شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي
عزلة دولية
يشعر النظام الإيراني بعزلة كبيرة سواء على مستوى محيطه الإقليمي والإسلامي أو المستوى الدولي. فدول المنطقة بخاصة العربية منها قد ضاقت ذرعا بالتدخلات الإيرانية في شؤونها الداخلية سواء كان ذلك في البحرين، السعودية أو الإمارات التي تحتل إيران جزرها الثلاث أو حتى دول الربيع العربي مثل مصر وتونس واليمن. كما أن دعم إيران للنظام السوري والكيل بمكيالين في ما يتعلق بالثورات العربية قد عرى إيران أمام الشعوب العربية بشكل كبير .
العلاقات التركية الإيرانية ليست في أفضل حالاتها أيضا، فالأزمة السورية والتباين في الموقف بين طهران وأنقرة حول ما يقوم به النظام السوري من قمع للثوار قاد إلى مزيد من التوتر في العلاقة بين الجارتين. كذلك تتهم تركيا ايران بدعمها لحزب الله التركي وحزب العمال الكردستاني. إضافة إلى ذلك فقد كشفت أخيراً صحيفة “زمان” التركية أن خلية من وحدة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني تخطط لهجمات إرهابية على الأراضي التركية تستهدف السفارة والقنصليات الأميركية.
العلاقة بين إيران و دول شبه القارة الهندية وأفغانستان متأرجحة نسبياً، فهناك توتر في العلاقة بين إيران والهند بسبب عمليات تفجير استهدفت موظفي السفارة الإسرائيلية في نيودلهي وقد توصلت التحقيقات الأمنية إلى أن إيرانيين متورطون في الحادثة. كما قامت الهند بالاستجابة للضغوط الدولية وخفضت وارداتها من النفط الإيراني.
كذلك الحال بالنسبة للعلاقة مع إسلام آباد فهي تتأثر بين الفينة والأخرى بسبب مناوشات حدودية أو من خلال ملاحقات تقوم بها القوات الإيرانية لبعض عناصر منظمة جند الله المحظورة أو مهربي المخدرات داخل الأراضي الباكستانية مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل بعض رجال حرس الحدود الإيراني أو بعض من رجال القبائل الباكستانية الذين يعبرون الحدود بحثا عن الكلأ لمواشيهم ويتم مهاجمتهم من قبل حرس الحدود الإيراني وقوات الحرس الثوري بحجة أنهم مهربو مخدرات أو أسلحة.
تمييز عنصري
فيما يتعلق بافغانستان، فالتوتر بين البلدين على أشده بسبب التدخل الإيراني المتواصل في الشأن الأفغاني، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين في كابل. ويأتي على رأس قائمة هذه التدخلات تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين بشأن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها كابل مع واشنطن بداية شهر مايو الماضي وبحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الأفغاني حامد كرازي.
تشمل هذه الاتفاقية التعاون في المجالين السياسي والعسكري بعد انسحاب الوحدات القتالية للناتو من افغانستان في عام 2014. في هذا الصدد قام سفير طهران لدى كابل أبو الفضل ظهر وند بتسليم رسالة إيرانية إلى رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني تحتج فيها طهران على توقيع الاتفاقية وترى في ذلك تهديدا لأمن واستقرار المنطقة. إثر ذلك استدعت الخارجية الأفغانية السفير الإيراني وطالبته بالتوضيح حول تصريحاته التي وصفتها بغير المسؤولة واعتبرتها تدخلاً سافراً في شؤون افغانستان الداخلية. كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عدد من المواطنين الأفغان بتهمة التجسس لصالح إيران، واعترفوا بالتهمة المنسوبة إليهم، وكشفوا عن تلقيهم تدريبات على يد الحرس الثوري الإيراني ضمن مجموعة عرفت بـ “فيلق محمد”
كما يواجه اللاجئون والعمال الافغان في ايران تمييزا عنصريا من قبل الجهات الرسمية ويتعرضون لترهيب متواصل و للمطاردة من قبل قوات الأمن الإيرانية في كل مكان. فعلى سبيل المثال، فقد تم منعهم من دخول حدائق عامة في اصفهان، كما قامت السلطات الإيرانية بمنع إقامة أو تجول المهاجرين الأفغان في بعض الأقاليم الإيرانية مثل أقليم مازندران في شمال إيران وحددت وزارة الداخلية الإيرانية تاريخ (30 خرداد/- 19 يونيو 2012) كآخر مهلة لهم لمغادرة الأقليم.
هذه التصرفات العنصرية أثارت استيلاء نشطاء حقوق الإنسان في افغانستان وإيران على حد سواء.
أما بالنسبة لعلاقة إيران مع العالم الغربي فكما يعلم الجميع أن هناك خلافات حادة بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب برنامج إيران النووي. فالاتحاد الأوروبي قرر إيقاف استيراد النفط الإيراني وفرض حظر على البنك المركزي الإيراني.
إضافة إلى ذلك فقد تم إعداد قائمة طويلة تضم عددا كبيرا من المسؤولين الإيرانيين المحظور التعامل معهم أو دخولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي. كما أن ملف حقوق الإنسان واضطهاد الأقليات العرقية والدينية في إيران زاد من التوتر في العلاقات أيضا. كما أوقفت الخارجية الهولندية 250 طلب تأشيرة لطلاب إيرانيين يرغبون في الدراسة في الجامعات الهولندية كما منعت تجديد إقامة الطلاب الإيرانيين المتواجدين حاليا على الأراضي الهولندية. وكان التعليل الذي قدمته السلطات هناك هو أن القرار ليس قرارا تنفرد به هولندا من دون غيرها إنما تطبيقا لقرار صادر من الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.
نهاية علاقة
لا شك أن إيران تتمتع بعلاقات متينة مع بعض دول امريكا اللاتينية مثل كوبا و فنزولا وبوليفيا والبرازيل وهناك تعاون اقتصادي وعسكري بين معظم هذه الدول و إيران. كما أن هناك نشاطا ملحوظا للحرس الثوري الإيراني وكثر الحديث عن وجود معسكرات يتم فيها تدريب عدد كبير من الخليجيين في معسكر خاص أقيم في مقاطعة الواهيرا, وهي منطقة حدودية بين فنزويلا وكولومبيا لاستخدامهم في أعمال وصفتها بـ”الإرهابية” داخل دولهم وفي أنحاء متفرقة من العالم، إذا ما تعرضت إيران لأي استهداف عسكري.
ومع ذلك فإن العلاقة مع تلك الدول لم تخل من التوترات أيضا بخاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع البرازيل. فقد تسبب دبلوماسي إيراني يعمل في السفارة الإيرانية لدى البرازيل في موجة غضب في الشارع البرازيلي بسبب القبض عليه بتهمة التحرش بقاصرات في أحد حمامات السباحة في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية وقد تم اطلاق سراح موظف السفارة الإيراني هذا بسبب الحصانة الدبلوماسية التي تحميه من السجن وقد فر من البلاد بعد أن تم إحالة ملف القضية للخارجية البرازيلية. هذه الحادثة خلفت توتراً في العلاقات بين البلدين. فقد قام الرئيس الإيراني خلال الأيام القليلة الماضية بجولة في عدد من دول امريكا اللاتينية. وكانت البرازيل إحدى محطاته للمشاركة في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) التي تعقد في مدينة ريو دي جانيرو. هذه الزيارة لم تلق ترحيبا سواء كان على المستوى الرسمي أو الشعبي حيث لم يحضر أي مسؤول برازيلي رفيع لاستقبال نجاد في المطار وكان الاستقبال من قبل وزير البيئة الإيراني وطاقم السفارة الإيرانية فقط. إضافة إلى ذلك فقد تقدم احمدي نجاد بطلب للقاء الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف ولكن وكما ذكرت صحيفة جلوبو البرازيلية فقد تم رفض الطلب. كما قام عمدة العاصمة بإلغاء مراسم إزاحة الستار عن نسخة لعمود أثري إيراني يعود تاريخه الى عهد الحضارة الاخمينية. وعلى الجانب الشعبي فقد شهدت مدينة ريو دي جينيرو مسيرات حاشدة نظمها مناصرون لحقوق الأنسان تندد بزيارة الرئيس الايراني للبلاد باعتباره شخصية غير مرغوب فيها في البرازيل.
ختاما، طهران تدرك قبل غيرها حجم العزلة السياسية التي تمر بها وتدرك مسبباتها وسبل الخروج منها ولكن ذلك لن يأت إلا من خلال تقديم تنازلات كبيرة وعمل دبلوماسي مكثف لترميم صورتها في الخارج. على ساسة إيران معالجة تلك الملفات الخلافية وحل النزاعات مع دول الجوار بداية ثم بقية دول العالم، فالمتضرر الأول من هذه العزلة والتوجس من إيران وطموحاتها هو الشعب الإيراني سواء كان في الداخل من خلال الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة بسبب الحصار الدولي أو أولئك الذين يواجهون صعوبات في الخارج بسبب الخلافات السياسية بين إيران وعدد كبير من دول العالم. لذا فإن الكرة في ملعب إيران والمبادرة بيدها متى ما أرادت أن تصحح علاقاتها وتخرج من العزلة التي تعيشها حاليا.
المصدر: مجلة المجلة