تويتر

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

إيران وسبل الخروج من عنق الزجاجة



شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي


من الصعوبة بمكان التنبؤ بمستقبل النظام السياسي في إيران في ظل تطورات المنطقة وأزمة برنامجها النووي من جانب، والمشاكل الداخلية من جانب آخر. المسألة تحتاج إلى حل جذري وسريع ولكن كيف يكون ذلك؟ وما هو التيار الذي يستطيع إتمام هذه المهمة على الوجه الأكمل؟يرى الكثيرون أن ذلك قد يتحقق على يد الرئيس الذي سيخلف أحمدي نجاد صيف العام القادم. نستطيع القول إنه من المستبعد أن تتغلب إيران على تلك المشاكل المتراكمة على يد مرشح محسوب على التيار المقرب من احمدي نجاد وينطبق ذلك أيضا على التيار المحافظ المتشدد المقرب من المرشد الأعلى آية الله سيد علي خامنئي.

هل سيكون المرشح الإصلاحي القادم هو الشخصية التي تحقق ذلك؟ يجب التأكيد على أنها قد تكون مغامرة كبيرة لخامنئي ولكنها في الوقت ذاته الخيار الأنسب الذي يجعله يؤجل المواجهة مع بعض التيارات السياسية في البلاد حتى يقوم بتنفيذ مقترحه القائم على إلغاء منصب رئيس الجمهورية واستبداله بمنصب رئيس للوزراء يتم اختياره من قبل البرلمان الإيراني على أرض الواقع.
وعليه فإنه قد يرى أن الاحتواء في مثل هذه الظروف هي الخيار الأمثل خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الخيارات تتقلص أمامه. أضف إلى ذلك أن خيار مرشح إصلاحي “موثوق” سيُخرج النظام الإيراني من مأزقين كبيرين أحدهما داخلي يتمثل في أنصار الموجة الخضراء والتذمر الشعبي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية التي ألقت بظلالها على المستوى المعيشي المتدني أساسا، والآخر على المستوى الخارجي تسبب في عزلة سياسية واقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.


من أهم المؤشرات التي تجعل هذا الخيار – وأقصد هنا المرشح الأصلاحي – أكثر احتمالا هو عودة آية الله هاشمي رفسنجاني إلى الساحة السياسية مجددا بعد غياب طويل.يعتبر رفسنجاني من أعمدة النظام الحالي وهو من جاء بخامنئي إلى الواجهة وترشيحه لمنصب الولي الفقيه بعد رحيل آية الله روح الله الخميني في عام 1989. وعلى الرغم من أن رفسنجاني قد فقد الكثير من قوته وأصبح ينظر إليه كتركة ثقيلة للنظام فقدت بريقها في السنوات القليلة الماضية إلا أن تمسكه بمنصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام يجعل عودته إلى صراعات التيارات السياسية في إيران ممكنه في أي وقت وربما يرى أن الوقت قد حان فعلا لذلك. رفسنجاني أعاد نجله مهدي وابنته فائزة من المملكة المتحدة إلى إيران لمواجهة القضاء وتهم تتعلق بـ «الدعاية والعمل ضد النظام» وهما الآن يقبعان في سجن “اوين” بالعاصمة طهران. السؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا قام رفسنجاني بذلك؟

يعتقد الكثيرون أن الهدف من وراء ذلك هو “تنقية” ملفه (إن صح التعبير) أمام الشعب واغلاق كافة الملفات التي قد تؤثر على سمعته السياسية كخطوة ضرورية للمرحلة القادمة وخاصة الانتخابات الرئاسية حيث من المتوقع أن يدعم مرشحا مقربا من التيار الإصلاحي وقد يكون تم ترتيب كل شيء مسبقا وما عودة أبنائه إلا جزء من الصفقة مع رأس الهرم، خامنئي.
في الواقع أن هذه المهمة مكررة نوعا ما حيث أخذ رفسنجاني على عاتقه في التسعينيات مهمة مشابهة تتمثل في الخطوة الأولى لإصلاح العلاقة بين إيران ودول المجتمع الدولي بشكل عام بعد توترها بعد الثورة في عام 1979 وكذلك تحسين العلاقة مع دول الخليج العربي بعد توترها بسبب الحرب العراقية الإيرانية وفكرة تصدير الثورة إلى دول الجوار.
ثم جاء محمد خاتمي ليلعب الدور الأبرز في تحسين العلاقات وتنميتها خلال فترتي رئاسته للجمهورية وقد شاهدنا نمو العلاقات وانفتاحا تجاريا وثقافيا كبيرين على دول المنطقة.


هناك خيار آخر يجعل خروج إيران من الأزمة الحالية ممكناً وهو خيار مطروح لا يمكن تجاهله ويصب في نهاية المطاف في المصلحة الكبرى لخامنئي وهو ضمان استمرار النظام الحالي، كما أن هذا الخيار قد يمكن اعتباره مقدمة وتمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستكون نقطة الحسم بكل تأكيد.  يتمثل هذا الخيار في تكرار ما حدث في عام 1981 عندما صادق آية الله الخميني على قرار البرلمان بعزل أبي الحسن بني صدر من منصبه كرئيس للجمهورية بحجة “عدم الكفاءة السياسية”. وبشكل أكثر وضوحاً، فقد يقوم خامنئي بالتضحية بأحمدي نجاد من خلال تصويت البرلمان الإيراني على عدم أهليته لإدارة شؤون البلاد اقتصاديا على اقل تقدير وربما سياسيا وبالتالي تنحيته عن المنصب قبل إكمال فترته الرئاسية التي شارفت على الانتهاء، وبعبارة أخرى سيكون أحمدي نجاد كبش الفداء الذي يلقى على عاتقه اللوم في كل ما حدث طيلة السنوات السبع الماضية.
فعلى المستوى المحلي، يرى التياران الإصلاحي والمحافظ في إيران أن نجاد وحكومته يتحملان ما تتجاوز نسبته الـ70 في المائة من المشاكل التي تواجهها البلاد، فخلال فترة رئاسته عانى – ولايزال يعاني – الاقتصاد الإيراني من صعوبات كبيرة لم تتعرض إيران لمثلها خلال الحرب العراقية الإيرانية. كما شهدت هذه الفترة أكبر فضيحة اختلاس في تاريخ إيران الحديث على الرغم من مزاعم نجاد المتكررة بأن حكومته أكثر الحكومات التي مرت على تاريخ إيران نزاهة. أضف إلى ذلك التضخم الهائل في الأسعار وارتفاع نسبة البطالة وغيرها الكثير. الأهم من ذلك الاصطدام المتكرر مع ركائز النظام وعلى رأسهم المرشد الأعلى ذاته ولعل موضوع استقالة رئيس الاستخبارات الإيرانية التي قبلها نجاد وتم رفضها من قبل خامنئي والمحاولات المتكررة في إعادة هيكلة النخبة السياسية والإطاحة بعدة وزراء وتغيير جزء من التشكيل الإداري من دمج لبعض الوزارات ونحوه خير مثال على ذلك.

من جانبه، قد يقدم نجاد على الاستقالة إن شعر بأن خامنئي يرى أن دوره قد انتهى وقد لوح نجاد الأسبوع المنصرم إلى ذلك فعلا خلال مؤتمر صحفي بقوله “إذا كان تواجدي صعب بالنسبة للبعض فالأمر لا يتعدى كتابة سطر واحد ومع السلامة”.
في الحالتين هذه النقاط قد تجعل رحيل أحمدي نجاد قبل نهاية فترته الرئاسية أمرا غير مستبعد اطلاقاً.


تبقى الأيام وربما الأشهر القليلة القادمة مصيرية في ما يتعلق بتغلب إيران وخامنئي تحديدا على مشاكل الداخل والخارج والخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر والاهم ضمان الحفاظ على نظام ولي الفقيه مهما كان الثمن خاصة والمرحلة تشهد موجة من التقلبات السياسية التي لن تكون طهران بمنأى عنها وإن لم يتدارك خامنئي الأمر فإن رياح التغيير أو ما يسمى بالربيع العربي قد يتجه شرقاً ويقتلع النظام الحاكم في إيران من جذوره الأمر الذي لا يتمنى ساسة إيران التفكير فيه ناهيك عن تحققه على أرض الواقع.

المصدر: مجلة المجلة

ليست هناك تعليقات: