شؤون إيرانية
بقلم: محمد السلمي
المصدر: الشرق الأوسط
تعيش إيران هذه الأيام الذكرى الأولى لفوز الدكتور حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية وعودة التيار «المعتدل/ الإصلاحي» إلى منصب رئيس الجمهورية بعد ثمانية أعوام من سيطرة التيار المحافظ على المنصب ممثلا في محمود أحمدي نجاد. من المؤكد أن روحاني سعيد بـ«الإنجازات» التي حققها خلال السنة الأولى لرئاسته؛ فقد أخرج إيران من عزلة سياسية وصعوبات اقتصادية بسبب المخاوف من برنامج إيران النووي وطموحاتها في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، فلقد كان لاتفاق جنيف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 بين إيران ومجموعة 5+1، الأثر الكبير في خروج إيران – مؤقتا - من عنق الزجاجة سياسيا واقتصاديا، فتم انفتاح إيران سياسيا على العالم كما تم الإفراج عن بعض أموال إيران المجمدة بسبب العقوبات الاقتصادية وعادت (أو أعلنت عن رغبتها في العودة) بعض الشركات الدولية إلى الأسواق الإيرانية. ولكن ماذا عن الوجه الآخر للعملة «الروحانية» وماذا قدمت لكسب الثقة في داخل إيران وخارجها؟
على الصعيد الخارجي، استمرت سياسة إيران القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار العربي. كان البعض قد استبشر خيرا بقدوم رئيس محسوب على التيار المعتدل في إيران وتوقع هؤلاء أن تعيد طهران النظر في سياساتها هذه خاصة أن روحاني يرفع شعار الانفتاح على المنطقة وإعادة بناء الثقة بين إيران ودول الجوار العربي تحديدا. إن استمرار طهران في هذا النهج والتركيز على الجانب الإعلامي والاكتفاء بإطلاق التصريحات والخطب المنمقة دون أخذ خطوات حقيقية وملموسة على الأرض تقنع الجوار العربي بأن إيران قد تغيرت فعلا بعد وصول روحاني إلى مقعد الرئاسة أصاب المتفائلين بإيران جديدة – كما تم الترويج لذلك إقليميا ودوليا - بخيبة أمل شديدة ورسخ مفهوم أن تغير الوجه الرئاسي في إيران لا يعني الكثير خاصة فيما يتعلق بالتوجهات السياسية لإيران بقيادة ولي الفقيه.
على الصعيد الداخلي، نلحظ ارتفاع وتيرة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين خلال الأشهر القليلة الماضية، وإن حاول النظام الإيراني تعمد إخفاء ذلك. ظهر خلاف بين الحكومة برئاسة روحاني والحرس الثوري وقد عبر روحاني عن انزعاجه من تدخل بعض المؤسسات العسكرية – ويعني الحرس الثوري تحديدا - في الجوانب الاقتصادية والسياسية في البلاد وطالبهم بالعودة إلى ثكناتهم العسكرية والتركيز على المهام المنوطة بهم. من المعلوم أن الحرس الثوري استثمر مسألة العقوبات ليسيطر بشكل كبير على مفاصل الاقتصاد الإيراني مما جعل منه قوة سياسية تشكل تحديا حقيقيا في وجه رئيس الجمهورية خاصة في ظل سياسة الانفتاح على الخارج التي ينتهجها روحاني، الأمر الذي يتعارض ومصالح الحرس الثوري الاقتصادية والسياسية. ولقد استعرض الحرس الثوري قوته من خلال تسجيل مسرب لقائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، خلال إلقاء كلمة في اجتماع لكبار قيادات الحرس الثوري بعد قمع الاحتجاجات عام 2009 وفوز نجاد بولاية ثانية يؤكد تدخل الحرس الثوري في نتائج الانتخابات لصالح نجاد ضد التيار الإصلاحي، ويرى البعض أن هذه رسالة تحذيرية للحكومة الحالية تقول إن الحرس الثوري قد يفعلها مجددا متى ما اضطر إلى ذلك.
تصريحات الرئيس روحاني التي انتقد فيها المدرسة المتشددة وحثها على «الامتناع عن التدخل كثيرا في حياة الناس الذين لا يمكن ترهيبهم بالسياط لدخول الجنة، بل يختارون طريقهم إلى السماء» مثال آخر على الصراع القائم بين التيارين المعتدل والمحافظ، أثارت هذه التصريحات حفيظة رموز التيار المحافظ وعلى رأسهم المرشد الأعلى حيث علق على تصريحات روحاني بأنها سياسة استسلام للغرب وواصفا مروجي «ثقافة الاستسلام أمام الاستكبار» بـ«الخونة»، على حد تعبيره. كما علق خطيب الجمعة في طهران أحمد خاتمي على تصريحات روحاني أيضا واعتبرها «أوهاما».
من الخطوات التي قام التيار المحافظ باتخاذها في معركته ضد المعتدلين إيقاف ثلاث صحف محلية محسوبة على الإصلاحيين عن النشر وقد تم هذا الإيقاف خلال أقل من ثلاثة أشهر، هذه الصحف هي «آسمان»، «ابتكار» و«قانون».
كذلك استمرت حكومة روحاني على نهج الحكومات الإيرانية السابقة فيما يتعلق بتهميش الأقليات العرقية والدينية في إيران رغم الوعود التي قطعها روحاني على نفسه خلال حملته الانتخابية، مما قاد نسبة عالية من هذه الأقليات للتصويت له خلال الانتخابات، وقد قام روحاني بتعيين نائب له لشؤون الأقليات إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير مطلقا واستمرت سياسة التهميش لأبناء هذه الأقليات.
كذلك استمرت حكومة روحاني على نهج الحكومات الإيرانية السابقة فيما يتعلق بتهميش الأقليات العرقية والدينية في إيران رغم الوعود التي قطعها روحاني على نفسه خلال حملته الانتخابية، مما قاد نسبة عالية من هذه الأقليات للتصويت له خلال الانتخابات، وقد قام روحاني بتعيين نائب له لشؤون الأقليات إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير مطلقا واستمرت سياسة التهميش لأبناء هذه الأقليات.
على المستوى الاقتصادي، استمرت معاناة المواطن الإيراني اقتصاديا؛ فالأسعار لا تزال جنونية وتم رفع أسعار الوقود ونسب التضخم لا تزال مرتفعة، كما أن نسب البطالة لا تزال مرتفعة جدا وفي المقابل لم يرتفع دخل المواطن بمعدل يتناسب والوضع القائم، الأمر الذي أثقل كاهل المواطن الإيراني دون أي بوادر حقيقية لتحسين مستواه المعيشي.
وأخيرا، استبشر الشباب الإيراني بقدوم رئيس معتدل خيرا، وتوقعوا رفع الكثير من القيود المفروضة عليهم، إلا أن الوضع انحدر من سيئ إلى أسوأ، فتم حجب «الإنستغرام» إضافة إلى استمرار حجب مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل «يوتيوب» و«فيسبوك» و«تويتر» خاصة أن أهم شخصيتين في الحكومة الإيرانية الحالية، رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، يستخدمان «تويتر» و«فيسبوك» (وإن كان من خلال استخدام بروكسيات لتجاوز الحجب) للتواصل مع الداخل والخارج.
ختاما، بالنظر لكل الجوانب، على المستوى الداخلي والخارجي، وتقييم الوضع العام منذ وصول روحاني لمنصب رئيس الجمهورية حتى الآن نجد أن هناك تقدما نسبيا على المستوى الخارجي وتراجعا كبيرا فيما يتعلق بالأوضاع في الداخل، أي أن حكومة روحاني اتجهت إلى تحسين وجه إيران خارجيا على حساب حقوق المجتمع الإيراني بكافة شرائحه، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان التجربة الإصلاحية السابقة في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي.