بلوشستان |
شؤون إيرانية
د.
محمد بن صقر السلمي
@iranianaffairs
المصدر: صحيفة مكة@iranianaffairs
تعتبر
تركيبة المجتمع الإيراني تركيبة موزاييكية تتكون من أقليات عرقية، ودينية ومذهبية
متنوعة، ويلعب الجانب العرقي دوراً كبيراً ليس في سياسة إيران الداخلية وهيكلة
النظام وعلاقة الحكومة المركزية في طهران بالأقليات العرقية في البلاد بغض النظر،
في الغالب، عن انتماءاتها المذهبية والدينية، إلا أن الأمر يزداد سوءاً عندما
تختلف بعض مكونات المجتمع الإيراني عرقياً ومذهبياً عن الصبغة المعروفة للنظام
الإيراني بعد ثورة 1979م.
البلوش
في
ظل غياب شبه كامل لكافة الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بحقوق الإنسان حول العالم
وتدافع المضطهدين لأسباب دينية أو عرقية ونحو ذلك، تمارس السلطات الإيرانية أقسى
أنواع التهميش تجاه الأقليات العرقية في البلاد واضطهادها بأشكال مختلفة ومتنوعة.
ففي الشرق والجنوب الشرقي يعاني أهالي محافظة سيستان وبلوشستان من تهميش كبير في
الجانب المعيشي والتنموي والتعليمي والانخراط في مؤسسات الدولة خاصة في المناصب
المرموقة في الإقليم ناهيك عن الوظائف في الوزارات الكبرى. كما أن حصة المحافظة من
الميزانية العامة للدولة تعد الأقل من بين جميع المحافظات الإيرانية على الرغم من
أن المحافظة تعد ثالث أكبر محافظة في البلاد. قاد هذا الأمر السكان إلى التعبير عن
امتعاضهم تجاه هذا التهميش وقادهم إلى تنظيم العديد من المظاهرات والمسيرات
الاحتجاجية مما أدى إلى مواجهات ومصادمات مع الأجهزة الأمنية الأمر الذي نجم عنه
اعتقال وإعدام العشرات.
معاناة عرب إيران
أما
فيما يتعلق بالأقلية العربية في محافظة عربستان (خوزستان حالياً) في الجنوب
والجنوب الغربي لإيران وعاصمتها حالياً الأحواز فالأمر أكثر سوءاً من غيره. هذه
المحافظة تعد أكثر المحافظات الإيرانية ثراءً في الجغرافيا الإيرانية حيث حقول
النفط والغاز التي تمد إيران بقرابة 85% من ميزانية الدولة. تعد الغالبية العظمى
من الأقلية العربية في إيران من أتباع المذهب الشيعي الاثناء عشري، إلا أن ذلك لم
يشفع لهم عند النظام الإيراني. تعاني مناطق المحافظة من تجاهل كامل للبنية التحتية
والخدمية ويعاني شباب المحافظة من البطالة وانتشار المخدرات بينهم جراء هذا التهميش.
إلى جانب ذلك، يعترض أهالي المحافظة على قيام السلطات بتغيير ممنهج للتركيبة
الديموغرافية للمحافظة من خلال اعتماد سياسة التهجير للأهالي مقابل توطين عائلات
تم نقلهم من محافظات وسط إيران من العرق الفارسي في الغالب.
التلوث البيئي
تعاني المحافظة من تلوث بيئي كبير جعلها تحتل المركز الأول عالمياً من
حيث التلوث البيئي مما أدى إلى معاناة الأهالي خاصة الأطفال والشيوخ من أمراض
مزمنة. وهناك أسباب طبيعية لهذا التلوث البيئي إلا أن السبب الأكبر يعود إلى
التصرفات الخاطئة للحكومة الإيرانية. فلقد عمدت السلطات إلى نقل مياه نهر كارون
الشهير إلى محافظات وسط إيران وتجفيف بعض المناطق الغنية بالمياه وتحويل بعض
المناطق الزراعية إلى مصانع مما أثر بشكل مباشر على بيئة المحافظة فأصبحت تعاني من
تلوث بيئي كبير وتصحر ملفت للأنظار. ويأتي هذا التلوث بسبب
المشاريع غير المدروسة التي أقامتها الحكومات الإيرانية المتعاقبة ومنها مصانع
الصلب والحديد وكذلك مصانع البتروكيمياويات ومشاريع قصب السكر التي أقيمت في
السنوات الماضية على ضفتي نهر كارون وقد اكتملت حلقة التلوث هذه بعد قيام الحكومة
الإيرانية بإنشاء المزيد من السدود على الأنهار المنحدرة من سفوح جبال زاجروس نحو
المحافظة
الموت البطيء للأحوازيين
وخلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت حالة
التلوث بشكل غير مسبوق، ونشر الناشطون المحتجون الأحوازيون على صفحات مواقع
التواصل الاجتماعي صورا مأساوية عن الأجواء في الأحواز تشير بوضوح إلى حدوث
مشكلة بيئية كبيرة هناك، وقد
رفع الأحوازيون شعارات من بينها "لقد ماتت المحافظة، ونحن خلقنا من التراب
وسوف نعود إليها"، "ستبقى هذه الأرض على رؤوسنا ما حيينا"، واسفاه
على من مات بسبب التلوث"، كلنا ما نطلبه من هذه الدنيا هو أن نتنفس هواء
نقياً"، وكذلك "الهواء النقي حق مشروع لنا" وغيرها من الشعارات
التي تعبر عن الامتعاض والغضب. وأدى التلوث البيئي إلى اغلاق المدارس وبعض
الإدارات الحكومية في عدد من مدن المحافظة.
إلى ذلك، أعلنت المنظمة العالمية لبحوث السرطان (IARC)
مؤخراً بأن تلوث الهواء العامل الأساسي وراء انتشار ظاهرة السرطان، وأن مدينة
الأحواز هي الأكثر تلوثا في العالم. وهناك علاقة مباشرة بين تلوث الهواء وأنواع
الأمراض ومن بينها السرطان. في هذا الصدد،
كان الرئيس الأسبق لمستشفى الشفاء المتخصص بمعالجة الأمراض السرطانية قد حذر من
التزايد الواضح لأعداد المراجعين الجدد لمرضى السرطان في الأحواز وقال: الأرقام
تؤكد ارتفاع عدد المرجعين الذين يشكون من مرض السرطان وقد ارتفعت بما يقارب 500 %
مؤكداً بأن ارتفاع نسبة معدلات الإصابة بمرض السرطان في الأحواز تعود بشكل رئيسي
إلى تلوث العناصر الرئيسية للبيئة مثل الهواء والماء والغذاء، محذرا من وقوع
تسونامي سرطان في السنوات القادمة.
عموماً،
هذا التهميش والمعاملة غير المنصفة لشريحة كبيرة تشكل قرابة 50% من المجتمع
الإيراني، من بينهم البلوش والأحوازيون، قد ينعكس بشكل كبير ومباشر على الاستقرار
السياسي في البلاد خاصة إذا ما استمر النظام في تجاهل هذه المطالب المعيشية
والتنموية الرئيسة. فوفقاً لتقرير صدر مؤخراً، صنفت إحدى المؤسسات البحثية الغربية
حالة الخطر السياسي Political
Risk في إيران بـ "المرتفعة High)
بينما جاء الخطر الأمني Security Risk بالمستوى "المتوسط Middle" خاصة في بعض المحافظات التي تقطنها
الأقليات العرقية، ولعل ذلك مؤشر كبير على مدى امتعاض تلك الأقليات إلى جانب شرائح
أخرى من المجتمع الإيراني بشكل عام.