تويتر

الاثنين، 9 ديسمبر 2013

دول الخليج وحاجتها للتسويق السياسي والثقافي خارجيًّا


 
الرسم منقول

شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي (مجلة المجلة)


يُعدُّ القرن الواحد والعشرون قرن التسويق بمختلف أنواعه وأشكاله وأهدافه، كل برنامج تلفزيوني أو مهرجان ثقافي أو مؤتمر علمي يبحث عن داعمين وممولين، وفي المقابل يتم إبراز الجهة الداعمة والتسويق لها بشكل أو بآخر. لكل شيء ثمن، فالذي لا يسوق لبضاعته لن يحصل على عائدات، مادية كانت أو معنوية. نعلم أيضًا أن التسويق فن وعلم قائم بذاته يقبل الملايين من الطلاب حول العالم على دراسته، وتدفع الشركات الكبرى عشرات الملايين لتصميم وإنتاج الإعلانات لمنتجاتها، ويحصل العاملون في هذا المجال -في الغالب- على عائدات مجزية ورواتب عالية جدًا.

شعار صغير جدًا يبرز على مطوية الإعلان، أو في زاوية برنامج على إحدى القنوات التلفزيونية، أو رسالة تمر أمام مشاهدي مباريات كرة القدم والرياضات الأخرى، كل ذلك لا نلقي له بالاً ولا نعيره اهتمامًا كبيرًا رغم أنه يصادفنا عشرات المرات في اليوم الواحد، ولكن عندما نفكر في شراء منتج معين فإن الذاكرة تستعيد نشاطها، وتبحث بشكل سريع في المادة المخزنة في العقل الباطن؛ لتخرج لك باسم أو “لوغو” تجاري قد يساعدك كثيرًا على اتخاذ القرار، ويرشدك إلى المنتج الذي تبحث عنه، وكل ذلك لم يكن ليتحقق دون تلك الإعلانات التجارية، والملصقات الدعائية هنا وهناك.

لماذا كل هذه المقدمة التجارية أو الاقتصادية، وهل لذلك علاقة بالسياسة؟ “نعم”، هي الإجابة المختصرة والمباشرة على هذا السؤال.. ولكن كيف ذلك؟ سياسة أي دولة أو منظومة من الدول هي في نهاية الأمر تسويق لتوجهات هذه الدولة أو تلك. تعيين سفير لدولة محددة لدى دولة شقيقة أو صديقة أو حتى منافسة أو “عدوة” يصب أيضًا في وعاء ما يمكن تسميته بـ”التسويق السياسي” لتلك الدولة. كلنا نعرف المقولة التي تقول بأن السفير “شخص يكذب لصالح بلاده في الخارج”. الكذب لا يعني هنا المفهوم العام والمتعارف عليه للكذب، ولكن وكما تبالغ الشركات التجارية في الإعلان لمنتجاتها فإن من واجب السفير -كممثل دبلوماسي لبلده، في أي دولة كانت- أن يدافع عن وطنه، ويبرز ما يملكه وطنه من جوانب إيجابية (قد يجهلها الآخر)، ويعمل على تسويقها بطريقة مهذبة ومقبولة. بعبارة أخرى، فالسفير يسوق لبلده سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا متى ما سنحت الفرصة لذلك، ولعل ذلك يبرز غالبًا في احتفالات الأعياد الوطنية التي تقيمها سفارات الدول حول العالم. هي في نهاية الأمر محاولة مقبولة لتغيير الصور النمطية، والتي في غالبها سلبية وغير واقعية، عن بلد معين لدى الشعوب الأخرى.

لننتقل الآن إلى النقطة التي أود طرحها في هذا المقال. تستطيع دولنا من خلال مؤسساتها العلمية والبحثية، والشركات المهتمة بالنشاطات الثقافية والأدبية أن تروج لسياساتها وموقفها من خلال قضايا متعددة، ولإبراز صورتها الحقيقية من خلال تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل علمية في الدول الغربية بالتعاون مع جامعات ومعاهد ومؤسسات في تلك الدول. هذا لا يعني أن هذه الدول تفرض على المؤسسات الأجنبية أجندة وتوجه معين، أو تطلب استضافة متحدثين محددين بالاسم (هذا لن تقبله أي جهة علمية محترمة)، ولكن تنظيمهم ودعمهم لمثل هذه الفعاليات، وظهور شعارات الجهات الداعمة على إعلانات تلك الأنشطة يصب في نهاية المطاف في تغيير الصورة وتحسينها لدى بعض أفراد المجتمع الذي تقام على أرضه تلك الفعاليات، ويشجعهم للتعرف على هذا الداعم -والذي في نهاية المطاف يقود إلى المظلة الكبرى- الدولة التي تتبع لها هذه الجهة الراعية أو الداعمة.

علاوة على المساهمة في تنظيم تلك الأنشطة، تستطيع ملحقياتنا الثقافية والأقسام الثقافية في السفارات في الخارج تنظيم محاضرات ذات جوانب متعددة، وفي تخصصات مختلفة يلقيها أو يشارك فيها متحدثون متخصصون قادمون من الوطن، ويتحدثون بلغة المؤتمر وليس عبر مترجم؛ لأن حاجز اللغة يحول دون تحقيق الهدف، ومتى ما تم تجاوز ذلك كان وصول المعلومة أكثر سلاسة وأكبر قبولاً لدى المتلقي. مجددًا، لا يعني ذلك أن يتحدث هذا الضيف عن بلاده وكأنها جنة الله على الأرض، أو المدينة الفاضلة، بل يكون الطرح موضوعيًّا إلى أكبر قدر ممكن مع إبراز الجوانب التي قد تكون غائبة أو مغيبة في الإعلام المحلي للبلد المستضيف. كما على الطبقة المثقفة والباحثين أن يشاركوا في المناظرات التي تقام حول مواضيع أو قضايا سياسية حتى يتحقق التوازن في الطرح، ولا يكون لصالح طرف على حساب الآخر. ولا ننسى أيضًا، دور الطلبة المبتعثين للخارج؛ فهم سفراء لبلدانهم، ومشاركاتهم في المؤتمرات العلمية والثقافية والأنشطة المختلفة تقدم رسائل كبيرة تساعد كثيرًا في هذا الصدد.

ولتقديم مثال حول التسويق السياسي الهادف إلى تغيير صورة دولة معينة يمكننا هنا الإشارة إلى ما قامت به الحكومة الصينية قبل عام تقريبًا في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال استئجار شاشات عرض كبيرة على ناطحات السحاب في نيويورك؛ تعرض مقاطعَ مسجلة، وصورًا تظهر الصين الحديثة لتوضح مدى اختلافها عن الصور النمطية (Stereotypes) للصين لدى الشارع الأمريكي، وتبرز صورًا حديثة من الحياة اليومية للمواطن الصيني في بكين وغيرها. مثال آخر، نعلم جميعًا أن اللوبي اليهودي والإسرائيلي يسيطر على جزء كبير من وسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، ويلعب دورًا بارزًا في رسم صورة معينة لدى المتلقي الأمريكي والعالمي حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن هذا النوع من التسويق ليس لتحسين الصورة، بل يذهب ويخطط إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال قلب الحقائق، وإظهار المجرم في ثوب الضحية.

شخصيًّا، أرى أن عالمنا العربي ودول الخليج العربي تحديدًا تعاني من تقصير حقيقي في هذا الجانب، وهذا الغياب الكبير يترك مساحة واسعة للطرف الآخر -بغض النظر عن هويته- ليسوق لنفسه على حساب دولنا، ويبرزها بصورة سلبية، ويتكرر ذلك في بعض المؤتمرات والندوات التي تتحدث بشكل أو بآخر عن الصراعات السياسية في المنطقة، ولعل غياب صوت الطرف الآخر في المعادلة ووجهة نظره تجعل المتلقي يخرج بوجهة نظر واحدة تم تصويرها بأنها الحقيقة والصورة الكاملة، وإن كانت غالبًا على العكس من ذلك تمامًا، ولكن وكما يقال: “الغائب هو أكثر الخاسرين دائمًا”.

ليست هناك تعليقات: