شؤون إيرانية:
بقلم محمد السلمي
كيف يجب أن نتعامل مع إيران؟ سؤال يتردد كثيرا في الأوساط السياسية مع بروز أي
توتر في العلاقات بين إيران والدول العربية والخليجية تحديدا. المراقب لسياسة دول
مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدرك أنها تتبع سياسة الابتعاد عن التدخل في شؤون
الغير، وهي سياسة تحاول هذه المنظومة من خلالها تجنب الدخول في صراعات مع دول
الجوار، كما أن الدول الخليجية قد اتخذت من استراتيجية السياسة الدفاعية البحتة
منهجا لها وهي متأنية إلى أبعد الحدود في ردود أفعالها تجاه أي حدث إقليمي أو دولي.
في هذا الصدد، دأبت دول الخليج على التعامل مع دولة مثل إيران بمبدأ حسن الجوار
واحترام سياستها في التعامل مع شأنها الداخلي من دون أن تقحم نفسها في «الصراعات
المذهبية والعرقية» داخل حدود الدولة الإيرانية والمواجهات التي تحدث في إيران، كما
أنها ما لبثت تنادي بحل الملفات العالقة بين الجانبين، وفقا للقوانين والمعاهدات
الدولية، وعلى رأس تلك الملفات موضوع الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران.
في المقابل، تنتظر هذه الدول من إيران أن تعاملها بنفس المبدأ، إلا أن الجانب الإيراني يقرأ سياسة دول الخليج هذه بطريقة مختلفة، فهو يرى أن السياسة الدفاعية أو المبنية على ردود الأفعال دون المبادرة، تنم عن عدم قدرة دول الجوار العربي على مجابهة طهران سياسيا وعسكريا مما شجع الساسة الإيرانيين على السماح لأنفسهم بالتدخل في الشأن العربي والخليجي، وما انفك هذا الجار يثير القلاقل والنزاعات داخل هذه الدول ويزرع خلايا تجسسية هنا وهناك، وكذلك اللعب على الجانب المذهبي من خلال تنصيب نفسه مدافعا عن جميع أتباع المذهب الشيعي وكل من تطلق عليهم إيران مسمى «المستضعفين في العالم» وأدرجته ضمن مواد الدستور الإيراني، حيث تؤكد المادة 154 منه على «أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم». وعبر هذه النافذة تسمح إيران لنفسها بالتدخل في شؤون الغير.
في ظل هاتين الطريقتين المتباينتين يجب أن ندرك أن طريقة تفكير الشخصية الإيرانية لا تعترف إلا بأسلوب الندية والتحدي والوقوف بكل جدية في وجهها وما عدا ذلك فكل المحاولات في التعامل مع إيران سيكون مصيرها الفشل والأمثلة في هذا الصدد كثيرة جدا. واستنادا إلى ذلك، فإن مجابهة التدخل الإيراني في الشأن الخليجي لا يمكن أن يتم، من وجهة نظري الشخصية، إلا من خلال قيام هذه الدول بتغيير استراتيجيتها وبشكل جذري في التعامل مع إيران، ولكن ما الخطط الاستراتيجية البديلة التي قد توقف هذه الاستفزازات الإيرانية المتكررة؟
لقد شكل انهيار الاتحاد السوفياتي فراغا استراتيجيا كبيرا في منطقة آسيا الوسطى مما مكن عدة دول، وعلى رأسها إيران، من لعب دور فعال في هذه المنطقة الحيوية من العالم، حيث التقارب الثقافي والعرقي والجغرافي بينها وبين إيران، فهي تنظر إلى بعض دول آسيا الوسطى والدول التي أعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (مثل طاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وأذربيجان) باعتبارها «الباحة الخلفية» لها وترى الاقتراب منها خطرا يهدد مصالحها في تلك المنطقة وخطا أحمر لن تسمح طهران بالمساس به، كما تتمتع هذه المنطقة باهتمام خاص في الفكر الاستراتيجي الإيراني. صحيح أن هناك اختلافات أيديولوجية بين معظم هذه الدول وإيران (معظم تلك الدول تتبع المذهب السني)، إلا أن الاعتبارات البراغماتية لإيران تفوق الاعتبارات الأيديولوجية في علاقاتها مع تلك الدول، بعيدا عن أية اعتبارات أيديولوجية أو دينية.
من هذا المنطلق، تستطيع دول الخليج استخدام سياسة التطويق الدبلوماسي والاقتصادي والبدء من هذه النقطة تحديدا ولا أعني هنا التدخل في شأن تلك الدول، ولكن من خلال القوة الناعمة وبناء علاقات متينة معها والقيام بنشاط دبلوماسي من خلال بعض الزيارات لتلك الدول وتوقيع بعض الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع دول المنطقة بشكل يسمح لها بالتوسع التجاري والاستثماري طويل الأمد، خصوصا في مجال الطاقة. إضافة إلى ذلك، فإن لدى تلك الدول مخاوف أمنية من مطامع إيران في المنطقة، خاصة وأن بعض الساسة الإيرانيين يطلقون بين الفينة والأخرى تصريحات تؤكد بأن بعض دول آسيا الوسطى جزء لا يتجزأ من الدولة الإيرانية، ويجب إعادتها إلى حضن الدولة الأم، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في تلك الدول تجاه طهران.
كل هذا قد يساعد على بناء علاقات متينة لدول الخليج مع تلك الدول ومحاولة سحب البساط من تحت إيران وتكوين تحالفات جديدة في جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الخطوة ستحول إيران، بكل تأكيد، من مركز الهجوم والتدخل في الشأن الخليجي إلى مركز الدفاع عن مصالحها في آسيا الوسطى خشية أن تفقد مكانتها السياسية والثقافية والاقتصادية هناك. الأهم من ذلك كله أن إيران ستبدأ ليس في تغيير نظرتها لجيرانها العرب وحسب، بل ستكون مجبرة على إعادة التفكير في الأوراق التي تستطيع هذه الدول أن تلعب بها قبل أن تتقدم بشكل أكبر وتعامل إيران بنفس الأسلوب، خصوصا أن إيران تعلم جيدا القنابل الموقوتة الكثيرة في الداخل بسبب التركيبة الفسيفسائية التي تشكل البناء الاجتماعي في البلاد.
ختاما، يحتاج مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإعادة ترتيب أوراقه وخياراته في التعامل مع إيران وفقا للمتطلبات الجيوسياسية، فنحن لا نستطيع تغيير واقع الترابط الجغرافي بيننا وبين إيران ولكننا نملك حرية تغيير توجهاتنا الأمنية والاستراتيجية الحالية والمستقبلية وتطويرها على النهج الذي يضمن لدولنا مواجهة التحديات على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة أن هذه الدول تملك من مقومات تشكيل قوة اقتصادية وسياسية كبيرة متى ما طبقت فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحها العاهل السعودي أخيرا، فجميع الظروف مواتية لتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وبذلك سوف يساعدها هذا الاتحاد على إعادة النظر في استراتيجياتها على كل الأصعدة، ومن بين ذلك التعامل مع الملف الإيراني، بطبيعة الحال الذي عانت منه هذه الدول كثيرا ولا بد من أخذه بشكل أكثر جدية وحزما واستثمار عامل الوقت قبل أن تتمادى إيران في تدخلاتها في الشأن المحلي لهذه الدول.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط
في المقابل، تنتظر هذه الدول من إيران أن تعاملها بنفس المبدأ، إلا أن الجانب الإيراني يقرأ سياسة دول الخليج هذه بطريقة مختلفة، فهو يرى أن السياسة الدفاعية أو المبنية على ردود الأفعال دون المبادرة، تنم عن عدم قدرة دول الجوار العربي على مجابهة طهران سياسيا وعسكريا مما شجع الساسة الإيرانيين على السماح لأنفسهم بالتدخل في الشأن العربي والخليجي، وما انفك هذا الجار يثير القلاقل والنزاعات داخل هذه الدول ويزرع خلايا تجسسية هنا وهناك، وكذلك اللعب على الجانب المذهبي من خلال تنصيب نفسه مدافعا عن جميع أتباع المذهب الشيعي وكل من تطلق عليهم إيران مسمى «المستضعفين في العالم» وأدرجته ضمن مواد الدستور الإيراني، حيث تؤكد المادة 154 منه على «أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم». وعبر هذه النافذة تسمح إيران لنفسها بالتدخل في شؤون الغير.
في ظل هاتين الطريقتين المتباينتين يجب أن ندرك أن طريقة تفكير الشخصية الإيرانية لا تعترف إلا بأسلوب الندية والتحدي والوقوف بكل جدية في وجهها وما عدا ذلك فكل المحاولات في التعامل مع إيران سيكون مصيرها الفشل والأمثلة في هذا الصدد كثيرة جدا. واستنادا إلى ذلك، فإن مجابهة التدخل الإيراني في الشأن الخليجي لا يمكن أن يتم، من وجهة نظري الشخصية، إلا من خلال قيام هذه الدول بتغيير استراتيجيتها وبشكل جذري في التعامل مع إيران، ولكن ما الخطط الاستراتيجية البديلة التي قد توقف هذه الاستفزازات الإيرانية المتكررة؟
لقد شكل انهيار الاتحاد السوفياتي فراغا استراتيجيا كبيرا في منطقة آسيا الوسطى مما مكن عدة دول، وعلى رأسها إيران، من لعب دور فعال في هذه المنطقة الحيوية من العالم، حيث التقارب الثقافي والعرقي والجغرافي بينها وبين إيران، فهي تنظر إلى بعض دول آسيا الوسطى والدول التي أعلنت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (مثل طاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وأذربيجان) باعتبارها «الباحة الخلفية» لها وترى الاقتراب منها خطرا يهدد مصالحها في تلك المنطقة وخطا أحمر لن تسمح طهران بالمساس به، كما تتمتع هذه المنطقة باهتمام خاص في الفكر الاستراتيجي الإيراني. صحيح أن هناك اختلافات أيديولوجية بين معظم هذه الدول وإيران (معظم تلك الدول تتبع المذهب السني)، إلا أن الاعتبارات البراغماتية لإيران تفوق الاعتبارات الأيديولوجية في علاقاتها مع تلك الدول، بعيدا عن أية اعتبارات أيديولوجية أو دينية.
من هذا المنطلق، تستطيع دول الخليج استخدام سياسة التطويق الدبلوماسي والاقتصادي والبدء من هذه النقطة تحديدا ولا أعني هنا التدخل في شأن تلك الدول، ولكن من خلال القوة الناعمة وبناء علاقات متينة معها والقيام بنشاط دبلوماسي من خلال بعض الزيارات لتلك الدول وتوقيع بعض الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع دول المنطقة بشكل يسمح لها بالتوسع التجاري والاستثماري طويل الأمد، خصوصا في مجال الطاقة. إضافة إلى ذلك، فإن لدى تلك الدول مخاوف أمنية من مطامع إيران في المنطقة، خاصة وأن بعض الساسة الإيرانيين يطلقون بين الفينة والأخرى تصريحات تؤكد بأن بعض دول آسيا الوسطى جزء لا يتجزأ من الدولة الإيرانية، ويجب إعادتها إلى حضن الدولة الأم، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في تلك الدول تجاه طهران.
كل هذا قد يساعد على بناء علاقات متينة لدول الخليج مع تلك الدول ومحاولة سحب البساط من تحت إيران وتكوين تحالفات جديدة في جمهوريات آسيا الوسطى. هذه الخطوة ستحول إيران، بكل تأكيد، من مركز الهجوم والتدخل في الشأن الخليجي إلى مركز الدفاع عن مصالحها في آسيا الوسطى خشية أن تفقد مكانتها السياسية والثقافية والاقتصادية هناك. الأهم من ذلك كله أن إيران ستبدأ ليس في تغيير نظرتها لجيرانها العرب وحسب، بل ستكون مجبرة على إعادة التفكير في الأوراق التي تستطيع هذه الدول أن تلعب بها قبل أن تتقدم بشكل أكبر وتعامل إيران بنفس الأسلوب، خصوصا أن إيران تعلم جيدا القنابل الموقوتة الكثيرة في الداخل بسبب التركيبة الفسيفسائية التي تشكل البناء الاجتماعي في البلاد.
ختاما، يحتاج مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإعادة ترتيب أوراقه وخياراته في التعامل مع إيران وفقا للمتطلبات الجيوسياسية، فنحن لا نستطيع تغيير واقع الترابط الجغرافي بيننا وبين إيران ولكننا نملك حرية تغيير توجهاتنا الأمنية والاستراتيجية الحالية والمستقبلية وتطويرها على النهج الذي يضمن لدولنا مواجهة التحديات على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة أن هذه الدول تملك من مقومات تشكيل قوة اقتصادية وسياسية كبيرة متى ما طبقت فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحها العاهل السعودي أخيرا، فجميع الظروف مواتية لتطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، وبذلك سوف يساعدها هذا الاتحاد على إعادة النظر في استراتيجياتها على كل الأصعدة، ومن بين ذلك التعامل مع الملف الإيراني، بطبيعة الحال الذي عانت منه هذه الدول كثيرا ولا بد من أخذه بشكل أكثر جدية وحزما واستثمار عامل الوقت قبل أن تتمادى إيران في تدخلاتها في الشأن المحلي لهذه الدول.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط