شؤون إيرانية:
بقلم: د. محمد بن صقر
السلمي
المصدر: صحيفة مكة
المصدر: صحيفة مكة
ضربت الصحافة الإيرانية
خلال الأسابيع القليلة الماضية موجة محمومة من التعرض لدول الخليج العربي والمملكة
العربية السعودية على وجه الخصوص إلى درجة غير مسبوقة خلال العقد الأخير على أقل
تقدير. كمتابع يومي للإعلام الإيراني والتصريحات الصادرة من مسئوليّ النظام
الإيراني على كافة المستويات ابتداءً من ولي الفقيه والدوائر المقربة منه ومروراً بالقادة
العسكريين من الحرس الثوري والجيش الإيراني وانتهاءً بالحكومة الإيرانية، أجد أن
الصوت الإيراني بدأ يرفع من وتيرة العداء تجاه منطقة الجوار العربي وقد وصل الأمر
إلى التهديد الصريح أيضاً.
في السابق، اعتاد المتابع
للشأن الإيراني على تصريحات إيرانية مستفزة صادرة في الغالب من التيار
"الأصولي" وقيادات الحرس الثوري وقوات البسيج (التعبئة)، أما الأمر فقد تغير
في المرحلة الأخيرة حيث بدأت هذه التصريحات تصدر أولاً من مساعد وزير الخارجية
حسين أمير عبداللهيان ثم بدأت الوتيرة تعلو شيئاً فشيئاً فانتقلت إلى وزير
الخارجية وإن كان بشكل غير مباشر قبل أن تصل إلى المرشد الأعلى علي خامنئي الذي
بدوره منح الرئيس الإيراني حسن روحاني الضوء الأخضر لمهاجمة السعودية، وكان ذلك
خلال خطاب ألقاه خلال زيارته لمدينة "بوشهر" وتناقلته وسائل الإعلام
المحلية والدولية.
يظهر هذا التناقض جلياً
في خطاب روحاني (نذكر بأنه ركز في حملته الانتخابية على ضرورة تحسين العلاقات مع
السعودية) الذي يهدد ويتوعد الدول التي تقف، بزعمه، خلف هبوط أسعار النفط ويذكر
السعودية والكويت على وجه التحديد، ثم يعود ليقول إن هاتين الدولتين سوف تتضررا من
هذا التراجع في أسعار النفط أكثر من إيران. وهنا يقفز السؤال: إذا كان الأمر كذلك
فعلاً فكيف تتهمهما بالتآمر على إيران خاصة أنهما ستتضرران أكثر من غيرهما، وهل
يريد فخامته إقناع الإيرانيين والخليجيين بل والعالم بأنه أعلم بمصالح الآخرين
أكثر من أنفسهم؟!
تعد المسألة واضحة جداً ولا اعتقد أنها تخفى
على ذكاء الشارع الإيراني وفطنته. لقد قدم الرئيس روحاني وعوداً كثيرة للشعب
الإيراني خلال حملته الانتخابية وبعد تنصيبه ولكن غالبية هذه الوعود لم تتحقق بل
واتجهت الأمور في المسار المعاكس. لقد وعد بحل مشكلة البطالة ولم ينجح ووعد بضبط
الأسعار وكبح جماح التضخم الاقتصادي فارتفع سعر رغيف الخبز الذي يعد غذاء الأسر
الإيرانية الأول بنسبة 30%، وراهن على رفع العقوبات الخراجية ولم ينجح حتى اللحظة
كما وعد بتحسين العلاقة مع دول الجوار فزاد الأمر سوءاً. ليس ذلك، كله أو بعضه، بسبب تدخلات خارجية أو
ظروف طارئة بل لأنه استمر في تكرار الأخطاء ذاتها التي وقع فيها سلفه الرئيس محمود
أحمدي نجاد. لقد نأت دول الخليج العربي بنفسها عن معاملة إيران بالمثل وهي ليست
عاجزة عن ذلك مطلقاً ولكنها تتخذ من سياسة عدم التدخل في شؤون الآخرين مبدئاً
رئيسياً في سياساتها.
الحلول:
بداية، يحتاج الإعلام
الإيراني أو من يوجهه ضد دول الجوار إدراك أن التعامل مع الخلافات السياسية من
خلال الهجوم الإعلامي الذي يتجاوز حدود اللباقة وآداب المهنة يدل على ضعف الحجة
والموقف من خلال انتهاج مسلك تهييج الشارع ضد ذلك الخصم والمنافس الإقليمي. من
هذا المنطلق، ولحل المشاكل الحقيقية التي تواجهها طهران بعيداً عن لوم الآخرين،
تحتاج طهران إلى إعادة استراتيجياتها الإقليمية التي لم تجلب لها حتى اللحظة إلا
مزيداً من النظرة السلبية في محيطها الإقليمي، ولعل آخر الدراسات في هذا الصدد ما
نشر مؤخراً حول نظرة العراقيين تجاه إيران، حيث تظهر الدراسة أن وجهات النظر السلبية تجاه إيران قد كانت في
عام 2008م 22% فقط، وارتفعت إلى 24% في عام 2010م، وتواصل الارتفاع إلى 29% في عام
2013م، وبلغت مؤخراً في أكتوبر الماضي 2014م 41%. بعبارة أخرى، كلما زاد تدخل
إيران في الشأن العراقي الداخلي كلما زادت النظرة السلبية تجاه طهران.
لذا، ولتصحح صورتها في المنطقة وتتغلب على
المشاكل التي تعصف بها داخلياً وخارجياً، تحتاج إيران للقيام بعدة خطوات جادة يمكن
تلخيص أهمها في النقاط التالية:
1)
التوقف عن العزف على فزاعة العدو المتربص لإرهاب الشارع الإيراني والضرب بعصا الخطر الخارجي لعدم تحقيق المطالب الشعبية المتراكمة
2)
بدلاً من تبديد أموال الشعب الإيراني على المليشيات المسلحة في المنطقة، بداية من لبنان ومرورا بالعراق وسوريا والبحرين وانتهاء باليمن، على النظام الإيراني تحويل هذه الأموال إلى الداخل وانتشال الشعب من الفقر المقذع الذي يعيش فيه وحل مشاكل البطالة وإدمان المخدرات التي تعصف بالمجتمع الإيراني الصديق وقادت إلى تدهور أوضاعه منذ ثورة 1979م. ولقد عبر الشارع الإيراني عن امتعاضه من هذا التوجه الحكومي عدة مرات ويتذكر الجميع شعار الشباب الإيراني "لا غزة ولا لبنان،،، روحي فداء إيران". لكن النظام الحاكم لايزال يتجاهل ذلك ويبحث عن مبررات خارجية واهية.
3)
الاقتناع بأن السعي لإنتاج السلاح النووي وبالتالي محاولة تهديد دول المنطقة بذلك لن يُخرج إيران من مشاكلها الداخلية ولن يُحسّن المستوى المعيشي للشعب الإيراني أو كما يقول الإيرانيون (لن نتناول النووي على المائدة) ولعل حالة كوريا الشمالية خير شاهد على ذلك.
4)
الاعتراف للشعب الإيراني بالأخطاء السابقة سيكون أول الخطوات نحو التصحيح والخروج من المأزق إلا أن ذلك قد يصطدم بطبيعة الشخصية الحاكمة في إيران التي تميل كثيرا إلى المكابرة في غالب الأحيان وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه الشاه قبل أن يسقطه الإيرانيون في عام 1979م.