شؤؤن إيرانية
بقلم: محمد السلمي
بقلم: محمد السلمي
نظرة على العلاقات
بين طهران وأنقرة:
بداية
يجب أن ندرك أن العلاقات الإيرانية - التركية قد اتسمت ومنذ الثورة الإسلامية في
إيران في عام 1979 بالتأرجح بين التوتر والانسجام شبه التام، وهناك بؤر خلافات
عديدة بين البلدين وإن حاولتا طهران وأنقرة ردمها ومعالجتها ولكنها سرعان ما تظهر
إلى السطح عند أدنى توتر أو تعارض في التوجهات السياسية للبلدين. لقد أحدثت الثورة
السورية خلافا سياسيا بين الجانبين، فمع بداية الثورة قبل ما يربو على العامين ظهر
اختلاف كبير في وجهات النظر بين البلدين في هذا الإطار وقد تبادل الطرفان اطلاق
تصريحات انتقادية بعضها كان شديد اللهجة خاصة عندما تحدثت وسائل الإعلام عن قرار
السلطات التركية نشر درع من صواريخ الناتو (من نوع باتريوت) على الحدود السورية
التركية حيث زار رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني تركيا وعبر حينها عن امتعاض
طهران من هذا القرار باعتباره خطوة استفزازية من جانب أنقرة ليس للنظام السوري
فحسب بل سيكون له عواقب وخيمة ستؤدي الى تفاقم المشاكل في المنطقة برمتها. الرد
التركي على انتقادات لاريجاني هذه لم يتأخر كثيراً فقد صرح وزير الداخلية التركي إدريس
نعيم شاهين أن السلطات الإيرانية تدعم حزب العمال الكردستاني المسلح والذي تصنفه
أنقرة ودول اخرى عدة ضمن المجموعات الإرهابية. و
نقلت صحيفة "حريت" التركية عن الوزير أن تركيا على اطلاع كامل بدعم
ايران لهذا الحزب “الإرهابي” وأن الجانب الإيراني يقوم بنقل المصابين من أفراد
الحزب إلى الداخل الإيراني ويقدم لهم الخدمات الطبية والعلاجية.
التعاون الاقتصادي والتجاري:
الخلافات
بين إيران وتركيا خلافات سياسية بحتة أما فيما يتعلق بالجانب الثقافي والاقتصادي
والتبادل التجاري فالتعاون متواصل وفي حالة نمو مستمر. هناك تبادل تجاري كبير بين
إيران وتركيا يصل في الوقت الراهن إلى 25 مليار دولار، ووفقا لتقارير إيرانية فإنه
من المتوقع أن يرتفع ذلك خلال العامين القادمين إلى 35 مليار دولار، وإذا ما تم
رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران فإن التبادل التجاري بين الجانبين قد
يتجاوز المائة مليار دولار. من جانب آخر، استمرت تركيا في استيراد النفط والغاز من
إيران على رغم الضغوطات الغربية على أنقرة بهدف تقليص وارداتها من الطاقة
الإيرانية. إلى جانب ذلك، تحتل إيران المركز الثالث من حيث استيراد السلع التركية
وقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إيران قرابة عشرة مليارات دولار، بينما تأتي
إيران في المركز السادس من حيث التواجد في الأسواق التركية بمبلغ يصل إلى نحو 11.4
مليار دولار في عام 2012. في إطار آخر، وبسبب العقوبات الدولية المفروضة على خطوط
نقل البضائع إلى إيران، تسعى طهران جاهدة إلى إحلال تركيا محل دولة الامارات
العربية المتحدة فيما يتعلق بمسار وارداتها من البضائع التي تحتاجها كما يوجد في
تركيا العديد من الشركات الإيرانية وتستفيد من التسهيلات التي تقدمها أنقرة فيما
يتعلق بنقل البضائع والتعاملات المالية بين تركيا وإيران. ولقد شهدنا في الآونة
الأخيرة ارتفاع الدور الذي يلعبه الجانب التركي فيما يتعلق بتزويد إيران بما
تحتاجه من مواد أولية وكانت الأراضي التركية محطة عبور (ترانزيت) للبضائع المختلفة
إلى الأسواق الإيرانية.
مرحلة جديدة، سياسة جديدة:
على
جانب التعاون السياسي بين البلدين في الآونة الأخيرة، فلقد شهدنا تقاربا إيرانياَ-
تركيا كبيراَ وتوافقاَ في وجهات النظر في عدة جوانب ولعل أبرزها التقارب الكبير
فيما يتعلق بالأزمة السورية. هذا التقارب بين طهران وأنقرة لا يمكن قراءته بمعزل
عن التطورات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط. فلقد تحدثت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية مؤخرا عن
قيام السلطات التركية بتزويد
المخابرات الإيرانية قائمة بأسماء عشرة من جواسيس إسرائيل الإيرانيين، والذين
كانوا يترددون إلى تركيا للتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية، كما تحدث موقع دبكا الإسرائيلي عن توقيع اتفاقية سرية للتعاون الاستخباراتي بين
أنقرة وطهران وأشرف على توقيعها وزير الخارجية التركي أحمد داوود اغلو ونظيره
الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارة الأخير إلى أنقرة قبل أيام. خلال هذه الزيارة،
شدد وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الإيراني، شدد على ما وصفه
ب"العلاقات التاريخية والعميقة" بين إيران وتركيا، مضيفا بأن هناك من
يحاول وضع الدولتين وجها لوجه ولكن إيران وتركيا ليستا متنافستين بل دولتين
صديقتين. من جانب آخر، وصف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان
الإيراني فتح الله حسيني التقارب التركي-الإيراني بأنه يأتي بعد سياسة تركية كانت
متعجلة تجاه ما يجري في سوريا وكذلك في علاقتها مع السعودية وقد أدركت أنقرة ذلك
وعادت إلى تعاونها مع إيران. ويضيف حسيني بأن تركيا تسعى الآن إلى رفع مستوى تعاونها
مع إيران و "ترميم الجسور المهدمة" بين الجانبين، على حد قوله. هذا
التقارب توج بالكشف عن زيارة سيقوم بها الرئيس حسن روحاني إلى تركيا في شهر ديسمبر القادم كما أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان سيزور إيران في شهر يناير من العام القادم (2014).
عليه، فإن إيران
وتركيا تتجهان نحو مرحلة جديدة وقوية من
العلاقة السياسية بين البلدين ويمكن تلخيص أسباب هذا التقارب في النقاط التالية:
1-
وصول حكومة إيرانية "معتدلة" تحاول
ركزت على الانفتاح على الغرب ودول الجوار وحل الخلافات حول برنامجها النووي الأمر
الذي سبق وأن لعبت أنقرة فيه دورا بارزا قبل الثورة السورية في محاولة منها لتقريب
وجهات النظر بين إيران والدول الكبرى .
2-
التقارب الأمريكي-الإيراني ومحاولة تركيا أن تلعب
دورا في هذا الاتجاه حيث رحبت تركيا بهذا التقارب بأمل أن تستفيد من أي انفتاح
امريكي قادم تجاه إيران
3-
تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في العام القادم
ويسعى حزب العدالة والتنمية ووفقا للأوضاع الراهنة، على المستويين الداخلي
والخارجي وكذلك بسبب الانتقادات للحزب، يسعى إلى إعادة تقييم دبلوماسيته مع دول
الجوار. لذا فإن تركيا تسعى إلى تحسين العلاقة مع إيران والحكومة العراقية المقربة
من طهران حيث توجه مؤخرا وفد تركي إلى بغداد نقل دعوة من رئيس
الحكومة إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لزيارة أنقرة.
4-
تحسين العلاقة مع حكومة إقليم كردستان العراق بعد
أن مرت هذه العلاقة بمرحلة توتر لبعض الوقت وكذلك .محاولة
تركيا إقناع الجانب الإيراني بالتخلي عن دعم المجموعات الكردية التركية المسلحة
وعدم إيواءها أو تقديم أي تسهيلات لها.
5-
المخاوف المشتركة بين أنقرة وطهران فيما يتعلق
بالجماعات المسلحة من خلال لعب طهران على وتر خطر هذه الجماعات
"الإرهابية" وتنظيم القاعدة فتركيا تخشى من تسرب الجماعات
"المتطرفة" في سوريا إلى الداخل التركي خاصة بعد المناوشات الأخيرة بين
الجيش التركي وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، المرتبط
بتنظيم القاعدة، على الحدود التركية-السورية.
العلاقة مع السعودية:
في
ظل هذا التقارب بين طهران وأنقرة، يبرز سؤالاَ هاماَ وهو هل سيمثل التقارب بين
طهران وأنقرة ابتعادا في علاقة تركيا مع بقية دول المنطقة خاصة المملكة العربية
السعودية؟ بداية يجب أن ندرك أن السياسة التركية سياسة براغماتية إلى حد كبير
وتميل هذه السياسة في الاتجاه الذي يتوافق و مصالحها السياسية والاقتصادية، ومع
ذلك فإن التطورات السياسية في المنطقة تؤثر على مسار هذه المصالح وإعادة تقييم
علاقاتها وتحالفاتها. وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلاَ، نجد أن إيران رحبت
بفوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية في مصر وحينها ركز الإعلام
الإيراني على ضرورة تشكيل مثلثاَ اسلامياَ في الشرق الأوسط يضم كلاَ من مصر وتركيا
وإيران إلا أن عزل الدكتور محمد مرسي في شهر يوليو الماضي أحدث ضربة حقيقية لهذه
الاستراتيجية التي كانت تعمل طهران على بناءها. هذه التطورات على الساحة المصرية
ألقت بظلالها على العلاقة بين أنقرة والرياض أيضاً وهناك بون شاسع في وجهات النظر في
البلدين في هذا الصدد كون الحكومة التركية الحالية تتفق من حيث الأيدولوجية مع
حكومة محمد مرسي وبالتالي فإن عزل الأخير وموقف السعودية من ذلك أحدث شرخا في
العلاقة بين الجانبين وعليه فإن التقارب الإيراني- التركي الحالي قد يكون، بشكل أو
بآخر، نوعا من ردة الفعل التركية على ذلك. من جانب آخر، شهدنا في الآونة الأخيرة تغيرا
في الموقف التركي من الأزمة السورية واصبح يقترب كثيراَ من الموقف الإيراني بعد أن
كان قبل عام أو نحوه ينسجم تماماَ مع الموقف السعودي. إيران تحاول كسب ثقة تركيا
وحل الخلافات القائمة وفي الوقت ذاته تعمل على الاستفادة من الخلافات الحالية بين
الرياض وأنقرة بسبب الأوضاع في مصر واستقطاب الجانب التركي نحوها. تركيا بدأت
تنساق كثيراً خلف طهران وقد أعلنت عن دعم إيران في محادثات جنيف 2 حول الأزمة
السورية وسبل حلها.
ختاما، يجب الإشارة إلى أن التقارب
الإيراني- التركي ينسجم أيضاَ مع التوجهات الجديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة. تدعوا
بعض الأصواتً في الولايات المتحدة الأمريكية إلى بناء تحالفات جديدة في الشرق
الأوسط خاصة مع إيران وتركيا ومن غير المستبعد أن يكون التناغم الحالي بين طهران
وأنقرة بداية تأسيس هذا التحالف خاصة إذا ما آخذنا في الاعتبار التقارب الأمريكي –
الإيراني بعد قطيعة معلنة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود.
ملاحظة: أجزاء من هذا التقرير نشرت في صحيفة الوطن السعودية هنا