تويتر

الأحد، 24 مارس 2013

عيد النيروز وما قبله وبعده من طقوس


سفرة النيروز

شؤون إيرانية:

بقلم: محمد السلمي


احتفل الملايين يوم الخميس الماضي بعيد النيروز، ولكن ماهذا العيد وماهي طقوسه وماهو مصدره أساساً؟ بدايةً، النيروز هي معرب كلمة “نوروز” الفارسية و يقال أيضاً إن مصدرها كردي، وهي كلمة مركبة من “نو”: بمعنى جديد، و”روز ” ويعنى يوم، فيصبح معنى الكلمتين معاً “اليوم الجديد”. يتصادف قدوم عيد النيروز مع بداية فصل الربيع ويقابل بالتاريخ الميلادي 21 آذار مارس وهو أول أيام السنة الشمسية.

هناك عدة دول وشعوب شرقية تحتفل بهذا العيد من بينها إيران، تركيا، وأفغانستان وبعض دول آسيا الوسطى والشعب الكردي، ولكل شعب طريقة معينة وتقاليد محددة بعضها التزم بكثير من الطقوس التقليدية القديمة وأخرى أعطت هذا العيد صبغة إسلامية أو بمعنى آخر، قيدته إلى حد كبير بضوابط الدين الإسلامي. سوف أركز في هذه التدوينة على عيد النيروز وعاداته في إيران على وجه الخصوص وأصل هذه الاحتفالية بين الحقيقة والأسطورة.

يذكر أن هذا العيد يرمز في أساسه للصراع بين قوى الظلام والنور، أو الفضيلة والرذيلة أو بمفهوم أكثر شمولية للصراع بين الخير والشر و ينسب بداية النيروز إلى عصور ما قبل التاريخ و تحديداً إلى العصر الأخميني بينما ينسبه البعض إلى الملك الفارسي جمشيد بن طهمورث وهو شخصية يضعه الفرس في مقابل نبي الله سليمان عليه السلام ويرون أنه كان يتمتع بنفس القدرات التي وهبها الله للنبي سليمان مثل السيطرة على الجن ونحو ذلك. في العصر التاريخي، كان عيد النيروز هو العيد الرسمي للإمبراطورية الساسانية التي سقطت مع الفتح الإسلامي وكان يحتفل بهذا العيد جميع أو على أقل تقدير معظم الشعوب التي كانت تحت حكم الإمبراطورية الفارسية بغض النظر عن الدين الذي تعتنقه تلك الشعوب وكانت الاحتفالات تستمر لمدة عشرة أيام بلياليها. 
 
على الجانب الثقافي والشعبي، من الأساطير التي يؤمن بها الإيرانيون اعتقادهم بأن أرواح أقاربهم المتوفين تعود من السماء إلى الأرض بل وتجتمع مع أهاليهم وذويهم خلال عيد النيروز. لذا يتم تجهيز الموائد بكل ما لذ وطاب لتسعد تلك الأرواح خلال تواجدها على الأرض. في هذا الصدد يتم تجهيز “سُفرة” تضم سبعة أشياء كلها تبدأ بحرف السين (تسمى بالفارسية هفت سين) والبعض يجمع العدد نفسه ولكن بأشياء تبدأ بحرف الشين (هفت شين).  أما السبعة الأشياء التي تبدأ بحرف السين (باللغة الفارسية طبعا) هي في الغالب. الخل (سركه)، التفاح (سيب)، عملة معدنية ( سكه)، الثوم (سير)، العشب أو الخضرة (سبزه)، السماق (سماق)، ونوع من الحلوى يسمى “سمنو”. أما الأشياء التي تبدأ بحرف الشين فهي: الخمر (شراب)، الشمع (شمع)، المشط (شانه)، الشال (شال)، السيف (شمشير)، نوع من الورد (شكوفه)، ونبتة القنب (شاهدانه).
إضافة إلى ذلك، يتم إضافة كتاب إلى المائدة و كان الإيرانيون قبل الإسلام يضعون الكتاب المقدس لدى المجوس (الزردشتيين) ويسمى الأوفستا، على الطاولة وسط الأشياء السبعة المذكورة آنفاً، وبعد الإسلام تم استبداله بالقرآن أو ديوان الشاعر حافظ الشيرازي . كما يتم زراعة أو شراء عشبة صغيرة غالباً تكون من بذور القمح أو العدس أو الشعير ويطلق عليها “سبزه عيد” وفي الغالب يتم زراعتها قبل العيد بخمسة وعشرين يوما ولها فلسفة وحسابات معينة انطلاقاً من بذر هذه البذور ومتى يتم وضع بذور إضافية وكيف يتم مراقبة العشبة ومقدار الماء ونحو ذلك. تحتوي سفرة النيروز أيضا على نوع من السمك وكذلك توضع مرآة إلى جانب الأصناف المذكورة أنفاً

من بين العادات المشهورة بين الإيرانيين خلال عيد النيروز ايضاً ما يعرف بـ “آبريزگان” أو اللعب بالماء وفلسفته الطهارة وللتفاؤل بهطول أمطار كافية خلال العام الجديد خاصة من قبل أهالي المناطق الزراعية والذين يعتمدون على المطر في زراعتهم بشكل كبير إلا أن هذا الاحتفال اصبح متداولا في جميع المدن وبين فئة الشباب تحديداً ويستخدم في الوقت الراهن المسدسات المائية وغالبًا يكون التنافس بين الشباب والفتيات في الحدائق العامة رغم مضايقات الشرطة الدينية وقوات البسيج لذلك في الوقت الراهن.

يذكر أن هذا العيد يسبقه ما يعرف بعيد النار (چهارشنبه سورى) ويعد احتفالا لاستقبال النيروز وإعلان قدوم الربيع وهو مهرجان شعبي يمتد من الديانية الزرادشتية القديمة حيث تقديس النار وهو لوداع آخر شمس في السنة الشمسية و يقام كما هو واضح من اسمه في آخر أربعاء من السنة الفارسية. فمنذ غروب شمس الثلاثاء يتم إشعال نيران كبيرة في مداخل الطرقات والشوارع ويقفز الشباب فوقها وهم يرددون بعض الترانيم مثل “يا نار خذي لوني الأصفر (يدل على المرض) وامنحيني لونك الأحمر (يدل على الصحة)” ويستمر ذلك حتى بزوغ شمس يوم الأربعاء.
من جانب آخر، تختتم احتفالات العيد يوم الثالث عشر بما يعرف بـ(سيزده به در) أو يوم الطبيعة وهو يوم يتشاءم من الإيرانيون ويرون أنه يوم نحس لذا يخرجون فيه من بيوتهم ويقضون أوقاتهم في الحدائق العامة أو بين أحضان الطبيعة بشكل عام كما يقومون بإلقاء حزمة من العشب في النهر أو القنوات المائية كرمز لامتزاج عنصري الحياة مع الطبيعة التي تعني السعادة والبهجة.


وختاماً، تغنى الشاعر العباسي البحتري في قصيدة له بالربيع وأورد اسم النيروز فيها فقال:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ….من الحسن حتى كاد أن يتكلم.
وقد نبه النيروز في غسق الدجى ….أوائل وردكن بالأمس نوما.
يفتقها برد الندى فكأنه ….يبث حديثا كان قبل مكتما.
فمن شجر رد الربيع لباسه …عليه كما نشرت وشيا منمما.
أحل فأبدى للعيون بشاشة ….وكان قذى للعين إذ كان محرما .
ورق نسيم الريح حتى حسبته …يجيء بأنفاس الأحبة نعما.


المصدر: مجلة المجلة

الأحد، 10 مارس 2013

شافيز يقضي على أحمدي نجاد




شؤون إيرانية

محمد السلمي


وقع الرئيس الايراني خلال اليومين الماضيين في ثلاثة أخطاء تعتبر قاتلة في إطار السياسية الإيرانية وأديولوجياتها وجميعها متعلقة برحيل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.
أما الخطأ الأول فجاء في برقية التعزية التي بعث بها إلى نائب الرئيس الفنزويلي حيث وصف الرئيس الراحل بالمؤمن الذي انضم إلى كوكبة الشهداء وسيكون برفقة السيد المسيح في جنان الخلد وأضاف بأنه سيعود إلى هذا العالم برفقة السيد المسيح والإمام المهدي الغائب. برقية التعزية هذه وما اشتملت عليه من أوصاف للرئيس شافيز وربطه بالإمام الغائب واجهت انتقادات حادة من قبل رجال الدين في ايران حيث رأوا أن أحمدي نجاد وضع شافيز في مقام الأئمة والصالحين وفي ذلك، من وجهت نظرهم، إساءة للإسلام والمذهب الشيعي على وجه التحديد.


وفي هذا الاتجاه فقد روجت بعض المواقع الإيرانية لشائعة تحدثت عن اعتناق شافيز للدين الإسلامي على يد الرئيس الايراني وذلك خلال زيارته لإيران في رمضان من عام 2009 وتخلل الرحلة هذه زيارة ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد شرق ايران

أما الخطأ الثاني الذي ارتكبه نجاد وحكومته خلال اليومين الماضيين فيتمثل في إعلان الحداد في عموم ايران و لمدة يوم كامل تعبيرا عن الحزن العميق على وفاة الرئيس الفنزويلي. إعلان الحداد هذا واجه عاصفة من الانتقادات ليس من قبل التيارات السياسية المحافظة فحسب بل وحتى في أوساط المجتمع الايراني وظهر ذلك جليا في مواقع التواصل الاجتماعي.
تركزت هذه الانتقادات على تجاهل أحمدي نجاد لضحايا الزلازل التي ضربت إقليم أذربيجان الايراني وراح ضحيتها العشرات وتشرد الآلاف من أبناء الشعب الايراني. إلا أن نجاد لم يقم بزيارة ميدانية للإقليم المنكوب ولم يتفقد أوضاع المنكوبين ناهيك عن عدم التفكير في إعلان الحداد على أرواح هؤلاء المواطنين.
وقد صادف وقوع إحدى هذه الهزات موعد سفر احمدي نجاد إلى الخارج إلا أن نجاد غادر ايران وكان الأجدر به إلغاء الزيارة والتوجه إلى المناطق المنكوبة، وفقاً لما يراه المنتقدون لنجاد.

 
الضربة القاضية وخطأ أحمدي نجاد الثالث حدث في العاصمة الفنزويلية كراكاس أثناء مراسم توديع جثمان شافيز. فقد أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، نجاد وهو يقبل ثابوت جثمان شافيز وقد امتلأت عيناه بالدموع. ولكن الخطأ الأكبر كشفت عنه صورة تظهر رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران وهو ممسك بيد والدة الرئيس الفنزويلي الراحل وقد وضعت رأسها على صدره وهي في حالة بكاء شديدة بينما ظهر نجاد باكياً أيضاً.
هنا ظهر التناقض الكبير بين الحدث الذي التقطته عدسات المصورين و الشخصية التي عرف بها نجاد وكافة ساسة إيران المتمثلة في عدم مصافحة النساء ولعل آخرها رفض نجاد ذاته مصافحة رئيسة الوفد البوسني في قمة التعاون الإسلامي التي احتضنتها القاهرة مؤخراً.


اكتب هذه الأسطر وأنا لم أتصفح بعد المواقع الإعلامية والصحف في ايران لهذا اليوم ولكن من المؤكد أن هذا الحدث سيكون وجبة دسمة وصيدا ثمينا للفصائل السياسية المنافسة لتيار أحمدي نجاد وقد يتعدى ذلك إلى ردة فعل من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي شخصياً ومن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى نهاية حقيقية لمستقبل نجاد السياسي.
وإن كان قد تم تداول سابقا شائعة تحدثت عن احتمال مواجهة الرئيس الإيراني الحالي قرارا من المرشد الأعلى يتمثل في عزله من منصبه بسبب عدم الكفاءة السياسية على غرار ما حدث لأول رئيس جمهورية في إيران بعد الثورة أبو الحسن بني صدر الذي عزله الخميني في عام 1981، فإن ذلك اصبح الآن أكثر قبولاً وأقرب حدوثاً بعد هذه الأخطاء الثلاثة التي ارتكبها أحمدي نجاد خلال أقل من يومين.

سبق وأن كتبت عن احتمالية تقديم أحمدي نجاد ككبش فداء باعتباره سبباً رئيسا في تشويه صورة النظام الايراني في الداخل والخارج وبالتالي محاولة لإخراج إيران من العزلة السياسية التي تعيشها والمشاكل الاقتصادية التي تواجهها بسبب العقوبات الغربية المفروضة على البلاد.
الفرصة الآن مواتية جداً وقد يضغط التيار المحافظ في إيران على خامنئي لاتخاذ هذا القرار قبل موعد الانتخابات الرئاسية خلال الصيف القادم.


ختاماً، خامنئي قد يقبل بهذا الاقتراح ولكنه يدرك جيداً أن أحمدي نجاد لن يقف مكتوف الأيدي وقد يفتح ملفات ويكشف عن فضائح قد تطال المرشد شخصياً ناهيك عن التيار المحافظ بشكل عام، لكن يبقى السؤال حول كيفية تفادي ردة فعل أحمدي نجاد أو تحجيمها هو المعضلة الكبرى حتى اللحظة.

المصدر: مجلة المجلة