تويتر

الخميس، 16 مايو 2013

خيارات مستقبل العلاقة بين إيران ودول الخليج العربي



شؤون إيرانية:
بقلم: محمد السلمي
المصدر: الشرق الأوسط


قد يكون من الصعوبة بمكان التنبؤ بمستقبل العلاقات الإيرانية - الخليجية ومدى تحسن هذه العلاقات أو أنها سوف تتجه نحو مزيد من التوتر بعد الانتخابات الرئاسية في دورتها الحادية عشرة من عمر الجمهورية الإسلامية في إيران، والمزمع عقدها بتاريخ 14 يونيو (حزيران) المقبل، كما أنه من السابق لأوانه، أيضا، الحديث عن نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران على الرغم من انتهاء فترة التسجيل والترشح يوم السبت الماضي، وبالتالي فجميع الخيارات لا تزال مطروحة. إلا أن ذلك لا يمنع من استشراف المستقبل وفقا للمعطيات الراهنة والشخصيات التي تقدمت للترشح.  نستطيع القول دون تردد إن نتائج الانتخابات القادمة ستكون ميزان العلاقة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وإيران، والبوصلة التي تحدد اتجاه هذه العلاقة، فإما العودة لما قبل 2005 حيث الفترتان الرئاسيتان للرئيس محمد خاتمي، واللتان شهدتا انفتاحا كبيرا في العلاقات بين الجانبين يعد الأول من نوعه منذ انتصار الثورة في 1979، أو الاستمرار على خُطى الرئيس أحمدي نجاد ومزيد من التوتر بين الجانبين.

 ولعله من نافل القول أن نشير إلى أن الأمر ليس حكرا على العلاقة مع دول الجوار فحسب، بل إن هناك ملفات كثيرة تواجه الرئيس الإيراني القادم وعلى رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني. يرغب المرشد الأعلى، ولا شك، في خروج إيران من عنق الزجاجة وحل الصعوبات التي تواجهها البلاد اقتصاديا وسياسيا، وكذلك تخفيف الاحتقان الذي يعيشه الشارع المحلي، وكل ذلك لن يتم إلا من خلال رئيس يستطيع تحقيق ذلك ولكن وفق شروط من أهمها ضمان الانقياد التام لتوجهات المرشد بعد أن لُدغ من أحمدي نجاد، خاصة في الفترة الرئاسية الثانية، بإعلانه التحدي له بعد أن كان الابن المطيع للمرشد في الفترة الرئاسية الأولى، وهو درس لخامنئي وخطأ لن يسمح بتكراره مطلقا.

خلال الأيام القليلة الماضية طالعتنا مواقع ووكالة أنباء إيرانية بأخبار تتحدث عن استعدادات كبيرة لعودة الإصلاحيين للسباق الانتخابي، وهو ما حدث بالفعل. يأتي اسم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني على رأس القائمة الإصلاحية. رفسنجاني صرح بأن دخوله السباق الرئاسي «مرهون بإذن المرشد الأعلى، وفي ما عدا ذلك فلا فائدة من الترشح، بل إن الترشح قد يعطي نتائجا عكسية». يفهم من هذا التصريح أن دخوله الانتخابات يعني فوزه فيها، وبالتالي عودة أحد أهم رموز الثورة إلى الواجهة السياسية مجددا، فرفسنجاني يعد من أعمدة النظام الحالي، وهو من جاء بخامنئي إلى الواجهة ورشحه لمنصب الولي الفقيه بعد رحيل آية الله روح الله الخميني عام 1989. وعلى الرغم من أن رفسنجاني قد فقد الكثير من قوته وأصبح ينظر إليه كتركة ثقيلة على النظام فقدت بريقها في السنوات القليلة الماضية فإن تمسكه بمنصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام يجعل عودته إلى صراعات التيارات السياسية في إيران ممكنه في أي وقت، وربما يرى أن وقت العودة قد حان بعد أن وضع حدا للشائعات حول مشاركته وترشح فعليا في آخر يوم للتسجيل في الانتخابات الرئاسية. مع ترشح رفسنجاني في اللحظات الأخيرة أعلن معظم المرشحين من التيار الإصلاحي انسحابهم لصالحه. فوز مرشح التيار الإصلاحي في الانتخابات القادمة قد يقود إلى تحسن كبير في العلاقات مع دول المنطقة والخليج تحديدا.

من جانب المحافظين، تبرز أربعة أسماء مرشحة للمنافسة على مقعد الرئاسة. نتحدث بطبيعة الحال عن وزير خارجية إيران السابق والمستشار السياسي الحالي لخامنئي، علي أكبر ولايتي، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام والرئيس السابق للبرلمان الإيراني وعضو البرلمان الإيراني منذ دورته السادسة وحتى الآن، غلام علي حداد عادل، إلا أن هؤلاء المرشحين الذين يشكلون الائتلاف الثلاثي في الانتخابات الرئاسية المقبلة قد يقودون العلاقات مع دول الجوار إلى مزيد من التوتر ما عدا قاليباف الذي يعد الأقل خبرة من الناحية السياسية من بين هؤلاء الثلاثة، وقد يستطيع خامنئي توجيهه في الاتجاه الذي يراه مناسبا من دون أي صعوبات تذكر، وبالتالي قد تشهد العلاقات شيئا من الانفراج ولكن ليس بمستوى ما سيحدثه فوز مرشح من التيار الإصلاحي. الأمر كذلك ينطبق على المرشح الرابع في هذا التيار، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين سعيد جليلي.

 وهناك تيار ثالث بين هذين التيارين وهو التيار المقرب من الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد. نستطيع القول إنه من المستبعد أن تتغلب إيران على تلك المشاكل المتراكمة على يد مرشح محسوب على هذا التيار على الرغم من أن اسفنديار رحيم مشائي مرشح محتمل للانتخابات الرئاسية، وقد ظهر نجمه في الساحة السياسية بشكل قوي خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، حيث تنقل بين عدة مناصب من أهمها مدير مكتب رئيس الجمهورية، ويشغل حاليا منصب الأمين العام لحركة عدم الانحياز ورئيس المركز الوطني للعولمة، كما تربطه علاقة مصاهرة مع أحمدي نجاد الذي يدعمه بشكل كبير. إلا أن بعض الشخصيات الأصولية أعلنت أنها ستقف في وجه ترشحه للانتخابات القادمة، ويبدو أن فوزه في الانتخابات شبه مستبعد حتى وإن تمت المصادقة على ترشحه تجنبا لأي فوضى قد يحدثها أنصار هذا التيار خلال فترة سير الانتخابات، وحتى وإن انتصر في الانتخابات المقبلة فإن مستقبل العلاقة مع دول الخليج قد يبقى على ما هو عليه الوضع حاليا.

 ختاما، من المؤكد أن الدعم الإيراني للنظام السوري قد جعل عودة العلاقات الخليجية مع إيران إلى عصرها الذهبي إبان فترة خاتمي الرئاسية خيارا غير مطروح في الوقت الراهن، إلا أن فوز الإصلاحيين في الانتخابات قد يقود إلى انفراج كبير في العلاقات بين الجانبين، لكن ومع ذلك تبقى الثورة السورية ميزانا مهما في هذه العلاقة في جميع الأحوال. كما أن موقف المرشد الأعلى من كل ذلك في غاية الأهمية، والضمانات التي سوف يقدمها من يفوز في الانتخابات لرأس الهرم في النظام الإيراني سيكون لها الأثر البالغ، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك خطوطا حمراء، خاصة على المستويين الأمني والثقافي، لا يمكن لأي رئيس في إيران الاقتراب منها، وما عدا ذلك فالخيارات مفتوحة للرئيس، إلى حد كبير، خاصة إذا كانت ستعمل على إخراج البلاد من العزلة السياسية والاقتصادية التي تعيشها على المستويين الإقليمي والدولي.


3

الاثنين، 6 مايو 2013

هل سيفعلها نجاد ويغرق الجميع؟



شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي

يواجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مرحلة معقدة وحرجة في مسيرته السياسية ويتعرض لهجوم عنيف من قبل التيار المحافظ والدوائر السياسية المقربة من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. فقبل أيام وجه التيار المحافظ ممثلا في حسين شريعتمداري ممثل خامنئي في صحيفة «كيهان» المحافظة وإحدى أبرز الشخصيات المقربة من المرشد، وجه هجوما لاذعا تجاه شخص الرئيس أحمدي نجاد من خلال تصريح الأخير بأن إيران «لا تفضل رئيسا جبانا» في إشارة إلى أحمدي نجاد. في اليوم ذاته اتهم حسن فيروز آبادي رئيس قيادة الأركان بالقوات المسلحة الإيرانية وأحد المتحدثين باسم النظام اتهم أحمدي نجاد بما سماه «تشويش الرأي العام في البلاد» وهي تهمة يعاقب عليها النظام الإيراني بالحبس لمدة عامين. وأضاف فيروز آبادي أن «على نجاد وقف التحدث بشكل يتعارض مع رؤية إيران».

من التهم الموجهة لفريق أحمدي نجاد أيضا تلك التي وجهت إلى محمد رضا رحيمي النائب الأول لرئيس الجمهورية باستخدامه لمؤهل دراسي مزور وحصوله بناء على ذلك على وظيفة في الحكومة وهو اتهام مشابه لذلك الذي سبق وتم توجيهه لعلي كردان وزير الداخلية السابق في حكومة أحمدي نجاد، ولعل التهم الأكثر جدية وخطورة هي تلك التي يواجهها إسفنديار رحيم مشائي وهي تهمة تتمحور حول التشكيك في أصل «الولاية» بل وتهمة الإلحاد والانتماء لبعض الفرق «الضالة» كالبهائية ونحوها.
أحمدي نجاد يواجه الآن مصيرا مشابها لمصير الإصلاحيين بعد انتخابات 2009 الشهيرة وبالتالي يرى أن الانتخابات القادمة معركته الأخيرة والحاسمة مع التيار المحافظ. يركز أحمدي نجاد في معركته ضد المحافظين على الجانب القومي ورفع راية القومية أو ما يعرف في إيران بـ«مكتب إيراني-المدرسة الإيرانية» في مقابل المدرسة الدينية التي يتخذها النظام شعارا له، وهي – أي القومية – نغمة تطرب الأذن الإيرانية خاصة جيل الشباب. يدخل أحمدي نجاد معترك الانتخابات الرئاسية القادمة ليس كمرشح انتخابي هذه المرة ولكن كشخصية صنعت تيارا سياسيا جديدا في حلبة الصراعات السياسية في إيران بعد أن كانت محصورة بين فريقي المحافظين والإصلاحيين. يخوض أحمدي نجاد معركته هذه من خلال اسمين رئيسيين هما صهره ومدير مكتبه سابقا والأمين الحالي لحركة عدم الانحياز إسفنديار رحيم مشائي، وكبير المستشارين في حكومته والمقرب من رجل الدين محمد تقي مصباح يزدي، مجتبي هاشمي ثمرة، إلا أن هناك من يرى أن ثمرة لن يغامر بمستقبله والدخول في معركة خطرة من خلال الوقوف في وجه التيار المحافظ. عليه فإن الخيار الوحيد الذي يراهن عليه أحمدي نجاد وسيقاتل من أجله هو صهره مشائي وهو آخر سهم في جعبته في مواجهة خصومه في الانتخابات القادمة.

الواقع يقول: إن نجاد يملك مفاتيح إدارة ميدان المعركة من خلال وزارة الداخلية التي تشرف على سير العملية الانتخابية إلا أن تطبيق قوانين المعركة من البداية وحتى النهاية ومن مرحلة تأييد حق الترشح وحتى المصادقة على الفائز في المعركة كل ذلك بيد التيار المحافظ ممثلا في مجلس صيانة الدستور وبالتالي يواجه نجاد معركة صعبة جدا قد يرى أنه سيكون الخاسر فيها إلا أنه سيرمي بكافة الكروت التي يملكها ويطلق كافة السهام على التيار المحافظ قبل الإذعان بالهزيمة.

المتابع للشأن الإيراني يجد أن الرئيس أحمدي نجاد هدد خصومه وفي أكثر من مناسبة بكشف كل ما لديه من أوراق وتسجيلات (كالتسجيل بالصوت والصورة ضد أحد أفراد عائلة لاريجاني المتنفذة والذي كشف عنه أحمدي نجاد قبل أشهر تحت قبة البرلمان الإيراني والذي يتهمهم فيه بالفساد المالي) متى ما دعت الحاجة إلى ذلك كنوع من الدفاع عن النفس في مقابل ما يتعرض له بين الفينة والأخرى من هجوم من التيار المحافظ الذي ما انفك يتهم الرئيس بسوء إدارة البلاد من النواحي السياسية والاقتصادية إلى جانب التهجم على شخصية نجاد وتوجهاته الفكرية. ويبدو أن أحمدي نجاد لا يزال يملك الكثير من الأدلة والبراهين التي قد تضر ليس بالتيار المحافظ فحسب بل ومن يتربع على قمة الهرم في الجمهورية الإسلامية أيضا. لقد هدد أحمدي نجاد وبشكل متكرر بفضح بعض المسؤولين في البلاد وفتح ملفات فساد آخرين ويلمح إلى أنهم قد جمعوا ثرواتهم ورسخوا سلطتهم من خلال مناصبهم. ولعل آخر بل وأخطر ما يملك من هذه الأدلة التقرير الذي نشره موقع «بازتاب أمروز» الإيراني يوم السبت الماضي الموافق 27 أبريل (نيسان) 2013 ومفاده أن أحمدي نجاد يملك شريطا صوتيا مسجلا يعود تاريخه إلى 23 خرداد 1388 الموافق 13 يونيو (حزيران) 2009 يثبت أنه حصل – أي أحمدي نجاد – خلال انتخابات 2009 على 16 مليون صوتا وقد قام النظام بتزوير ثمانية ملايين أخرى لصالحه بينما حصل منافسه في تلك الانتخابات الإصلاحي مير حسين موسوي على 13 مليون صوتا. (موقع «بازتاب أمروز» قد قام بحذف الخبر ولكن هناك من قام بالاحتفاظ بنسخة منه قبل عملية الحذف هذه).
 
وقد ذكر الموقع أنه في حالة عدم الموافقة على ترشح إسفنديار رحيم مشائي في الانتخابات القادمة فإن الرئيس أحمدي نجاد سوف يقوم بنشر هذا الشريط الذي يحتوي على مكالمات هاتفية له مع بعض المسؤولين المتنفذين في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وأضاف الموقع أنه في هذه المحادثة الهاتفية «قام أحد المسؤولين بإبلاغ أحمدي نجاد بأن الرقم الحقيقي لمجموع الأصوات التي حصل عليها قد بلغ 16 مليون صوتا فقط مبينا بأنه ولكي لا يتم التشكيك في نتائج الانتخابات فإنه تقرر الإعلان عن مجموع من أدلوا بأصواتهم قد بلغ 24 مليون شخصا» وأضاف الموقع بأن أحمدي نجاد قد قام بإجراء الاتصالات اللازمة ببعض المسؤولين في البلاد ليحثهم على عدم إعلان الرقم الحقيقي الذي حصل عليه في العملية الانتخابية.
وقد ناقش الموقع الإيراني إمكانية وجود مثل هذا الشريط الصوتي المسجل مقدما احتمالين أحدهما يتمحور حول النظر إلى أن ادعاء وجود هذا التسجيل يندرج تحت مظلة الحرب النفسية والضغوط التي يمارسها أحمدي نجاد على مجلس صيانة الدستور بهدف الموافقة على ترشح مشائي للانتخابات الرئاسية، والآخر يقبل وجود التسجيل الصوتي هذا وأن أحمدي نجاد سعى من وراء إثارة موضوع ما حصل عليه من أصوات في انتخابات 2009م إلى اتهام النظام ومجلس صيانة الدستور بالتلاعب بنتائج الانتخابات.

الجدير بالذكر أنه عادة ما يتم إعلان نتائج الانتخابات من قبل وزارة الداخلية أولا وأن الجهة الوحيدة المخولة بتأييد النتائج هي مجلس صيانة الدستور إلا أن إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009 كان من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي شخصيا. وبعد إعلان خامنئي عن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات أصدرت وزارة الداخلية الإيرانية بيانا ذكرت فيه أن أحمدي نجاد قد فاز في الانتخابات من خلال حصده أكثر من 24 مليونا من الأصوات بنسبة تقارب 63٪ من إجمالي عدد الناخبين. بغض النظر عن مدى مصداقية خبر تلويح أحمدي نجاد بالتسجيل الصوتي المذكور آنفا من عدمه، إلا أن حقيقة إعلان المرشد الأعلى للنتائج قبل الجهات المخولة بذلك قد يجعل موضوع التسجيل الصوتي أكثر قبولا رغم أن أحمدي نجاد سيكون أول المتضررين من ذلك وينطبق عليه مقولة «علي وعلى أعدائي». ولكن الرئيس الحالي ليس لديه ما يخسره إذا ما تم استبعاد مشائي من سباق الانتخابات الرئاسية من قبل مجلس صيانة الدستور وبالتالي قد يقود ذلك الرئيس الحالي إلى فضح الجميع قبل انتهاء فترته الرئاسية ومغادرة مقعد الرئاسة. ختاما، الأسابيع القليلة القادمة ستكون حبلى بالكثير من المفاجآت وبطبيعة الحال سوف يحتدم الصراع بين التيار المحافظ المقرب من المرشد الأعلى وتيار أحمدي نجاد بعد أن تنحى أو أجبر التيار الإصلاحي وحتى الآن على التنحي عن العملية الانتخابية.

المصدر: مجلة المجلة