تويتر

الأحد، 2 ديسمبر 2012

مركب الشيطان بين بريدة وطهران


عدد من الإيرانيين والبريطانيين يستعرضون دراجاتهم الهوائية

شؤون إيرانية:

محمد السلمي

من المعلوم أن الإنسان عدو ما يجهل وبالتالي يسعى جاهداً إلى محاربته أو اعتباره ناذر شؤم على نفسه ومجتمعه. أمثلة كثيرة جداً تلك التي تم مواجهاتها في المجتمعات الشرقية والغربية بالرفض. فعلى سبيل المثال نجد في الغرب من أنتقد المخترع الشهير إديسون عندما كشف عن اختراعه للمصباح الكهربائي وفي الشرق هناك المذياع والتلفاز ومدارس الفتيات ونحو ذلك. في هذا السياق استقبلت  الدراجات الهوائية بنظرة يمكن وصفها بالعدوانية، على رغم أنها لا تخلو من الطرافة، في مدينتين ربما يقال عنها متناقضين في كل شيء، مدينة تواجد بها قوى استعمارية (على الاقل استعمار اقتصادي وسياسي ) مثل العاصمة الإيرانية طهران حيث الروس والبريطانيين، مقابل مدينة صغيرة في قلب نجد وأعني هنا مدينة بريدة بالقصيم ، وسط المملكة العربية السعودية

رخصة قيادة لدراجة هوائية صادرة من الشرطة الايرانية
كان "مركب الشيطان" هو الاسم الذي أطلقه الإيرانيون على الدراجات الهوائية عندما شاهدوها لأول مرة في طهران في عصر الحكومة القاجارية (١٧٨٥- ١٩٢٥م ) كما أن من يمتطي الدراجات لم يسلم من إطلاق المسميات عليه، فقد لاحظ الطهرانيون شابين وسيمين يرتديان بنطالين قصيرين (شورت)  يمتطيان هذين المركبين فكان اسم "أطفال الشيطان" من نصيبهما. وجود هذه "الكائنات العجيبة" في المدينة أثارت فضول مختلف طبقات المجتمع الإيراني في طهران واحتشدوا في الأماكن التي تشهد تردد مركب الشيطان هذا. سرد الكاتب الإيراني الشهير الدكتور عباس ميلاني  في كتابه  "أبو الهول الفارسي" كيف استقبل الإيرانيون الدراجات الهوائية عندما شاهدوها لأول مرة في عاصمة طهران في عام 1919م.  يقول المؤلف، اجتمعت حشود كبيرة من أطفال وشيوخ ونساء ورجال من أهالي العاصمة لمشاهدة دراجتين هوائيتين كان يستقلهما شابان بريطانيان. كان المنظر مفزعا ومخيفا للجميع. اعتقد الكثيرون أن نهاية العالم قد اقتربت وأن الإمام الغائب (المهدي المنتظر) قد شارف على الظهور

لاحقا تمكن بعض المواطنين الإيرانيين من أهالي شمال طهران تحديدا من اقتناء دراجات هوائية ثم أصبح الأمر أكثر قبولا فتم فتح بعض المتاجر التي تقوم ببيع، تأجير وإصلاح الدراجات، خاصة في شارع منوتشهري وشارع علاء الدولة في قلب العاصمة طهران. عندما ازداد عدد الدراجات في المدينة اضطرت ما يعرف حينها باسم "تشكيلات نظميه" أو ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم بـ "إدارة الشرطة" إلى وضع قوانين ضمت عشرين مادة جميعها تهدف الى تنظيم تحرك الدراجات وقيود على مستخدميها من بينها منع استخدامها من قبل من لم يتجاوز عمره سن الثالثة عشر، أما من تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والثامنة عشر فيجب أن يتقيدوا بكافة القوانين الخاصة بذلك ومن بين ذلك شرط الحصول على رخصة قيادة. كما يمنع  على أي شخص استخدام الدراجة الهوائية والتجول في المدينة دون أن يحضر بداية إلى الشرطة ويجتاز الاختبارات الضرورية ومن ثم يحصل على رخصة القيادة،  كما يمنع منعا باتا إجراء أي نوع من السباقات في الشوارع والميادين العامة. إضافة إلى ذلك فإنه يمنع الإرداف (أن يركب شخص خلف سائق الدراجة ) أو استخدامها لنقل الأطفال

رخصة قيادة  سيكل صادرة عن هيئة الامر بالمعروف ببريدة

ماذا عن ظهور الدراجات الهوائية في المملكة العربية السعودية؟ الحقيقة أنني لم اتمكن من الوصول إلى معلومة توثق بشكل دقيق تاريخ دخولها إلى الأسواق المحلية لأول مرة . ولكن هناك قصة نقلهتا قبل فترة صحيفة الرياض السعودية تحدثت عن أول سعودي حصل على رخصة لقيادة الدراجة  الهوائية أو ما يطلق عليه محليا اسم "السيكل"، في مدينة بريدة وسط السعودية. من المتوقع أن يكون ظهورها في مدينة صغيرة مثل بريدة ليس الأول من نوعه في المملكة فمن الطبيعي أن تكون قد ظهرت قبل ذلك في المدن الكبيرة مثل العاصمة الرياض أو مدن شرق المملكة حيث تواجد عدد من الرعايا الغربيين الذين كانوا يعملون في شركات التنقيب عن النفط ونحو ذلك.

وللعودة إلى القصة التي نشرتها الصحيفة فإن أحد سكان مدينة بريدة حصل على رخصة لقيادة دراجته الهوائية في عام ١٣٧٩ هـ (عام ١٩٥٩م). الرخصة صدرت من قبل الشرطة الدينية أو ما يعرف في السعودية بهيئة الأمر بالمعروف وفقا لشروط من أهمها إحضار شهود وكاتب عدل وكذلك عمدة الحي وكبير القبيلة أيضاً. الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تم وضع بعض الشروط القاسية على صاحب السيكل فتم تحديد الأماكن والأوقات التي يمكنه قيادتها فيها والطرق التي يجب أن يسلكها. وجاء في الوثيقة أنه لا يسمح لصاحب السيكل هذا باستخدامها ليلا ولا يردف عليه، ولا يؤجره، ولا يدخل  وسط الأسواق وكل هذه الشروط والقوانين تتشابه كثيرا مع تلك التي وضعت لمواجهة الحالة ذاتها في إيران. من جانب آخر نجد أن هناك شروط خاصة في حالة بريدة ولا نجدها في قوانين شرطة طهران. من بين هذه الشروط إلزام صاحب السيكل بعدم حمل الطيبات مثل الخبز والحنطة والشعير.
أحد أهالي بريدة يمتطي دراجته الهوائية


 وإذا كان الإيرانيون قد أطلقوا على وسيلة النقل هذه "مركب الشيطان" ومن يمتطيها "ابن الشيطان" فمن جانبهم أطلق أهل بريدة عليها اسم "حمار إبليس" وعلى من يستخدمها لقب "الداشر" (الصعلوك) الذي يتعوذ منه الرجال ويستترن عنه وعن دابته النساء وصاحبها شخص منبوذ لا يخالطه إلا "دشير القوم" الذين يشربون التتن (الدخان) كما أطلق عليهم محلياً "شرابة التتن ركابة السياكل مطردة الدجاج" وفقا لما ذكرته صحيفة الرياض.





لا شك أن هذا التشابه الكبير بين طهران وبريدة تجاه دخول الدراجات الهوائية لأول مرة لا يخرج عن أنه مجرد تفاعل طبيعي وردة فعل تلقائية تجاه كل ماهو جديد بعيدا عن أي أيديولوجيات عرفت بها هذه المنطقة أو تلك أو تفسير فلسفي أو اتهام بالرجعية والتخلف ونحو ذلك ، إنها باختصار شديد انعكاس للخوف من الجديد بعيدا عن التفكير في مدى إمكانية الاستفادة من الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات لهذا المنتج أو ذاك.. 


السبت، 1 ديسمبر 2012

العلاقات التركية – الإيرانية.. اختلاف في وجهات النظر!


شؤون إيرانية

بقلم: محمد السلمي

تمر العلاقات الإيرانية التركية هذه الأيام بموجة من التوتر وتبادل الاتهامات بين الجانبين. فبعد انتهاء حرب الثمانية أيام بين إسرائيل وحماس قام رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بزيارة مكوكية بدأت بسوريا فلبنان- أو لنقل لحزب الله تحديدا -وانتهاءً بالجمهورية التركية.
وسائل الاعلام الايرانية قالت إن علي لاريجاني حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مما سماه التعامل الخاطئ من قبل السلطات التركية تجاه الأزمة السورية ودعم أنقرة للمعارضة السورية مؤكدا على أن ايران تستطيع مساعدة تركيا على الخروج من هذا المأزق وستتعاون معها في ايجاد حل للأزمة السورية. إضافة إلى ذلك فقد عبر لاريجاني عن إدانة وامتعاض طهران لقرار السلطات التركية نشر درع من صواريخ الناتو (من نوع باتريوت) على الحدود السورية التركية باعتباره – أي القرار- خطوة استفزازية من جانب أنقرة ليس للنظام السوري فحسب بل سيكون له عواقب وخيمة ستؤدي الى تفاقم المشاكل فى المنطقة برمتها. الجدير بالذكر أن الحكومة التركية بررت خطوة طلب المساعدة من عناصر الدفاع الجوي لحلف الناتو بهدف مواجهة التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي بسبب الأوضاع الحالية في سوريا. 

الرد التركي على انتقادات لاريجاني هذه لم يتأخر كثيراً فقد صرح وزير الداخلية التركي ادريس نعيم شاهين أن السلطات الإيرانية تدعم حزب العمال الكردستاني المسلح والذي تصنفه أنقرة ودول اخرى عدة ضمن المجموعات الإرهابية.
و نقلت صحيفة “حريت” التركية عن الوزير أن تركيا على اطلاع كامل بدعم ايران لهذا الحزب “الإرهابي” وأن الجانب الإيراني يقوم بنقل المصابين من أفراد الحزب إلى الداخل الإيراني ويقدم لهم الخدمات الطبية والعلاجية.
إيران ترى أن تصريحات وزير الداخلية التركي لا أساس لها من الصحة ولم يتم تقديم أي أدلة على هذه المزاعم ولا تتعدى كونها محاولة من الجانب التركي لتلفيق التهم بسبب موقف طهران من الأزمة السورية. من جانب آخر حاول بعض المسؤولين الإيرانيين التأكيد على أن رئيس البرلمان الإيراني لم يحمل أي رسائل معينة من قبل القيادة الإيرانية إلى الأطراف التي شملتها زيارة رئيس البرلمان.
فقد صرح نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني منصور حقيقت بور لوكالة فارس للأنباء: “جرت العادة انه عندما يقوم مسؤول إيراني بزيارة إلى دولة أجنبية فإنه يلتقي بالمرشد الأعلى آية الله خامنئي ليتم الحديث عن أهداف تلك الزيارة ونحو ذلك إلا أن لاريجاني لم يلتق بخامنئي قبيل مغادرته إيران وبالتالي لم يحمل أي رسالة من القيادة الإيرانية”. 

يعلم الجيمع أن التصريحات الاستفزازية لبعض المسؤولين الإيرانيين يتم عادة إما نفيها أو تقديم بعض التوضيحات (في الغالب مناقضة تمام لما يفهم من التصريح الرئيس) من قبل مسؤولين آخرين وهذا جانب مهم بلا شك في فهم السياسة الإيرانية. عليه يمكن القول إن حقيقت بور أراد تمرير رسالة فحواها أن تحذيرات لاريجاني للجانب التركي حول تعامل أنقرة مع الأزمة السورية وكذلك موقفه من الدرع الصاروخي لا يمثل القيادة الإيرانية بشكل مباشر بخاصة بعد تصريحات وزير الداخلية التركي الأخيرة والاتهامات المباشرة للجانب الإيراني بالتدخل في الشأن الداخلي التركي من خلال دعم المجموعات الكردية المسلحة.

الأهم من هذا كله، هو أن القلق الإيراني ليس من بطاريات الدرع الصاروخي التي تم نشرها على الحدود السورية التركية فحسب بل أن لدى طهران مخاوف من تطورات أخرى ترى أن فيها تهديداً مباشراً لها.
هذا الخطر يكمن في الاتفاق الذي جرى أخيراً بين الجيشين الأميركي والتركي على إجراء مناورات للقوات الخاصة من الجانبين على الأراضي التركية ويخول هذا الاتفاق الدولة المشاركة في مثل هذه التدريبات أن ترسل كل ما تحتاجه من تجهيزات عسكرية وأسلحة بأنواعها كافة وكذلك حضور بعض المسؤولين المدنيين أيضاً.
مثل هذا الاتفاق يقلق طهران كثيراً، حيث أنه يعني مزيدا من الحشود الأميركية والغربية في المناطق المتاخمة لها ولكن طهران لا تريد ربما اظهار هذا التخوف جلياً وبالتالي تضعه في إطار موقفها من الأزمة السورية. 

بقي أن نأخذ في الحسبان أن العلاقات الإيرانية التركية اتسمت بالتأرجح بين التوتر والتطبيع منذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، وهناك بؤر خلاف عديدة بين البلدين وإن حاولتا (طهران وأنقرة) ردمها ومعالجتها ولكنها سرعان ما تظهر إلى السطح عند أدنى توتر أو تعارض في التوجهات السياسية للبلدين بخاصة عندما نتحدث عن القضية الكردية والصراعات السياسية والطائفية في العراق وتحسن علاقات تركيا مع أكراد العراق وأخيراً الأزمة السورية، إلا أن كل هذه الخلافات لم وربما لن تؤثر بشكل كبير على الجانبين الاقتصادي والأمني بين البلدين كما أنها لن تؤدي في نهاية المطاف إلى قطيعة بين الدولتين الجارتين أو نشوب مواجهات عسكرية مهما كان حجهما.. الأمر لا يتجاوز كونه اختلافا في وجهات النظر بسبب الدور الذي يسعى كل جانب إلى لعبه في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتلاشى كل ذلك سريعا ما لم يتم إذكاؤه من قبل أطراف أخرى أو في حال تهور غير محسوب العواقب من قبل أحد الطرفين.

المصدر: مجلة المجلة