شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
أطلق محمد جواد لاريجاني تصريحات حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بقوله “إذا كانت مصلحة النظام تتطلب ذلك، فسوف نتفاوض مع الولايات المتحدة، حتى ولو كان ذلك في قعر جهنم”. تصريحات لاريجاني هذه ليست للاستهلاك الإعلامي أو ردا ارتجاليا على سؤال صحافي خرجت الإجابة عنه بصورة غير مقصودة. أبدا فمن يفهم شخصية محمد جواد لاريجاني، يدرك أن كل كلمة لا تخرج إلا وهو يعني ما يقول حرفيا. وللتذكير، فمحمد جواد لاريجاني صاحب النظرية الإيرانية الشهيرة “أم القرى الإيرانية” التي تسعى إلى استبدال قبلة المسلمين لتصبح طهران عاصمة العالم الإسلامي. النظرية معروفة جداً ونشرها لاريجاني في كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية”، وهو مترجم إلى اللغة العربية ولا تحتاج الكثير من التفاصيل، وهناك بحوث عدة وملخص لكتاب لاريجاني الذي فصل فيه نظريته هذه.
يعد محمد جواد لاريجاني، الشقيق الأكبر لرئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، وكذلك شقيق رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني (آملي)، أحد أهم الخبراء الإيرانيين في مجال الفيزياء وخريج جامعة أميركية ويجيد الانجليزية بطلاقة، وقد تولى عدة مناصب مرموقة في الجمهورية الإسلامية. كان لاريجاني ولايزال معجبا بالمجتمع الأميركي والأهم من ذلك، يعتبر من أكثر الإيرانيين المطالبين بعودة العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة الأميركية، مما سبب له مشاكل عدة مع القادة الإيرانيين، من بينها عزله من منصب مساعد وزير الخارجية، وقد ترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في عام 2005، ولكن لم يجد الدعم الكافي للفوز في الانتخابات بسبب وجهات نظره حول العلاقة مع الولايات المتحدة وتوجهاته اللبرالية، وبالتالي صدور مثل هذه المطالبات التي تتعارض في الظاهر مع توجهات القيادة يضع إيران في حرج أمام المعجبين بعداوتها للغرب واميركا تحديدا. يعمل لاريجاني حاليا مستشارا لدى السلطة القضائية لمسائل حقوق الانسان، وهو منصب يمكن وصفه بالشرفي، لضعف الدور الذي يقوم به على الساحة السياسية في إيران.
إيران تسعى إلى أن تستعيد بعضا من الماضي المفقود -كما ترى هي على أقل تقدير- من خلال محاولات يمكن وصف بعضها بـ “الانتحارية”، بهدف أن تصبح القطب الأوحد في المنطقة الذي يدور حول محور كافة الدول العربية والإسلامية. ونظرية أم القرى إحدى أهم النظريات التي تم طرحها لاريجاني لتشكيل السياسة الخارجية الإيرانية، وهي تتفق تماما مع توجهات سياسة النظام الحالي، من خلال مشروع تصدير الثورة إلى دول المنطقة. من جانب آخر، تظهر نظرية أهم القرى عدم اعتراف إيران بكافة الدول العربية والإسلامية، وهدفها الأبرز بسط النفوذ السياسي والفكري عليها باسم وحدة العالم الإسلامي، تحت راية إيرانية تخضع لمنهج وتوجهات ولاية الفقيه، إذ أن إيران ترى في نفسها دار الإسلام الحقيقي، وانتصارها أو هزيمتها ينعكسان بشكل مباشر على الإسلام، وبالتالي إذا تعرضت كرامة أم القرى (إيران) للخطر، فكل شيء في العالم الإسلامي فداء لها.
وعودة إلى تصريحات محمد جواد لاريجاني الأخيرة، حول استعداد إيران للتفاوض والتباحث مع الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك في قعر جهنم، فإن من يدرس هذه التصريحات بدقة، يدرك بأن ليس هناك أي مبالغة اطلاقا، فمصالح إيران العليا تجعلها تتفاوض وتتعاون مع أي جانب من دون قيود، ولعل صفقة الأسلحة الإيرانية مع اسرائيل، إبان الحرب العراقية الإيرانية، والتي ذكر تفاصيلها آية الله منتظري في مذكراته، خير دليل على ذلك.
لا شك أن إيران قد تتخلى عن مطالب وأهداف، ترى أنها استراتيجية بالنسبة لها، ولكن ذلك لن يكون مجاناً، فهي قد تتخلى عن مشروعها النووي، مقابل التزامات أوروبية أميركية، قد تكون في غالبها على حساب الدول العربية والخليجية تحديداً.
عليه، فإن لاريجاني يسعى إلى تفعيل نظريته الشهيرة، وفقاً للمعطيات السياسية الراهنة، وقد يتحقق ذلك متى ما عقدت إيران والغرب صفقة ترضي الطرفين.
لذا، فقبل أن تتحالف إيران مع الغرب، وتعقد الصفقات في قعر جهنم أو خارجه، فعلى دول الخليج العربي بشكل خاص، والدول العربية عموما، توسيع علاقاتها مع دول الشرق وأميركا اللاتينية، وبناء تحالفات جديدة ليست لاستبدال الحلفاء الحاليين، ولكن لخلق نوع من التوازن وعدم وضع البيض في سلة واحدة على أقل تقدير، لكي لا نقول يوما ما “أكلنا يوم أكل الثور الأبيض” أو “خسرنا يوم تحالفت أم القرى الإيرانية مع الشيطان الأكبر”.
المصدر: مجلة المجلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق