدي نجاد من القاهرة عن عزم بلاده إلغاء شرط التأشيرة عن المصريين الذين يعتزمون زيارة إيران بغرض السياحة أو التجارة (وهو ما تم فعلا، حيث صدقت الحكومة الإيرانية على ذلك في نهاية شهر مارس «آذار» الماضي). ما هي إلا أيام بعد هذه الزيارة حتى شهدنا زيارة وزير السياحة المصري هشام زعزوع لإيران، حيث قام بزيارة عدد من المدن الإيرانية والتقى النخب السياسية والثقافية هناك. وخلال هذه الزيارة، أعلن الوزير زعزوع استعداد بلاده لاستقبال السياح الإيرانيين، إلا أن ذلك سيقتصر في بداية الأمر على مدينتين تاريخيتين في جنوب مصر هما «أسوان» و«الأقصر»، وهناك مطالبات بفتح المجال للسياح الإيرانيين لزيارة شرم الشيخ والقاهرة حيث بعض الأضرحة والمزارات الدينية. الأمر الآخر الذي تم خلال هذه الزيارة، هو قيام الوزير بتوقيع اتفاقية تبادل سياحي بين البلدين، والأهم اتفاقية توأمة في المجال الثقافي والسياحي بين محافظة فارس الإيرانية وجمهورية مصر العربية، الأمر الذي اعتبره الكثير من المحللين إهانة لتاريخ دولة بحجم مصر وتاريخها وتراثها، متسائلين: كيف تتم التوأمة بين محافظة ودولة بكاملها.

كل هذا يقودنا إلى طرح السؤال الأهم، من وجهة نظري، وهو: لماذا تريد إيران بناء علاقات وطيدة مع مصر ما بعد الثورة وفي هذا الوقت تحديدا، خاصة أن إيران تساهم بشكل يومي ومباشر في إراقة دماء الشعب السوري باصطفافها إلى جانب النظام الدموي في دمشق؟ تحدث كثيرون عن عرض إيراني ضخم للجانب المصري يتمثل في دعم اقتصادي وتقني لا محدود واستعداد إيران لتزويد مصر بالخبراء والعلماء في كافة المجالات وتسيير أفواج من السياح الإيرانيين إلى مصر بهدف دعم الاقتصاد المصري المتعثر. السؤال الآخر الذي يجب طرحه هنا يتطرق إلى مدى إمكانية تحقق هذا الدعم الإيراني على أرض الواقع؟
شخصيا، أعتقد أن إيران تدفع بكامل ثقلها نحو التوغل في الداخل المصري خلال فترة «اللاستقرار» التي تشهدها الساحة المصرية حاليا، فهذه الفترة تعد فرصة ذهبية ومواتية لتحقق التوغل قبل أن تستعيد مصر توازنها وتنظم صفوفها، خاصة على مستوى الجبهة الداخلية. أما في ما يتعلق بالمساعدات التي وعدت بها إيران الحكومة المصرية الحالية، فالجميع يعلم أن الاقتصاد الإيراني يمر بأسوأ حالاته منذ الثورة في عام 1979م، وتأثير العقوبات الدولية بدأ جليا خلال الأشهر القليلة الماضية، إلا أن هذا لا يعني استحالة قدرتها على دعم الاقتصاد المصري. أرى أن طهران تستطيع توفير الدعم اللازم للاقتصاد المصري، ولكن لفترة قصيرة جدا، وسيكون ذلك بطبيعة الحال على حساب الوضع المحلي في إيران والمستوى المعيشي للمواطن الإيراني، كما أنها قد تسير بعض الأفواج السياحية إلى مصر، ولكن يبقى التوجس دائما من نوعية هؤلاء السياح وانتماءاتهم، وللتذكير فإن الحرس الثوري الإيراني يسيطر على مفاصل الاقتصاد الإيراني ولن يفوت هذه الفرصة لإرسال أعضائه تحت غطاء السياحة، خاصة ونحن نشهد حالة من الانفلات الأمني في كثير من المدن المصرية، وبالتالي سوف يسهل على أعضاء الحرس الثوري التحرك بحرية كبيرة في الداخل المصري. إضافة إلى ذلك، ستسعى إيران جاهدة خلال فترة الدعم الاقتصادي لمصر إلى تثبيت أقدامها في الداخل المصري وتشكيل خلايا نائمة وأخرى نشطة تزرعها في الوسائل الإعلامية والمؤسسات الحيوية في البلاد لتقوم بتزويدها بكافة المعلومات التي تحتاجها، وقد تسعى إلى استغلال الوضع الاقتصادي المتدهور للمواطن المصري من خلال نشر التشيع بين أفراد الطبقة الفقيرة والمتوسطة من الشعب المصري. قد يتمكن الأمن المصري من مراقبة الأفواج السياحية القادمة من إيران، خاصة إذا كانت أعدادها قليلة نسبيا، ولكنه بطبيعة الحال لن يتمكن من ذلك مع تدفق أعداد كبيرة وربما مدربة على الهروب من المراقبة والاختفاء عن الأعين سريعا.

على الجانب الآخر، يرى البعض أن مصر تسعى من وراء التقارب مع إيران إلى تسجيل نقاط إقليمية وتحقيق مكاسب على المستوى العربي، والخليجي تحديدا، من خلال التلويح بالورقة الإيرانية في حالة عدم تقديم هذه الدول الدعم الكامل للاقتصاد المصري والمساهمة في الاستقرار السياسي هناك. قد تكون هذه الرؤية صحيحة، ولكنها لعبة خطرة جدا على الداخل المصري قبل غيره. فببساطة شديدة، عندما تشرع مصر أبوابها لإيران، فإن إغلاق هذه الأبواب سيكون أكثر صعوبة وسيكون التراجع متأخرا في جميع الأحوال. إيران تدرك جيدا تردد الجانب المصري في بناء علاقة معها وقد كتب الإعلام الإيراني عن ذلك كثيرا، لذا فهي – أي إيران – ستسعى ومنذ البداية إلى ترسيخ وجودها وتوغلها في مصر تحسبا لأي تراجع أو تحفظات مصرية لاحقة أو ضغوطات عربية وخليجية على الحكومة المصرية.

هذا لا يعني أننا نبرئ الساحة الخليجية تماما، بل إن على دول الخليج دعم الاقتصاد المصري والوقوف إلى جانب الأشقاء هناك، ولكن يجب أن يدرك الجانب المصري أيضا أن هذا الدعم ليس نتيجة لتلويح القاهرة بالورقة الإيرانية، بل هو واجب ديني وقومي في المقام الأول، كما أن على دول الخليج أن تكون واضحة وصريحة جدا في هذا الجانب.

خلاصة القول، يبدو أن التقارب مع إيران سيؤثر سلبيا على العلاقة بين التيارات الإسلامية في مصر، خاصة بين جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات السلفية التي تحظى بشعبية كبيرة بين أوساط المجتمع المصري، ولعل خير دليل على ذلك ما تعرض له منزل رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة مؤخرا من محاولات اقتحام ورفع شعارات ضد إيران واعتراضات كبيرة على إعادة العلاقة بين القاهرة وطهران. على المستوى العربي، نجد أن مصلحة مصر، في نهاية المطاف، في ارتباطها بمحيطها العربي، فالمكاسب التي ستحققها من علاقتها مع إيران لا يمكن مقارنتها مع ما ستجنيه من ارتباطها مع الدول العربية والخليجية تحديدا، كما أن مكانة مصر في العالم العربي مهمة جدا وثقل عربي كبير، وبالتالي يشكل التوافق الخليجي – المصري مركزا استراتيجيا مؤثرا وكتلة اقتصادية وسياسية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما تسعى إيران وغيرها إلى عدم تحققه، خاصة وهي ترى أن آخر حصونها في المنطقة العربية ينهار بشكل متسارع دون وجود البديل المناسب حتى اللحظة في المنطقة العربية.

المصدر: مجلة المجلة

ليست هناك تعليقات: