عدد من الإيرانيين والبريطانيين يستعرضون دراجاتهم الهوائية |
شؤون إيرانية:
محمد السلمي
من المعلوم أن الإنسان عدو ما يجهل
وبالتالي يسعى جاهداً إلى محاربته أو اعتباره ناذر شؤم على نفسه ومجتمعه. أمثلة
كثيرة جداً تلك التي تم مواجهاتها في المجتمعات الشرقية والغربية بالرفض. فعلى
سبيل المثال نجد في الغرب من أنتقد المخترع الشهير إديسون عندما كشف عن اختراعه
للمصباح الكهربائي وفي الشرق هناك المذياع والتلفاز ومدارس الفتيات ونحو ذلك. في
هذا السياق استقبلت الدراجات الهوائية بنظرة
يمكن وصفها بالعدوانية، على رغم أنها لا تخلو من الطرافة، في مدينتين ربما يقال
عنها متناقضين في كل شيء، مدينة تواجد بها قوى استعمارية (على الاقل استعمار
اقتصادي وسياسي ) مثل العاصمة الإيرانية طهران حيث الروس والبريطانيين، مقابل
مدينة صغيرة في قلب نجد وأعني هنا مدينة بريدة بالقصيم ، وسط المملكة العربية السعودية
رخصة قيادة لدراجة هوائية صادرة من الشرطة الايرانية |
لاحقا تمكن بعض المواطنين الإيرانيين
من أهالي شمال طهران تحديدا من اقتناء دراجات هوائية ثم أصبح الأمر أكثر قبولا فتم
فتح بعض المتاجر التي تقوم ببيع، تأجير وإصلاح الدراجات، خاصة في شارع منوتشهري
وشارع علاء الدولة في قلب العاصمة طهران. عندما ازداد عدد الدراجات في
المدينة اضطرت ما يعرف حينها باسم "تشكيلات نظميه" أو ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم بـ
"إدارة الشرطة" إلى وضع قوانين ضمت عشرين مادة جميعها تهدف الى تنظيم
تحرك الدراجات وقيود على مستخدميها من بينها منع استخدامها من قبل من لم يتجاوز
عمره سن الثالثة عشر، أما من تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والثامنة عشر فيجب أن
يتقيدوا بكافة القوانين الخاصة بذلك ومن بين ذلك شرط الحصول على رخصة قيادة. كما
يمنع على أي شخص استخدام الدراجة الهوائية والتجول في المدينة دون أن يحضر
بداية إلى الشرطة ويجتاز الاختبارات الضرورية ومن ثم يحصل على رخصة القيادة،
كما يمنع منعا باتا إجراء أي نوع من السباقات في الشوارع والميادين العامة.
إضافة إلى ذلك فإنه يمنع الإرداف (أن يركب شخص خلف سائق الدراجة ) أو استخدامها
لنقل الأطفال.
رخصة قيادة سيكل صادرة عن هيئة الامر بالمعروف ببريدة |
ماذا عن ظهور الدراجات الهوائية في
المملكة العربية السعودية؟ الحقيقة أنني لم اتمكن من الوصول إلى معلومة توثق بشكل
دقيق تاريخ دخولها إلى الأسواق المحلية لأول مرة . ولكن هناك قصة نقلهتا قبل فترة
صحيفة الرياض السعودية تحدثت عن أول سعودي حصل على رخصة لقيادة الدراجة الهوائية أو ما يطلق عليه محليا اسم "السيكل"،
في مدينة بريدة وسط السعودية. من المتوقع أن يكون ظهورها في مدينة صغيرة مثل بريدة
ليس الأول من نوعه في المملكة فمن الطبيعي أن تكون قد ظهرت قبل ذلك في المدن
الكبيرة مثل العاصمة الرياض أو مدن شرق المملكة حيث تواجد عدد من الرعايا الغربيين
الذين كانوا يعملون في شركات التنقيب عن النفط ونحو ذلك.
وللعودة إلى القصة التي نشرتها الصحيفة
فإن أحد سكان مدينة بريدة حصل على رخصة لقيادة دراجته الهوائية في عام ١٣٧٩ هـ (عام
١٩٥٩م). الرخصة صدرت من قبل الشرطة الدينية أو ما يعرف في السعودية بهيئة الأمر
بالمعروف وفقا لشروط من أهمها إحضار شهود وكاتب عدل وكذلك عمدة الحي وكبير القبيلة
أيضاً. الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تم وضع بعض الشروط القاسية على صاحب السيكل
فتم تحديد الأماكن والأوقات التي يمكنه قيادتها فيها والطرق التي يجب أن يسلكها.
وجاء في الوثيقة أنه لا يسمح لصاحب السيكل هذا باستخدامها ليلا ولا يردف
عليه، ولا يؤجره، ولا يدخل وسط الأسواق وكل هذه الشروط والقوانين تتشابه
كثيرا مع تلك التي وضعت لمواجهة الحالة ذاتها في إيران. من جانب آخر نجد أن هناك شروط خاصة في حالة بريدة ولا نجدها في قوانين
شرطة طهران. من بين هذه الشروط إلزام صاحب السيكل بعدم حمل الطيبات مثل الخبز
والحنطة والشعير.
وإذا كان الإيرانيون قد أطلقوا على
وسيلة النقل هذه "مركب الشيطان" ومن يمتطيها "ابن الشيطان"
فمن جانبهم أطلق أهل بريدة عليها اسم "حمار إبليس" وعلى من يستخدمها لقب
"الداشر" (الصعلوك) الذي يتعوذ منه الرجال ويستترن عنه وعن دابته النساء
وصاحبها شخص منبوذ لا يخالطه إلا "دشير القوم" الذين يشربون التتن
(الدخان) كما أطلق عليهم محلياً "شرابة التتن ركابة السياكل مطردة الدجاج"
وفقا لما ذكرته صحيفة الرياض.
لا شك أن هذا التشابه الكبير بين طهران وبريدة تجاه دخول الدراجات الهوائية لأول مرة لا يخرج عن أنه مجرد تفاعل طبيعي وردة فعل تلقائية تجاه كل ماهو جديد بعيدا عن أي أيديولوجيات عرفت بها هذه المنطقة أو تلك أو تفسير فلسفي أو اتهام بالرجعية والتخلف ونحو ذلك ، إنها باختصار شديد انعكاس للخوف من الجديد بعيدا عن التفكير في مدى إمكانية الاستفادة من الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات لهذا المنتج أو ذاك..