شؤون إيرانية:
تريتا بارسي باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية، ويقيم في الولايات
المتحدة وهو رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي (NIAC) كما أنه مؤلف
الكتاب الشهير “التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران
والولايات المتّحدة الأميركية Treacherous Alliance: The Secret Dealings
Of Israel, Iran And The U.S وله كتاب آخر صدر مؤخرا بعنوان “لفة واحدة من
النرد Single Role of the Dice” بالإضافة إلى العديد من المقالات
والمقابلات التلفزيونية، وقد نجح في التقرب من صانعي القرار في البيت
الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية وسيطر على بعض وسائل الإعلام الأميركية
الناطقة بالفارسية مثل إذاعة “صوت اميركا” وقام بتسريح معظم العاملين فيها
وعين طاقما جديدا تحت اشرافه والمنظمة التي يترأسها.كما يعتبر بارسي الشخصية الأكثر صراحة في واشنطن، التي تدعو للمشاركة والركون إلى التفاهم مع النظام الاسلامي في طهران، كما يدعو صانعي السياسة الغربية والأميركية تحديدا إلى استيعاب نظام الملالي في طهران أو ما يطلق عليه الانخراط الحكيم، بدلا من مواجهته في قضايا مثل البرنامج النووي وتهمة دعم المجموعات الإرهابية وملفات حقوق الإنسان.
وعرف بارسي بتصريحاته المناهظة لمنظمة “مجاهدين خلق” الإيرانية المعارضة واستماتته في اقناع السلطات الأميركية بعدم رفع اسم الحركة من قائمة المجموعات الإرهابية الأجنبية، مما آثارت الشكوك في أن توصيات بارسي ومجموعته ليست مجرد دفع لحمائم السلام في السياسة الخارجية الأميركية بل يدافعون عن النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية في إيران، كما أن بعض إيرانيي المهجر يطلقون عليه لقب “سفير إيران المتنقل”.
وفي هذا الصدد فقد حامت حول تريتا بارسي الكثير من التهم بالعمل لصالح النظام الإيراني فقد كتبت صحيفة “واشنطن تايمز” في عام 2009 مقالا مطولاً عن الدور الذي تقوم به المنظمة التي يترأسها بارسي (NIAC) لأن الكثيرين يرونها قوة ضغط (لوبي) إيراني في الولايات المتحدة الأميركية على غرار منظمة “ابيك” اليهودية الأميركية (AIPAC)على أن المنظمة وجميع أعضائها غير مسجلين كجماعة ضغط، وبالتالي فهي تخالف القوانين الأميركي كما تحدث البعض عن أموال دخلت إلى حساب بنكي له في السويد يعتقد أنها من مصادر مشبوهة ويتهمه خصومه من الإيرانيين في المهجر بتلقي أموال من النظام الإيراني كما يراه البعض عميلاً مزدوجاً للنظامين الإيراني والأميركي على حد سواء، إلا أن بارسي نفى كل هذه التهم، وقال إن تلك الأموال التي تحول لحسابه البنكي في السويد تأتي من المقابلات التي تجريها معه قنوات تلفزيونية، ومقالات يكتبها في عدد من الصحف والمجلات العالمية، ويصر بارسي ومنظمته على أنهم يعملون لما هو في مصلحة المجتمع الإيراني في اميركا وليس حكومة طهران.
إلى ذلك فقد ظهرت الى السطح خلافات عديدة بين بارسي وبعض الشخصيات الإعلامية الأميركية من أصول إيرانية وصلت بعض هذه الخلافات الى أروقة المحاكم الأميركية، ولعل أبرزها الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ضد الصحافي الاميركي من أصول إيرانية حسن داعي، الذي كتب في عام 2008، مقالا وصف فيه بارسي بأنه أبرز شخصيات اللوبي المناصر لملالي طهران في الولايات المتحدة، وأن بارسي لا يكترث بحقوق الإنسان المضطهدة هناك، كما أنه على تواصل مستمر مع عدد من المسؤولين الإيرانيين في الداخل والخارج.
هذه التهمة دعت بارسي والمنظمة التي يرأسها إلى رفع قضية ضد داعي، زاعما بأن الأخير شوه سمعته والمنظمة.
استمرت المحاكمة لأكثر من ثلاث سنوات بين تهم موجهة بين الطرفين وكم هائل من الوثائق والمستندات، حتى أصدر قاض المحكمة الفيدرالية في واشنطن دي سي “جون باتس” الأسبوع المنصرم حكمه النهائي في القضية.
على الرغم من أن القاضي أكد أن داعي تلاعب في بعض تصريحات بارسي وكتاباته، من خلال حذف بعض الأجزاء أو استخدام بعض عبارات بارسي في غير موضعها الصحيح، إلا أن هذا لا يدينه مطلقا وليس في ذلك أي تضليل للقراء، وبالتالي أصدر القاضي حكمين منفصلين في هذه القضية، أكد الأول على بطلان الدعوة التي رفعها تريتا بارسي ومنظمة (NIAC) ضد الصحافي حسن داعي، كما وجد القاضي أن دفاع بارسي عن حقوق الانسان في إيران كانت “فاترة”، مما يدعم وجهة نظر الصحافي داعي في هذا الصدد، أما الحكم الثاني فكان يقضي بتحمل تريتا بارسي نسبة كبيرة من تكاليف المحامين، الذين قام بتوكيلهم داعي.
هذا الحكم شكل صدمة لمؤيدي تريتا بارسي، كما استقبل ايرانيو المهجر الحكم الصادر بترحيب كبير، واعتبروه انتصارا لهم ضد اللوبي الايراني في الولايات المتحدة، ورسالة للنظام الحاكم في طهران.
ويبدو أن المصائب لا تأتي فرادا كما يقال، فما هو إلا أسبوع واحد بعد صدور حكم المحكمة، حتى تحدثت وسائل الإعلام الأميركية عن أن الولايات المتحدة بصدد حذف اسم حركة “مجاهدين خلق” من قائمة المجموعات الإرهابية، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”.
وبالتالي وفي حالة قامت الولايات المتحدة بذلك فعلاً فهي ضربة موجعة أخرى لتريتا بارسي، الذي ما لبث يقاتل من أجل بقائها على قائمة المنظمات الإرهابية، وقد كتب وصرح غير مرة ضد الحركة وتوجهاتها، وأنها حركة إرهابية قتلت العديد من الأبرياء داخل إيران وخارجها، وهو توجه يتفق وسياسة النظام الإيراني ضد الحركة.
ختاما، يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون هاتان الضربان كفيلتين باسقاط تريتا بارسي، بعد أن توغل في أروقة البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومراكز صنع القرار هناك، وبالتالي تخسر إيران أحد رجالها في واشنطن.. ربما!
المصدر: مجلة المجلة