شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي (صحيفة الشرق الأوسط)
تتجه أنظار شعوب دول الخليج العربي إلى العاصمة الكويتية التي تحتضن يوم الثلاثاء المقبل القمة الخليجية في دورتها الرابعة والثلاثين، وتتطلع هذه الشعوب إلى صدور قرارات تتواكب والمرحلة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم في ظل التحالفات الجديدة والمتغيرات الراهنة.
تطلعات المواطنين الخليجيين كبيرة. تسأل المواطن الخليجي من الكويت شمالا إلى سلطنة عمان جنوبا عن تطلعاته وآماله في هذه القمة الخليجية فتأتي الإجابة صريحة لا تردد فيها بأن المواطن الخليجي يتوق إلى تحقق شعار «خليجنا واحد.. وشعبنا واحد». إلا أن هذه الإجابة يتبعها، في الوقت ذاته، شيء من الترقب الحذر والخوف والرجاء. فمن جانب، يأمل المواطن الخليجي أن تتجاوز قيادات هذه الدول وزعماؤها الخلافات الصغيرة بين أعضاء العائلة الواحدة والعمل على حلها داخل البيت الخليجي، هذا من جانب، ومن جانب آخر يخشى تكرر خيبات الأمل التي سبقتها، حيث كان يتطلع في كل اجتماع مماثل إلى الوحدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى والانتقال إلى تشكيل قوة سياسية واقتصادية وجيوسياسية كبيرة، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على المستوى الدولي أيضا، وهي تملك كل المؤهلات لتحقيق ذلك.
حال المواطن الخليج يقول: في ظل الأجواء المضطربة في المنطقة وتوقعات، بل آمال، بعض الناقمين والحاسدين لهذه الدول، خيبة شعوب دولكم آمال أعدائها، ليس ذلك فحسب، بل رصت الصفوف وزادت اللحمة الوطنية لأن شعوب دولنا الخليجية تعلم جيدا أنها مختلفة تماما عن دول الربيع العربي لأسباب لا يسمح المجال هنا بسردها، وأن الانسياق خلف تلك الموجة لم ولن يجلب إلا الدمار والفساد. وفي الوقت ذاته تؤمن شعوبكم يقينا بأنكم، أيها القادة، تسعون إلى راحة المواطن الخليجي والسهر على تحقيق طموحاته وآماله، ومن هذا المنطلق فإننا كشعوب نطالبكم، جماعات وأفرادا، بدءا من المواطن الخليجي البسيط وانتهاء بالنخب الاجتماعية والثقافية والسياسية، نطالبكم بتحقيق حلم هذه الشعوب المخلصة، وأن تضعوا هذه النظرة نصب أعينكم وأنتم مجتمعون في جوهرة الخليج التي عكست قبل أكثر من عقدين من الزمن صورة التلاحم الخليجي في أجمل صوره وأبهى حلله وهي تدافع عن أرضها بعد الغزو العراقي، وتذكروا مقولة الراحل الملك فهد بن عبد العزيز: «إما أن تعود الكويت أو تذهب السعودية معها». وقد عادت الكويت، ولله الحمد، فحققوا دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أطلقها قبل فترة، وأعلنوا عن الوحدة الخليجية التي سترفع، ولا شك، من أرصدتكم لدى شعوبكم، وتفسد كل محاولة عابثة لصدع العلاقة بين هذه الدول والانفراد بكل دولة على حدة، على قاعدة «فرق تسد».
نخاطب القادة بكل صدق وإخلاص وحب ونقول، كمواطنين خليجيين، التفتوا أيها القادة إلى مطالب شعوبكم فهذه الشعوب هي الرصيد الحقيقي والدائم، وقد رضوا بكم لقيادة المسيرة قبل اكتشاف النفط وبعده، فمنهم تستمدون قوتكم، وبهم ومعهم يستمر النمو والازدهار والأمن والأمان لهذه المنطقة، كما يجب أن نتذكر أن التحالف الحقيقي والصلب يتركز على الوحدة الوطنية وتقوية الجبهة الداخلية والشفافية والإصلاح السياسي، وما الوحدة الخليجية إلا تتويج لذلك. فاتحاد الكلمة والسياسة الخارجية والسياسة النفطية والعسكرية الموحدة بين أعضاء هذا العقد اللؤلؤي الفريد هو ما يتطلع إليه المواطن الخليجي. كمواطنين لهذه الدول، نقولها بكل شفافية ووضوح، لا مجال مطلقا لأي عضو من أعضاء المنظومة للتغريد خارج السرب الخليجي، خاصة في هذه المرحلة، كما أن المراهنة على التحالفات مع بعض الدول سواء كانت إقليمية أو غربية، قد أثبتت فشلها بكل المقاييس، ذلك لأن تلك الدول وببساطة شديدة تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، ومتى ما وجدت خيارا أفضل اتجهت إليه غير مكترثة بأي شيء آخر.
لذلك كله نتمنى أن تشهد قمة الكويت ولادة مرحلة جديدة بين أعضاء المجلس، ولا مانع من المكاشفة والصراحة والإرادة السياسية لتتجاوزوا كل الخلافات الصغيرة لتحقيق هدف أسمى وأعظم يصب في مصلحة الحكومات والشعوب على حد سواء. علينا جميعا أن نتعلم من الماضي القريب ونتذكر ظروف الإعلان عن تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فلسنا بحاجة إلى الشعور بالخطر والتهديد لكي نقوم بالخطوات اللازمة، بل نستبق ذلك كله ونستثمر الوقت للتطوير والبناء بدلا من النقاش حول مدى جدية هذا القرار أو ذاك.
تذكروا وأنتم في كويت الخير والمحبة أن طموح المواطن الخليجي يتجاوز الاتفاقيات الأمنية وتوحيد العملة إلى تحويل المجلس الحالي إلى اتحاد كامل وشامل وفعال بين كل الأعضاء، فأفرحوا قلوب شعوبكم وزفوا إليهم هذه البشرى التي يستحقونها وانتظروها طويلا، وحصنوا دولكم من كل حاسد وطامع ومنافق وغدار.. والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق