تويتر

الاثنين، 30 أبريل 2012

إيران الثورة والنفط.. 14 مليون فقير و معدم! ثورة الجياع؟





شؤون إيرانية:

بقلم: محمد السلمي
تعتبر إيران ثاني أكبر مصدّر للنفط والغاز الطبيعي في العالم، وبلغت عائداتها النفطية لعام 2011، حوالي 95 مليار دولار أميركي، وكانت عائداتها للثلاثة الأشهر الأولى من العام الحالي، 22 مليار دولار أميركي. إضافة إلى ذلك فقد بلغت عائدات إيران غير النفطية للعام الماضي، 45 مليار دولار. لكن وعلى الرغم من تلك الموارد المالية العالية، فإن المواطن الإيراني يعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جدا.

لعل الصرخة التي أطلقها أخيرا، ذلك الرجل الإيراني المتقاعد في وجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد خلال زيارة الأخير لمدينة بندر عباس (جنوب إيران) خير دليل على ذلك. لقد أخذ ينادي ذلك الرجل المسن أحمدي نجاد قائلاً “إنني رجل متقاعد وأتضور جوعاً” وأخذ يكررها غير مرة، من دون أن يلتفت إليه أحد، إلا أن كاميرات الفيديو وثّقت الحدث، وتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء الإقليمية والعالمية. كما أظهر الفيديو ذاته فتاة إيرانية تتسلق مقدمة سيارة أحمدي نجاد، لتقدم إليه شكواها قبل أن ينقض عليها رجال الأمن، ويقوموا بإبعادها عن السيارة.
لم يكن ذلك الرجل المسن ولا تلك الفتاة التي خاطرت بحياتها، من أجل إيصال صوتها إلى الرئيس الإيراني، حالات فردية إطلاقا، فالدراسات الصادرة عن مراكز بحثية إيرانية وتصريحات المسؤولين المحليين، تؤكد ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في إيران.

عوز وفقر

أعلن مؤخراً الناشط العمّالي الإيراني فرامرز توفيقي أن 60 في المائة من العمّال الإيرانيين يعيشون ليس تحت خط الفقر فحسب، بل تحت خط البقاء على قيد الحياة، في حالة اعتمدوا فقط على الدخل السنوي للوظيفة الرسمية، الذي لا يتجاوز 390 ألف تومان (الحد الأدنى للأجور في إيران) وهو ما يعادل 217 دولارا تقريباً. هذا الدخل الوظيفي المتدني جداً، دفع بكثير من الإيرانيين إلى العمل لساعات طويلة، والبحث عن وظيفة ثانية وثالثة أو تحمل الكثير من القروض البنكية، من أجل الانتقال من خط البقاء إلى خط الفقر الشديد.
وأضاف توفيقي في تصريحه لوكالة “ايلنا” الإخبارية أنه ونتيجة لارتفاع أسعار سلة السلع الاستهلاكية لكل أسرة، فقد ارتفع مستوى خط الفقر من مليون و250 ألف تومان (الدولار الأميركي الواحد يعادل 1800 تومان) في العام المنصرم إلى مليون 400 ألف تومان للعام الجاري، بينما يقدر مستوى خط الفقر الشديد في تصنيف الأجور العمّالية للعام الحالي بـ700 ألف تومان، وعليه فإن العمّال الذين يحصلون على الحد الأدنى للأجور، يعيشون تحت خط الفقر الشديد أو ما يصنف بـمستوى “البقاء على قيد الحياة” على حد تعبيره.
وفي موضوع ذات صلة، فقد نقلت وكالة أنباء “ايلنا” الإيرانية أن أمين اتحاد العمال في إيران عليرضا محجوب، تقدم بطلب إلى وزارة الداخلية الإيرانية، للسماح للعمال بتنظيم مسيرة في اليوم العالمي للعمال، والذي يقام في الأول من شهر مايو (أيار) من كل عام، إلا أنه لم تتم الموافقة على ذلك حتى هذه اللحظة. إلا أن محجوب أعلن بأن العمال سيتظاهرون حتى لو لم تسمح لهم وزارة الداخلية، لأن النظام يسمح لهم بذلك.
من جانب آخر، صرح وزير الداخلية الإيراني لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية “ايسنا” أنه ينبغي على العمّال، التقدم للوزارة للحصول على تصريح بتنظيم المظاهرة، مضيفاً أنه لا يعلم إن كانوا قد تقدموا بذلك أو لا. وفي هذا الصدد قال الأمين التنفيذي للاتحاد العمالي في طهران، اسماعيلي حق برستي، في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء “ايلنا” يوم الأربعاء الماضي، “إن عدم صدور موافقة للعمال بالتظاهر في هذا اليوم، دليل واضح وصريح على عجز وزارة الداخلية عن ضمان سلمية المظاهرة”، وأضاف أن عدم السماح بإقامتها مخالفة صريحة للمادة 27 من القانون الأساسي في إيران، والتي تضمن للعمال التظاهر في هذه المناسبة العالمية من كل عام.

من جانب آخر، فقد قال الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة طباطبائي في طهران، الدكتور فرشاد مومنی، في تصريح له لـموقع “فرارو” الإخباري والتحليلي “إن المجتمع الإيراني يعيش في فقر وعوز شديدين، وأن الطبقية تنخل المجتمع الإيراني بشكل كبير، مما قاد الحكومة إلى تفضيل عدم إظهار الحقائق ونشر الإحصائيات الدقيقة”.
وأضاف مومني أنه على الرغم من هذا التكتم الشديد “إلا أنه بإمكاننا الوصول إلى الإحصائيات بطرق مختلفة، وذلك من خلال معدلات العلاجية والتربية والتعليم، والتي تعد مؤشرات واقعية لمدى الفقر في إيران. فعلى سبيل المثال، هناك سبعة ملايين تلميذ قد انسحبوا من مقاعد الدراسة في السنوات الأخيرة”. ولتوضيح هذه المسألة، بيّن مومني أن عدد التلاميذ الذين بدأوا أو عادوا إلى مقاعد الدراسة للعام الدراسي الحالي (2011-2012) هو 12 مليونا و300 ألف تلميذ إيراني، إلا أن تقارير مراكز الإحصاء في البلاد، تشير أن هناك 19 مليونا و435 ألف شخص، تتراوح أعمارهم بين 7 – 19 عاماً، ومن المفترض أن يكونوا قد تلقوا تعليمهم في مراحل التعليم المختلفة. عليه، فإن أكثر من سبعة ملايين و135 ألف شخص، لم يتمكنوا من إكمال تعليمهم بسبب الأوضاع المعيشية. هذا يعني أن أكثر من 37 في المائة من التلاميذ الإيرانيين قد اجبروا على ترك تحصيلهم الدراسي لظروف معيشية بحتة.

بطالة مستشرية

على صعيد آخر، ارتفعت معدلات البطالة في إيران خلال العام الماضي. فقد صرح رئيس الجمعية العامة لأرباب العمل في إيران، محمد عطارديان، عن فقدان مليوني وظيفة في القطاعات الإنتاجية خلال عام الماضي. كما كذب عطارديان، في تصريح له لإحدى وكالات الأنباء الإيرانية، مزاعم الحكومة الإيرانية التي تحدثت عن استحداث مليوني فرصة وظيفية في البلاد، موضحاً أن الإحصائيات الأخيرة التي تحدثت عن خلق فرص عمل على مدار العام الماضي، أدت إلى نتائج عكسية، بسبب الوضع الحرج للقطاعات الإنتاجية. وعن موضوع البطالة بين الخريجين الجامعيين خلال الأعوام القليلة الماضية، قال عطارديان “تقدر نسبة البطالة بين الخريجين من الشباب بـ30 في المائة بينما بلغت نسبتها بين الفتيات 50 في المائة”.
كما انتقد عطارديان السياسة الوظيفية التي تنتهجها الحكومة الإيرانية، مؤكداً أن معدل البطالة في إيران قد تجاوز 23 في المائة خلال العام الماضي. وفي إشارة إلى تنامي أزمة تسريح العمّال من القطاعات الإنتاجية قال “نظرا للأزمة التي يمر بها هذا القطاع، فإن أرباب العمل غير قادرين على تحمل تكاليف المصانع، مما أدى إلى ارتفاع أعداد المصانع التي تعلن إفلاسها”.

مظاهرات واحتجاجات

في هذا الصدد، فقد شهدت مدن إيرانية مظاهرات واحتجاجات عمّالية عديدة، خلال الشهرين الماضيين، بسبب تسريحهم من المصانع والشركات التي يعملون بها، حيث قامت، على سبيل المثال لا الحصر، شركة شهاب لتصنيع السيارات بتسريح 655 عاملاً من دون ذكر سبب هذا الإجراء. إضافة إلى ذلك فقد نشرت وكالة أنباء “كردبا” تقريرا قبل أيام، ذكرت فيه أن عدداً من المصانع في إقليم كردستان، قامت خلال الشهرين الماضيين بتسريح أكثر من 1600عاملا، وبرر بعض هذه المصانع ذلك، بارتفاع التكلفة الإنتاجية، بينما لم تقدم مصانع أخرى، أي توضيحات حول سبب تسريح بعض عمالها بشكل مفاجئ.

يذكر أن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، حث في كلمته التي وجهها إلى الشعب الإيراني، بمناسبة حلول العام الإيراني الجديد، المعنيين بالشؤون الاقتصادية وأفراد الشعب الإيراني إلى التحرك باتجاه إنعاش الإنتاج الوطني “لتفادي العقوبات الغربية على إيران”، معلناً أن العام الجديد هو عام “الإنتاج الوطني، ودعم العمل والاستثمارات الإيرانية”، إلا أنه لم ينجح في إيقاف التدهور، الذي يعصف بمعظم مفاصل الاقتصاد الإيراني، وأثر سلباً على المستوى المعيشي للفرد الإيراني.
ومما يدعم هذه الفكرة، هو ما نقلته صحيفة “صنعت” الإيرانية في افتتاحيتها يوم 23 ابريل (نيسان) 2012. فقد كتب حمید تهراني مقالاً تحت عنوان “ارتفاع نسبة الفقر في عام دعم الاستثمار الإيراني”، شدد فيه على أن المواطن الإيراني يزداد فقرا يوما تلو الآخر، أمام أعين المسؤولين، “الذين من المفترض أنهم مسؤولون عن تهيئة الحياة الكريمة وسبل الراحة له، بدلا من أن يكتفوا بالمراقبة من دون تحريك ساكن”.
وأضاف سمع المواطن الإيراني الكثير من الوعود التي أطلقها ويطلقها المسؤولون بتحسين الأوضاع المعيشية، “إلا أن أنه أصبح يشكك في كل ذلك، ويتساءل عن مدى دقة الإحصاءات التي تصف الأوضاع في البلاد بالجيدة”، وتساءل عن مدى جدية تلك التصريحات قائلاً: “إن كانت تلك التقارير غير دقيقة، ولا يمكن الاعتماد عليها، فلماذا تعمل الحكومة على تظليل الشعب وتسفيهه؟”.
واستطرد تهراني “بعيدا عن العناوين البراقة التي تتحدث عن الهيبة الوطنية، وما شابه ذلك، أو الأهداف التي تدعي أن سمعة الإيرانيين في العالم في غاية الأهمية، أو يجب أن تؤخذ في الاعتبار، إلا أن المواطن الإيراني، لا يعلم لماذا يضطرون إلى التخلي عن بعض العناصر المهمة في حياتهم وموائدهم اليومية التي تزداد فقرا يوما تلو الآخر.
المواطنون لا يعلمون يقيناً إلى متى وكيف يجب عليهم الانتظار، إلى أن تعود إلى حياتهم اليومية تلك العناصر والأصناف التي تخلوا عنها قسريا”. واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول بأن الازدياد التدريجي، وأحيانا المفاجئ في معدلات الفقر بين المواطنين الإيرانيين، يحدث في السنة التي كان شعارها “دعم الاستثمارات الإيرانية”- في إشارة إلى حديث خامنئي المذكور آنفاً – ولكن إذا كانت حماية أموال الشعب، ليست على جدول أعمال الحكومة،فإنه ليس من الواضح، ماذا سيحدث لأموال الإيرانيين واستثماراتهم في قادم الأيام.

عملة متدهورة

وبما أن الحديث يتطرق للجانب المعيشي، فإننا نعلم جميعاً أن العملة الإيرانية قد فقدت خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من قيمتها أمام العملات الصعبة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم بشكل عام في إيران إلى قرابة 31 في المائة ، وفقا لتقرير نشر في موقع “سني نيوز” الإيراني. إضافة إلى ذلك فقد صرح لوكالة “ایلنا” الأخبارية، يوم 26 ابريل 2012، ابوالفضل فتح اللهي، عضو مجلس إدارة الجمعية العامة لجمعيات التجارة في إيران، بأنه من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة في إيران خلال العام الجاري، بما نسبته 10 في المائة.

إلا أنه عزا ذلك إلى النمو السكاني. إلى ذلك فقد رفع المنتجون والتجار، أسعار كثيرا من المواد الغذائية الرئيسية، وقد انعكس ذلك جلياً في التقرير الذي صدر مؤخراً عن البنك الوطني الإيراني، ونشر في عدد من الصحف الإيرانية، حيث أكد بأن الحكومة لم يعد بمقدورها السيطرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية.
يشير التقرير إلى أن ثمن لحم الخروف، على سبيل المثال، كان في الشهر الأول من العام المنصرم حوالي 15644 تومانا للكيلو الواحد، بينما بلغ خلال الشهر الأول من العام الجاري 22739 تومانا، مما يعني ارتفاع السعر بما نسبته 45.3 في المائة، كما تحدث التقرير عن ارتفاع أسعار الدجاج بنسبة 39.1 في المائة واللحم البقري بنسبة 50 في المائة خلال الفترة ذاتها. كما أشار التقرير أيضاً إلى ارتفاع هائل في أسعار الألبان تراوحت نسبته بين 26 في المائة و59 في المائة، بينما ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 45 في المائة، والأرز بـ28 في المائة، والفواكه بنسبة تتجاوز 27 في المائة، بينما بلغت الارتفاعات في أسعار الخضراوات ما نسبته 146 في المائة. تجدر الإشارة إلى أن مركز الإحصاءات الإيراني قد أعلن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن متوسط الدخل الشهري للفرد الإيراني هو 367 دولارا أميركيا (4400 دولار في العام).

تحديات اقتصادية واجتماعية

ختاماً، تواجه الحكومة الإيرانية تحديات اقتصادية واجتماعية كثيرة، فهي مطالبة بخلق فرص وظيفية تستوعب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل، سواءً كانوا من الطلاب المتخرجين حديثاً من الجامعات والمعاهد الإيرانية، أو أولئك الذين تم تسريحهم من القطاع الخاص، كما أن هناك أعدادا كبيرة من الشباب الإيراني، تسعى جاهدة إلى البحث عن فرص وظيفية خارج البلاد، من خلال الهجرة إلى الدول المجاورة أو الدول الغربية، مما يؤدي إلى تسرب الكثير من الكفاءات المحلية إلى الخارج. إضافة إلى ذلك فإنه بسبب البطالة بين هؤلاء الشباب، فقد أصبح الكثير منهم يئنون تحت وطأة المخدرات ترويجا أو استخداماً، الأمر الذي يقود إلى تحديات أمنية وصحية عديدة ومتنوعة. من جانب آخر، نجد أن المواطن الإيراني البسيط، خاصة ممن يصنف ضمن الطبقة العمّالية، لم يعد قادرا على تلبية احتياجاته الضرورية من غذاء وكساء ودواء، في ظل الارتفاع المحموم للسلع الغذائية وتدني الأجور. كل ذلك أدى إلى ارتفاع عدد الفقراء في إيران إلى قرابة 14 مليوناً، حسب ما نشر مؤخراً في موقع “كلمة” المقرب من التيار الإصلاحي في إيران.
عدد كبير من المحللين السياسيين حول العالم يتحدثون عن خطر خارجي يهدد إيران، من خلال احتمالية تنفيذ عمل عسكري إسرائيلي أو أميركي ضدها، بسبب الشكوك حول أهداف برنامج طهران النووي، ولكن، واستناداً إلى ما تقدم من عرض للمشاكل المعيشية في الداخل الإيراني، هل يمكننا القول بأن الخطر سيأتي من الداخل لا من الخارج، وسنشاهد انفجار ثورة للجياع في إيران؟!… المستقبل كفيل بالإجابة عن هذا التساؤل.

المصدر: مجلة المجلة

الجمعة، 20 أبريل 2012

لماذا زار الرئيس الإيراني جزيرة أبو موسى؟



شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي

أثارت زيارة الرئس الايراني محمود احمدي نجاد الى جزيرة ابو موسى المتنازع عليها بين الامارات وايران ردود افعال متعددة من الجانبين العربي بشكل عام والخليجي تحديداً و الايراني.
الدول العربية نظرت إلى الزيارة على أنها استفزاز من الجانب الايراني ونسف لكل الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية لهذه الخلافات على ملكية هذه الجزيرة وجزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى، واستدعت دولة الامارات سفيرها لدى طهران للتشاور، وأدان وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي في إجتماع طارئ في الدوحة برئاسة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل الزيارة الاستفزازية، حاثين طهران على إنهاء الاحتلال من خلال المفاوضات مع ابو ظبي.

من جانب آخر، رأى الجانب الايراني أن الزيارة شأن داخلي بحت وزيارة لا تختلف عن زيارة أي أقليم أو مدينة إيرانية أخرى مؤكدين على أن الجزر الثلاث جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية.

كتّاب كثر، ومن الجانبين العربي والإيراني، كتبوا عن هذه الزيارة كل من وجهة نظره الخاصة والموقف الذي يتخذه أو يميل إليه في هذا الصدد. قلة أولئك الذين تجاوزوا الزيارة ذاتها إلى مسبباتها ولماذا قام نجاد بهذه الزيارة وفي هذا الوقت تحديداَ حيث تعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول إيراني رفيع منذ رحيل المستعمر البريطاني من الجزيرة في عام 1971.

لم يكتف نجاد بالزيارة بل رافقها تصريحات أقل ما يقال عنها أنها “شعوبية” وبامتياز. فقد تحدث من جزيرة أبو موسى عن جيران إيران العرب حيث وصف من يقوم بتزوير اسم الخليج (في اشارة الى اسم الخليج العربي) بفاقد للحضارة والثقافة ومزور للتاريخ، مدعيا بأن الماضي يشهد بأنه لم تكن هناك اي ثقافة وحضارة في هذه المنطقة باستثناء الحضارة الفارسية. وأضاف بأن بعض الاشخاص الذين لم يكن لديهم قانون في بلادهم، وحتى اللحظة، ولم يجربوا الانتخابات اخذوا ينتقدون الحرية والانتخابات في ايران وذلك مسايرة مع اعداء الشعب الايراني، وتحولوا الى ادوات بيد المستكبرين، في إشارة الى الدول الغربية (وكالة أنباء مهر).

إيران كانت قد قبلت بالتفاوض مع الامارات حول ملكية الجزر محل النزاع.. هذا ما كان أعلنه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في عام 2008، محمد علي حسيني خلال مؤتمر صحفي في أعقاب زيارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي لإيران.
إضافة إلى ذلك قام وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله بن زايد بزيارة مفاجئة لإيران خلال شهر فبراير الماضي وتحدثت حينها مواقع إيرانية عن توافق إيراني اماراتي على استئناف المفاوضات على الجزر الثلاث المتنازع عليها، وقد زعمت هذه المواقع أنه تم تحديد شخصيتين بارزتين من الجانبين حيث رشحت دولة الامارات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء الاماراتي ووزير شؤون الرئاسة، ممثلا لها بينما اختارات إيران مجتبى ثمره هاشمي، كبير مساعدي الرئيس الإيراني ممثلا لايران في هذه المفاوضات (موقع ندای ‌سبز ‌آزادی).

لماذا تراجع نجاد وحكومته عن التفاوض وتحول إلى إثارة المشاكل مع دول الجوار من خلال زيارة جزيرة أبو موسى ونسف كل الجهود المبذولة؟

يواجه نجاد ضغوطا داخلية كبيرة من قبل الشعب الإيراني والتيارات المتشددة على حد سواء، كما أنه قد تلقى هزيمة كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتراجعت فرص مؤيديه في الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة. كما عانى – ولايزال- الشعب الإيراني خلال فترة نجاد الرئاسية من ضغوط اقتصادية كبيرة حيث ارتفعت نسبة التضخم و انهارت العملة الايرانية كما زادت معدلات البطالة مما تسبب في وصول معدلات الانتحار إلى أرقام مخيفة.


يفهم نجاد جيدا طبيعة الشخصية الإيرانية والنزعة القومية المتمكنة من غالب أطياف المجتمع بخاصة عندما يتعلق الأمر باسم المسطح المائي الذي يفصل ايران عن جيرانها من الجهة الجنوبية. لذا فقد أراد نجاد أن يرمم صورته لدى الشعب ويكسب مزيدا من النقاط من خلال دغدغة المشاعر القومية التي تغلب الشوفينية عليها في كثير من الأحيان.
وبالفعل فقد نجح نجاد في ذلك وبتفوق حيث أبدت شخصيات ومواقع إيرانية كثيرة تأييدها لتصريحات نجاد وشددت على إيجابية هذه الزيارة والتصريحات التي اطلقها من جزيرة أبو موسى. 


إضافة إلى البعد الداخلي هذا، فهناك بعد خارجي لزيارة نجاد وتصريحاته التي اطلقها من جزيرة أبو موسى. فقد جاءت هذه الزيارة قبل أيام من اجتماعات مجموعة الـ5+1 وايران في اسطنبول لمناقشة برنامج ايران النووي، كما أنها جاءت بعد أيام قليلة من انطلاق المناورات العسكرية الجوية الكبيرة التي أجرتها دول الخليج العربية والولايات المتحدة الامريكية ولمدة اسبوعين فوق مضيق هرمز وقبالة السواحل الإيرانية. إضافة إلى ذلك كله، فقد يكون الهدف من هذه الزيارة لفت الأنظار بعيدا عما يدور في سوريا من إبادة وانتهاك لحقوق الأنسان بمباركة إيرانية صريحة وداعمة للنظام السوري.


ختاما نقول إن محاولات نجاد هذه مجرد تخدير موقت للشعب الإيراني لتناسي المطالبة بحقوقه وتحسين أوضاعه المعيشية وإن الهروب إلى اختلاق الأزمات مع العالم عامة ودول الجوار خاصة لم يكن ولن يكون الحل الأمثل للخروج من العزلة التي تعيشها إيران في علاقتها مع العالم هذا من جانب، والاستمرار في تحاشي مواجهة المشاكل الداخلية والصراعات بين التيارات المختلفة في النظام الحالي، من جانب آخر.

كان بإمكان نجاد أن يطلق تصريحاته تلك في مؤتمر صحفي في طهران من دون الحاجة إلى السفر إلى جزيرة أبو موسى، ولكنه وكما يصفه الكثير من خصومه في الداخل، هو شخصية تعشق الأضواء وغالبا ما يحبذ أن يكون حاضرا وبشكل دائم في وسائل الأعلام الداخلية والأجنبية لذا فقد كانت هذه الزيارة والتصريحات التي رافقتها تصب في هذا الجانب أيضاً من دون أن يأخذ في الاعتبار ردود الأفعال التي ستعقب هذه الزيارة التي تصفها دول الجوار بالمستفزة والعدائية.


المصدر: مجلة المجلة

الثلاثاء، 10 أبريل 2012

العلاقات السعودية الإيرانية بين رفسنجاني وخاتمي





شؤون إيرانية:

 
بقلم: محمد السلمي

في مقابلة أجرتها معه مجلة الدراسات الدولية الايرانية وتناقلت الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية مقتطفات منها تحدث الرئيس الإيراني الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني، عن العلاقات السعودية الإيرانية وأهمية تحسين هذه العلاقة واصفاً تلك بالمهمة بـ”غير المستحيلة”.
وقد تحدث بصراحة كبيرة حول مدى فاعلية موقف الجانب السعودي وتأثيره على الاقتصاد الإيراني من خلال إبقاء السعودية مستوى حصتها في أوبك على ما هو عليه مؤكداً بأنه “لا نريد من السعودية فعل أي شيء إلا إنتاج حصتها من النفط في أوبك حينها لا يستطيع أحد الاعتداء علينا، لأن العالم لا يمكنه التخلي عن إنتاجنا النفطي”. كما تحدث عن المكانة الكبيرة للسعودية بين شعوب العالم الإسلامي والجهود التي تبذلها الحكومة السعودية لدعم الدول العربية والإسلامية.

من جانب آخر، تحدث رفسنجاني عن محاولات بعض المسؤولين الإيرانيين في حكومة الرئيس الإيراني الحالي محمود أحمدي نجاد لإعاقة أي مساع لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران بل ومحاولة البعض تشويه العلاقة بين الجانبين والتحدث عن مضايقات سعودية لبعض المسؤولين الإيرانيين خلال تواجدهم في المملكة وهو ما ثبت لاحقا بأنه عار من الصحة، كما قال رفسنجاني. وأضاف بأن المتشددين لا يفكرون في العواقب، مشدداً على أنه لو سيطرت السعودية وايران على المتطرفين وتصريحاتهم لعم الهدوء العالم الاسلامي، على حد قوله.

لم يمر يومان على تصريحات رفسنجاني هذه حتى اطلق امام وخطيب الجمعة في طهران احمد خاتمي تصريحات وتهديدات موجهة للسعودية بسبب موقف الاخيرة من الأزمة السورية وقال في خطبة الجمعة الماضية أن ما تقوم به السعودية هو إثارة للفتن في العالم الاسلامي على عكس إيران التي تسعى جاهدة إلى الوحدة الاسلامية، كما هدد بشكل مباشر السعودية عندما قال “ان تدخلت السعودية عسكريا في سوريا فليعلموا أن النار التي يشعلونها ستحرقهم قبل أي احد آخر، أحذر السعودية، عليهم التوقف عن دعم المعارضين السوريين وإلا فوالله انها ستحترق بالنار التي اشعلتها”.
لايمكن فهم وتفسير هذا التباين الكبير في وجهات نظر مسؤولين كبيرين في النظام الإيراني الحالي حول موقفهما من السعودية والعلاقة معها دون أن نلقي نظرة سريعة على الدوائر السياسية للجمهورية الإسلامية في إيران وتعقيداتها.
هناك ثلاث نخب تشكل النظام الإيراني وتعرف اقربها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية سيد علي خامنئي بـ “الهيئات الإشرافية الدينية” (الآخران هما المؤسسات الدينية والجمهورية).

تلعب هذه الهيئات الدور الأبرز في صنع القرار في الجهورية الإسلامية في إيران. تنقسم هذه النخب إلى مجموعتين رئيسيتين، إحداهما رسمية والأخرى غير رسمية. يهمنا هنا المجموعة الأولى حيث تتكون من ثلاث دوائر استشارية ولكن ليست على مستوى واحد بل أن بعضها تمارس صلاحيات على الأخرى:
أولاً: مجلس مصلحة النظام، ومن مهامه الإشراف على القرارات التي يقرها البرلمان هل تتوافق مع الشريعة الإسلامية أو لا. يشرف المجلس ايضا على الانتخابات البرلمانية، كما يشرف على مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية ومن يتم ترشيحه للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية.
ثانياً: مجلس الخبراء ومن واجباته اختيار المرشد الأعلى في حالة وفاة الحالي، كما يستطيع من الناحية النظرية عزل المرشد إذا كان لا يقوم بمهامه على الوجه المطلوب إلا أن تطبيق هذا على أرض الواقع من المستبعد تقريباً.
أخيرا: مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن وظائفه التنسيق بين البرلمان ومجلس الخبراء، كما يعمل كجهة استشارية للمرشد الأعلى. من مسؤوليات المجلس ايضا اتخاذ القرار في السياسات الداخلية والخارجية للبلاد.

إضافة إلى هذه النخب الثلاث، هناك مؤسسات مهمة أخرى تلعب دوراً بارزاً في صنع القرار وبعضها مرتبط بشكل مباشر بالمرشد الأعلى وتمثل توجهاته السياسية خاصة الخارجية منها.
من بين هذه المؤسسات مكتب ممثلي المرشد الأعلى وهم منتشرون في كافة الموسسات الحكومية والأكاديمية، مؤسسة خطباء الجمعة وكذلك المحكمة الخاصة لرجال الدين.
جميع أعضاء هذه المؤسسات يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى، كما أنه المرجع الأول والمباشر لخطباء الجمعة وغالباً ما يعكس الخطباء وجهات نظره الشخصية في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية للبلاد دون الحاجة للرجوع إلى وزارة الخارجية أو رئيس الجمهورية.
إن التنافس في ما بين كل هذه الدوائر والمؤسسات يلعب دوراً جوهرياً في رسم السياسة الداخلية والخارجية للنظام.


لو نظرنا للمراكز التي يتبع لها كل من هاشمي رفسنجاني وأحمد خاتمي سنجد أن الأول يشغل منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهذا المجلس يأتي في المركز الثالث من حيث قربه من المرشد الأعلى إلا أن من مجمل مهامه رسم السياسة الداخلية والخارجية وفقا لما يراه أعضاء المجلس يصب في مصلحة الدولة، ولكن يظل ذلك وجهة نظر المجلس فقط ويجب أن يمر بعدة مراحل حتى يتم الأخذ بمرئياته أو رفضها.
أما خاتمي فيعمل عضوا في مجلس الخبراء وهذا المجلس أقرب إلى المرشد وأكبر أهمية من ذلك الذي يرأسه رفسنجاني.
كما أن خاتمي امام و خطيب الجمعة الموقت بطهران، وبالتالي فإن التصريحات التي يطلقها ليست عبثية بل تعكس توجهات المرشد الأعلى كما ذكرنا سابقاً وفي اطار القانون الإيراني وليست ارتجالية كما أنه من غير المنطقي اهمالها أو النظر إليها كمجرد وجهة نظر خطيب جمعة لا أكثر.

لذا، فإن هذه التصريحات المتباينة الصادرة من شخصيتين كبيرتين من النخب السياسية المقربة من المرشد تأتي في سياق التنافس بين تلك الدوائر، وعليه فإن تهديدات خاتمي في هذا الوقت تحديداً لم تكن مصادفة محضة بل يمكن قراءتها كرد غير مباشرعلى تصريحات رفسنجاني الداعية إلى التهدئة وتحسين العلاقات حتى وإن لم يذكر رفسنجاني بالاسم.
إضافة إلى ذلك فإن تهديدات خاتمي انتقاد لتصريحات رفسنجاني بصفته لا يمثل رأي المرشد وبالتالي أراد من خلال منبر الجمعة أن يقدم وجهة نظر المرشد على الأقل في الفترة الحالية والتي تشهد توترا كبيرا في العلاقات بين البلدين.
يذكر أن رفسنجاني عرف بجهوده في تحسين العلاقات السعودية الإيرانية بخاصة في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ويصفه البعض بمهندس العلاقات بين البلدين.


المصدر: مجلة المجلة

عبد الكريم سروش واصلاح المذهب الشيعي




في مقابلة مطولة أجراها معه موقع "جرس" الأصلاحي ونشر الجزء الأول منها قبل أربعة أيام، تحدث المفكر والمنظر الإيراني الشهيرالدكتور عبد الكريم سروش (مواليد 1945)عن نشاطاته الأكاديمية ومحاضراته التي ألقاها والجامعات والمراكز العلمية التي زارها خلال العام الماضي وكان معظمها في الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص. وتحدث في الجزء الأول من المقابلة عن مواضيع متنوعة ونشاطات مختلفة ولكننا نركز في هذا المقال على ما اعتقد أنه الأهم في تلك المقابلة، ألا وهو تحدثه عن اصلاح المذهب الشيعي. لن أقوم بتحليل أو التعليق على وجهة نظر سروش بل سأنقلها كما هي إلى اللغة العربية دون زيادة أو نقصان.

إليكم ترجمة الجزء الذي يهمنا من هذه المقابلة:


"عندما كنت في كلفورنيا تم دعوتي الى القاء محاضرة في جامعة بركلي(The university of California, Berkeley) حول التشيع. والقيت المحاضرة تحت عنوان "التشيع يحتاج الى اصلاح". وقد سعيت في هذه المحاضرة ان أوضح ان التشيع وطول تاريخه كان فرقة اقلية في العالم الاسلامي. وكيف فكرة الاقلية هذه القت بظلالها على ليس فقط نمط الحياة بل على فكر اتباع المذهب ايضا. غالبا ما تعاني الاقليات بشكل عام من اوضاع خاصة والتي يجب فهمها على الوجه الصحيح: تسعى الاقليات جاهدة الى اظهار هويتها وتشكيلها كما تسعى الى ابراز مايميزها  أمام الاخر الكبير والواضح لكي لا تفقد هويتها وتضمت بقاءها واستمراريتها ولكي لا تعاني من أزمة الهوية. هذه الهوية لا تؤثر فقط على على نمطها السسياسي فقط بل على طريقة تفكيرها ايضا. هذا التقابل الذي يحدث بين الاقلية والغالبية يتجه الى تحميل سلوكيات  في غالب الاحيان تفتقد للعقلانية والحكمة كما أنها تكون احيانا غير اخلاقية ايضا. يمكنني أن أشير هنا إلى ظاهرة قبيحة تتمثل في لعن صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والتي كانت ولازالت منتشرة بين أتباع المذهب الشيعي. إلا أنه يجب أن نشير إلى أننا نسمع في الوقت الراهن أن علماء الشيعة ورموزها في ايران يحاولون الحد من ظاهرة سب علماء أتباع المذهب السني ورموزهم. هذ توجه  رائع ولكنه جاء متأخرا بعض الشيء ويجب أن يكون قد حدث قبل هذا الوقت بعصور كما أن عامة الشيعة كان يجب أن يكونوا قد تعلموا من علماءهم احترام الأكثرية (الغالبية) ويتعاملوا معهم باحترام أكبر. أنا لا أدعي أن الجانب المقابل لا تصدر منه نفس الشيؤ ولكن يجب أن لا يكون تعاملنا مع السلوك الخاطئ للاخر بنفس الطريقة.

للاسف الشديد أن هذا السلوك ليس حكرا على عامة الشيعة بل أنه كان ولايزال شائع بين طبقة العلماء ورجال الدين ايضا إلى درجة أن الكتيبات الخاصة بزيارات الائمة عامة و الامام الحسين  خاصة تضم بين جنباتها مثل هذا اللعن والشتائم. يجب أن أشير هنا إلى أنني لا اختلف مع الشخص الذي يجرم الاعمال القبيحة بل ومتفق معه تماما، لأنه وببساطة شديدة يجب أن يتم تقبح الأعمال السيئة بعمومها، لكن لايجب أن تكون تلك الاعمال القبيحة مداعاة لاهانة رموز ومقدسات الآخرين وجرح مشاعرهم بل وإثارتها، أنه علم خاطئ وشنيع. للأسف الشديد أننا نرى أن الصراع، على سبيل المثال، في دولة مثل الباكستان، بين الشيعة والسينة لازال قائم على قدم وساق. وهنا انقل لكم قصة في هذا الشأن. قبل اعوام  حضرت في لندن جلسة ضمت بعض علماء الدين الشيعة ومن بينهم الراحل آية الله معرفت. تحدث آية الله معرفت عن قصة نقلت إليه مفادها أن بعض شيعة الباكستان كانوا يجلسون على سقف المساجد ويلعنون الخلفاء الثلاثة الأوائل على الملا. يقول معرفت أنه بعث برسالة الى اولئك الشيعة ابلغهم فيها بحرمة العمل الذي قاموا به وأن هذه التصرفات ليست فقط لا تجلب لهم اي حسنات، بل أنها عمل يعاقبون بشدة عليه يوم الحساب. قلت (سروش) له لقد قمت بعمل رائع ولكن لماذا لم تقل ذلك قبل عشرة سنوات؟ لماذا لم يقولوا علماء الشيعة هذا قبل مائة عام؟ لقد جاء متآخرا بعد أن تم زرع هذا الحقد والبغض في القلوب. للاسف أننا نريد أن نقدم العلاج بعد أن اصبح ثمنه باهض جدا.

على كل حال أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تات والوقوف في وجه الضرر والتخلص منه عمل مفيد ونافع. اعتقد أن مثل هذا العمل هو مرض الاقلية الشيعية. لقد ابعد الغالبية ووسع الهوة بين الطرفين واصبح من المستبعد قبول ردم كل هذه الهوة وبالتالي فقد زرعوا بذرة كان ثمارها مرة وغير مستصاغة.

اشرت في المحاضرة ايضا إلى قول بعض علماء الشيعة بتحريف القرآن. عواقب هذا العمل سيئة جداً، خاصة اولئك الذين قالوا بأن هناك آيات عديدة نزلت في شأن وقدر الائمة و حذفها اعدائهم من القرآن الموجود بين أيدينا اليوم.هذا ضيق نظر واضح من جانبهم بسبب أن اعتقدوا أن مثل هذه الأعمال تقوي المذهب الشيعي ولكن غاب عنهم أن هذا العمل يفسد الاسلام والقرآن. لحسن الحظ أن مثل هذه الأدعاءات قد أخذت منذ القرن الرابع الهجري وعصر الشيخ الصدوق تتراجع شيئا فشيئا واظهروا علماء الشيعة شبه اتفاق في هذا الشأن بأن القول بتحريف القرأن ليس قول عموم الشيعة وأدعاء منافي للحقيقة والقول به في حكم النادر.
المشكلة الأخرى هي الغلو في المذهب الشيعي. على الرغم من أنهم يدعوا أن الغلاة فرقة أو افراد محددين وقد انطوت صفحتهم تماما إلا أنه يجب أن أقول أن الغلو لايزال متفشيا بين الشيعة. فاليوم يردد على منابر المساجد في ايران الكثير من الخطب لايمكن تسميتها بغير الغلو والمبالغة في شأن الائمة، فالغلو ينحى بالعلم الديني الى التلوث والفساد، فهو يلقي بظلاله على رموز الدين  مما يقودهم إلى الانزلاق نحو الكثير من الأمور الخاطئة التي ادخلت في الأذهان وحرفت العلم الديني والتوحيدي ومعرفة الانبياء عن مسارها الحقيقي. يجب ن يتم التخلص من هذا الغلو وهذه مهمة العلماء بالدرجة الاولى. إن هذا السيل قد انحدر من الاعلى، لذا يجب أن يغلق من نفس المصدر (يقصد علماء الدين)..
لذا يجب على العلماء اليوم أن يقوموا بواجبهم. ينقل التلفزيون والاذاعة الايرانية في الوقت الراهن قصص ومعجزات وكرامات عن الائمة تجعل المرء في حقيقة الأمر يقف أمامها مبهوتا ومتحيرا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينقل أن حضرة الامام العباس عندما كان في بطن امه قد امتنع عن السقوط على الارض أو عندما خرج الى هذا العالم قام من الأرض واقفا، أو أن الله قد منح الجنة بكاملها لحضرة فاطمة الزهراء، ليس هذا فحسب بل طلبت من جبرائيل أن يجلب لها صك الجنة وقد أرسل الله عز وجل لها الصك فعلاً. هذه الروايات وغيرها تنقل على التلفزيون الايراني وقد سمعتها بنفسي ولكن العجيب في الأمر أنك لا تسمع من يصرخ ويقول أن مثل هذه الاقاويل والخزعبلات لن تفيد الدين في شيء، كما أنها لن تعود بالنفع على التاريخ المستقبلي للشيعة. إن كل ما تجلبه هو افساد الدين والتشيع وعلماءه وتزيل هيبتهم. لو لم تكن مثل هذه الروايات باطلة فإننا سندافع عنها ولكننا نعلم جميعا أنها باطلة من ناحية المحتوى والسند ولا يمكن تصديقها، كما أنها لا تزيد مثقال ذرة في شأن الائمة ورموز الدين، بل على العكس تماما فهي تحط من شأنهم ومكانتهم.
الضرر أو الآفة الأخرى في المذهب الشيعي تكمن في فكرة أننا شعب الله المختار، نحن كشيعة وايرانيين نعلم يقينا كيف تم حقنها في أذهاننا منذ الصغر وكيف علّمونا أن التشيع والتشيع فقط هو الدين الذي يقبله الله ويحبه من بين كل الأديان والفرق الاسلامية وأن الله قد خلق العالم خالصا لآل البيت وأتباع المذهب الشيعي. مثل هذه الأقوال تبث في الشيعة غرور كاذب، ونوع من الكبر والاستغناء الباطل، بينما هو في حقيقة الأمر على عكس ذلك تماماً.
لهذا كله ذكرت (سروش) أن المذهب الشيعي يحتاج نوع من الاصلاح، والواقع يجب أن يكون هناك اصلاح فقهي وفلسفي شامل في الدين الاسلامي بشكل عام ولكن ما نحن بصدده هنا هو اصلاح المذهب الشيعي على وجه التحديد...."

  عبدالكريم سروش في سطور:
اسمه الحقيقي هو حسین حاج فرج دبّاغ ويعرف بـ عبدالكريم سروش. اشتهر سروش باهتمامه في المقام الأول بفلسفة العلوم، وفلسفة الدين، والنظام الفلسفي للشاعر جلال الدين البلخي (الرومي) كما يعد سروش مؤسس قسم فلسفة العلم في إيران. قام بالتدريس في عدد من الجامعات والمراكز العلمية الامريكية وعلى رأسها جامعة جورج تاون، اختارته مجلة "الفورين بوليسى" ضمن المفکرین الکبار العشرة في العالم في عام 2009. من فلسفته: التمييز بين "الدين وفهمنا له "، "التمييز بين الجوانب الأساسية والعرضية للدين"، " التمييز بين تفسير "الحد الأدنى" و "المتطرف للإسلام"،" التمييز بين "العقيدة" الدينية و الإيمان الديني"، واخيرا  "التمييز بين الدين كفكر/ هوية والدين الحق". له عدد كبير من المؤلفات باللغة الفارسية والانجليزية والتركية وترجمت بعض كتبه إلى اللغة العربية.

محمد

الأحد، 1 أبريل 2012

قراءة إيرانية للقمة العربية

نوري المالكي يترأس وفد بلاده .. أي دور لإيران في عراق ما بعد القمة العربية؟
نوري المالكي يترأس وفد بلاده .. أي دور لإيران في عراق ما بعد القمة العربية؟

شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي


تحت عنوان: العراق تستضيف العرب، ضيافة على ضفاف دجلة ومضيف بلهجة كردية، كتب موقع الدبلوماسي الإيراني الشهير، صبيحة يوم انعقاد القمة العربية في بغداد، مقالاً مطولاً حاول فيه الكاتب تصوير العراق بالقوة القادمة في الدبلوماسية العربية و أن الحكومة العراقية الحالية قادرة على تشكيل كتلة عربية ضاربة في وجه السيطرة السعودية القطرية.
كما سعى الكاتب إلى إضافة صبغة قومية إلى القمة من خلال التركيز على القيادات الحالية في العراق ممثلة في رئيس الدولة العراقية جلال طالباني ووزير الخارجية هوشيار زيباري بوصفهما شخصيتان كرديتان وغير عربيتين ورغم ذلك فإن العراق سيتولى دفة القيادة للدبلوماسية العربية من العرب إلى الأكراد ولمدة عام كامل، مشيرا إلى أن هذا التغيير سيضيف الكثير إلى الصراعات العربية بخاصة أن العراق يتبنى وجهة نظر مختلفة عن السعودية وقطر في ما يتعلق بالأزمة السورية.
من جانب آخر، ركز الكاتب على ما يراه نجاحا كبيرا للعراق في استضافة وتنظيم القمة بعد أن تخلصت القيادة العراقية من الكتلة العراقية بقيادة طارق الهاشمي لاتهامه بالتخطيط لعمليات إرهابية.

من جانب آخر، تحدث كاتب المقال عن الأوضاع السياسية في البلد المضيف وتصورها بأنها على أفضل حال، حيث أكد بأن العرب لن يجرؤوا على التحدث عن أوضاع العراق الداخلية، مدعياً بأن أوراق عمل قمة بغداد مؤشر لمكانة عراقية أفضل مقارنة بالدول العربية الأخرى إذا ما تم مقارنتها بالأعوام الماضية حيث كانت الحالة العراقية إحدى المحاور الرئيسة في كل اللقاءات والتصريحات العربية، أما الآن فقد اصبحت العراق من الدول العربية التي تعمل على حل الأزمات العربية وقيادتها نحو تشكيل جبهة عربية قوية ومستقلة.

من هنا يتضح أن الكاتب أراد من هذه المقالة أن يرسم خطا جديدا للسياسة العربية من خلال دعمه للدولة التي تترأس الجامعة العربية في دورتها الحالية، العراق، هذا من جانب، ومحاولة ترسيخ فكرة مفادها أن ضعف السياسة العربية يكمن في تولي دول خليجية مثل السعودية وقطر للقيادة وأن بقية الدول العربية ليس لها أي مواقف تذكر بسبب اصطفافها سياسياً خلف هاتين الدولتين من جانب آخر.

مما لا شك فيه أن عودة العراق إلى الجامعة العربية كعضو فعال أمر يسعد الدول العربية قبل غيرها، ولكن لنتوقف للحظات عند هذا التطبيل الإيراني للنظام الجديد في بغداد ونحاول أن نبحث في أسبابه ودواعيه، فطهران لا تهرول عبثا إطلاقا. لا نحتاج إلى كثير من التفكير لفك شفرة هذه اللغة الإيرانية الجديدة تجاه العراق وتمجيده وهو العدو اللدود لطهران بالأمس القريب.
ما تود طهران الوصول إليه من خلال الحكومة العراقية الحالية وعلى رأسها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هو تشكيل تكتلات جديدة وانقسام عربي آخر، يصب في مجمله في صالح الجانب الإيراني.

كما أن التركيز على وجهة النظر العراقية حيال الأزمة السورية والتي تتوافق تماماً مع سياسة الجانب الإيراني، تؤكد ذلك تماماً.

في ظل الضغوط الداخلية والعالمية على النظام السوري، حليف إيران الأول في المنطقة العربية، تسعى طهران جاهدة ومن خلال النافذة العراقية إلى تحقيق هدفين رئيسيين، أحدهما تكوين تكتل عربي جديد مع التركيز على الأنظمة العربية الجديدة (ما بعد الربيع العربي) من أجل تخفيف الضغوط على النظام السوري ومساعدته في سحق المعارضة والخروج من الأزمة الحالية منتصراً خاصة وأن الخناق بدأ يضيق شيئاً فشيئاً والانشقاقات في صفوف الجيش السوري في تزايد ملحوظ، وثانيهما- في حالة فشلها في إنقاذ النظام السوري من الغرق- تشكيل حليف جديد كبديل للنظام السوري الحالي من أجل استمرار التوغل الإيراني في الداخل العربي.

لذا فإن هذه الرؤية الإيرانية وكيل المديح المبالغ فيه للحكومة العراقية وإيهامها بأنها الفارس القادم في السياسة العربية، هذا من جانب، وتجاهل المشاكل الأمنية التي تواجه العراق والتفجيرات المتلاحقة في بغداد ولعل آخرها الانفجار الذي حدث خلال انعقاد القمة أمام السفارة الإيرانية في بغداد، وتقديم صورة خادعة عن الأوضاع هناك، من جانب آخر، ليس حباً في العراق كما أنه غير مبني على قراءة حقيقية ومحايدة للوضع العراقي.

الواقع يقول إن طهران نجحت في التوغل بشكل كبير في الحكومة العراقية الحالية خاصة بعد رحيل آخر جندي أمريكي عن الأراضي العراقية. فما هي إلا أيام قليلة بعد هذا الانسحاب حتى تم إسقاط أحد أهم قيادات الكتلة الوحيدة في حكومة نوري المالكي التي تعارض سياسة إيران في الداخل العراقي، وهي القائمة العراقية، حيث تم اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالتورط في أعمال إرهابية، الأمر الذي تتهم طهران بالوقوف خلفه. وهذا ليس بالمستبعد بخاصة أن طهران تسعى إلى الاستفادة من الحكومة العراقية الحالية قدر المستطاع واستخدامها كحصان طروادة للتوغل في الشأن العربي وخلق المزيد من الانقسامات في الصف العربي الهش نسبياً في الوقت الراهن، وبالتالي فإن تواجد شخصية كطارق الهاشمي في الحكومة العراقية قد يضر كثيرا بالمشروع الإيراني في العراق أولا والمنطقة العربية ثانياً.

ختاما، نقول إن العزف على وتر القومية الذي تتحسس منه إيران كثيرا في داخل حدودها لا يعني الكثير بالنسبة للدول العربية بل الأهم هو عودة العراق إلى الحضن العربي بأديانه ومذاهبه وعقائده وقومياته كافة.

المصدر: مجلة المجلة

النزعة القومية بين رضا شاه و أحمدي نجاد



شؤون إيرانية:

اشتهر العصر البهلوي (1925-1979) خاصة فترة  حكم مؤسس السلسلة البهلوية، رضا شاه بهلوي (حكم إلى عام 1941) بالنزعة القومية الشديدة وتمجيد الماضي الذي تعرفت عليه غالباً من خلال كتب المستشرقين ودراساتهم. فحاول النظام الجديد بناء جسر يربط الحاضر بعصر ما قبل الإسلام مع تهميش مابين هاتين الفترتين واعتباره مثالا للتراجع الفكري والثقافي والحضاري ولوم العرب والمسلمين بوصفهم سبب ذلك التراجع وبالتالي رافق ذلك نزعة عداء محمومة ضد العرب والحضارة العربية شقت طريقها سريعا نحو الأدب بشقيه الشعري والنثري وكذلك كتب التاريخ كما توغلت حتى وصلت إلى المناهج الدراسية. وعلى جانب محاكاة الماضي، بدأ رضا شاه بتاجه الملكي الذي صممه على طراز يحاكي التاج الساساني  ثم انتقل الأمر إلى اللغة فأمر بتأسيس مجمع لغوي مهمته الأساسية تنقية اللغة الفارسية من الكلمات والمصطلحات الأجنبية عامة والعربية على وجه الخصوص إلى درجة أن البعض من مستشاريه أقترح التخلص من كافة الكلمات العربية واستبدالها بكلمات جديدة تكون فارسية الأصل أو من اللغات الأوروبية كالفرنسية والانجليزية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تم  تغيير أسماء بعض المدن الإيرانية  كعربستان (أصبحت خوزستان) وكذلك التقويم المستخدم ليكون هجرياً شمسياً (بدلا من الهجري القمري) إلى جانب التقويم الشاهشاهي الذي أرخ لبدايته ليكون قبل 2500 عاماً. كما أقام النظام البهلوي احتفالية كبيرة في ذكرى مرور ألف عام على رحيل الشاعر الإيراني الشهير أبو القاسم الفردوسي(920-1020)، صاحب ملحمة الشاهنامة. وتبنت الحكومة الإيرانية هذه الاحتفالية والتحضير لها و أرسلت الدعوة إلى عدد كبير من المهتمين بالثقافة والأدب الفارسي من الشرق والغرب، خاصة كبار المستشرقين وتم ترميم ضريح الفردوسي في مدينة طوس. ولعل السبب في الأهتمام بهذا الشاعر دون سواه من عمالقة الأدب الفارسي كحافظ وسعدي الشيرازيين وغيرهما، لم يكن لتميزه شعريا أو أنه أتى بسبك شعري جديد ولكنه يكمن  في أن الكثير من القوميين الإيرانيين في ذلك العصر اعتبروا الفردوسي رمزاً وطنياً  يعود إليه الفضل في حفظ اللغة الفارسية والتاريخ الإيراني القديم بشقيه الأسطوري والحقيقي من خلال إعادة كتابته في منظومته الشعرية الشاهنامة التي نظمها في قرابة 60 ألف بيت من الشعر.
وعلى الرغم من أن قيادات إيران ما بعد ثورة 1979 التي أوصلت الملالي إلى سدة الحكم قد حاولت جاهدة التخلص من كل ما كان يعتبر رمزا للنظام الشاهنشاهي البهلوي والابتعاد قد المستطاع عن النزعة القومية التي عرف بها إسلافهم، ليس ذلك وحسب بل جعلت تلك النزعة القومية إحدى النقاط الرئيسية في نقد النظام الجديد للنظام البهلوي واستبدالها بالهوية الإسلامية الشيعية، إلا أن هناك مواقف عدة تظهر جلياً  أن تلك النزعة لازلت تشهد رواجاً بين الساسة الحاليين ولم يتمكنوا من التخلص منها مهما حاولوا إخفاءها.
ولعلنا نركز هنا على قادة إيران ورموزها السياسيين خلال فترة تولي احمدي نجاد لمنصب رئيس الجمهورية. يأتي على رأس القائمة اسفنديار مشايي، صهر احمدي نجاد ومدير مكتبه. فقد سبق وأن اظهر نزعة عرقية مبنية على الأفكار التي ذكرت أعلاه  وقد أيده نجاد في ذلك عندما قالا قبل أكثر من عام أن الانتماء في هذا البلد يجب أن يكون للإيرانية  Iranianness أولا ومن ثم للإسلام ثانياً. وقد وجه لمشايي الكثير من الانتقادات من التيار المحافظ إلا أن أحمدي نجاد دافع عنه وفي أكثر من مناسبة بل وتبنى نفس الفكر أيضاً. ولعل آخرها ما تحدث عنه  الرئيس أحمدي نجاد حول هذه النقطة كان الأسبوع المنصرم وفي احتفالية عيد النوروز التي اقيمت في  طاجكستان وبحضور رؤساء افغانستان وباكستان بالإضافة إلى رئيس البلد المضيف.
ففي حديثه في هذا الأجتماع، وصف الرئيس احمدي نجاد شاهنامة الفردوسي بکتاب التوحيد وقال:"بُعث کافة الأنبياء لإنقاذ الإنسان من الضلالة وإيضاح الطريق الصحيح برسالة التوحيد والإنسانية، والعدالة والمحبة"، مستدركا أن هذه القيم والدلائل لم تكن كافية لتحقق السعادة لذا كان من الضروري أن يكون هناك أمة تفهم جيدا هذه القيم والرسائل وإظهارها للعالم.
ثم هاجم نجاد الخلافتين الأموية والعباسية بقوله "لاحظت الأمة الإيرانية بعد دخولها في دين الإسلام أن الحكومة والقيادة السياسية تم اختطافها من قبل الأمويين ومن ثم العباسيين ولم تكن هاتين السلطتين مثالا للهدي النبوي والطريق الذي رسمه نبي الإسلام للأمة الإسلامية، فقد قاموا بإهانة الأمة الإيرانية وتحقيرها وهبّطوا من عزائم رجالها، وفي هذه الظروف ظهر نجم الفردوسي وأعاد إحياء الهوية التوحيدية والسعي إلى الحرية والعدالة الإنسانية في الشعب الإيراني..." على حد زعمه.
واستطرد قائلا: "لقد أنقذ الفردوسي منهج نبي الإسلام والنبي الأعظم ومدرسته واستخلص عبء هذه الرسالة العظيمة من قبضة أناس لم يكونوا أهل لحملها، ووضعها على عاتق الأمة الإيرانية وكانت هذه الأمة خير من حمل الرسالة وقدر المسئولية". واليوم، والحديث لازال لنجاد، "لو لم تكن الأمة الإيرانية حاضرة فإنه لن نجد أثرا للحرية والعدالة الإنسانية في هذا العالم وأن الأمة الإيرانية هي الأمة الوحيدة التي ارتكزت على تاريخها وحضارتها وتراثها، هذا من جانب، و على مدرسة الرسول والأئمة المؤمنين من بعده، من جانب آخر، ولا يوجد من ينافسها في ذلك".
يتضح مما طرح أعلاه أن أحمدي نجاد تبنى نفس الفكرة التي اشتهر بها النظام البهلوي المتمثلة في القومية أو النظرة المعادية للعرب. ففي العصر البهلوي كانت السمة الأبرز لهذا التوجه هو القومية الشوفينية الصرفة التي استحوذت على النتاج الثقافي والأدبي خلال تلك الفترة، أما خلال فترة الجمهورية الإسلامية وفترة أحمدي نجاد الرئاسية تحديدا، فإن هذه النزعة القومية اكتست بلباس الدين والمذهب الشيعي، فتم ترويجها من خلال الارتكاز على الجانب الطائفي كمنفذ وحيد لإبرازها دون التعارض مع الصورة التي يحاول النظام الإيراني الحالي ترويجها لنفسه من خلال رفع شعار الدين و ادعى مناصرة القضايا الإسلامية.
جدير بالذكر أن شاهنامة الفردوسي ليست كما حاول أحمدي نجاد وصفها والترويج لها فقد تبنى الفردوسي الفكر الشعوبي وصور العرب بأبشع الصور فوصفهم بالبدو الحفاة، العراة أكلت الفئران والضباب ورعاة الإبل، لا يعرفون من الحضارة أو الثقافة شيئاً. بل ونقل على لسان رستم، قائد الجيش الفارسي في معركة القادسية كلام بذيء وصل إلى سب الدهر بقوله، "تفّ تفّ لك أيها الفلك الدوار؛ العرب الحفاة العراة آكلو الضباب يدوسون أرض إيران الجميلة" ومثل ذلك مالا يمكن حصره في هذا المقال. فكيف يصف احمدي نجاد الفردوسي وملحمته بأنها رمز للعدالة والمحبة وهي مليئة بالعنصرية الشعوبية وكيف اصبح الفردوسي من حمل على عاتقه مهمة حفظ الدين الإسلامي والرسالة المحمدية وقد طرده حاكم عصره، السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي (971 - 1030) من بلاطه ورفض تكريمه لأسباب من أهمها ما احتوته الملحمة الشعرية من إجحاف في حق الدين الإسلامي وحملت لواءه العرب المسلمين.
   وختاماً، فقد وجه رجل الدين الإيراني آية الله مكارم الشيرازي نقدا لاذعاً لاحمدي نجاد بسبب هذه التصريحات وقال صحيح أن الفردوسي قد أعاد إحياء اللغة الفارسية وحفظ التاريخ الإيراني القديم ولكنه لم يكن يوما مجددا دينياً أو حافظاً للدين الإسلامي مطلقاً كما أتهم نجاد بمحاولة النيل من المدرسة الإسلامية على حساب الإيرانية وبالتالي عزل إيران عن العالم الإسلامي  بينما هناك بوادر قوية لمزيد من التقارب مع العالم الإسلامي خاصة في ظل ما اسماه بـ "الصحوة الإسلامية" في إشارة إلى ثورات الربيع العربي  التي تزعم إيران بأنها امتدادا لثورتها في عام 1979م.
 محمد